ملفات

حرب القصور… أيّ ذنب يتحمله النظام البرلماني المعدّل؟

كثر اللغط طيلة 10 سنوات من تونس الثورة بشأن العلاقة الدستورية الجامعة بين رأسي السلطة التنفيذية الممثلتان في كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ذلك أنّه إثر سقوط سرح الرئيس “الحاكم بأمره” المحرك لكلّ خيوط اللعبة السياسية في تونس، ظهر مصطلحا “جناح قرطاج وجناح القصبة”، وذهب بعض المتابعين إلى أنّ الدستور قيّد صلاحيات رئيس الجمهورية وجعله مجرّد “دمية” تزكّي قرارات السلطة التشريعية (البرلمان) ورئاسة الحكومة.

فإلى أيّ مدى يمكن أن نلقي أسباب تتالي الأزمات بين القصور على كاهل النظام البرلماني المعدّل؟

فتيل الأزمة وتضخماتها…

إنّ هذه الصراعات “السلطوية” استهلها رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي لدى تسليمه رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية دون علم رئيس الجمهورية آنذاك محمد المنصف المرزوقي، حيث كشف في الحلقة 16 من برنامج شهادة على العصر الذي يبث على قناة الجزيرة كوالیس تسلیم رئیس الوزراء اللیبي السابق البغدادي المحمودي إلى لیبیا دون علمه، والأزمة التي نشبت إثر ذلك.

وقال المرزوقي “كنت غاضبا جدا وكنت بالفعل قد كتبت استقالتي في الطائرة، لكنني عند نزولي لم أجد الصحفيين لأتلو عليهم نص الاستقالة، لكنني وجدت مساعدي اللذين قالوا لي عد إلى بيتك ولا تأخذ قرارات في لحظة غضب وكان الأمر كذلك، ومنذ ذلك الحين قررت أن ينتهي الأمر بيني وبين حمادي الجبالي لأنه طعنني في الظهر”.

فيديو تصريح محمد المنصف المرزوقي بشأن أزمة تسليم البغدادي المحمودي

أزمة البغدادي المحمودي كانت الأبرز في الصراع القائم بين المرزوقي والجبالي لكنّها لم تكن الأخيرة، فقد تحدّث الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي في شهادته على العصر على قناة الجزيرة القطرية،   عن المشاكل التي وقعت مع حركة النهضة، وعلاقته بالجيش، والأزمة التي شهدها إثر محاولة اقتحام السفارة الأميركية، حيث اعتبر هذه الأزمة من أخطر الأزمات التي مرت بها تونس، مضيفا أنها “كانت مرحلة مفصلية ووضع خطير”.

المقالات المتصلة

وأضاف المرزوقي إنه كان هناك تقصيرا أمنيا غير مبرر رافق هذه الأزمة، مبينا أن أجهزة الأمن لم تكن ترد على الهاتف وأن كبار المسؤولين أغلقوا هواتفهم، كما اختفى رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن الأنظار.

وأضاف “طلبت من رشيد عمار إرسال وحدات من الجيش لحراسة السفارة، لكنه ظل يماطل متحججا بأن الأمر يحتاج وقتا، ثم طلب أمرا كتابيا، واكتشفت أن هناك قصورا أمنيا كبيرا وغير مفهوم.

وأبرز أنه أعطى المرزوقي تعليمات للأمن الرئاسي لحماية السفير، وإنقاذ الموقف قائلا “بالفعل نجح الأمن الرئاسي في ذلك، الأمر الذي يقول المرزوقي إنه أنقذ البلاد من تدخل أجنبي وقتئذ”.

تصريح محمد المنصف المرزوقي بشأن أزمة السفارة الأمريكية

كذلك الأمر في العلاقة التي جمعت مؤسس حركة نداء تونس رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي وابنه “الروحي” يوسف الشاهد، فبعد أن اختاره ليكون رئيسا للحكومة تتالت الأزمات الحزبية بينهما وانتقلت إلى الحكم فأصبح صراعا بين القصرين (قصر قرطاج وقصر القصبة)، وانحازت السلطة التشريعية في كلّ مرّة إلى قصر القصبة.

ذلك أنّ من اجتمعوا في عائلة سياسية موحدة ضدّ حركة النهضة سنة 2014 فرقتهما الصلاحيات الدستورية في أعلى هرم الدولة التونسية، واحتدم الصراع حول الصلاحيات الممنوحة وفق دستور 2014 إلى ساكن القصر الرئاسي بقرطاج وتلك الممنوحة إلى ساكن قصر القصبة، ووصل إلى حدود إعلان أمين عام حركة نداء تونس سليم الرياحي، تقدّمه بشكوى إلى القضاء العسكري يتهم فيها رئيس الحكومة بالتخطيط مع آخرين للانقلاب على الرئيس الباجي قايد السبسي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ يوسف الشاهد جيء به إلى كرسيّ القصبة باعتباره الابن المدلّل للباجي قائد السبسي، وذلك خلفا لرئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد الذي أزاحته حركة نداء تونس من كرسيّه بعد أن هدده السبسي الابن (حافظ السبسي) قائلا “كان ما تستقيلش نمرمدوك” (إذا لم تستقل ستُهان)، وفق ما راج في الكواليس آنذاك، إلاّ أنّ الصيد في حوار مع قناة “التاسعة” يوم 20 جويلية 2016، قال إن التهديدات لم تكن من الأحزاب السياسية بل من متدخلين في الشأن السياسي – لم يذكر أسمائهم- .

وأكد الصيد أن هناك متدخلين من رئاسة الجمهورية قالوا له “استقيل، نخرجوك من الباب الكبير” (استقل وسنخرجك من الباب الكبير) وآخرين لا علاقة لهم برئاسة الجمهورية قالوا له “كان ما تستقيلش نمرمدوك”، ورغم تشبثه بالكرسي ورفض الاستقالة إلاّ أنّ الصيد أرغم على ذلك وخلفه يوسف الشاهد “الأكثر مرونة” بعلاقة بقصر قرطاج.

والمتابع لهذه العلاقة الثنائية بين القصرين، لا يخفى عليه أنّ السبب الرئيسي في الأزمة هو أنّ “عقلية” رئيس الجمهورية لا تأبى ترى رئيس الحكومة وزيرا أوّلا، فإنّ جميع من مروا بقرطاج أرادوا تطبيق نظام رئاسيّ في نظام برلماني معدّل، في المقابل فإنّ رئيس الحكومة يسعى إلى التخلّص من سيطرة ساكن قرطاج والتمتع بالصلاحيات الواسعة التي منحها إياّه الدستور.

جميع من مروا بقرطاج أرادوا تطبيق نظام رئاسيّ في نظام برلماني معدّل

ومثال ذلك أنّ السبسي أتى بـ”الابن البار” يوسف الشاهد ليبسط سلطته على القصرين لكنّ الشاهد خلط الأوراق فابتعد عن كنف رئيس الجمهورية وأشعل الصراع، واقترب من قصر باردو وتحديدا كتلة حركة النهضة، ثمّ أظهر رغبته في الوصول إلى قصر قرطاج في انتخابات سنة 2019.

صورة رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي (وكالة الأناضول)

وآخر حروب القصرين، ولعلها ليست الأخيرة، ما ظهر علنا بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، على هامش التحوير الوزاري المعلن يوم 16 جانفي 2021، حيث اعتبر سعيد أنّ التحوير الوزاري مخالف للدستور قائلا لرئيس الحكومة هشام المشيشي “كيف تكلف نفسك وزير للداخلية وأنت رئيس حكومة”.

وأضاف سعيد أن رئاسة الجمهورية ليست بصندوق بريد تتقبل الأوراق وتمضي الأوامر، مبينا وجود 3 وزراء لهم قضايا في تضارب المصالح، مستغربا عن كيفية اقتراح من تعلقت به قضية ومن له ملفات في تضارب المصالح، وذلك في فيديو نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية يوم 25 جانفي 2021 لاجتماع مجلس الأمن القومي.

وشمل التحوير الوزاري الذي أعلنه رئيس الحكومة هشام المشيشي 11 حقيبة وزارية وتمّ منح الثقة للوزراء يوم الثلاثاء 26 جانفي 2021 رغم إعلان رئيس الجمهورية اعتزامه الامتناع عن استقبال هؤلاء الوزراء إلى قصر قرطاج لأداء اليمين الدستورية، وهو ما خلق أزمة دستورية اختلفت فيها وجهات النظر بين ما قال إنّ الفصل 89 في فقرته الأخيرة يمنح الرئيس سلطة تقديرية فيمكنه رفض أداء اليمين من طرف الوزراء ومن يؤكّد أنّ سلطة رئيس الجمهورية في هذا الفصل مقيّدة ولا يمكنه الرفض وإذا رفض فقد أخلّ بنصّ وروح الدستور.

صورة رئيس الحكومة هشام المشيشي يسلم قائمة وزرائه إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد

النظام المختلط أو البرلماني المعدّل

تعتمد تونس منذ 10 سنوات النظام البرلماني المعدّل أو ما يسمى بالنظام المختلط أو شبه الرئاسي، وتوزّع فيه مهام السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وينتخب رئيس الجمهورية مباشرة من طرف الشعب بينما تنبثق الحكومة عن البرلمان ويمنحها الثقة ويسائلها.

ذلك أنّه بعد تشكيل الحكومة يمنحها مجلس نواب الشعب الثقة ثمّ تؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية لتباشر مهامها الحكومية، في المقابل يمنح هذا النظام رئيس الجمهورية حقه في ترأس مجلس الوزراء مما يجعله عضوا أساسيا في ممارسة السلطة التنفيذية، وأعطاه صلاحيات واسعة في الإشراف على قطاعات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية وتعيين وزرائها وكبار مسؤوليها.

وهذا يعني أنّ هذا النظام تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ورئيس الدولة، كما أنّ رئيسها يتمتع بصلاحيات واسعة، ورغم انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب فإنّه لا يتسلم مهامه إلاّ بعد أداء القسم أمام مجلس نواب الشعب.

وإنّ لهذا النظام شبه الرئاسي عدّة مزايا، أهمها أنّه يمنح الحكومة صلاحيات واسعة من إصدار للأوامر الحكومية التي تكون بعضها نافذة دون مصادقة مجلس نواب الشعب، كما أنّ للحكومة ولرئيس الجمهورية حقّ المبادرة التشريعية وتمرّر إلى البرلمان للموافقة عليها من عدمها.

ويعطي النظام المختلط لرئيس الجمهورية حق حل مجلس نواب الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة مثال ذلك ما نصّ عليه الدستور التونسي في الفقرة الثانية من الفصل 77 الضابط لبعض مهام رئيس الجمهورية، والقائل “كما يتولّى: حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، ولا يجوز حلّ المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية”.

إذا فلا سلطة مطلقة تتيح لرئيس الجمهورية حل البرلمان إلاّ في الحالات التي ضبطها الدستور ووردت في الدستور التونسي في الفصل 80، ذلك أنّه حسب الفقرة الأولى من هذا الفصل لا يمكن لرئيس الدولة حلّ البرلمان إلاّ في  ”حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة” وذلك بعد ”استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.

وتنصّ الفقرة الثانية من الفصل 80 أنّه ”لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”. كما أنّ هذا الفصل لا يحلّ مجلس نواب الشعب بل يجعله في حالة انعقاد دائم، و”يُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة”.

وترتبط الشروط الدستورية لحلّ البرلمان بتوفر شرط استقالة ثلثي أعضائه، كما أنّ الفصل 89 من الدستور في فقرته الرابعة ينصّ على أنّه يمكن حلّ البرلمان في هذه الحالة ”إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”.

وقد استغل أنصار قيس سعيد هذه الفقرة الدستورية للدعوة إلى حلّ البرلمان، ذلك أنّه بعد رفض قيس سعيد أداء 11 وزيرا لليمين الدستورية أمامه ظهرت أزمة دستورية معقّدة تفنّن خبراء القانون الدستوري في تأويلها، فذهب بعضهم وأبرزهم أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ إلى اعتبار أداء اليمين الدستورية مسألة جوهرية كي يستطيع الوزراء مباشرة مهامهم بينما رأى فريق آخر من الخبراء أبرزهم القاضي أحمد صواب وأستاذ القانون الدستوري رافع بن عاشور أنّ مسألة أداء اليمين إجراء شكليّ ويمكن للمشيشي ووزراؤه اعتماد نظرية “الإجراء المستحيل” والمباشرة.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بشبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك أنّ “من شروط الإجراء المستحيل أن يكون مستحيل مادّيا كأن تكون الجهة المكلّفة به غير موجودة (حالة المحكمة دستورية مثلا) أو أن تكون الجهة عاجزة ماديّا عن القيام به (حالة العجز التام مثلا) أو أن تكون هناك قوّة قاهرة (طبيعية، حالة حرب…مثلا) تحول ماديا دون القيام بالإجراء ولا تنطبق النظرية على الحالات التي تمتنع فيها السلطة ممارسة الاختصاص،هذه الحالة تصنّف على أنها حالة أقرب إلى “عدم اختصاص سلبي” (incompétence négative)، وهي حالة من حالات تجاوز السلطة و خرق للقانون و لكنها ليست حالة إجراء مستحيل”.

توزيع الأنظمة السياسية بين دول العالم

وتابع بن مبارك قائلا “مثال ذلك، عدم ختم تنقيح القانون الانتخابي من طرف الرئيس الراحل قايد السبسي كانت حالة إجراء مستحيل لأن الرئيس كان في وضع العجز التام وبالتالي استحالة مادّية للختم”.

في المقابل، وفق الفصل 88 من الدستور “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التتبّعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى”.

وبتاريخ 31 جانفي 2021، قال رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي خلال مشاركته في محادثة عبر تطبيق “زوم”، إن رئيس الدولة يمتنع عن قبول أداء قسم فريق الوزراء الجديد وبالتالي رافض للتحوير الوزاري (أزمة تأدية اليمين الدستوري).

وأضاف أن تونس نظامها برلماني ودور رئيس الدولة هو دور رمزي وليس دورا إنشائيا، وموضوع الحكم ومجلس الوزراء يعود إلى الحزب الحاكم وهو بالأساس مسؤولية الحكومة، وأن هناك حاجة الآن إلى إقامة نظام برلماني كامل يمنح مقاليد الحكم إلى الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.

وشدد الغنوشي على أن تونس اليوم تعيش صعوبات المزج بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي (النظام المختلط)، قائلا ”ربما ستكون النتيجة التي سنصل إليها هي أن نقيم نظاما برلمانيا كاملا يتم فيه الفصل بين السلطات الثلاث وتكون السلطة التنفيذية كلها بيد واحدة هي رئيس الوزراء”.

وصرح الغنوشي أن الدستور فرض توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وأن النظام السياسي في تونس ما زال قيد التجربة ويحتاج إلى وقت للتعود عليه، مشيرا إلى أن تعطل إحداث المحكمة الدستورية فتح الباب أمام تأويل الدستور من قبل رئيس الجمهورية.

صورة راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب

مأزق تنازع رأسي السلطة

مساء يوم الاثنين 8 فيفري 2021، أكد المتحدث الرسمي بإسم المحكمة الإدارية عماد الغابري، في تصريح لإذاعة “موزاييك” ، تلقي القضاء الإداري الاستشاري مراسلة رسمية من رئاسة الحكومة بخصوص الإشكال القانوني حول مسألة أداء اليمين الدستورية للأحد عشر وزيرا المزكين من مجلس نواب الشعب.

وفي تصريحه، أوضح الغابري أن ”الدوائر الاستشارية المختصة ستنظر في هذا الإشكال القانوني وستبدي الرأي القانوني في هذا المجال، وذلك طبقا لوظيفتها الاستشارية”. كما أكد أنه يمكن مراسلة المحكمة الإدارية من طرف رئيس الحكومة أو البرلمان في إطار وظيفتها الاستشارية، قائلا إن هذا الدور ”له آلياته وفِقْههُ القضائي لحل مثل هذه الإشكاليات”.

وتعليقا منه قال أستاذ القانون الدستوري محمد أمين محفوظ، في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ما يلي:

لا يمكن للمحكمة الإدارية، في غياب نص دستوري صريح، إبداء رأيها في مسألة دستورية جوهرية تعلقت بنزاع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

  1. ترفع النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، طبق الفصل 101من الدستور، إلى المحكمة الدستورية.
  2. سبق للمحكمة الإدارية أن أبدت الرأي في خصوص النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولكن ليس بالاستناد  إلى الفصل 27 من القانون عدد 40 لسنة 1972المتعلق بالمحكمة الإدارية، وإنما طبق أحكام  الفصل 20 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011المؤرخ في16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
  3. مسألة التحوير الوزاري ليست مسألة قانونية جوهرية وإنما مسألة دستورية جوهرية.
  4. على المحكمة الإدارية احترام دورها في النظر في جميع النزاعات الإدارية أو تقديم الاستشارات في مجال القانون الإداري.
  5. لا حجية لرأي المحكمة الإدارية على رئيس الجمهورية، “رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور” طبق الفصل 72 من الدستور والمسؤول عن الأمن القومي و القائد الأعلى للقوات المسلحة.
  6. لا لضرب مصداقية المحكمة الإدارية. …القانون الإداري ليس بالقانون الدستوري.

من جانبه، دوّن عبد الرزاق بن خليفة المحامي والقاضي الإداري السابق قائلا:

“لا وجود لفصل بين القانون الدستوري والقانون الإداري إلا لغايات التدريس وهو فصل منهجي لا غير… بل أن الفصل بين القانون العام والقانون الخاص فقد كثيرا من أهميته…حتى إن القاضي الإداري ما فتئ يتوسع في التعهد بالنزاعات الإدارية…

ثم القاضي الإداري حاليا هو قاضي الانتخابات السياسية بامتياز…

الدستور هو مصدر من مصادر الشرعية..

المحكمة الإدارية أكدت في بعض الأحكام انه في غياب المحكمة الدستورية للقاضي الإداري النظر في عدم دستورية القوانين بطريق الدفع.. وقبلها ب أكثر من 30 سنة نظرت محاكم القيروان وسوسة في دستورية القوانين…

القانون ليس درس تربية مدنية ولا هو مجموعة من الفصول التي تقرأ كما تقرأ حواشي الموطأ والمسند..والسنن…

القانون مبنى على المنطق bon sens وهو ليست صكوك ممهورة بخاتم البيروقراطيين…

من يتعامل مع القانون كمنطق شكلي…عليه أن يعلم أنه بهذا المعنى مجرد تطبيقة إعلامية بسيطة يمكن أن تحيله على التقاعد..

لمن يريد التعنق يراجع قرارات المجلس الدستوري الفرنسي حول الانتخابات التشريعية الفرنسية في الجزائر سنة 1958 طبق خلالها نظرية الإجراء غير الجوري… وأخيرا قراره حول كوفيد 19 طبق فيه نظرية الظروف الاستثنائية المساندة من القانون الإداري…

القاسم المشترك بين فروع القانون العام أنها قوانين غائية finaliste..”

نظريا، كلما كان الرئيس يتمتع بمساندة الأغلبية البرلمانية فإن موقف الحكومة قوي بالنظر إلى أن الرئيس هو من يعينها فهو بذلك يكتسب قوة كبيرة تتجاوز أحيانا سلطة الرئيس في النظام الرئاسي، وهي الحال التي أرادتها حركة نداء تونس باعتبارها تملك الأغلبية البرلمانية عقب انتخابات سنة 2014 بعد دفع الحبيب الصيد (مستقل) إلى الاستقالة وعينت يوسف الشاهد (نداء تونس)، إلاّ آنّ الواقع هو اقتراب الشاهد من حركة النهضة و”خلق” كتلة مساندة له من المنشقين عن حزبه الأصليّ (ثمّ تأسيس حزب تحيا تونس بعد انتخابات 2019). فهل العيب في الممارسة السياسية أم النظام السياسي؟

أمّا إذا كان الرئيس لا يتمتع بالأغلبية البرلمانية (نظريا دائما) فإن الحكومة تكون منقوصة من وسيلة المبادرة مما يؤثر في استقرارها، وفي هذه الحالة قد نجد حزبا يمتلك الأغلبية رغم تعدد الأحزاب والبعض الآخر لا يملكها، ففي الحالة الأولى يستطيع الرئيس أن يترك المبادرة للحكومة، أما الحالة الثانية فإن هذه المبادرة تكون للرئيس نتيجة عدم سيطرة مطلقة على البرلمان، وهي الحال التي تعيشها تونس حاليا فرئيس الجمهورية قيس سعيد مستقل ولا داعم برلمانيّ له غلاّ من طرف الأقلية المعارضة فأضحى كأنّما برئيس الدولة يتزعّم المعارضة وله سلطة معنوية تقود الاحتجاجات ضدّ السياسات الحكومية ومجلس نواب الشعب، في صورة سريالية تعيشها تونس لأوّل مرّة في تاريخها.

لدى إسقاطنا لأحكام النظام البرلماني المعدلّ على الحالة التونسية تبيّن لنا أنّ عيوب هذا النظام ليس في النصوص القانونية إنّما في حالة التصادم بين مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس الحكومة المنحاز ضرورة إلى مصدر شرعيته وهو البرلمان فضلا عن عقلية رئيس الجمهورية المسيطر على مفاصل الحكم التي رزخت تحتها مقاليد الحكم في تونس ما يزيد عن نصف قرن، لذا لن يعمّ “السلام” بين القصور الثلاث إلاّ بالتعاون والانسجام بينها ووقوف كلّ منهم في حدود الصلاحيات الدستورية الممنوحة له.

لن يعمّ “السلام” بين القصور الثلاث إلاّ بالتعاون والانسجام بينها ووقوف كلّ منهم في حدود الصلاحيات الدستورية الممنوحة له

الخلاصة أنّ النظام شبه الرئاسي أو النصف الرئاسي هو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني، يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة، ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم انتخابه من طرف الشعب بالاقتراع العام المباشر، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله.

النظام الرئاسي هو الحل؟

اعتمدت تونس منذ إقرار دستور 1959 النظام الرئاسي حيث منح الدستور رئيس الجمهورية السلطة المطلقة على مفاصل الحكم وتمّ تهميش السلطة التشريعية (البرلمان) والحكومة التي يتم تعيين رئيسها ووزرائه من طرف رئيس الدولة.

لذلك رأى خبراء القانون الدستوري أنه شرع الاستبداد وأرسى دعائم الدكتاتورية طيلة أكثر من 50 سنة من الاستقلال، وهو ما دعا ضرورة إلى تغييره عند صياغة “دستور الثورة”.

وتداول على كرسيّ قرطاج قبل الثورة رئيسا جمهورية هم كلّ من الحبيب بورقيبة منذ سنة 1959 إلى أن انقلب عليه وزير الأوّل زين العابدين بن علي وأعلن في 7 نوفمبر 1987 توليه رئاسة الجمهورية، ولم يغادر بن علي الحكم إلاّ فارا إلى المملكة العربية السعودية في 14 جانفي 2011 إثر الثورة، وبعد الثورة تداول على قصر قرطاج، سلميا حسب رغبة صناديق الاقتراع، 5 رؤساء جمهورية وهم، فؤاد المبزّع وقد تولى الحكم مؤقتاً بصفته رئيساً سابقاً للبرلمان في عهد بن علي، وغادر المبزّع القصر الرئاسي بعد الانتخابات التشريعية في 23 أكتوبر 2011، التي أفرزت المجلس الوطني التأسيسي ثمّ محمد المنصف المرزوقي وتلاه الباجي قائد السبسي ليعوّضه محمد الناصر وغادر منصبه يوم 23 أكتوبر 2019 ليتولاه رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد.

الرؤساء الذين تداولوا على قصر قرطاج

إذا عاشت تونس تحت النظام الرئاسي أكثر من نصف قرن عرفت فيها كلّ عذابات الدكتاتورية والحكم الواحد ولم يتداول ساكنو قرطاج الحكم سلميا إلاّ في ظلّ النظام البرلماني المعدّل بعد الثورة.

ويقوم النظام الرئاسي على وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة ويجمع بين صفة رئيس الدولة ورئيس الحكومة ويرزخ تحت قيادته الوزير الأوّل وبقية الوزراء وهذا يعني أنه لا فصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية “رئيس الحكومة”، فرئيس الدولة يسود ويحكم بنفس الوقت، بل إنه يتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة جدا.

كما هو الحال في النظام المختلط فقد ضبط الدستور صلاحيات رئيس الدولة وفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلاّ أن علّة الدكتاتورية والسطو على بقية السلطات لم يظهر إلاّ في الدول العربية ومنها تونس.

ضبط الدستور صلاحيات رئيس الدولة وفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلاّ أن علّة الدكتاتورية والسطو على بقية السلطات لم يظهر إلاّ في الدول العربية ومنها تونس

ذلك أنّ النظام الرئاسي يتميز في شكله الأصلي بالفصل الكامل بين السلطات مع قيام توازن بينهما، ففي رأس الهرم نجد السلطة التنفيذية حيث يسير رئيس الجمهورية السياسة الخارجية، وهو القائد الأعلى للقوات العسكرية ويعين كبار الموظفين، ويمكن لمجلس النواب (مجلس الشيوخ في الولايات الأمريكية) التدخل في مسألة التعيين إلاّ أنّ هذا لا يطبق في دول العالم الثالث ونجد له أثرا خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن حقّ رئيس الدولة التدخل في المجال التشريعي إما عن طريق الخطابات التي يوجهها للبرلمان، وإما عن طريق تقديم مشاريع قوانين بواسطة أعضاء حزبه، ويمكنه كذلك الاعتراض على النصوص الصادرة عن البرلمان، حتى قبل إصدارها، ولا يمكن إعادة إصدار نفس النص إلا بموافقة أغلبية الثلثين.

وهذا من عيوب النظام الرئاسي فكلّ السلطات مقيّدة بيد رئيس الجمهورية، ولا سلطة لمجلس نواب الشعب إلاّ في مجال الميزانية مع إمكانية تفويض تلك السلطة لفائدة سلطة أخرى (رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية).

ويملك البرلمان بعض الوسائل لمراقبة العمل السياسي لرئيس الدولة ويمكن أن يعزله (مثال ذلك عزل دونالد ترامب في جانفي 2021)، وفي مقابل ذلك فإنه لا يمتلك حق لرئيس الجمهورية في حل البرلمان.

وبهذه الطريقة فإنّ الرئيس هو المتحكم والمسؤول الوحيد عن اتخاذ القرارات المصيرية ولا يرجع لأحد إلا بشكل استشاري فقط، بينما الوزراء وباقي أعضاء الحكومة فمسؤوليتهم سياسية وهو من يحاسبهم وليس للبرلمان عليهم سلطة.

وإنّ التوسّع الكبير جدا لسلطات الرئيس استغلها رؤساء الدول العربية بشكل خاطئ وجائر مما أحدث شللا سياسيا وقمع لكلّ لون سياسي معارض جعل من الدولة “مزرعة بوليسية” بيد شخص واحد، وهو ما ولّد انفجارا ثوريّا في عدد من الدول العربية على غرار تونس وسوريا واليمن ومصر.

في تونس، نتيجة ضعف أداء مجلس نواب الشعب والتصادم بين رأسي السلطة التنفيذية، رأى البعض أنّ الحل يكمن في العودة إلى النظام الرئاسيّ وقد طغى هذا الحنين إلى زمن “الرئيس الأوحد” في عهد الراحل الباجي قايد السبسي عقب انتخابات 2014 تزامنا مع مضي 5 سنوات من حرمان التجمعيين من الترشح إلى الانتخابات التشريعية، فتعالت الأصوات لعودة النظام الرئاسي.

النظام البرلماني..لما لا؟

يقوم النظام البرلماني على وجود مجلس منتخب مباشرة من الشعب ويستمد سلطته منه، ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من رئيس الدولة ومجلس الوزراء ولا مسؤولية لرئيس الدولة أمام البرلمان (عكس النظام البرلماني المعدل الذي يؤدي فيه رئيس الجمهورية اليمين أمام البرلمان ويمكن للبرلمان عزله في حالات ضبطها الدستور)، أما الحكومة فتكون مسؤولة أمام السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء إما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة إلى أعمالهم.

ويتميز النظام البرلماني بوجود رأسين في السلطة التنفيذية كما هو الحال في النظام المختلط وهما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن لا مسؤولية سياسية على عاتق الرئيسين وكلّ وزارة مسؤولة أمام البرلمان ومنصب رئيس الدولة أو الملك شكليّ وفخري، لكن عكس الملك فإنّه يمكن مساءلة رئيس الدولة في الأنظمة البرلمانية الجمهورية.

تضطلع السلطة التشريعية في هذا النظام بوظيفة التشريع وللسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والمصادقة عليها، وإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والمصادقة على الاتفاقيات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان إلى الانعقاد وحتى حله، وللبرلمان الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة أو الحكومة بأكملها.

وفي هذا النظام يشكل الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية الحكومة فيكون داعما لها ولسياساتها، وهذه نقطة مشتركة بين النظامين البرلماني والبرلماني المعدّل، ففصل السلطات قائم إلا أنه هناك تكامل بين السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان وبين السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الدولة ورئيس الحكومة في إدارة شؤون الدولة.

كذلك، فإنّه في النظامين الرئاسي والبرلماني المعدّل رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب، إلاّ أنّه في النظام البرلماني ينتخب من البرلمان أو يكون تسلم العرش وراثيا (النظام الملكي).

علّة نظامنا السياسي أنّه كان اضطراريا

أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار

إذا فالنظام البرلماني يقوم أساسا وبالضرورة على ثنائية الجهاز التنفيذي (رئيس الدولة ورئيس الحكومة)، والحد من سلطة رئيس الجمهورية فيصبح أقرب إلى الرمزية فلا مسؤولية سياسية يتحملها الرئيس، ويتبادل البرلمان والحكومة المسؤولية أمام بعضهما، إذ من حقّ البرلمان مراقبة الحكومة ومسائلتها، وكذلك من حق الحكومة حلّ البرلمان حسب ما يضبطه الدستور.

نجد أثرا للنظام البرلماني في جميع أشكال الحكم (الملكية أو الجمهورية)، ففي النظام الملكي يتولى الملك الحكم بالوراثة وليس للبرلمان أي دور في تعيينه، أما في النظام الجمهوري فإن رئيس الدولة ينتخب من طرف البرلمان.

وعكس ما هو سائد فإنّه رغم إعفاء رئيس الدولة من المسؤولية السياسية، فإنّ ذلك لا يضعف من مركزه لأنه غير خاضع للبرلمان التي انتخبه، ولا يمكن عزله إلا عند الخيانة العظمى أو خرق الدستور.

ورغم ما يبدو عليه موقع الحكومة من انفصال عن الرأس الثاني للسلطة التنفيذية (رئيس الدولة)، فإنّه ينبغي أن تتمتع الحكومة بثقة البرلمان، ويعين رئيس الدولة رئيس الحكومة فقط، ورئيس الحكومة يختار الوزراء أعضاء الحكومة ويعرضهم على رئيس الدولة.  

وفي الأنظمة البرلمانية ذات الجهاز التنفيذي الثنائي لابد لرئيس الحكومة من الحصول على ثقة البرلمان وثقة رئيس الدولة في نفس الوقت، أما في الأنظمة ذات الرأس الواحد فإن البرلمان لا يتدخل إلا شكليا في تعيين الحكومة لأن قرار رئيس الدولة أو الملك وحده كاف لتشكيلها.

وتساهم السلطة التنفيذية في وضع القوانين، وفي بعض الأنظمة تعطى الأسبقية لمشاريعها، ولرئيس الدولة حق طلب قراءة جديدة، كما أنه يمارس سلطة إصدار الأمر بتنفيذ القانون.

أما السلطة التشريعية فتساهم في أعمال السلطة التنفيذية عن طريق إقرار القانون المالي والتشريعات اللازمة، والمصادقة على المعاهدات، إضافة إلى مراقبة العمل الحكومي بوسائل مختلفة كالأسئلة الكتابية، والشفوية، والاستجوابات، والتحقيقات.

الفرق بين أنظمة الحكم

نظام سياسيّ اضطراريّ؟

يذكر أنّه خلال فترة التأسيس وكتابة دستور 2014 من طرف المجلس الوطني التأسيسي حاولت بعض النخب السياسية الدفع نحو اعتماد “النظام البرلماني” الذي يتيح اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة وعزلهما من قبل البرلمان، ويجعل من رئيس الحكومة صاحب الصلاحيات الأوسع في السلطة التنفيذية، وجعل رئيس الجمهورية منصبا “شبه شرفي”، بيد أنّ الصيغة النهائية التي صادق عليها المجلس الوطني التأسيسي في 14 جانفي 2014 اعتمدت “النظام البرلماني المعدّل”.

وقد رأى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار في اتصال هاتفيّ بموقع “ضاد بوست”، أنّ “هناك العديد من التكييفات المختلفة للنظام السياسي المعتمد في تونس، وعلى كلّ حال فإنّه يمكن الاتفاق على أنّ الصبغة الغالبة  على هذا النظام هي البرلمانية”، معتبرا أنّ الإشكال في النظام السياسي القائم حاليا هو أنّه تمّ اختياره على توجسات وتحسّب وتخوف من الآخر أكثر من قيامه على مجموعة من القناعات والمقاربات العقلانية”.

وأوضح المختار أنّه أثناء صياغة شكل النظام هناك أطراف خائفة من استعادة النظام الرئاسي وأطراف أخرى ترى أن في النظام البرلماني يتحقق لها وجودها باعتبار تهيكلها في أحزاب قوية، هناك من رأى أن له مرشح رئاسي وليس له مرشحين برلمانيين، وهي حسابات غلبت عليها الظرفية”.

وشدّد محدثنا على أنّ ما ضاعف هذه المسألة النظام الانتخابي الذي كان على مقاس العملية التأسيسية ولكنه استمر ليحكم العملية السياسية لاحقا وهو ما أنتج نوع من الهشاشة والمشهد البرلماني المتقلب.

واعتبر الأستاذ عبد الرزاق المختار أنّ هذه المسائل القانونية لا تنفي دور الواقع السياسي التونسي الذي لا نجد فيه أحزاب قوية مهيكلة ومحوكمة ولا طبقة سياسية متجددة في جزء منها هي إرث بورقيبة وإرث بن علي.

ويرى أستاذ القانون الدستوري أنّ “هذه العوامل لا تنفي كذلك أنّ النظام السياسي الحالي لم يستكمل أسسه وهياكله وأهمها المحكمة الدستورية وبقية الهيئات الدستورية المستقلة”.

وعن إمكانية تغيير النظام السياسي الحالي قال الأستاذ عبد الرزاق المختار إنّه “لا يمكن الحديث عن النظام الأفضل بل الأصح هو الحديث عن النظام الملائم  وهي مسألة خيارات، وفي الحالة التونسية أنا لا أحبّذ النظام الرئاسي وأفضّل النظام البرلماني لكن بخصوصيات واضحة ودون صلوحيات تحكيمية لرئيس الدولة”، قائلا إنّ “التوافق بشأن هذا التغيير يكون في شكل ندوة وطنية واضحة في ظرف من التوافق الواسع وأظن إنّه هذه الشروط غير متوفرة أبدا”.

منى الكوكي

صحفية حاصلة على الأستاذية من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة، سنة 2009 اختصاص صحافة مكتوبة. عملت مدير تحرير وكالة الأنباء التونسية الخاصة "بناء نيوز" وصحفية بجريدة "الضمير" (توقفت عن الصدور) في تونس.
زر الذهاب إلى الأعلى