اتحاد المغرب العربي.. وهم يتلاشى
يتزامن غدا الخميس 17 فيفري 2022 مع الذكرى الـ 33 لتأسيس اتحاد المغرب العربي، اتحاد كونته خمس دول تجاورت جغرافيا وتوحدت تاريخيا، لكن اتحادها لم يتجاوز الحبر الذي كتب بها إعلان قيامه في 17 فيفري 1989، وبعض العبارات الخشبية المختالة بقيم الأخوة والصداقة بين شعوب وقادة المنطقة.
ذلك أنّ قادة المغرب العربي اجتمعوا بمدينة زرالدة الجزائرية يوم 10 جوان 1988، وأصدروا بيانهم معلنين رغبتهم في إقامة الاتحاد المغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي، وكان الإعلان الرسمي عن الاتحاد يوم 17 فيفري 1989.
وتعود فكرة إنشاء الاتحاد المغاربي إلى أول مؤتمر للأحزاب المغاربية عقد في مدينة طنجة المغربية عام 1958، وضم ممثلين عن “حزب الاستقلال” المغربي و”الحزب الدستوري” التونسي و”جبهة التحرير الوطني” الجزائرية.
وبعد استقلال الدول المغاربية أسست اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964، والتي كانت تهدف إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي، وذلك بعد بيان “جربة الوحدوي” بين ليبيا وتونس عام 1974 ومعاهدة “مستغانم” بين ليبيا والجزائر و”معاهدة الإخاء والوفاق” بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983، وهي جميعها خطوات مهدت لتأسيس الاتحاد.
ويتفق الملاحظون على أنّ أيا من أهداف الاتحاد لم يتحقّق وظلّ ذكرى متجددة فضلا عن بعض الندوات والمؤتمرات الساعية إلى تجسيد أهدافه دون أن يتجسّد، حتّى بدى حلم اتحاد المغرب العربي المهمة المستحيلة، فيما أكّد بعض الخبراء في الشأن المغاربي أنّ “اتحاد المغرب العربي” ليس إلا وهما صنعته دول الاتحاد الأوروبي لتضمن تبعية دول الاتحاد بعد أن غادرتها عسكريا إثر استقلالها، وروجت أنّه حلم مغاربي.
ذكرى باهتة…
يقتصر الاحتفال بذكرى قيام اتحاد المغرب العربي كل سنة على تبادل البرقيات بين رؤساء الجمهورية، وتكاد تكون “برقيات التهنئة” مستنسخة عن سابقاتها للتذكير بـ “روابط الأخوة” التي جمعت شعوبهم، خاصة بالنسبة إلى تونس.
أما بقية بلدان “الاتحاد” فتجددت فيها الذكرى باهتة حتى أنّ الخصومات السياسية بين الجزائر والمغرب منعت “البرقيات المستنسخة” للتذكير بوجود “اتحاد” بين بلدان المغرب العربي منذ أكثر من 30 عاما.
وتونس هي الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمس التي دسترت الاتحاد في الفصل الخامس من دستور 2014، فنصّ على أنّ “الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها”.
فرغم عوامل الوحدة التي جمعت بلدان الاتحاد من مشترك جيو- استراتيجي وتاريخي وثقافي، إلا أن العوائق كانت أكبر وحالت دون اكتمال نمو فكرة الاتحاد فكانت أعمق من العوامل المشتركة، وأثرت على اكتمال نمو التكتل المغاربي، إضافة إلى أنّ إرادة الوحدة يبدو أنّها ليست حاضرة لدى الدول الخمس.
وإنّ نكسة الاتحاد تمتدّ إلى سنوات تمّ فيها تجميد كلّ إرادة لتحقيق أيّ من أهدافه، حتى أنّ هناك من ذهب إلى الأقصى حيث اعتبر أنّ هذا الاتحاد هو اتحاد سياسي ووظيفي انتهى بمجرد عجز الأنظمة التي لم تتمكن من الاستمرار فيه فتفكك.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني في حديثه لـ “ضاد بوست”، إنّ “الرقعة الجغرافية المتنامية الأطراف التي تسمى كذلك شمال إفريقيا تاريخيا كانت رقعة موحدة، وبعض الآراء التي تقول إنّ هذا الاتحاد سياسي أو وظيفي أعتقد أن هذا الرأي يجانب الصواب لأنه تاريخيا وجغرافيا، وهما عاملان مهمان جدا في العلاقات الدولية، يبينان بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الفضاء المغاربي موحد سواء جغرافيا أو من الجانب البشري والعمراني، فالمنطقي أن يكون هناك ترابط طبيعي”.
في المقابل، اعتبر محدثنا، أنّ “هذا العصر هو عصر التكتلات الكبرى والمشاريع الكبرى، والمنطقة المغاربية تخسر كثيرا في ما بينها أو في قدرتها التفاوضية وقدرتها على تجنيب المنطقة والإقليم ككل أكثر ما يمكن من المشاكل وتجلب أكثر ما يمكن من المصالح”، موضحا أنّ التكتل “يخلق التكامل في ما بين بلدان الاتحاد، بدء بالبعد الاقتصادي وانتهاء ببقية الأبعاد، وهو ما يؤدي إلى الوحدة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي”.
ورأى الجويني أنّ “اللامغرب” (وهو مصطلح مهم جدا تمّ صياغته في السنوات الأخيرة) له كلفة اقتصادية وحتى جيوسياسية، فتشتت القرار يتكلف أكثر بكثير من القرار الموحد النابع عن قدر كبير من التنسيق.
الاتحاد موحد تاريخيا وجغرافيا.. في حين أن اللامغرب له تكلفة كبيرة
حلم الاكتفاء الذاتي يتلاشى
اقتصاديا كان الهدف من إقامة الاتحاد “تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد”.
إلاّ أنّ دول الاتحاد فشلت في تحقيق هذه الفوائد الاقتصادية، رغم أنّ اقتصاداتهم الخمس مكملة لبعضها البعض، فالاتحاد في حال تفعيله سيحقق الاكتفاء الذاتي لكل هذه الدول في معظم حاجياتها.
وفي هذا الصدد، تقول الخبيرة في الشأن الاقتصادي الأستاذة جنات بن عبد الله، إنّ “قرار دول المغرب العربي ليس بيدها وهي لم تنشأ “اتحادها” بل المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليا) هي من قررت، إذا فهذا الاتحاد هو عبارة عن وهم وليس حلم”.
وحسب جنات بن عبد الله في حديثها لـ”ضاد بوست” فإنّ “الاتحاد الأوروبي قسم العالم من أجل إحكام السيطرة عليه وليس من أجل تقوية هذه الدول وبالتالي قرار ومصير اتحاد المغرب العربي لم يكن أبدا بيد الدول الأعضاء فيه”، معتبرة أنّ “الدول العظمى تبني وهما لتحلم به وقراركَ بيدها”.
وتساءلت محدثتنا قائلة “هل يعقل أنه منذ سبعينات القرن الماضي، تاريخ هذه التقسيمات الاقتصادية أو ما يسمى باتحاد المغرب العربي، هل يعقل أن هذه الأنظمة التي تعاني “الميزيريا لعينيها” وبتجمعها تستطيع صنع قوة، لم تبنه إلى اليوم؟”.
وتابعت “إنّ هذا البناء لم يقم لأن أجندة دول الاتحاد ليس أجندتها ولا أجندة شعوبها”.
الاتحاد هو عبارة عن وهم رسمه الاتحاد الأوروبي وليس حلم دول الاتحاد المغاربي له تكلفة كبيرة
وأدى فشل التعاون المغاربي المشترك في مختلف القطاعات المنتجة إلى خسارة دول المغرب العربي ما يزيد عن 7.5 بليون دولار سنويا، خصوصا أن حجم المبادلات البينية بين الدول المغاربية لا يتجاوز 0.5 % من الحجم الإجمالي للصادرات والواردات لهذه البلدان. في المقابل، صنفت اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي عام 2016، اتحاد المغرب العربي كأضعف الاتحادات الجهوية الإفريقية الثمانية.
وفي هذا الصدد، أكّد الأمين العام لمجلس الشورى اتحاد المغرب العربي سعيد مقدم، في تصريح لوسائل إعلام جزائرية، أن المنطقة المغاربية في حاجة إلى تموقع إستراتيجي على وجه أمثل في خريطة التجمعات الاقتصادية الناشئة، خاصة أنها تحوز مقومات “لا يستهان بها” يمكن استغلالها واستثمارها مغاربيا حتى تشكل قوة تقول كلمتها في المحافل الإقليمية الدولية.
وحسب سعيد مقدم، تتمثل هذه المقومات في موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعية والبشرية الهائلة، فهي تتربع على مساحة شاسعة تقدر بنحو 6 ملايين كيلومتر مربع، ويقطنها أكثر من 100 مليون نسمة، وتتوافر على 1.400 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية واحتياطي نفطي يبلغ ما يقارب 60 مليار برميل وغازي مقدر بـ6 تريليونات متر مكعب.
أمّا الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني، فقال في تصريح لـ”ضاد بوست”، إنّ “الاقتصاد هو عصب السياسة، فإن لم نفكر بمنطق التقريب أكثر ما يمكن بين المصالح الاقتصادية، بشكل تكون فيه مستدامة، فالجانب السياسي والإنشائي كما نعيشه في العشرية الأخيرة وحتى قبل ذلك، لن يغير شيئا في واقع الأمور، فتونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا إخوة والعادات متقاربة والجانب الاجتماعي متقارب ليس فيه شك”.
ورأى الجويني أنّ “مجرد ترديد هذا الكلام في كل المناسبات بموجب وبغير موجب لن يغير من واقع الشعوب شيء، هناك مقترحات طرحت حتى من تونس في 2013 ثم في مسألة الحريات الخمس وغيرها للشروع بشكل مرحلي لتقريب وجهات بين هذه البلدان، هذا هو المطلوب في ما يتعلق بالجانب الداخلي. لكن هناك جانب خارجي متعلق بالجانب الداخلي، وهو هوى هذا النظام أو ذاك في كل عضو من دول الاتحاد، وهو العلاقات الخارجية التي تتعارض مع مصالحها الداخلية ومصالحها كبلدان مغاربية أيضا”.
لكن غياب الإرادة السياسية في تحقيق الاكتفاء الذاتي لا ينفي الصعوبات الاقتصادية الداخلية التي يعيشها كلّ بلد من بلدان المغرب العربي بدرجات متفاوتة جراء التحولات العالمية وكان آخرها جائحة “كورونا”، وقد ارتأينا في تقريرنا المرور على الأزمات الاقتصادية التي يعيشها كلّ بلد مغاربيّ:
الجزائر: بلد نفطيّ ذو اقتصاد متأزّم
تعيش الجزائر منذ سنة 2014 أزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، فضلا عن ركود الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي وعدم كفاية الاستثمار، ويشهد إنتاجها من النفط تراجعا منذ عام 2010، حيث صُنِّفت في المركز التاسع من حيث صافي عائدات صادرات النفط لدول “أوپك” للنصف الأول من عام 2008 بعائد يبلغ 4 مليار دولار، وفق إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية.
وسنة 2021 بدأ الاقتصاد الجزائري يتعافى بالتدريج من التأثير الأولي لجائحة “كورونا” ومن صدمة أسعار النفط سنة 2020، إذ سجل الناتج المحلي الخام ارتفاعا قياسيا فاق نسبة 6 بالمائة خلال الثلاثي الثاني لسنة 2021.
وبالنسبة إلى الجزائر التي لا يزال اقتصادها مرتبطا بشدة بمداخيل المحروقات، فإن السنة المنقضية كانت أكثر سخاء من سنة 2020 من حيث سعر البرميل، إذ انتقل المعدل السنوي لمزيج “صحراء بلند” من 41،8 دولار إلى أكثر من 65 دولار.
وتمكنت البلاد بعد سنوات من العجز، من تسجيل فائض في الميزان التجاري بأكثر من مليار دولار في نهاية نوفمبر 2021 وهو رصيد إيجابي مرشح لأن يتجاوز قيمة 2 مليار دولار في نهاية السنة.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يميل ميزان المخاطر للاقتصاد الجزائري، لفترة 2021، 2022 إلى “الجانب السلبي” وذلك على خلفيات تداعيات 4 مخاطر هي “جائحة كورونا، وتطورات أسعار النفط، والبيئة الاجتماعية، والتطورات الجيوسياسية”.
لكن الصندوق توقع، في تقرير نشره يوم 30 نوفمبر 2021، أن يتعافى الاقتصاد الجزائري في عامي 2021 و2022، و “إن ظلت الآفاق محاطة بعدم اليقين ومحفوفة بالتحديات”.
وفي ماي المنقضي صنفت مجلة فوربس الشرق الأوسط، الاقتصاد الجزائري والمغربي ضمن أقوى اقتصادات القارة الأفريقية عام 2021، ووضعت المجلة الاقتصاد الجزائري في الرتبة الرابعة أفريقيا، وتوقعت أن يحقق نموا قدرته بـ2.9 في المائة هذا العام، بعد أن سجل انكماشا قدر بستة في المائة العام الماضي، بسبب التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا وتراجع أسعار النفط.
وقد تسببت جائحة “كورونا” سنة 2020 في انخفاض قيمة الدينار وارتفاع التضخم وتوقف الشركات عن العمل، إلى جانب انخفاض عائدات النفط. وأعلن الديوان الوطني للإحصاء سنة 2020 عن أرقام مقلقة حول انخفاض بنسبة 3.9 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي في الربع الأول من سنة 2020، واقتراب نسبة البطالة من 15 في المئة في جويلية 2020 بعد أن بلغ 11.4 في المائة في نهاية 2019.
وباستثناء قطاع الطاقة، انخفض إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 1.5 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة مقابل زيادة قدرها 3.6 في المئة للفترة نفسها من 2019، حسب ديوان الإحصاء الجزائري.
ومع إجراءات الحجر الصحي منيت الشركات المملوكة للدولة بخسائر تبلغ نحو مليار يورو، جراء تداعيات الأزمة الصحية، حسب تقديرات وزير المالية الجزائري أيمن بن عبد الرحمن. وسجل إنتاج النفط الجزائري وصادراته تراجعا قياسيا خلال العام 2020 بسبب انهيار الطلب العالمي على الطاقة في ظل ضغوط جائحة كورونا ما تسبب في تدهور الإيرادات.
وقالت وزارة الطاقة الجزائرية إن صادرات البلاد من النفط والغاز انخفضت بنسبة 11 في المائة في 2020 إلى 82.2 مليون طن من المكافئ النفطي، وإن الإيرادات تراجعت 40 في المائة إلى 20 مليار دولار. وتابعت الوزارة في بيان لها مطلع سنة 2021، أن إجمالي إنتاج الجزائر من الطاقة انخفض 10 في المئة إلى 142 مليون طن من المكافئ النفطي بسبب القيود المفروضة لاحتواء جائحة كورونا.
وتراجعت المنتجات النفطية المكررة 1.6 في المئة إلى 28 مليون طن في حين نزل إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 11 في المئة إلى 24 مليون متر مكعب بسبب أعمال الصيانة.
ويساهم النفط والغاز بنحو 60 في المئة من ميزانية الجزائر و94 في المئة من إجمالي صادراتها. ويُستخدم جزء كبير من عائدات الطاقة لسداد ثمن واردات الغذاء وسلع أخرى، تقدر بحوالي 45 مليار دولار سنويا رغم القيود المفروضة على الاستيراد.
وصرّح الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالاستشراف، محمد شريف بلميهوب لوسائل الإعلام نهاية جانفي 2021، أن “الجزائر ستكون عاجزة عن تصدير برميل واحد من البترول بحلول عام 2025”. وقال بلميهوب إن “الجزائر بلد غير بترولي، عكس ما تم الترويج له في فترات سابقة”.
ومن جهته، كشف تقرير لـ”بلومبيرغ” يوم 9 فيفري 2021، أن صادرات الجزائر من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال انخفضت بنحو 30 في المئة في عام 2020.
وذكر التقرير أن مبيعات النفط تراجعت إلى 290 ألف برميل يوميا فقط الشهر الماضي، أي أقل بنسبة 36 في المائة مما كانت عليه في ديسمبر، وهي “أقل نسبة عرفتها صادرات الجزائر منذ عام 2017 على الأقل”.
واتفقت الجزائر وأعضاء آخرون في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض الإنتاج العام الماضي. وبينما انتهكت غالبية دول أوبك حصصها، وفق “بلومبيرغ” فشلت الجزائر في الغالب في الوصول إلى سقف إنتاجها.
وارتفع إنتاج النفط الإجمالي، بشكل طفيف في جانفي 2020، لكنه ظلّ بالقرب من أدنى مستوى منذ 2002.
وأقرت الحكومة الجزائرية في جوان 2020 قانون موازنة تكميلي بإجراءات تقشفية، لمواجهة تبعات انتشار جائحة “كورونا” وتهاوي أسعار النفط في السوق الدولية، حيث استقبلت سنة 2021 بعجز تاريخي في موازنتها العامة فاق 22 مليار دولار.
ونهاية سنة 2020، كشف صندوق النقد الدولي عن أرقام صادمة تتعلق بالاقتصاد الجزائري، قائلاً إن درجة الخطورة بلغت ذروتها في ضوء تراجع صادرات النفط بنسبة 41 في المئة عام 2020.
وأطلق الصندوق تحذيرات في شأن المؤشرات الاقتصادية للبلاد، وأبرز أن التوقعات ليست جيدة في ظل ترقب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 5.5 في المئة العام الحالي، إضافة إلى توازن سلبي للعجز الخارجي بلغت نسبته 17 في المئة، مشيرا إلى أن حجم عوائد الضرائب الحكومية البالغ 5328.1 مليار دينار (41.32 مليار دولار)، بالكاد يغطي نفقات التشغيل العادية، وأن تلك الأرقام السيئة أثرت بشكل كبير في مشروع قانون المالية لعام 2021.
وشدد صندوق النقد الدولي على أن نقاط الضعف في الاقتصاد الجزائري تفاقمت بسبب الأزمة الصحية العالمية، وكذا استمرار الاعتماد المفرط على الهيدروكربونات لعدم تطوير اقتصاد متنوع، بينما “حان وقت اتخاذ قرارات صعبة للرئيس عبد المجيد تبون، لكن يبدو أن الحراك الشعبي والهشاشة السياسية للنظام تجعلانه يتردد، فالامتناع الهائل عن التصويت خلال الاستفتاء يبدو عاملاً غير ملائم”.
وفي سياق التراجع الاقتصادي الحاصل، أبرزت مجلة “بيتروسترات” المتخصصة في النفط والغاز، أن الاستهلاك الداخلي للغاز الطبيعي فاق الكميات المصدرة خلال العام 2019 للمرة الأولى في تاريخ الجزائر، مشيرة إلى أن حصيلة الطاقة تراجعت تحت تأثير الارتفاع المستمر للاستهلاك الداخلي، في وقت شهد فيه إنتاج بعض فروع الطاقة تراجعاً على غرار الغاز الطبيعي، موضحة أن استهلاك الطاقات الأولية ارتفع بواقع ثلاثة في المئة، في حين أن الانتاج تراجع بنحو 4.8 في المئة.
المغرب: اقتصاد قوي منعزل عن “مغاربيته”
حل الاقتصاد المغربي في الرتبة الخامسة ضمن أقوى اقتصادات القارة الأفريقية هذا العام حسب مجلة “فوربس الشرق الأوسط “، وتوقعت أن يسجل نموا قدرته بـ4.5 في المائة، بعد انكماش وصل لسبعة في المائة عام 2020.
وقالت فوربس إن فيروس كورونا من العوامل التي أثرت بشكل سلبي على نمو الاقتصاد المغربي، غير أنها أشادت في الوقت نفسه، بالتدابير التي اتخذتها الرباط للتخفيف من تداعيات جائحة كورونا، وقالت إنها يمكن أن تساعد في تحقيق “انتعاش قوي” في المستقبل.
إذا، يملك المغرب ثاني أقوى اقتصاد في دول المغرب العربي بعد الجزائر والثاني عربيا بعد مصر إذا استبعدنا الدول البترولية بناتج داخلي يبلغ 162 مليار دولار، يملك المغرب 70 % من احتياطات الفوسفات العالمي.
ويعتمد اقتصاده أيضا على السياحة الأجنبية، فقطاع السياحة يشهد تطورا كبيرا بعدما نجح المغرب في استقطاب 10 ملايين سائح سنة 2010 ونجح في وضع مشاريع سياحية هائلة في كل من طنجة والدار البيضاء ومراكش وأكادير والرباط ويعتمد اقتصاده أيضا على تصدير الحمضيات والبطاطا والخضراوات والأسماك والنسيج إلى أوروبا وأميركا.
يعتبر من أقوى منتجي الأسماك بالعالم، ويملك كميات هائلة من الزيوت الصخرية التي ستخول للمغرب بأن يكون من مصدري البترول في المستقبل، وهو بلد تجاري بامتياز لكونه وقع عدة اتفاقيات تبادل حر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والأردن ومصر وتونس والإمارات كما أنه الدولة الوحيدة في دول المغرب العربي الذي يملك الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي لتنوع اقتصاده ويملك ثاني أقوى بورصة في أفريقيا بعد بورصة جوهانسبورغ ويملك أقوى المراكز التجارية بأفريقيا، وأكبر ميناء في أفريقيا والحوض المتوسط (ميناء طنجة المتوسطي) أما القطاع الصناعي فيشهد بدوره تطورا هائلا فقد بدأ المغرب في صناعة سيارات Renault التابعة لفرنسا وتركيب طائرات البوينغ الأمريكية.
توقعت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب في تقرير أصدرته يوم 14 جانفي 2021، ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.6 بالمئة خلال 2021، مقابل توقعات بانكماش 7 بالمئة في 2020.
وتظهر التوقعات الاقتصادية لسنة 2021، أن الواردات ستعرف “انتعاشا نتيجة الآفاق التفاؤلية والملائمة المصاحبة لحملات التلقيح، الشيء الذي سيحفز إعادة فتح الحدود وبالتالي عودة الثقة للأسر والمستثمرين”.
وتوقع التقرير تسجيل نسبة تضخم في حدود 1.1 بالمئة مقارنة بانكماش 0.1 بالمئة خلال 2020.
وتتقارب توقعات المندوبية مع أخرى للبنك المركزي، الذي حدد نسبة النمو خلال 2021 عند 4.7 بالمئة، ومعدل تضخم دون 1 بالمئة.
ونفذت المملكة إجراءات وقيودا صارمة منذ مارس 2020، في خطتها لمنع تفشي “كورونا”، شملت تعليق الطيران والتنقل، وغلق المرافق الحيوية، استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما كان له أثر اقتصادي حتمي. واحتل المغرب المرتبة السادسة عربياً في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2020، و78 عالمياً من أصل 180 دولة تضمنها المؤشر.
وحصل المغرب، وفق الموقع الرسمي للمؤشر، على درجة 63.3% تقييم حرية الاقتصاد، يقيس مدى تقدم ممارسات الحرية الاقتصادية حول العالم ضمن معايير محددة.
وأدى انخفاض العائدات الضريبية وزيادة الدعم من أجل تخفيف تأثير الجائحة إلى ارتفاع العجز المالي للمغرب إلى 7.4 % في 2020، وهو ما يزيد على مثلي نسبة العجز التي كانت مستهدفة من الناتج المحلي الإجمالي عند 3.5%. ويُتوقع أن ينكمش العجز إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مع ارتفاع العائدات الضريبية وغير الضريبية، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.
أعلن صندوق النقد الدولي يوم 11 ديسمبر 2021 أن الاقتصاد المغربي يتعافى، مع توقع نمو يصل إلى 6,3% نهاية عام 2021، مشيرا إلى أن هذا التعافي يجب أن يستمر في السنوات المقبلة رغم آثار جائحة كوفيد-19.
قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى المغرب، روبيرتو كارداريلي، إنّ الاقتصاد المغربي “استعاد معظم ما فقده تقريبا خلال الركود العالمي الحاد العام 2020” والذي سبّبته جائحة كوفيد-19.
أضاف في بيان أن “هذا الأداء مردّه الحفاظ على إجراءات التحفيز المالي والنقدي، والأداء الجيّد لقطاعات التصدير الرئيسية، وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج النشطة، وكذلك الحصاد الاستثنائي الذي أعقب عامين من الجفاف”.
ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي المغربي بنسبة 6,3% في 2021، وهو من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (+ 3,2% في الجزائر، + 3% في تونس، واللتين لا يزال اقتصاد كل منهما ضعيفا).
في المغرب، يتوقع أن يستقر نمو الناتج المحلي الإجمالي عند نحو 3% في العام 2022، حسب صندوق النقد الدولي الذي يشير إلى أن الضغوط التضخمية الأخيرة “لا تزال تحت السيطرة ويجب أن تنحسر على المدى المتوسط.
وسحبت المغرب سنة 2019 ثلاث مليارات دولار من خط سيولة لصندوق النقد الدولي وطرقت أسواق السندات مرتين وجمعت مليار يورو (1.22 مليار دولار) في سبتمبر وثلاثة مليارات دولار في ديسمبر، وقد ساعد ذلك في تعويض أثر تراجع تدفقات العملة الصعبة نتيجة لانكماش عائدات السياحة 55% في 2020 وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر.
تونس: اقتصاد متأزم
يواجه الاقتصاد التونسي منذ جانفي 2011 عديد التحديات الهيكلية أهمها انخفاض نسبة النمو التي لم تتجاوز معدل 1.7% في فترة 2011-2019 مقابل 4.3% خلال العشرية السابقة، وتفاقم البطالة التي استقرت في حدود 15% وتهم بالأساس حاملي الشهادات العليا لتبلغ 30.1% أي 281 ألفا في الثلاثية الثالثة لسنة 2020.
وسنة 2021 تجاوز معدل البطالة 18 في المائة، وهو ما أجبر الحكومة على اللجوء (للمرة الرابعة خلال عشر سنوات) إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على مزيد من المساعدات المالية، ولم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 0,6 في المائة خلال السنوات العشر الماضية.
وارتفعت، كذلك، نسبة التضخم إلى 6 في المائة، وشهدت الاستثمارات تراجعا خلال الـ 10 أشهر الأولى من سنة 2021 بنسبة 16.9 بالمائة.
وقد أقر تقرير للبنك الدولي الصادر في 1 أكتوبر 2020، أنّ جائحة “كورونا” أدت إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي بمقدار 21% في الربع الثاني (مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق).
وفي الوقت نفسه، أدى انخفاض الطلب الخارجي والقيود المفروضة على السفر إلى خفض العائدات السياحية بنسبة 47%، وتراجعت الصادرات من الصناعات الميكانيكية والكهربائية والمنسوجات (صادرات الصناعات التحويلية الرئيسية في تونس) بنسبة 27% بحلول منتصف عام 2020 (مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي).
ووفق الأرقام الرسمية، كلفت تداعيات كورونا البلاد خسائر تتراوح بين 7 و8 مليار دينار خاصة مع فترة الإغلاق العام الذي شهدته البلاد في شهري مارس وأفريل 2020. وبعد أن كان من المتوقع تحقيق نسبة نموّ قد تصل إلى 2.7 في المائة انكمش نمو الناتج المحلي الخام بـ 7.3 في المائة.
ويعاني الدينار التونسي من تراجعات متتالية منذ سنة 2010 حيث كان سعر الدولار في ذلك الوقت يقدر بـ 1.42 دينار، تراجع القطاع السياحي وتراجع الصادرات وانخفاض منسوب الاحتياط من العملة الصعبة في البنك المركزي تسبب في هزات كبيرة للاقتصاد وأثر في سعر صرف الدينار ليصل إلى 2.49 دينار للدولار الواحد سنة 2017 أي بنسبة تراجع تقدر ب 60 بالمائة وهي نسبة كارثية، ويوم 3 مارس 2021 بلغ سعر 1 دينار تونسي 0.37 دولار أمريكي.
يعود السبب الرئيسي لتدهور الاقتصاد التونسي إلى أنه لا يعتمد على خلق القيمة المضافة وتثمين الثروات الموجودة بالبلاد كما أنه مرتبط ارتباط كلي بالسوق الأوروبية حيث أن 83% من الاقتصاد متوجه إلى الاتحاد الأوروبي (50% نحو فرنسا) مع أن السوق ذات النمو الأضعف في العالم ولا تبشر بخير.
وفي ظل عجز مالي بلغ 11.5% في 2021، ودين عام تجاوز 90% من الناتج المحلي الإجمالي، تعمل تونس كذلك على إصلاحات عاجلة لمعالجة فاتورة الأجور العامة، التي تقول إنها مرتفعة للغاية، وخفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة ذات الأداء الضعيف، وتبلغ الأجور العامة في تونس أكثر من 20 مليار دينار هذا العام، من إجمالي ميزانية البلاد البالغة 52 مليار دينار.
إذا، اقتصر معدل النمو في تونس على 1.6 بالمائة خلال الفترة 2011-2019 مقابل 4.4 بالمائة بين سنتي 2000 و2010، وفق ما نشره المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية على موقعه بتاريخ 6 فيفري 2021.
واستندت توقعات سنة 2020 إلى انخفاض غير مسبوق يقدر بـ -7.3 بالمائة ليصل في عام 2021 الى 4 بالمائة، وسجل المعهد ضمن هذا التمشي انخفاضًا كبيرًا في جهود الاستثمار خلال فترة ما بعد الثورة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تفاقم هذا الوضع مع وصول جائحة كوفيد -19 وتأثيرها على النشاط الاقتصادي محليًا وعالميًا.
وتستند توقعات سنتي 2020 و2021 على الاستثمار بنسبة 13 بالمائة و14 بالمائة (مقابل 24.6 بالمائة في سنة 2010 أما بالنسبة الى الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد شهد انخفاضًا خلال فترة ما بعد الثورة ليصل إلى معدل متوسط قدره 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 4.2 بالمائة بين عامي 2000-2010).
وينطبق الشيء نفسه على العجز الجاري، الذي ازداد سوءًا، بسبب زيادة العجز التجاري (من 7.5 بالمائة في 2011 إلى 13.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام) وعلى المدخرات الوطنية الإجمالية التي لم يتجاوز متوسط معدلها 10.8 بالمائة من الدخل المحلي الإجمالي (الدخل المحلي الإجمالي المتاح) خلال الفترة 2011-2020 (مقابل 21.5 بالمائة خلال العقد السابق).
كان هذا الانخفاض مهمًا بشكل خاص في عام 2020، عندما انخفض هذا المعدل بأكثر من 50 بالمائة إلى 4.6 بالمائة الشيء ذاته بالنسبة الى معدل السيولة في سوق الأوراق المالية، والذي انخفض بشكل كبير منذ عام 2015 (انخفض إلى 39 بالمائة في عام 2019، مقابل 57 بالمائة في عام 2014)، بسبب عدم ثقة المستثمرين في السوق والهيئات التي تنظمه، وعدم تنوع الأدوات المالية.
وكشف المعهد، كذلك، عن خسارة في حصته السوقية في الاتحاد الأوروبي، حيث انخفض مستواها من 0.62 بالمائة في عام 2010 إلى 0.55 بالمائة في المتوسط خلال الفترة 2011-2016، و0.51 بالمائة في عامي 2017 و2018. وبلغ معدل البطالة 16.2 بالمائة في المتوسط خلال فترة ما بعد الثورة (مقابل 13.5 بالمائة في المتوسط خلال الفترة 2000-2010).
ويوم 18 نوفمبر 2021، قدمت كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية “كوناكت”، نتائج دراسة أجرتها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي بين سبتمبر ونوفمبر 2021، شملت 527 مؤسسة متوسطة الحجم في تونس.
وبينت الدراسة ان 85% من المؤسسات تأثرت سلبيا من جائحة كورونا و3.2% فقط سجلت أرباحا رغم الجائحة فيما صرح 12.9% من أصحاب المؤسسات ذات رأس المال الأجنبي بأنهم اضطروا لغلق مؤسساتهم نهائيا او لفترة طويلة خلال الجائحة. وأكد قرابة نصف أصحاب المؤسسات المستجوبين في الدراسة أنهم فقدوا على الاقل حريفا مهما في 2020 بسبب الصعوبات المالية التي اعترضت الحرفاء.
وخفضت تونس توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021 إلى 2.6 بالمئة، من تقديرات سابقة بلغت أربعة بالمئة. وتواجه تونس أسوأ أزمة اقتصادية بعد أن أنكمش الاقتصاد 8.8 بالمئة العام الماضي في حين وصل عجز الميزانية إلى مستوى قياسي عند 11.4 بالمئة.
وتظهر أحدث التوقعات للعجز في الموازنة العامة تشير إلى أنه سيصل إلى 8.3 بالمئة في 2021، ارتفاعا من تقديرات سابقة عند 6.6 بالمئة. واستأنفت تونس هذا الشهر محادثات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة قروض استندت إلى فرض البلاد خطوات مؤلمة لا تلقى قبولا شعبيا تهدف إلى تحرير الاقتصاد.
وتوقفت المحادثات مع صندوق النقد في 25 جويلية، عندما أقال الرئيس قيس سعيد مجلس الوزراء وعلًق البرلمان وتولى السلطة التنفيذية. ثم استأنفتها في نوفمبر 2021، وتسعى تونس إلى التوصل لبرنامج جديد مع صندوق النقد، حيث بدأت محادثات منتصف ماي الماضي، بهدف الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار.
ليبيا: بلد نفطي تكبله الصراعات
يعيش البلد النفطي ليبيا أزمة سياسية واقتصادية خانقة منذ سنة 2011 تاريخ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ذلك أنّها تحاول التعافي من الآثار المدمرة للحرب بالإضافة إلى المخلفات الاقتصادية لجائحة فيروس “كورونا” وهو ما تسبب بأسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد.
وهو ما أدى، كذلك، إلى تقلب إنتاج النفط (المورد الرئيسي للبلاد بنسبة 60 بالمائة من الثروة الوطنية) وخسر الاقتصاد الليبي 180 مليار دولار من سنة 2013 إلى أكتوبر 2020، وبلغت نسبة دينه العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 270 بالمائة، واقتربت مداخيل النفط في 2020 من الصفر عقب إغلاق مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وقبله مليشيات إبراهيم الجضران، لقطاع النفط منذ 2013 على اقتصاد البلاد.
فميزانية الدولة التي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة 95 بالمائة، عانت من عجز مزمن في الوقت الذي سجلت أكثر من 53 مليار دولار في 2012، مما تسبب في انكماش اقتصاد البلاد (الناتج الداخلي الخام) بنسبة 55 بالمئة، بحسب أرقام محافظ البنك المركزي الصديق الكبير (المجلس الرئاسي).
وفي تقرير “الآفاق الاقتصادية في ليبيا- أكتوبر 2019″، قال البنك الدولي إن الحرب الدائرة في محيط طرابلس والتي اندلعت شرارتها في أفريل 2019، تسببت في القضاء على زخم الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي شهدته الفترة بين 2017-2018.
ونقلت تقارير إعلامية عن البنك الدولي أنّه رجّح استمرار البنك المركزي في تقنين الواردات مقابل انخفاض فوائض الحساب الجاري من 7.3% من إجمالي الناتج المحلي في 2020 إلى 1.4 في 2022، وبالتالي ستستقر الاحتياطات عند 91 مليار دولار خلال الفترة 2020-2022.
وتدحرج ترتيب ليبيا إلى المركز الأخير عربيا وما قبل الأخير عالميا من حيث الحرية الاقتصادية وفق تقرير صادر عن معهد فريزر الكندي، وذلك بناء على حجم الإنفاق الحكومي في البلاد وحرية التجارة الدولية.
في المقابل، ارتفعت الإيرادات النفطية إلى 30.62 مليار دينار في 11 شهرا أي الفترة من جانفي إلى نهاية نوفمبر 2019، حيث تمكنت ليبيا من مضاعفة إنتاجها النفطي خلال فترة الانتعاش التي دامت عامين ليصل إلى 1.17 مليون برميل يوميا في أفريل 2019.
وحقق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقته حكومة الوفاق العام سنة 2019 بعض النجاحات، إذ ارتفعت إيرادات رسوم بيع النقد الأجنبي إلى 21.07 مليار دينار في 11 شهرا، أي الفترة بين جانفي ونهاية نوفمبر الماضي.
وبلغ حجم الدين العام الليبي نحو 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، متسبباً في تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى ما يقدر بنسبة 4 في المئة في عام 2019، نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً، على الرغم من زيادة الإنتاج إلى 1.15 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2019، ارتفاعاً من 970 ألف برميل في عام 2018، ما فاقم العجز المالي في الموازنة العامة للدولة الذي ارتفع إلى 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقارنة بـ7.4 في المئة في عام 2018، وهو ما جعل الخبراء يرهنون استفاقة الاقتصاد الليبي بانتهاء الصراع العسكري والسياسي.
وأكّد تقرير الأمم المتحدة الصادر في جانفي 2020 عن الوضع في ليبيا وتناقلته وسائل إعلام محلية ودولية، أنّه منذ أفريل 2019، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الثلثين بنحو 66.6 في المائة بسبب النزاع السياسي، بينما سجل الدين العام زيادة كبيرة، وأشار التقرير إلى أنه رغم انخفاض الدين الذي يديره مباشرة المصرف المركزي إلى 56 مليار دينار (نحو 79 مليار دولار أميركي)، فإن الدين في المركزي في مدينة البيضاء زاد إلى 43 مليار دينار (61 مليار دولار)، ونتج عن ذلك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 150 في المائة.
وقال بنك التنمية الأفريقي، في فيفري 2020، إن الاقتصاد الليبي معرض لصدمات مستقبلاً، بسبب تعثر خطط التنويع الاقتصادي مع اعتماد الحكومة على 96 في المئة على صادرات الطاقة في إعداد موازنتها.
وأوضح البنك في تقريره حول الآفاق الاقتصادية في أفريقيا 2020، أن نمو الاقتصاد الليبي خلال عامي 2020 و2021 يتوقف على ضرورة زيادة إنتاج النفط، مشيراً إلى تعثر خطط التنويع الاقتصادي. وقال إنّ نسبة التضخم قد عاودت ارتفاعها في عام 2019، بسبب الاشتباكات المسلحة التي تمر بها العاصمة طرابلس، بعد أن كانت قد تراجعت في عام 2018 والربع الأول من العام الماضي.
وحول العجز المالي، أكد البنك الأفريقي أنه زاد إلى نسبة 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 مقارنة بـ7.4 في المئة في عام 2018، وأرجع السبب إلى انخفاض أسعار النفط على الرغم من زيادة الإنتاج إلى 1.15 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2019، ارتفاعاً من 970 ألف برميل في عام 2018.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في فيفري 2020، تحقيق الاقتصاد الليبي مكاسب في النمو بنسبة 3.9 في المئة، خلال الفترة الممتدة إلى عام 2023. وأكدت المديرة التنفيذية للصندوق “كريستالينا غورغييفا” أن مسألة عدم الاستقرار في ليبيا تمثل خطراً على النمو الاقتصادي في المنطقة المغاربية ككل. وأضافت “نأمل أن تساعد الجهود الدبلوماسية الجارية في تحقيق تسوية سلمية وعاجلة للصراع الدائر في ليبيا”.
ومؤخرا، أورد تقرير للبنك الدولي في أكتوبر 2021، أنّ ليبيا حققت تقدماً كبيراً على طريق إنهاء صراعها الذي دام عقداً من الزمان والتحرك نحو إعادة توحيد البلاد في عام 2021، وأدى ذلك إلى انتعاش قوي في إنتاج النفط والنشاط الاقتصادي، وترتب على ذلك انتعاش في أرصدة المالية العامة والتجارة والحساب الجاري. ومع ذلك، لا تزال الأُسَر تعاني انعدام الأمن الغذائي والفقر وسوء تقديم الخدمات العامة. وتثير التحديات التي تواجه تنظيم الانتخابات الوطنية في ديسمبر 2021 مخاوف بتدهور الحالة السياسية والأمنية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يهدد التقدم نحو السلام والانتعاش.
وذلك في أعقاب انكماش هائل لقطاع الهيدروكربونات في عام 2020، مدفوعاً بتفاقم الصراع وحصار محطات النفط وحقوله، شهد هذا القطاع، والاقتصاد الليبي بوجه عامٍّ، انتعاشاً كبيراً، حيث بلغ متوسط إنتاج النفط 1.2 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول من عام 2021، مقارنة بمتوسط قَدْرُه 0.3 مليون برميل في اليوم خلال أول 9 أشهر من عام 2020 و0.9 مليون برميل في اليوم خلال الربع الأخير من العام (الذي رُفع خلاله الحصار النفطي)، وفق تقرير البنك الدولي.
إذا حققت العملية السياسية تقدماً إيجابيّاً وبقي الوضع الأمني مستقرّاً، فإن ليبيا ستواصل مسارها نحو التعافي الاقتصادي. وفي الأشهر المقبلة، إذا مضت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإعادة توحيد المؤسسات العامة قُدُماً واستمر إنتاج النفط، فمِن المتوقع أن تسجل ليبيا معدل نمو في إجمالي الناتج المحلي يبلغ 78.2% في عام 2021، وفق المصدر ذاته.
موريتانيا: الفلاحة عمودها الفقري
تشهد موريتانيا منذ بداية سنة 2020 أوضاعا اقتصادية متدهورة خاصة مع موجة الجفاف التي عاشتها البلاد بين سنة 2019 و2020، باعتبار أنّ الاقتصاد الموريتاني هو بالأساس ريعي وهش يعتمد أساسا على القطاع الفلاحي من زراعة وتربية الماشية، ويتميز بقلة الإمكانيات المادية والنقص في البنية التحتية في قطاع الصناعة والتجارة، بحيث تبقى الفلاحة هي القطاع الهام المنتج والمشغل والشريان الحيوي للاقتصاد المحلي والمورد المالي الأساسي لميزانية الدولة.
ووفق تقرير أورده البنك الدولي في موقع الرسمي باللغة العربية يوم 26 جويلية 2020، فإنّ موريتانيا تمثل همزة وصل بين المغرب العربي وغرب أفريقيا، موضحا أنّ البلاد تعاني من الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية، حيث شكلت منتجات الصيد والتعدين 98.1 في المائة من إجمالي الصادرات في عام 2017، وكثافة سكانية منخفضة للغاية تبلغ 4.3 شخص فقط لكل كيلومتر مربع، مقارنة بمتوسط يبلغ 44.9 في أفريقيا.
قبل أزمة كورونا، كان نموذج النمو في موريتانيا يعاني من قيود هيكلية حالت دون مضي البلاد قدما في تنفيذ جدول أعمالها التنموية. وتظهر مذكرات البنك الدولي الاقتصادية بشأن موريتانيا أن موريتانيا لم تستفد من مواردها الطبيعية بشكل كافٍ في الماضي، مما عرّضها لصدمات أسعار السلع الأساسية، وأسهم في نهاية المطاف في التباطؤ الاقتصادي بعد عام 2015.
وفي الوقت نفسه، أدى النمو السكاني السريع في المدن في ظل غياب التكثيف المكاني للسكان والشركات إلى حرمان موريتانيا من المنافع الكبيرة وعوائد النمو من وفورات الحجم والتحول نحو وظائف أكثر إنتاجية في قطاعات الصناعات الزراعية والصناعات التحويلية والخدمات، في حين لا توجد صيغة ثابتة لتسريع النمو، وفق المصدر ذاته.
ورأى البنك الدولي أنّه ثمة أربع مجالات على صعيد السياسات الاقتصادية من شأنها مساعدة موريتانيا على الاستفادة من المنافع المحتملة للتوسع المدني وتعزيز تنويع النشاط الاقتصادي في المستقبل، وهي تشجيع إقامة اقتصاد أكثر توجها نحو السوق، وتعزيز عوامل الإنتاج وتحسين التخطيط المدني وتحسين إدارة الموارد الطبيعية.
وأورد موقع البوابة العربية للتنمية في تقرير له اعتمد البيانات الرسمية المتاحة التي نشرتها المكاتب الإحصائية الوطنية و/أو المؤسسات الرسمية/الحكومية في ماي 2020، أنّ موريتانيا تسجل معدل نمو سنوي يبلغ 2.7 في المئة، بينما يبلغ متوسط العمر المتوقع عند الولادة 64.7 سنة، ويعيش 53.7 في المئة من سكان موريتانيا في المناطق الحضرية، وهي نسبة أقل بقليل من المتوسط العالمي البالغ 55.3 في المئة.
ووفق المصدر ذاته، عانت موريتانيا من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي نتيجة للجفاف الذي أصابها في عام 2017، إذ احتاج أكثر من 306،000 شخص إلى المساعدة الإنسانية في عام 2019، وأدى الصراع الإقليمي إلى تدفق اللاجئين إلى موريتانيا التي استضافت 58،990 لاجئ مسجل من مالي بحلول مارس 2020.
وفي تقرير لصندوق النقد العربي، صدر في أفريل 2021 وتمحور حول آفاق الاقتصاد الموريتاني، توقع أن يبلغ معدل التضخم لعام 2022 نحو 6.2 بالمائة، مع ارتفاع الأسعار المحلية.
ولتوضيح سبب عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي للدول الخمس الأعضاء رغم إمكانية ذلك نظريا، تقول الخبيرة الاقتصادية جنات بن عبد الله في تصريحها لـ”ضاد بوست”، إنّه “لا بد أن نعود إلى ظروف نشأة اتحاد المغرب العربي، فهو جاء بناء على مصادقة مجلس وزراء المجموعة الاقتصادية الأوروبية في جوان 1973 بناء على سياسة المنهج المتوسطي الشامل الذي يضبط طبيعة العلاقات بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول البحر الأبيض المتوسط، وبناء على هذه المصادقة، تم تقسيم دول البحر الأبيض المتوسط إلى 3 مناطق وهي منطقة المغرب العربي، ومنطقة المشرق العربي والمنطقة الأوروبية. وتم تثبيت أهداف هذه السياسة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الشاملة. وجاء هذا التقسيم بناء على تغيرات عرفتها المنطقة العربية في سنة 1973. والتي شكلت نقطة تحول في علاقة المجموعة الاقتصادية الأوروبية بالمنطقة العربية”.
وتابعت بن عبد الله أنّه “طالما أنّ نشأة اتحاد المغرب العربي لم تكن منبثقة عن إرادة أنظمة الدول المنتمية إليه، إنما نتيجة توازنات سياسية واقتصادية في المنطقة من زاوية نظر أوروبية بما يخدم مصالحها ويثبتها فمصير اتحاد المغرب العربي ليس بيد الأنظمة المغاربية لكنه يبقى خاضعا لموازين قوى وأجندات أوروبية بعيدة عن الأجندات المغاربية.”
واستدركت محدثتنا قائلة ” صحيح أنّ كل الدراسات التي جاءت في مستوى أهمية اتحاد المغرب العربي من الناحية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في منطقة المغرب العربي، قد أكّدت على أهمية هذا التكتل إذا تم تشكيله في خدمة مصالح الشعوب المغاربية، ولكن بكل أسف رغم ما أكدته الدراسات من تداعيات هذا التكتل على نسبة النمو والناتج المحلي الإجمالي في المنطقة، بما يعني أهمية هذا التكتل في الاستجابة إلى تطلعات شعوب المنطقة في الحياة الكريمة من خلال خلق مواطن الشغل وخلق الثروة وضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي، إلا أنّ هذا التكتل ولد ميتا”.
وأفادت الأستاذة جنات بن عبد الله أنّ “هذا التكتل لم يكتمل وبقي مصيره مرهون بإرادة سياسية مغاربية غير متوفرة لدى أغلب أنظمة الاتحاد، فهم رهن الإرادة السياسية الأوروبية. فكل الحكومات بقيت بعيدة عن تفعيل هذا التكتل باعتبار تفاقم تبعيتها المقيتة للمؤسسات المالية الدولية التي أصبحت اليوم تهدد مصير سيادتها الوطنية.”
وقالت بن عبد الله إنّه “على المستوى النظري بتكتل جهود أو بتفعيل الاتحاد المغاربي يمكن لهذه المنطقة أن تحقق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، لكن طالما أنّ المتحكم في مصير هذا التكتل بيد الاتحاد الأوروبي فإن هذا التكتل سيشكل تهديدا للاستقرار الأوروبي لأنه سيدخل في تنافس معه وهو أمر غير مسموح به من طرف الاتحاد الأوروبي”.
وذلك حتى تبقى دول جنوب المتوسط أسواقا مضمونة للاقتصاد الأوروبي، لأنه لو حقق الاتحاد المغاربي اكتفاءه الاقتصادي الذاتي ستخسر أوروبا أسواقا هامة عملت على ضمانها منذ معاهدة روما عام 1957 التي بعثت المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وفق الخبيرة الاقتصادية في تصريحها لـ”ضاد بوست”.
تفعيل التكتل المغاربي يشكل تهديدا للاستقرار الأوروبي
حتى أنّ الموقع الرسمي لاتحاد المغرب العربي لا يوضح أيّ معطيات عن الاتفاقيات الموقعة بين بلدان المغرب العربي في حين تتوقف المعطيات عن المبادلات التجارية داخل البلدان الأعضاء في سنة 2019، وهي توضح معطيات داخلية في كل بلد مع غياب كلي لاي معطيات عن تجارة بينية بين الدول المغاربية، فبولوجنا إلى الموقع للاطلاع على “الاتفاقيات والشراكات” لا تظهر منها إلا العناوين:
وتقودنا جميع العناوين إلى صفحة غير موجودة:
وشددت الخبيرة في الشأن الاقتصادي الأستاذة جنات بن عبد الله، على أنّ “هذا التكتل المغاربي يشكل بديل ومخرج حقيقي للدول المغاربية من أزماتها المالية الاقتصادية وكذلك الاجتماعية، وهذه الأزمات الداخلية من المفروض أنّ تدفع نحو الإسراع بتفعيل هذا التكتل المغاربي الا ان الواقع اتى عكس ذلك فعوض ان تنظر دول الاتحاد هذا التكتل كمخرج حقيقي لأزماتها فإنها تجاهلته باعتبار ان من يقرر مصيرها ليست حكوماتها وانظمتها ولكن أطراف خارج هذه الدول.”
وأوضحت بن عبد الله قائلة “كأننا في حالة غيبوبة فكل الحكومات الوطنية تسعى الى الخروج من ازماتها بمزيد اللجوء الى الاقتراض عوض العمل على إيجاد مخرج يثبت سيادتها الوطنية فنرى ان كل هذه الأنظمة تعمل على الخروج من أزمتها بتعميق التبعية الى الاقتراض الخارجي والاستجابة إلى الشروط المؤلمة للمؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي، فمن بين الحلول هو تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي”.
لا رغبة سياسية في جعل التكتل المغاربي حلا للأزمات الاقتصادية لدول الاتحاد
وإنّ الإشكال السياسي حول الصحراء الغربية مثل العائق الأبرز أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي المغاربي، ذلك أنّه عند تأسيس الاتحاد استأثر المغرب والجزائر بنسبة 73 في المئة من الاقتصاد الإجمالي لدول الاتحاد.
فتحكم موقف الجزائر من سيادة المغرب على الصحراء الغربية في العلاقة بين البلدين وبالتالي أثر عميقا في جسم اتحاد المغرب العربي، فكأننا بالعلاقة المغربية الجزائرية تتحكم في حال الاتحاد، وما زاد الأمر تعقيدا تواصل غلق الحدود بين الدولتين منذ سنة 1994، وهو ما استحال معه تحقيق التبادل التجاري السلس بين كلّ أعضاء الاتحاد فبقي مجرد هيكل غير مفعّل.
عقدة العلاقة المغربية الجزائرية
ظل الخطاب الرسمي يردد شعار “وحدة المغرب العربي خيار استراتيجي” بينما حدود أكبر دولتين فيه (المغرب والجزائر) مغلقة منذ 1994، ومازال ملف الصحراء الغربية يثير الانقسام بينهما.
وللتذكير فالمغرب تعرضت سنة 1994 إلى حادث اعتداء إرهابي راح ضحيته سائحان اسبانيان، واتهمت الرباط آنذاك المخابرات الجزائرية بالضلوع في الحادث (أثبتت التحقيقات المغربية والفرنسية فيما بعد عدم تورط الأمن الجزائري في العملية)، وفرضت التأشيرة على الرعايا الجزائريين في 26 أوت 1994 وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل كما أغلقت الحدود البرية مع المغرب يوم 27 أوت 1994.
وفي وقت لاحق تراجع البلدان عن إجراءات التأشيرة لكن الجزائر استمرت في إغلاق حدوها مع المغرب، معتبرة إياه “مصدرا للمشاكل الأمنية والتهريب وترويج المخدرات”، وهو ما ينفيه المغرب الذي عبر في مناسبات عديدة عن رغبته في فتح الحدود.
وقد انعكست هذه الأزمة على الاتحاد المغاربي حيث تمّ تجميد مؤسساته أكثر من 6 سنوات، ولم تتمكن الدول الأعضاء من إعادة إحيائه إلى بانعقاد اجتماع في الجزائر يومي 18 و19 مارس 2001 ضم وزراء خارجية دول الاتحاد باستثناء المغرب الذي أوفد إلى العاصمة الجزائرية وزير الدولة للخارجية والتعاون، آنذاك، الطيّب الفاسي الفهري بدلا من وزير الخارجية محمد بن عيسى.
ويشترط المغرب تسوية قضية الصحراء الغربية في مصلحته للشروع في تعاون وطيد وإعطاء دفع جديد لاتحاد المغرب العربي، معتبراً أن الصحراء الغربية “قضية وطنية” لا يمكن أن تُوضع جانباً وأن تترك لتسوية في إطار الأمم المتحدة، بل يجب أن تسوى بين المغرب والجزائر، بينما ترى الجزائر أن نزاع الصحراء الغربية يجب أن يُفض بين المغرب والبوليساريو في إطار تسوية سياسية طبقاً لقرارات الأمم المتحدة.
وفي هذا الشأن، أكّد الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني، في تصريح لـ”ضاد بوست”، أنّه “للأسف ما يمكن إطلاقه على العلاقات المغربية الجزائرية هو أنّه دق مسمار من آخر المسامير في نعش الاتحاد المغاربي”.
واستدرك محدثنا قائلا إنّه “في المستقبل نعتقد أن الشباب الذي لا يعترف بالحدود قادر على أن يبدع أشكال تواصل لمحاولة بناء الوحدة المغاربية، وأنا شخصيا مشارك في ما عبرنا عنه بـ”جمهورية المغرب الكبير” واعلنا عنها افتراضيا على مواقع التواصل الاجتماعي ونقوم بالعديد من النشاطات، في اعتقادنا لعله يكون شكل من أشكال البناء الذي يبدأ مع الشباب في شكل مستحدث حتى نقدم شيء لهذا البلد”.
العلاقات المغربية الجزائرية آخر المسامير في نعش الاتحاد المغاربي
التطبيع المغربي: إسفين في نعش الاتحاد
فضلا عن التعقيدات التي ميزت مسار اتحاد المغرب العربي منذ ثمانينات القرن الماضي، استجد يوم 10 ديسمبر 2020 إعلان المغرب التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكأنّه إسفين جديد دقّ في نعش الاتحاد الذي يحاول أن يتخطى مرحلة التأسيس الممتدة أكثر من ربع قرن. وربما أصبح حلم اتحاد المغرب العربي وتوحيد شعوبه المهمة المستحيلة.
وقد يكون موقف رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، الذي أعلن فيه ضرورة إحياء المغرب العربي ولو بالانطلاق من مثلث الجزائر وتونس وليبيا، من ارتدادات التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني.
ذلك أنّ الغنوشي أثار غضي السلطة المغربية، حيث دعا، في حوار لإذاعة “ديوان أف أم” ويوم 24 فيفري 2021، تونس والجزائر وليبيا إلى فتح الحدود وتبني عملة واحدة ومستقبل واحد، لشعوب البلدان الثلاثة، في استبعاد منه للمغرب وموريتانيا.
وقال الغنوشي “علينا أن نحيي مشروع المغرب العربي ولو بالانطلاق من هذا المثلث، كما انطلق الاتحاد الأوروبي من العلاقة بين ألمانيا وفرنسا”.
وآخر الأزمات المغربية_الجزائرية نعيش على وقعها هذه الأيام على هامش مفاوضات تحديد تاريخ عقد القمة العربية بالجزائر، ذلك أنّ
الخلافات قائمة حول بعض ملفات على غرار الجهة التي ستمثل سوريا في القمة والعلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، والوضع في ليبيا إضافة إلى الملف الفلسطيني، والذي هو أبرز نقاط الخلاف بين القاهرة والجزائر. وأبرز هذه الأزمات، هي الواقعة بين المغرب والجزائر، فقد رجّحت بعض المصادر أن للمغرب دور كبير في موضوع التأجيل، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة بين الجزائر والرباط، والتي تتعلق بأزمة الصحراء، وتقارب الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي وتوقيع اتفاقات أمنية معها، وهو ما تراه الجزائر تهديداً لأمنها القومي.
وكشفت صحيفة “الأيام 24” عن أن سبب تأجيل القمة العربية هو رفض دول الخليج العربي، إدراج ملف الصحراء الغربية في جدول أعمال القمة، حيث سبق لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن قال في تصريح صحفي، إن القمة العربية المقبلة ستكون “قمة التضامن العربي ودعم القضية الفلسطينية والشعب الصحراوي.”
كما أنّ العلاقات الجزائرية مقطوعة بين الجزائر والمغرب منذ أوت 2021، حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب متهمة إياها بارتكاب “أعمال عدائية”، بينما أعربت المغرب عن أسفها لهذا القرار.
ويوم الثلاثاء 15 فيفري 2022، اتهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقاء مع الصحافة الجزائرية، إسرائيل والمغرب بالوقوف وراء “كل محاولات الوقيعة بين الرئاسة والجيش وزرع الفتن والأخبار الكاذبة”.
وأكد تبون في حديثه حول العلاقة مع المغرب أنها لا تسير نحو الانفراج، بل زادت حدتها بسبب “البروباغاندا” الممارسة من طرف الصحافة المغربية والأجهزة الموالية للنظام المغربي الذي يتخذ من إسرائيل شريكا له.