تقارير

المرسوم 54.. سنته “بوداباست” ونفذته السلطة

أثار إصدار المرسوم 54 جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي لا سيما لدى الصحفيين والحقوقيين حيث اعتبروه أداة جديدة لتكميم الأفواه والتضييق على حرية التعبير في تونس فتعالت الأصوات الرافضة له من خلال تدوينات “فيسبوكية” وبيانات جماعية وجلسات مشتركة للحديث عن مخاطره وتبعات تطبيقه، خاصة في ظلّ ما اتسم به مسار المصادقة عليه من تعتيم وغموض.

فما هي مخاطر وتداعيات تطبيق المرسوم على الصحافة وحرية التعبير ككل؟

مرسوم وليد “بوداباست”

تم نشر نسخة مسربة من “نص مشروع قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال” لأول مرة في أوت 2015 على الموقع الإلكتروني لصحيفة “نواة” دون أن تؤكد أي جهة رسمية تبنيها له.

ذلك أنّه، في ظل حكومة رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد طلبت تونس الانضمام إلى اتفاقية “بودابست” لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتم بناء على ذلك إعداد “مشروع قانون يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”، وفي غرة ماي سنة 2018 صادقت حكومة رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد على مشروع القانون دون تشريك هياكل ومنظمات المجتمع المدني، واستمر التعتيم إلى حين صدور المرسوم 54 بتاريخ 13 سبتمبر 2022 بعد قرابة 3 أشهر من تاريخ تداوله في مجلس الوزراء المنعقد في 27 جوان 2022.

المقالات المتصلة

إذا، صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في عدده المنشور يوم الجمعة 16 سبتمبر  2022، مرسوم رئاسي يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وينص المرسوم، في الباب المتعلق بالجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والعقوبات المستوجبة في قسم الإشاعة والأخبار الزائفة، على أنه: “يعاقب بالسجن مدة 5 أعوام وبخطية قدرها 50 ألف دينار كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.

ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديًا أو معنويًا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية. وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفًا عموميًا أو شبهه”.

وتضمن المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والصادر يوم 13 سبتمبر 2022، 38 فصلا موزعة على خمسة أبواب، تنص بالخصوص على تسليط عقوبات سجنية مشددة على مرتكبي، ممارسات مُصنفة “جرائم”، حسب المرسوم، على غرار “إنتاج وترويج الإشاعات والأخبار الزائفة، نشر وثائق مصطنعة أو مزورة، وعرض بيانات ذات محتوى إباحي تستهدف الأطفال”.

المرسوم 54

ايناس الجعايبي محامية ومديرة “المخبر السياسي 117” لجمعية صناع الأمل، أكدت لـ “ضاد بوست” أن المرسوم 54 لا يحمي الحقوق والحريات خاصة حرية التعبير وحرية الصحافة ويشكل خطرا عليها لعدة اعتبارات.

حيث قالت الجعايبي: “أولا المرسوم يعتمد عبارات فضفاضة فلا يمكن فهم عدة عبارات مثل “الفعل المجرم” و”ماهية الجريمة” في حد ذاتها تفتح سلطة تقديرية خاصة لأعوان الضابطة العدلية، هل أن منشور مثلا دُوِّن على وسائل التواصل الاجتماعي يندرج ضمن الفصل 24 من المرسوم 54 من عدمه؟، نحن اليوم لا نعرف كنشطاء مجتمع مدني ومواطنين وصحفيين وهم أكثر فئة معرضة للخطر من جراء المرسوم وتتركهم للسلطة التقديرية وهم بالتالي معرضون للمضايقات بناء على المرسوم،  جريمة نشر أخبار زائفة رصدت لها عقوبة بين 5 و10 سنوات سجن وخطية بين 50 ألف دينار وتصل إلى 100 ألف دينار وهذا فقط لنشر خبر كاذب، أي أكثر من عقوبة شخص اعتدى على شخص آخر بالعنف الشديد”.

وتابعت محدثتنا قائلة: “أما بالنسبة إلى نشر خبر كاذب متعلق بموظف عمومي يمكن أن تفوق العقوبة، عقوبة شخص قام بالتدليس أو قام بعملية تحيل الكتروني وهذا يؤكد غياب التناسب ولا وجود لتلاءم بين الجريمة المرتكبة والعقاب المرصود لها، أيضا وسائل التحري المرصودة للجريمة لا تتماشى مع خطورتها فيمكن ان يجبر المشتبه على تقديم كلمات العبور لبريده الالكتروني ولصفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي ومراسلاته ومراقبة مكالماته، كل هذا لا يتلاءم مع ما سماه المشرع نشر الخبر الزائف.”

وأضافت مديرة “المخبر السياسي 117” أنّ “لدينا الفصل 55 من الدستور رغم الظرفية التي جاء فيها وما عليها من مؤاخذات لكنه ينص على “أنه لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”، المرسوم 54 جاء لينال من مكتسبات حقوق الإنسان والحريات المضمونة في الدستور، وجاء لضرب الحق في التعبير والحق في إبداء الرأي وأيضا حرية الصحافة المكفولة في الدستور والمعاهدات التي وقعت عليها تونس”.

وأوضحت محدثتنا أنّه “لدينا ترسانة قانونية تحمي حقوق الإنسان مثل الفصول 128 والفصل 86 من مجلة الاتصالات والمرسوم 115 مرصودة كلها لنفس الشيء في الفصل 24 من المرسوم 54، هذا المرسوم لا نحتاجه اليوم وهناك الكثيرون ممن تضرروا من الأخبار الكاذبة وتوجهوا إلى القضاء وأنصفهم، المرسوم جاء قبل أشهر من الانتخابات التشريعية، فالظرفية التي أُصدر فيها تعتبر مقصودة وبعقوبات خيالية غايته إسكات كل أصوات المعارضة.”

وقالت الجعايبي “لو ننظر إلى الحالات التي أحيلت على مقتضى المرسوم 54 نجدها حالات سياسية بامتياز، أي شخص ينتقد السلطة يجد نفسه محالا على المرسوم 54، فمقال نزار بهلول مثلا انتقد وضعية معينة فوجد نفسه محالا للقضاء على نفس المرسوم  يعني غاية المرسوم واضحة وصريحة لن تنقد السلطة ما دام المرسوم 54 موجودا، هنا يبقى على المجتمع المدني أن يتحرك ويدافع عن هذه الحالات وعلى المواطنين مقاطعة المرسوم أي لا نتوجه بالشكوى بناء على المرسوم 54 فلدينا قوانين معتدلة ليست قوانين راديكالية يمكن أن تعيد حقوق الأفراد مثلما وقع في الماضي مع عدة حالات دون الإحالة على المرسوم، ويجب أن يبقى الضغط متواصلا حتى يسحب رئيس الجمهورية هذا المرسوم لأنه مرره لوحده دون أن يستشير أي طرف كان وفي ظرفية سياسية بحتة لا علاقة لها بحالة الاستثناء اليوم يجب الضغط من طرف المجتمع المدني والإعلام لحماية الأفراد وحماية حرية التعبير من هذا المرسوم”.

الغاية واضحة ...لن تنقد السلطة ما دام المرسوم 54 موجودا

ايناس الجعايبي

حملة ضد المرسوم

قالت 5 منظمات تونسية، “إن الإصرار على إحالة مديري الصحف والصحفيين على القضاء، بموجب المرسوم 54، يعد ضربا ممنهجا لحرية التعبير والصحافة، وحلقة جديدة في مسار تكميم الأفواه وتوجّه يهدف إلى خنق المؤسسات الإعلامية اقتصاديا واجتماعيا ودفعها إلى التوقف عن العمل”.

واعتبرت المنظمات ذلك تصعيدا خطيرا “يرمي إلى الحد من حق المواطنين في الحصول على المعلومات الدقيقة وفي النقاش العام حول سياسات إدارة الأزمة الراهنة مقابل التوجيه المكشوف إلى خدمة أجندات السلطة السياسية الحاكمة”.

وطالبت المنظمات بسحب المرسوم تماما “باعتباره مناقضا لأهداف ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي ولما يحويه من تهديدات مسلطة على كل من يبادر بإعلان رأي مخالف للسلطة، مُعلنة إطلاق حملة وطنية في الغرض”.

وحثت الصحفيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية وكل نشطاء المجتمع المدني والسياسي إلى “التصدي لمحاولة ضرب حرية التعبير والصحافة والفكر البناء في نقد السياسات العامة ولمحاولة تدجين الاعلام ودعتهم إلى المشاركة الفاعلة في الحملة الوطنية للتصدي للمرسوم 54 وللمطالبة بسحبه”.

ودعت جميع القضاة، “باعتبارهم الضامن للحقوق والحريات والعدالة والإنصاف، إلى أن يُشكلوا الحصن المنيع الكفيل بالتصدي لضرب الحريات العامة والفردية من خلال عدم اعتماد النصوص المعادية لحرية التعبير والفكر والصحافة وعدم الخضوع لضغط السلطة السياسية على استقلالية أعمالهم القضائية”.

وجددت التذكير بأن “مقاضاة الصحفيين وبقية العاملين في القطاع لا تتم إلا عبر المرسومين عدد 115 و116 المؤرخين في 2 نوفمبر 2011 وأن محاولة منع أي منهم من التعبير عن رأيه، إنما تدخل في خانة حصار الشعب التونسي وحجب المعلومات والآراء المخالفة عنه والتراجع المكشوف عن مكسبي حرية التعبير والصحافة الذين حققتهما ثورة 17ديسمبر2010 / 14 جانفي 2011”.

والمنظمات هي: الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والجامعة التونسية لمديري الصحف والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وأدانت مجموعة من منظمات المجتمع المدني (31 منظمة حقوقية) المرسوم 54، خاصة القسم الفرعي الثالث بخصوص “الإشاعة والأخبار الزائفة” التي وردت ضمن أحكام الفصل 24.

واعتبرت أنّ المرسوم 54 “يهدّد المواطنين والصحفيين ويؤسس لرقابة وصنصرة ذاتية تمس من الحقوق الكونية للإنسان المضمنة بالاتفاقيات الدولية كالحق في التفكير والتعبير عن الرأي والحق في الخصوصية“.

وأدانت منظمات حقوق الإنسان المرسوم الجديد لجرائم الاتصال والمعلومات، وحثت رئيس الجمهورية على سحبه فورا من أجل دعم حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد، وعبرت الجمعيات والمنظمات الحقوقية الموقعة على البيان عن عميق انشغالها إزاء ما تضمنه المرسوم من “أحكام متعارضة بصورة صارخة مع الفصول 37 و38 و55 من الدستور التونسي والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية”.

واستنكرت نشر رئاسة الجمهورية مرسوما “يهدد جوهر حرية التعبير والصحافة في ظرف سياسي دقيق تمر به البلاد قبيل بضعة أسابيع من انطلاق الفترة الانتخابية للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والمقررة ليوم 17 ديسمبر 2022، ودعت رئيس الجمهورية إلى سحبه”.

وحذرت من “خطورة هذا المرسوم على الحقوق والحريات الرقمية حيث تضمن المرسوم قيودا غير مسبوقة من شأن تطبيقها أن يؤدي إلى ترهيب الصحفيين/ات وعموم المواطنين/ات من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه أعوان الدولة والمسؤولين السياسيين”.

ومن جانبها، أكدت منظمة “أنا يقظ” أن المرسوم 54 ليس “إلا مرسوما يضع سيف القمع والخوف على رقاب المواطنين والصحفيين ويؤسس لرقابة وصنصرة ذاتية تمس من الحقوق الكونية للإنسان المضمنة بالاتفاقيات الدولية كالحق في التفكير والتعبير عن الرأي والحق في الخصوصية”.

وأضافت المنظمة، في بيان لها، أن هذا المرسوم يجبر جميع مزودي الاتصال على حفظ جميع البيانات المتعلّقة بحركة الاتصال والأجهزة الطرفية للاتصال، ليطال حفظ الموقع الجغرافي للمستعمل لمدّة لا يمكن أن تقلّ عن السنتين، “وهو ما يجعل من المواطن مراقبا مدى الحياة مع حرمانه من حقه في حياة خاصّة”، وفق ما جاء في نص البيان.

أما منظمة “البوصلة” فأكدت في تقرير لها أن المرسوم 54 تضمن مختلف الإخلالات الواردة في المرسوم على أصعدة حرية التعبير وواجب التحفظ وغياب هيكل رقابي، مشيرة أن “الدول والأنظمة الديمقراطية لم تعد تعتمد على النصوص السالبة للحرية لتعديل المحتوى على شبكات التواصل أو غيرها من المواقع، بل اتخذت أساليب أخرى مثل تكثيف الجانب التوعوي لدى الأفراد والقصر”.

واعتبرت “البوصلة” أن تونس بصدور المرسوم 54، انضمت إلى “نادي الدول المعادية لحرية التعبير تحت غطاء مكافحة الجريمة الإلكترونية”، وفق ما جاء في التقرير.

ومن جانبه، انتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة إصدار الرئيس قيس سعيّد المرسوم عدد 54، معتبرًا أنه “يتيح لأجهزة الأمن انتهاك الخصوصيات الرقمية للتونسيين، ويفتح الباب أمام تقييد عمل وسائل الإعلام، وتجريم الممارسات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشر”.

وقال المرصد الأورومتوسطي، في بيان نشره الاثنين 19 سبتمبر 2022، إنّ هذا المرسوم يمثّل اعتداءً خطيرًا وغير مسبوق على الحريات في تونس، إذ ارتكز على نصوص عامة وفضفاضة، وفرض بموجبها على مزودي خدمات الاتصال والمستخدمين التزامات وجزاءات تعسفية وغير ضرورية، وتمس بشكل مباشر بحقوقهم الأساسية، وفق تقديره.

وأكّد المرصد أنّ المرسوم الجديد “يشرعن اختراق ومراقبة اتصالات وبيانات الأفراد، ويجرّدهم من حقّهم بالحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بهويتهم أو سلوكهم أثناء استخدام أجهزة ووسائط الاتصال والتواصل، ويمكّن السلطات من الوصول إلى جميع البيانات الخاصة”، حسب رأيه.

واستنكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تتالي الاستماعات من مأموري الضابطة العدلية للصحفيين خلال الأشهر الأخيرة، إثر اثارة الشكاوى في حقهم على معنى قوانين ذات طابع زجري كالمجلة الجزائية والمرسوم 54.

واعتبرت النقابة أن “التوجه نحو تجريم العمل الصحفي مؤشر خطير في تناقض تام مع تصريحات رئيس الجمهورية الذي يدعي دائما عدم وجود تضييقات ومحاكمات للصحفيين في حين أن الوقائع تثبت عكس ذلك تماما”.

ونبهت النقابة إلى “الانحراف الخطير الذي تشهده المعالجة القضائية لقضايا حرية الصحافة”، وبينت أنه “مسمار يدق في نعش الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات في تونس”.

واستنكرت النقابة “الترك المتعمد للمرسوم 115 باعتباره النص الوحيد الذي يُحاكم بمقتضاه الصحفيون في قضايا النشر، وهو ما يُعتبر سياسة جزائية ممنهجة هدفها التضييق على حرية الصحافة والتعبير”.

عدد من الأحزاب استنكرت بدورها إصدار المرسوم واعتبرت أنه يستهدف حرية التعبير في العمق، على غرار ائتلاف “صمود” الذي طالب بسحب المرسوم “عدد 54″، واعتبر أنه “يستهدف حرية التّعبير ويؤسّس لقمع الإعلاميين والمعارضين علاوة عن عدم دستوريّته”، داعيا إلى تنظيم “تحركات احتجاجية سلمية لفرض سحب هذا المرسوم وكل القوانين والأوامر والمراسيم القمعية”.

ولاحظ الائتلاف، في بيان له، أنه منذ دخول دستور 17 أوت 2022 حيّز التنفيذ والمرسوم عدد 54 الصادر في 13 سبتمبر 2022، “تواترت مظاهر الهرسلة والإيقافات وشملت عددا من الصّحفيين والمعارضين، بهدف ضرب حرية التّعبير والصحافة في العمق وخلق مشهد إعلامي نمطي دوره الوحيد تلميع إنجازات السّلطة القائمة”، معبرا عن “تنديده بالممارسات القمعيّة الممنهجة التي يسلّطها نظام قيس سعيّد من أجل تكميم الأفواه وترهيب الصّحفيين والمعارضين، وتضامنه مع كلّ ضحايا الهرسلة والقمع”.

وبين أن “المرسوم 54” لم يحترم شرطي الضرورة والتّناسب المنصوص عليهما في الفصل 55 من الدستور الجديد الذي ينصّ على أنه “لا توضع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطيّ بهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو الدّفاع الوطنيّ أو الصّحة العموميةّ. ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها”.

ومن جهتها، أكدت حركة “عازمون” أنها “تُتابع تكرّر التضييق على الحريات وخاصة حرية التنقل والنشر والصحافة، وتُعبّر عن استعدادها الكامل للدخول في كافة أشكال النضال السلمي من أجل حماية الحقوق الاساسية للمواطن التونسي”.

وجاء في بيانها” أن التضييق على الصحفيين وملاحقة المدونين وعموم التونسيين أمر مرفوض تماما”.

وقد اعتبر عضو جبهة الخلاص الوطني سمير ديلو في تصريح لموزاييك يوم السبت 19 نوفمبر 2022، أن “السنة الفارطة كانت لضرب القضاة وهذه السنة ستكون لضرب المحامين والصحفيين“، وانتقد ديلو تصريح رئيس الجمهورية بخصوص المرسوم 54 الذي يوجد إجماع حول ضربه للحريات.

وكشف أن عشرات المحامين يواجهون اليوم تتبعات عدلية على أحكام المرسوم 54 وغيره بتهم مفتعلة ومثارة من قبل وزيرة العدل.

رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس أكد، في تصريح إذاعي يوم الجمعة 23 سبتمبر 2022، أن المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، تضمّن العديد من الإشكاليات.

وقال شوقي قداس في تدخل له على إذاعة “شمس أف أم”، إن الهيئة ستصدر بلاغا بخصوص المرسوم 54 لكن بتريّث، وفق تعبيره، مؤكدا أن المسألة حساسة ودقيقة، وكشف أنه لم يتم استشارة هيئة حماية المعطيات الشخصية عند صياغة المرسوم، مشيرا إلى أنه شخصيا يشتغل على هذا الموضوع منذ سنة 2014.

من جانبها، نظمت منظمة أكساس ناو (AcessNow) ومؤسسة سمول ميديا (Small Media) ملتقى “الحقوق الرقمية في تونس في إطار الاستعراض الدوري الشامل: تشريعات منقوصة وحقوق مهدّدة”، وذلك يوم الثلاثاء 20 سبتمبر 2022، وتضمن هذا الملتقى حلقات نقاش أتاحت الفرصة لممثلي مختلف منظمات المجتمع المدني لتقديم قراءة نقدية لهذا المرسوم والتنبيه حول أهم مخاطره التي تهدد حرية التعبير والحق في النفاذ إلى المعلومة والحق في احترام الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

ونظمت شبكة “مراقبون”، بدورها، يوم 23 نوفمبر 2022 جلسة لعرض مخرجات سلسلة اللقاءات المتعلقة بالمرسوم عدد 54 وما يمكن ان يمثل من مخاطر على الحريات وحماية المعطيات الشخصية والتي جمعت ممثلين عن القضاة والمحامين والإعلام والمجتمع المدني أيام 17 و18 و19 نوفمبر 2022.

وانتظمت أيضا ندوة يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 بالعاصمة حول “حرية التعبير على الانترنات في تونس في ضوء التشريعات الجديدة” حيث حذر منسق برامج الإعلام والاتصال بمكتب منظمة اليونيسكو بتونس ناجي البغوري من مخاطر المرسوم 54 لمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات على حرية الصحافة والتعبير، مشيرا إلى أن النقاش العام على مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت بات مهددا من قبل “التشريعات التضييقية”.

ومن جانبه، قال محلل سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة “أكساس ناو” شريف القاضي إن “التضييقات على حرية التعبير على الانترنات في تونس أصبحت مشرّعة بمقتضى المرسوم 54”.

وبيّن القاضي أن “المرسوم يسمح بجمع وتخزين بيانات التواصل والاتصالات والتموقع الجغرافي لمدة لا تقل عن سنتين دون تحديد سقف أعلى لهذه المدة، بقرار مشترك بين وزراء العدل والداخلية والدفاع وتكنولوجيا الاتصال”.

وضع الحقوق والحريات في تونس خاصة إثر صدور المرسوم عدد 54 ومحاكمات الرأي لبعض الصحفيين والحقوقيين، كان أيضا محور لقاء ثلّة من ممثلي هياكل الإعلام بعميد المحامين حاتم مزيو، وتم  خلال اللقاء “التداول في الشأن العام والنقاش حول وضع الحقوق والحريات والبحث في تطوير سبل التعاون بين جميع الأطراف”، ووفق ما نشرته الهيئة الوطنية للمحامين بتونس على صفحتها الرسمية فقد جمع اللقاء عميد المحامين، بنقيب الصحفيين، محمد ياسين الجلاصي ونائب رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف، حافظ الغريبي وعضوتي الجامعة العامة للإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل، لطيفة الفرشيشي ومفيدة بن تواتي.

الفصل 24.. موطن “الخطر”

الصحفية ومنسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للصحفيين التونسيين صلب نقابة الصحفيين خولة شبح صرحت لـ “ضاد بوست” أنّ “المرسوم 54 ليس شأنا قطاعيا للإعلام فهو مرتبط أساسا بالتعبير عن الفضاء الرقمي في علاقة بالصحافة، ويمكن أن يشمل كل الأعمال المنشورة على الشبكات أو على الفضاء الافتراضي من مواقع الكترونية إلى مواقع يوتوب الخاصة بالمؤسسات إلى الصفحات الخاصة بالمؤسسات كـ”انستغرام” و”تويتر” و “فيس بوك” وحتى “لينكدين”، تم ملاحقة صحفي من خلال هذا المرسوم وهو الصحفي نزار بهلول و تم يوم الجمعة 25 نوفمبر الجاري إيقاف تقني ومهندس صوت بشركة “كاكتوس” على خلفية شكاية مقدمة من وزارة المالية في علاقة باعتراضاته المسجلة على صفحة الوزارة في علاقة بملف كاكتوس برود”.

وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 25 نوفمبر 2022 بالاحتفاظ بمهندس الصوت بشركة “كاكتوس برود” إلياس المانع، وذلك على إثر الشكاية التي تقدم بها الممثل القانوني لوزارة المالية على خلفية قيام المشتكى به بمجموعة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي “الفايس بوك” رأت الوزارة أنها تمس من سمعتها ومن شخص وزيرة المالية.

وحيث تقدمت الوزارة بالشكاية المذكورة مدعية أنه وقع الإساءة عبر الشبكات العمومية للاتصالات لوزيرة المالية والوزارة موضوع الفصل 86 من مجلة الاتصالات إضافة إلى نسبة أمور غير حقيقية لموظف عمومي أو شبهه بهدف التشهير به أو تشويه سمعته كما جاء في الفصل 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022.

وتابعت محدثتنا كلامها قائلة: “يمنح المرسوم 54 لضابط البداية (الفرق المختصة في التحقيق في الجرائم الإلكترونية) الواردة بهذا المرسوم صلاحيات واسعة في علاقة بضبط المعدات وخرق الحسابات الشخصية وفي علاقة بإمكانية الاستعانة بكل ما يرونه مناسبا ومختصا في مجال الجرائم الالكترونية مثل مهندسي الإعلامية مثلا فبالتالي يفتح الباب لباحث البداية للتوسع في أعمال البحث في إطار ما يمنحه القانون من صلاحيات”.

و”يشمل المرسوم جميع الناشرين على المحتويات الافتراضية والفصل 24 منه هو الأخطر على الإطلاق باعتبار أنه يضرب مبدأ التناسب بين الجرم والعقوبة ويضع نفس العقوبة بالنسبة إلى جرائم لا يمكن أن تكون عقوبتها متشابهة كجرائم الشتم والثلب ونشر الأخبار الزائفة وهي أصلا جرائم موجودة في المرسوم 115 وفيها عقوبات ذات طابع مالي ويضعها في نفس الخانة مع جرائم خطيرة مثل التحريض على خطاب العنف والكراهية وهو أصلا في قانون الصحافة مجرم بعقوبة سجنية”، وفق منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للصحفيين التونسيين.

وأضافت شبح أنّ “العقوبة السجنية الواردة في الفصل 24 قاسية جدا، وهذا الفصل يعطي ضعف حصانة الموظف العمومي إزاء هذه الجرائم، فجعل كل الناس مواطنين من الدرجة الثانية والموظف العمومي مواطن من الدرجة الأولى والعقوبة التي تقع على كل من يشتمه هي ضعف العقوبة المسلطة على من يشتم المواطن البسيط”.

و”بالنسبة إلى الصلاحيات الواسعة التي منحت إلى ضابط البداية يمكن أن تمثل خطرا حقيقيا على عمل الصحفيين لأنه صلاحياته تعطيه الحق في حجز معدات عملهم وإمكانية الدخول إلى معطياتهم الشخصية مثل الحسابات على شبكة التواصل الاجتماعي والرسائل الالكترونية الخاصة وهذا يمثل خطرا على الصحفي وعلى مصادر معلوماته”.

الصلاحيات الممنوحة إلى ضابط البداية خطر حقيقي على عمل الصحفيين

خولة شبح

أول تطبيق للمرسوم 54 كان على الطالب بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة أحمد بهاء الدين حمادة الذي تم إيقافه من قبل الأمن من داخل منزله وحجز كلّ من حاسوبه وهاتفه الجوال وكتبه.

وشرعت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 في النظر في قضية على خلفية إنشائه صفحة على موقع “فايس بوك” تدعم التحركات الاحتجاجية في حي التضامن وسط العاصمة وتتواصل محاكمته بالمحكمة الابتدائية بتونس في حالة سراح.

وبهذه المناسبة نظم الاتحاد العام لطلبة تونس وعدد من المنظمات الأخرى وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بإيقاف حمادة وبالتضييق على حرية التعبير وتم رفع شعارات مختلفة منددة بـ “القمع الأمني ومحاولات تكميم الأفواه”.

وأذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بإحالة المحامي مهدي زقروبة على أنظار قاضي التحقيق على معنى المرسوم 54 من أجل تهم تعلقت باستغلال أنظمة الاتصال ومعلومات لنشر إشاعات كاذبة ونسبة أمور غير صحيحة بغاية التشهير بالغير وتشويه سمعته والإضرار به ماديا ومعنويا والتحريض على الاعتداء عليه وبث خطاب الكراهية وكان المتضرر موظفا عموميا.

ويتعلق ملف القضية بمكتوب وجهته وزيرة العدل إلى الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس طلبا لإثارة التتبعات الجزائية ضد المحامي مهدي زقروبة بخصوص تدوينات نشرها حول تعاطي تفقدية وزارة العدل وقضاة مع ملفات محالة على أنظارهم.

مدير موقع ”بيزنس نيوز” نزار بهلول مثل يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2022 أمام فرقة مكافحة الإجرام على خلفية مقال نشره بالموقع يحمل عنوان “Najla Bouden, une gentille woman”، وتضمّن قراءة تحليلية للوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وطريقة إدارة حكومة نجلاء بودن للأوضاع في البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن الشكاية الجزائية تقدّمت بها وزيرة العدل ليلى جفال ضد موقع “بيزنس نيوز”، نيابة عن رئيسة الحكومة نجلاء بودن. وطالبت الشاكية باتخاذ الإجراءات المستوجبة قانونا والقيام بالتتبعات الجزائية اللازمة، وذلك في إطار تفعيل مقتضيات المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.

وفي هذا الصدد، أوضح نزار بهلول لـ “ضاد بوست” أنّه “لدينا في الصحافة والإعلام مرسوم خاص وهو المرسوم 115 ووفق فقه القضاء فإنّه إذا وُجد مرسوم خاص بمهنة أو قطاع معين فلا يمكن الإحالة على القانون العام، المرسوم 54 يضيق على الحريات بدعوى الحد من انتشار الأخبار الزائفة والحد من الثلب في مواقع التواصل الاجتماعي، المرسوم مشابه لعدد من القوانين بكوريا الشمالية أو الصين ليس قانونا تونسيا في دولة تحترم نفسها”.

هناك مرسوم خاص ينظم مهنة الصحافة وَجب أن يُطبق

نزار بهلول

وتابع بهلول “حتى في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون العقوبة 10 سنوات سجن فهذا ليس إلا كلام أو شتم وحتى هتك الأعراض لا يستحق أن تصل العقوبة فيه إلى 10 سنوات سجن، يجب أن تكون العقوبة من جنس العمل، مقال صحفي أو تدوينة لا يمكن أن يعاقب صاحبها بعقوبة سالبة للحرية، يجب أن نبحث في القوانين المقارنة ونطلع على تجارب بلدان أخرى أمام ظاهرة الأخبار الزائفة والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأضاف “الصحفي ليس فوق القانون ولكنه ليس أيضا تحت القانون، هناك مرسوم خاص ينظم مهنة الصحافة وعليه وجب أن يطبق، القضية ضدي مازالت جارية وستمر إلى المحكمة والقاضي هو من يقرر العقوبة من عدمها”.

واعتبر بهلول أنّ “تبعات تطبيق المرسوم 54 واضحة، ستكون هناك صنصرة وصنصرة ذاتية عملية تكميم الأفواه اليوم واضحة وجلية لجميع الصحفيين فاستهدافي ليس لشخصي بل هناك استهداف للقطاع ككل وللصحفيين جميعا”.

هوية أولى ضحايا المرسوم 54

وأصدر أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الأربعاء 30 نوفمبر 2022، بيانًا أكد فيه أنّ وزيرة العدل ليلى جفال، “تواصل استهدافه لمصلحة منظومة رئيسها قيس سعيّد من خلال طلب إثارة دعوى جزائية جديدة ضده بناء على تصريحات إذاعية وتلفزية”.

وتابع الشواشي: “نبهت في تصريحاتي الإعلامية إلى الدور الخطير الذي صارت تلعبه وزيرة العدل بالإشراف مباشرة على ملفات قضائية تستهدف معارضي النظام من سياسيين ومحامين وناشطين في المجتمع المدني ومدونين وخاصة القضاة الذين رفضوا تنفيذ تعليمات السلطة التنفيذية”.

واعتبر الشواشي أنّه “عوض الانكباب على حل المشاكل الهيكلية والمادية الحادة التي تعاني منها منظومة العدالة في تونس، تصر وزيرة العدل على تحويل وزارتها إلى جهاز مراقبة على تصريحات معارضي الرئيس قيس سعيّد وإثارة قضايا ضدهم باستعمال الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية سيئ الذكر”، حسب وصفه.

وقال الشواشي إنّ “هذه هي المرة الثانية التي يقع فيها استهدافه من طرف وزيرة العدل خلال أشهر قليلة واتهامه باطلًا بنشر أخبار زائفة ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي، مع مطالبتها تفعيل مقتضيات المرسوم 54”.

واعتبر الشواشي أنّ “هذه الإحالة الباطلة في حقه والتصرف العبثي والعشوائي لن يثنيه عن مواصلة القيام بدوره الوطني في معارضة منظومة قيس سعيّد الشعبوية، وفضح كل الزيف والتجاوزات والانحرافات وبيع الأوهام للناس الذي يميز مشروعه”، مشيرًا إلى أنّ هذه القضية المرفوعة ضده “من طرف السلطة القائمة، تمثّل حلقة أخرى من حلقات الدفاع عن حق التونسيين في ممارسة حرياتهم العامة والخاصة واسترجاع دولتهم”.

وقد ندّد المكتب السياسي للتيار الديمقراطي، في الإطار نفسه، وفق بيان أصدره، بـ “القمع الممنهج للحريات والانتهاك المتزايد للحقوق من طرف قيس سعيّد ومعاونيه”، معلنًا مساندته لأمينه العام وسائر التونسيين “ضحايا الهرسلة القضائية والعنف الأمني والتنكيل الاقتصادي والاجتماعي”.

وأعرب الحزب عن “عزمه على مواصلة التصدي للانقلاب بكافة الأشكال النضالية حتى يسقط ويتحمل قيس سعيّد ومعاونوه مسؤوليتهم السياسية والجزائية عنه”، ويأتي البيان على إثر تعمد “ليلى جفال الشاغلة لمنصب وزيرة العدل لدى سلطة الانقلاب افتعال قضية ثانية في حق الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي على معنى مرسوم قمع الحريات عدد 54″، وفق البيان.

تكميم الأفواه

صرح الصحفي بجريدة “الصباح” صلاح الدين الكريمي لـ “ضاد بوست” أنّ “المرسوم عدد 54 يأتي في إطار وضع سياسي صعب، هذا يتسم بالغموض في علاقة بمواجهة الأخبار الزائفة لأن مواجهة هذا النوع من الأخبار لا يكون بالسجن والعقوبات الزجرية بل بمقاربة تحترم حرية الرأي والتعبير، خاصة أن هذا المرسوم غير واضح في علاقة بالعقوبات وتطبيقه في المجالات التي يعنى بها، هذا المرسوم كأنه في تعويض للمرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة وهو ما يثير نقطة محاكمة الصحفيين وفق هذا المرسوم وهو أمر غير مقبول”.

وتابع الكريمي أنّ “هذا المرسوم يمكن أن يكون أداة لمحاكمة الصحفيين وغير الصحفيين وحتى المواطنين، ويمكن أن يمثل أداة لتكميم الأفواه والرقابة المسبقة على الصحفيين والمواطنين في علاقة بالتعبير عن آراءهم ويمكن أن يؤدي إلى تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة خاصة أن تونس تراجعت السنة الفارطة في هذا التصنيف”.

المرسوم عدد 54 يأتي في إطار وضع سياسي يتسم بالغموض

صلاح الدين الكريمي

نجوى الهمامي صحفية استقصائية ومديرة إذاعة “السيدة أف أم”، قالت لـ”ضاد بوست” إنّ “المرسوم 54 يضرب جوهر حرية التعبير في تونس، اليوم نشاهد ممارسات سيئة جدا ضد الصحفيين وصناع الرأي وضد كل من يصدح بالحقيقة، أنا قلت إنني صحفية استقصائية، أول من يضربهم هذا المرسوم في سرية مصادرهم وحق النفاذ للمعلومة والولوج إلى الملفات هم الصحفيون الاستقصائيون، بهذا المرسوم لم يعودوا قادرين على العمل”.

وتابعت الهمامي قائلة  “المرسوم يتحدث عن مواجهة الأخبار الزائفة، المواجهة لا تكون عن طريق السجن أو عبر خلق مرسوم جديد يسقط علينا فجأة، نحن لدينا قوانين ومراسيم تنظم هذه العملية، لدينا المرسوم 115 الذي ضرب به رئيس الجمهورية عرض الحائط واختار المرسوم 54، أيضا في ما يخص الموظفين العموميين الذي هم فوق القانون حسب المرسوم 54، حسب المجلة الجزائية نجده في الفصل 125 و128 والفصل 67 سيء الذكر وهو ارتكاب فعل موحش في حق رئيس الجمهورية، لنضع أنفسنا مكان القاضي، الصحفي أو المواطن أو “المتهم” بأيّ قانون سيحاسب؟ هل يبقى ذلك رهين اجتهاد القاضي؟ هل ستتم المحاكمة باعتماد المرسوم 115 أم المرسوم 54 أم المجلة الجزائية أم قانون الإرهاب؟“.

واعتبرت محدثتنا أنّه “في القانون التونسي يجب أن يتوفر شرطان هما الضرورة والتناسب وهما غير موجودان في المرسوم 54، هناك عدد من المواطنين لم يستوعبوا في البداية خطورة المرسوم وهم يؤكدون على انتشار الأخبار الزائفة وعلى ضرورة اعتماد عقوبات ردعية للتصدى لها بعقوبات سجنية، السجن لن يحل المشكل ولا أعتقد أنه يوجد فراغ قانوني يستدعي وضع مرسوم جديد، مثلا أنا كصحفي استقصائي أكشف ملف فساد لموظف عمومي بوزارة فأصبح مهددا بالسجن 10 سنوات وخطية مالية في المقابل يواصل المواطن عمله كأن شيئا لم يكن؟ أهذا ليس تشجيعا على الفساد؟”.

وقالت مديرة إذاعة “السيدة أف أم” إنّه “بالنسبة إلى مزودي الخدمات هل يعي الناس اليوم أن بياناتنا الشخصية أصبحت غير سرية؟ الدولة مخول لها أن تتنصت على الأفراد وهذا مخالف للقانون.. اليوم يتمسكون بتطبيق المرسوم 54 لتنظيم الأمور فليطبقوا المرسوم على أنفسهم، أولا هل أن رئيس الدولة ومسؤولي الدولة لا يستعملون الأخبار الزائفة، ألم يحرضوا على الصحفيين من خلال خطاباتهم؟ ألم يتسببوا في ضرب الصحفيين في الشارع نتيجة خطابات الكراهية التي يبثونها؟، إنّ المرسوم 54 يضرب جوهر الحريات ويعتدى على الصحفيين، فقد انتقلنا من الاعتداء بالضرب والشتم في الشارع إلى اقتياد الصحفيين إلى المقرات الأمنية والسجن”.

لا وجود لفراغ تشريعي يفرض وجود مرسوم جديد

نجوى الهمامي

حرية التعبير و”التفكير”

رئيس الجمهورية قيس سعيد تحدث بتاريخ 18 نوفمبر 2022، عن المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، حيث قال إنه “لا يهدد حرية الصحافة والتعبير وأن الأهم من حرية التعبير هو حرية التفكير”، مضيفا ”فليفكروا جيّدا… ولينظروا إلى الواقع دون تحامل ودون المس من مؤسسات الدولة”.

وفي ما يتعلق بإحالة صحفيين على معنى هذا المرسوم، أفاد سعيد بأن “هناك قضاء يحسم، وأهم شيء هناك قضاء عادل وهناك شروط وقانون.. والمهم أن تكون هناك محاكمات عادلة.. ولا تطاول على الدولة وعلى رموزها، والأكيد أنه لا تراجع عن حرية الصحافة وحرية التعبير”.

أما وزارة تكنولوجيا الاتصال فأصدرت بلاغا رحبت فيه بصدور المرسوم 54، معتبرة إياه “خطوة هامة وإنجاز” ينضاف إلى جملة الإصلاحات الهيكلية الضرورية في المجال الرقمي. وأنه يأتي “في إطار تواصل المجهودات الوطنية لحماية الفضاء السيبرني الوطني وحماية مستعملي تكنولوجيات المعلومات والاتصال من الاعتداءات والهجمات السيبرنية التي تهدف إلى النيل من أنظمة المعلومات والبيانات المعلوماتية أو استعمالها دون وجه حق أو إلى المساس بحقوق الأشخاص المعنويين أو المادين أو المساس بالأمن العام”.

وأكدت الوزارة، في بيان، أن المرسوم 54 سيمكن من “تحقيق النجاعة الكافية عند التعامل مع الجرائم الإلكترونية لضمان حقوق ضحايا التحيل، الاختلاس، التدليس، التجسس، الابتزاز وغيرها من الاعتداءات على البيانات والمنظومات والمصنفات المحمية الرقمية، وتمكين تونس من الانضمام إلى اتفاقية مجلس أوروبا المتعلقة بالجريمة الالكترونية “اتفاقية بودابيست”، والتي تتضمن 66 بلد، لمكافحة الجرائم الإلكترونية العابرة للحدود، مع تعزيز ترقيم بلادنا دوليا في مجال الأمن السيبرني وترويج صورة تونس كبلد ضامن للحقوق والحريات، قادر على منافسة البلدان المستقطبة للاستثمار في المجال الرقمي”.

إذا، أثارت فصول المرسوم 54 العديد من الانتقادات ولازالت خاصة من طرف الأوساط النقابية والحقوقية والسياسية، نظرا إلى غموض الأفعال المجرمة وكثرة العبارات الفضفاضة والعقوبات غير المتناسبة بصورة صارخة إضافة الى ضرب الحق في سرية مصادر الصحفيين/ات في إطار معركة مزيفة ضد “الاشاعات والأخبار الكاذبة”.

كل هذا ينبئ بحجم الخطر والمضايقات التي تمارسها السلطة اليوم على الصحافة وعلى حرية التعبير عموما، حيث كشرت السلطة عن أنيابها وأبدت رغبة واضحة في الاستبداد من خلال ضرب حق المواطن في الحصول على المعلومة وإبداء موقفه بحرية، فضلا عن أنّ ترسانة من القوانين متوفرة وإمكانية البحث في وسائل بديلة لمكافحة “الأخبار الزائفة والإشاعات” دون المساس من مكسب حرية التعبير والصحافة عن طريق مرسوم أجمع الكل أنّه مسموم.

إيناس المي

خريجة معهد الصحافة وعلوم الإخبار معدة برامج إذاعية وتلفزية اشتغلت في عدة صحف ورقية ومواقع الكترونية تونسية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى