ملفات

التعليم.. مصعد اجتماعي خذلته الدولة واستثمره الخواص

تمثل “الثروة البشرية” أهم ثروات تونس، البلد ذو الاقتصاد الهش المعتمد أساسا على اليد العاملة ذات الكفاءة في ظلّ غياب وشحّ الثروات الباطنية (النفط /الغاز…)، فمثّل التعليم العمومي أهمّ ركائز هذه الثروة، كما أنّه كان ولازال مصعدا اجتماعيا لجلّ العائلات التونسية خاصة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة فجسّد في مخيالها العدالة الاجتماعية للانعتاق من الفقر.

قناعة بدأت تتلاشى بتحوّل قانون “مجانية التعليم” إلى مجرّد شعار واختلال التوازن في منظومة التعليم العمومي وتتالي أزماته مع غياب الإصلاحات الضرورية مما أدى إلى بروز قطاع المدارس الابتدائية الخاصة بعد أن كان القطاع الخاص منحصرا في طبقة “الأثرياء” وممن استحال عليهم قانونيا الاستمرار في منظومة التعليم العمومي لتجاوزه السن القانونية (في المستوى الإعدادي والثانوي).

فما الذي دفع الوليّ إلى طرق أبواب المدارس الخاصّة؟

وما مدى وجاهة “تجريم” قطاع التعليم الخاص وإلقاء أزمات التعليم العمومي على عاتقه؟

هجرة جماعية إلى الخاص

سجل عدد التلاميذ في القطاع الخاص تطورا هاماّ في السنوات الأخيرة فحسب نتائج الإحصاء التربوي للسنة الدراسية 2020 / 2021 يوجد 101091 تلميذا في المدارس الخاصة التونسيّة من بينهم 48009 من الإناث و53082 من الذكور، وقد تزايد العدد بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية بوجود 13289 تلميذا خلال السنة الدراسية 2004/ 2005، و48390 تلميذا في السنة الدراسية 2014/2015 في المؤسسات التربوية الخاصّة.

المقالات المتصلة

ومن الملاحظ أيضا تضاعف العدد في السنوات الستّ الأخيرة حيث بلغ عددها 1242 مؤسسة من بينها 736 مؤسسة تعليم ابتدائي في شهر سبتمبر 2022 بينما في السنة الدراسية 2014/2015 لم يتجاوز 263 تلميذا، ويوجد حاليا في المدارس الابتدائية الخاصّة أكثر من 100 ألف تلميذ بنسبة تقدرّ بـ 8 بالمائة من إجمالي عدد التلاميذ المسجلين بالمرحلة الابتدائية.

ويشرف على تكوينهم 9903 مدرسا يتوزعون على 622 مدرسة خاصّة بمعدّل 10 تلاميذ في كلّ فصل، هذا العدد هو من بين عدد إجمالي يقدّر بـ 2192970 تلميذ ينتمون إلى مجال التعليم بمؤسستيه الخاصّة والعموميّة، وإجمالا حسب إحصائيات دورة جوان 2020 فقد تم تسجيل نسبة نجاح تقدر بـ 11.8 في القطاع الخاص و49.2 بالمائة في القطاع العمومي.

وقد شهد عدد التلاميذ المنتمين إلى القطاع الخاصّ تطورا لافتا، خاصّة إثر سنة 2011 وقد تضاعف العدد بشكل كبير مقارنة بالحقبة التاريخيّة الفاصلة بين التسعينات والثمانينات حيث يشير رئيس غرفة المدارس الخاصة زهيّر المشرقي في حديث لـ “ضاد بوست” إلى أنّه “فيما بين سنتي 2011 و2012، وتزامنا مع الأحداث التي وقعت في البلاد، دفع الأمر عديد الأولياء إلى القطاع الخاص”.

وتذهب بعض الآراء إلى تفسير تطور عدد المدارس الخاصّة إلى جودة التعليم فيها والصرامة في العمل، مقابل تقهقر مستوى المدارس العموميّة بينما ترى نقابة متفقدي التعليم الابتدائي عكس ذلك إذ أرجعت تقهقر مردود المدارس العموميّة إلى عدّة أسباب وهي ما ذكرها كاتب عام النقابة نور الدين الشمنقي الذي أفاد “ضاد بوست ” قائلا “بعيد الثورة وُجدت نية استهداف للتعليم العمومي لسببين هما ضغط الصناديق المالية المانحة (الضغط على الدولة التونسية للتخلص من أبعادها الاجتماعية المتعلقة بالتعليم والصحة …) وهو ما نلاحظه من خلال تراجع وتقهقر ميزانية وزارة التربية في سنوات ما قبل الثورة وبعدها، ومن جهة أخرى وجود أطراف باتت معلومة لدى التونسيين، أرادت ضرب وحدة التعليم التونسي وبالتالي حاولت خلق فسيفساء في منظومة التربية لتسهيل عملية اختراق مفاصل الدولة بنية التمكين (الاستيطان) في الدولة التونسية عبر ضرب التعليم وهو ما كان واضحا في زمن حكم الترويكا، إذ توجد مدارس خاصة صلب المنظومة التربوية التونسية تدار وفق أنماط وافدة علينا”، وفق تعبير محدثنا.

تطور عدد المدارس والمدرسين والتلاميذ في القطاع الخاص

وينتمي إلى المؤسسة التربوية الخاصة عدة أصناف من المهنيين في التدريس ومن حاملي الشهادات العليا إذ يبلغ عدد المدرسين المتفرغين للتدريس بمؤسسات التعليم الخاص 1792 و6219 من حاملي الأستاذية أو الإجازة و1095 مدرسون متقاعدون ويقوم 170 مدرسا ينتمي إلى المدارس العموميّة بالتدريس وقتا جزئيا في المدارس الخاصّة.

وفي هذا الصدد، أوضح رئيس غرفة المدارس الخاصّة زهير المشرقي أنّه “يتم اختيار مربين مختصين في مجالات اختصاصاتهم فمثلا في مجال اللغات يتم انتداب خريجي كليات المعاهد الفرنسية والإنقليزية والعربية والعلوم ومؤطرين بيداغوجيين ومتفقدين يقومون بتأطيرهم للحصول على الخبرة والكفاءة اللازمة ، وهناك تنوّع في الإطار التعليمي المشرف على تكوين تلاميذ التعليم الخاصّ، ولئن كان تعليم اللغات بصفة مبكّرة أهمّ ميزة في هذه المدارس إلاّ أنّها تعوّل أيضا على تحقيق التميّز في بقيّة المجالات كالمجالات العلميّة والثقافيّة وذلك بتكثيف وجود النوادي وملء أوقات الفراغ المهدورة في قطاع التعليم العمومي”.

وتتصدّر ولايات تونس الكبرى أعلى الترتيب من حيث إجمالي عدد المدارس الابتدائية الخاصة بـ103 مدرسة خاصّة في منطقتي تونس 1 وتونس 2 تليها ولاية سوسة بوجود 62 مدرسة خاصّة وولاية بن عروس ب57 مدرسة  وولاية أريانة ب55 مدرسة، في المقابل لا يوجد سوى 3 مدارس فقط في ولاية الكاف ومدرستين في ولاية مدنين، وقد تعود هذه المعطيات إلى الكثافة السكانيّة في مناطق تونس الكبرى والمناطق الساحليّة وعدم انتشار ثقافة التدريس في المدارس الخاصّة في ولايات الشمال الغربي والجنوب وتردّي عامل التنقّل في الجهات رغم تدهور الأوضاع في عديد المدارس في الجهات واضطرار عدد هام من التلاميذ للانقطاع المبكّر عن الدراسة.

وتعتمد المدارس الابتدائية في القطاع الخاص 7 مناهج تربوية للتعليم، وفي طليعتها “المنهج التربوي التونسي” بـ 711 مؤسسة تربوية ابتدائية خاصّة، وتعتمد 13 مدرسة ابتدائية “المنهج التربوي الفرنسي”، وتعتمد 4 مؤسسة “المنهج التربوي البريطاني”، ونجد “المنهج التربوي الأمريكي” كذلك في 4 مدارس والمنهج التربوي الكندي في مدرستين والمنهج التربوي الألماني والليبي في مدرسة واحدة لكل منهما.

وحتى بالنسبة إلى المدارس الخاصة التي تعتمد النظام التربوي التونسي فإنّها تركّز في مناهجها على تدريس اللغات الأجنبية، خاصة اللغتين الفرنسية والإنقليزية.

هذا التنوّع شجّع الوليّ على الإقبال على هذه المدارس التي في طريقها نحو التكاثر “بطلب من الوليّ”، حسب رئيس غرفة المدارس الخاصّة زهيّر المشرقي، وقد تحوّل التعليم الخاص اليوم لدى مختلف الطبقات الاجتماعية إلى غاية ملحّة و”مركبا” لإنقاذ التلميذ لعدّة أسباب لعلّ أبرزها تعطّل مسار الدروس خلال السنوات الأخيرة في المؤسسات التربويّة العموميّة.

ونلاحظ أنّ المناهج التربويّة المعتمدة في الصدارة هي المناهج التربويّة التونسيّة، ربما في محاولة لإنقاذ المنظومة التربوية الوطنيّة بينما المناهج الأجنبيّة المعتمدة هي الفرنسيّة لصدارة هذه اللغة في مختلف البيداغوجيات التعليميّة في تونس خاصة على المستوى الثانوي والجامعي (تناولنا هذه العلاقة بين فرضية اللغة الفرنسية والتعليم التونسي في ملفنا بعنوان “الفرنكوفونية.. هكذا تهاوت من علياء عرشها الثقافي”)، أما بالنسبة إلى المناهج التربوية التعليميّة البريطانيّة والأمريكيّة والكنديّة فقد فرضها ازدهار اللغة الإنقلزية عالميا، إضافة إلى تقدم ترتيب اللغة الألمانيّة.

المناهج التربوية المعتمدة في المدارس الابتدائية الخاصة

الأسرة: تعليم “الضرورة”

اعتبرت الوليّة (منى) وهي أمّ لطفل يدرس بالسنة التحضيريّة بمدرسة خاصّة أنّ المعلمين النواب خاضوا إضرابا منذ بداية السنة الدراسية وصولا إلى منتصف شهر نوفمبر، ولهم الحق في ذلك نظرا إلى مشاكل الانتدابات المتأخرة فأغلبهم منذ سنوات يزاولون عملهم بعقود هشة ووضع مالي متردي، والأمر صعب بالنسبة إلى معلم رب أسرة لا يحصل على راتبه شهريا وهو ما يؤثر على نفسيته ومردوده في القسم، لكن التضرر الوحيد في كلّ الحالات هو التلميذ”.

وتضيف محدّثتنا “التدريس مهنة شاقة وتتطلب حضورا ذهنيّا وهذا لا يمكن مع الظروف التي يعاني منها المدرس والوزارة هي السبب نظرا إلى فشل الدولة”، موضحة “لسنا من الطبقة الغنية مجتمعيا، “نحنا ناس عياشة”، إنّه واقع فبعد أن كان التعليم الخاص مقتصرا على الطبقة الثرية، اضطر إليه الولي من الطبقة الوسطى مكرها، فأنا أعتبر إبني استثمارا من واجبي انجاحه وتأمين مستقبله وإن كان ذلك على حساب ضغط المصاريف، مع العلم أنّه حسابيّا يجد الولي نفسه مجبرا على المدرسة الخاصّة فالمصاريف تقريبا نفسها في ظلّ عمل الوالدين (توفير التنقل والأكل والحضانة والدروس الخصوصيّة…)”.

وأردفت (منى) “يمضي إبني كامل يومه في المدرسة الخاصة ويعيش حياته خارج المنزل والأبواب موصدة عليه كامل النهار، أنا مطمئنة من ناحية، لكن من ناحية أخرى أتمنى أن يمضي معي البعض من يومه، للأسف لم يعد من الممكن تدريس الأبناء بالمدرسة العمومية، أنا اضطررت إلى التعليم الخاص بسبب الاختيار الآلي لمدرسة طفلي، المدرسة التي سيضطر إلى ارتيادها حسب التقسيم الترابي من أسوأ المدارس تربويا ومن ناحية أمن طفلي خاصة أننا في منطقة شعبية، لماذا لا يمنحوننا حرية الاختيار؟ هناك مدارس في القطاع العمومي جيدة جدّا وأفضل من القطاع الخاص لكن حسب “قانون” الوزارة ليس لدى أبنائنا أيّ حق في الانضمام إليها بسبب التوجيه الآلي”.

“مروى” أمّ لطفلين يدرسان بالسنة السادسة والسنة ثالثة من التعليم الأساسي، قررت تدريس أبنائها في القطاع الخاص، قالت لـ “ضاد بوست” إنّ ما وجدته في التعليم الخاص لم تجده في المدارس العمومية من حيث التنظيم في مواقيت العمل (من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الرابعة مساء والتوقيت المخصص للراحة يدوم ساعة للإفطار مع توقيت للمجة) ويتمتع طفلاها براحه مساء يوم الأربعاء لكسر الروتين اليومي وراحة آخر الأسبوع يومي السبت والأحد مخصص لممارسة الأنشطة.

وتوضح “مروى” أنّ “هناك تنظيم هام في الصفوف ينطلق من تحية العلم، واحترام تام ومتبادل بين المدرسين و التلاميذ، إنّي مطمئنة على إبنيّ في المدرسة الخاصة على مستوى الأكل والالتزام بالدروس طيلة اليوم دون الخروج إلى الشارع كما أن النقل مؤمن يوميا، في المدارس العمومية هناك الكثير من الغيابات في صفوف المدرّسين بينما في المدارس الخاصّة من النادر جدا تغيب المعلم وفي حال تغيب هناك معوض ولا يوجد اكتظاظ في الأقسام عكس المدارس العمومية وهو أمر مهم من حيث عملية استيعاب وفهم الدروس”.

وبالنسبة إلى المناهج التعليمية، أكّدت محدثتنا أنّها متميزة لأنّ أبناءها يدرسون اللغات منذ السنة الأولى من التعليم الأساسي وهم متميزون اليوم في دراستهم مقارنة بالوسط الاجتماعي الذي ينتمون إليه فهناك فرق كبير بينهم وبين أقاربهم الذين يدرسون في القطاع العمومي.

تقول محدّثتنا “ابني متميز يتحصل إلى معدل 18 وهو أمر مفرح بالنسبة إلي، أنا أقوم بالاستثمار في أبنائي، وأدفع شهريا مبلغ 450 دينار وهو أمر هين أمام المستوى الذي يتميز به إبنيّ، كما أن هذه الميزانية لا تعتبر مشطّة، أقوم بتدريس ابني في المدرسة الخاصة وهو ما يعفيني من الدروس الخصوصيّة التي قد تناهز مصاريفها هذا المبلغ المرصود شهريا للتدريس بالقطاع العمومي بالإضافة إلى المصروف اليومي ومصاريف التنقل، يجب أن يكون الولي مطلعا على المدرسة الخاصة التي يضع فيها ابنه وحسن الاختيار ليضمن نتائج جيدة وممتازة”.

“لدي 3 أطفال يدرسون في التعليم العمومي، السنة السادسة والسنة الرابعة والسنة الثانية من التعليم الأساسي، أنا ضد التعليم الخاص، وأريد تدريسهم في التعليم العمومي لأني اعتبره ملتزما ببرامج مترابطة وهذا ما استنتجته من خلال تجربتي مع أبنائي فهي برامج متناسقة مكملة لبعضها البعض ومنظمة”، هكذا تحدثت الأم “نائلة”، مضيفة “هناك تشكيّات من كثرة المواد وساعات التدريس في التعليم العمومي وهذا الأمر لا يعد إشكالا بالنسبة إلي، فالطّفل في حاجة إلى عديد الساعات من التدريس لتكون كافية لزيادة الفهم نظرا إلى وجود كفايات معينة تتطلب الكثير من الوقت للفهم والقدرة على إعداد التمارين وتعلم الدرس وفهمه جيدا، فامتداد ساعات التدريس لا اعتبره إشكالا بل هو أمر جيد”.

وتواصل محدثتنا قائلة “عند التقليص من مضمون بعض المواد الدراسية من الممكن الوقوع في فخ الاعتداء على جودة المضمون، وعند التعويل على التمارين الشفاهية لتعويض هذا النقص يعجز الولي عن معرفة الدروس المحذوفة وعلى مساعدة ابنه على المراجعة في المنزل، ما ينقص من المناهج التربوية ليس في صالح التلميذ، وبالنسبة إلى مستوى المدرسين في القطاع العمومي، وهو أمر مثير للجدل حسب رأيي، يوجد نوعان فمنهم من تلقوا التكوين في مدارس المعلمين مباشرة بعد الباكالوريا وهذا شكل ضعفا تكوينيا لديهم لعدم وجود ثقافة أوسع ولغياب الفكر النقدي والإبداعي، لكن في المقابل عندما يكون المدرس صاحب اختصاص بعد البكالوريا ومتحصل على شهادة في هذا الاختصاص سواء الرياضيات أو العربية أو الفلسفة أو العلوم، تتوفر لديه الكفاءة والقدرة على تدريس التلميذ وتمرير المعلومة بسلاسة، فالمربي ليس مجرد آلة بيداغوجية لإسقاط المعلومة بجمود مما يصعب على التلميذ فهمها، مع العلم أنّ كل إنقاص في الزمن المدرسي ليس في صالح التلميذ”.

استثمار الأزمة…

“تبين الدراسات الدولية المقارنة، أن وجود التعليم الخاص أو غيابه في منظومة تربوية معينة ليس علامة على جودة هذه المنظومة أو ضعفها بمعنى أن هناك نظم تربوية عالية الجودة وممتازة تقريبا بينما التعليم الخاص غائب فيها تماما وهناك نظم أخرى أيضا عالية الجودة وممتازة ويلعب فيها التعليم الخاص دورا مهما وهو بشكل عام ما تخبرنا به التقييمات الدولية”، وفق ما أوضحه رئيس الجمعيّة التونسيّة لجودة التعليم سليم قاسم في حديث جمعه بـ “ضاد بوست”.

ويقول قاسم إنّه “بالنسبة إلى المنظومة التربوية التونسية فإن التعليم الخاص بصدد التقدم من حيث نسبة مشاركته في التأطير والاحتواء بالنسبة إلى التلميذ، بتسجيل حضوره بنسبة 10 بالمائة تقريبا وهي نسبة في ارتفاع متطرد بسبب توجه لا يمكن إنكاره من طرف الأولياء نحو التعليم الخاص، وهو توجه له عدة أسباب، ولا يمكن أن تكون هذه الأسباب في علاقة بالبرامج فهي برامج موحدة، ولا يمكن أن تكون في علاقة بالمستوى الأساسي للمربي لأنه سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام يتم التعامل مع نفس الفئات بل يمكن أن يعتمد التعليم الخاص على الموارد البشرية الموجودة في التعليم العام وهو عامل محيّد أيضا. فما الذي يشد الولي إلى التعليم الخاص؟”.

واعتبر رئيس الجمعيّة التونسيّة لجودة التعليم أنّ “الأمر الأساسي والجوهري هو الانضباط من ناحية والعلاقة بين الولي والمدرسة والتلميذ والمدرسة من ناحية أخرى، وما نعني به الانضباط هو الالتزام بقواعد معينة وعلاقة الإدارة بالمربي، فالإضرابات المتتالية والمتأخرة بعد سنة 2011 جعلت الكثير من الأولياء يلقون المنديل وينسحبون من التعليم العمومي لعدم قبول بقاء أبنائهم لفترة طويلة دون دراسة وتعليق الدروس لأسابيع بسبب الإضرابات المفتوحة وهو أمر مستمر هذه السنة وغير موجود في المدارس الخاصة لوجود نظام معين ودقة معينة مما يجعل الولي يرغب في تدريس ابنه في منظومة التعليم الخاص، أما النقطة الثانية فهي مستوى التأطير والإحاطة وطبيعة العلاقة بين التلميذ ومدرسته، التلميذ في التعليم الخاص يقضي كامل يومه في مؤسسته بين الدراسة وممارسة الأنشطة الفصلية (الثقافية والرياضية…) أو في ممارسة أنشطة لا فصلية (حصص مراجعة و إحاطة) وهو ما ينقص الحياة المدرسية في المؤسسة العمومية، فما يوجد خارج جدول الأوقات الدراسي كأن المدرسة العمومية لا علاقة لها به وهو في المقابل ميزة أساسية تتميز بها المدرسة الخاصة (الخدمات التي تقدم بالإضافة إلى الخدمة التعليمية)”.

في نقطة أخرى، يشير قاسم إلى “كيفية طرح وتناول مسألة التعليم العمومي والتعليم الخاص حتى في بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي على أنّ هناك نوع من الجفوة لكن المسألة لا يجب أن تطرح من هذه الزاوية، فبالنسبة إلى الجمعية التونسية لجودة التعليم، المنظومة التربوية هي منظومة واحدة فيها مؤسسات عمومية وأخرى خاصة، وكل تميز لمؤسسة يكون عبر خدمة التلميذ التونسي والمنظومة التربوية التونسية ولا يوجد عيب في استفادة المؤسستين من بعضهما البعض على مستوى الخبرات والقطع مع العقليات غير المنتجة والطرح المغلوط للقضية فالطريق الحقيقي يكمن في كيفية التكافؤ بين المؤسستين لخلق الأفضل للتلميذ”.

لا يجب طرح المسألة على أنّ هناك جفوة بين العمومي والخاص.. فالمنظومة واحدة

رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم

من جانبه، بيّن رئيس غرفة المدارس الخاصّة زهيّر المشرقي لـ”ضاد بوست” أنّ “التعليم الخاص بدأ ينتشر لأنه يستجيب إلى حاجة اجتماعية، إذ نجد أن الوالدان يعملان كامل اليوم لذلك وجدا أن المدرسة الخاصة قادرة على توفير خدمات الدراسة والحضانة في نفس الوقت، وتفطن الولي فيما بعد إلى أن المدرسة الخاصة توفر نتائج طيبة خاصة على مستوى تكوين اللغات، وهناك ظاهرة انتماء اجتماعي فليس التعليم في المدارس الخاصة مثل التعليم في المدارس العمومية فالطبقة المتوسطة “تنحي من لحمها وتعطي لقراية ولدها” لأن تعليم الأبناء هو رأس المال الوحيد الموجود في تونس وما تربت عليه العائلات التونسية بأن التعليم مفتاح المستقبل”.

وفي حديث عن البرامج المعتمدة في المدارس الخاصة بيّن محدثنا أنّها “مرتبطة بالبرامج الرسمية لكن تطبيق هذه البرامج مختلف، فتتميز المدرسة الخاصة باعتماد أساليب صارمة أكثر وابتكار وتجديد خاصة في مجال اللغات بتعليمها بصفة مبكرة خاصّة مادتي الفرنسية والانقليزية مما يعطي امتيازات للتلميذ بتكوين في مرحلة التعليم الأساسي يكون متميز في اللغات”.

“ويتم تحديد الأسعار حسب الامتيازات المتوفرة في كل مدرسة خاصة والخدمات التي يقع تقديمها، فالطفل هو الأصل في هذا الموضوع ومسألة الأسعار تظل جانبية وفي البداية يجب أن تكون هناك رؤية وإستراتيجية بالتنسيق بين القطاع الخاص ووزارة التربية على رؤية للتعليم”، على حد تعبير المشرقي، الذي يشير إلى أنّه “يجب توفير التوازن بين صفة التربية وصفة النشاط الاقتصادي بإيجاد مدخول يضمن ديمومة المؤسسة التعليمية وتطويرها مما ينعكس ايجابيا على التلميذ، كما أنّه لا يجب أن تكون هناك غاية ربحية تجارية طاغية على المشروع التربوي، إذ يجب إيجاد توازن بين القطاع الخاص والوزارة التي منحتنا فرصة لأخذ المشغل لأن الدولة غير قادرة على توفير جميع المتطلبات في القطاع العام لذلك المدرسة الخاصة خلقت توازنا في المنظومة التربوية”.

المستويات المهنية للمدرسين في القطاع الخاص

واعتبر رئيس غرفة المدارس الخاصة أنّه “يجب اتخاذ خطط واضحة وتطبيقها وخلق التوازن، هذا غير ممكن في ظل ما يقع اليوم وأكبر دليل ما وقع مؤخرا بسبب أزمة إضراب المعلمين النواب وتأثيرها على عمل المدرسة الخاصة، مسألة تأجيل الامتحانات تخص القطاع العمومي فما دخل القطاع الخاص؟ من غير المعقول اتخاذ هذا القرار غير المنطقي وللأسف سلطة الإشراف غير مقتنعة بالأمر بينما فرض ذلك الطرف النقابي بسبب ضعف الوزارة ونفس الشيء وقع في فترة جائحة “كورونا” فقد طالبتنا الوزارة بتقسيم الأقسام إلى نظام أفواج وهو أمر لم يكن لصالحنا بالمرة، تقوم المدرسة الخاصة بتطبيق البرنامج المتفق عليها كما يجب وتحقق امتيازا في هذا المجال لكن تتأثر بما يعانيه القطاع العمومي من مشاكل وهذا غير معقول ورغم دراسة المواد يمنع التلميذ من اجتياز اختبارات فيها بسبب ما تعانيه المدرسة العمومية من غيابات في هذه المواد بالإضافة إلى الإرباك الذي وقع بسبب تأجيل الامتحانات بعد العطلة مما سيؤثر على سير العمل والتدريس بعد العطلة” .

المدرسة الخاصة لا تعاني من أي إشكال في تونس، على حدّ قول المشرقي، وهي في طريقها نحو مزيد القوة وأكثر المدارس الخاصة تواجدت بين 2013 و2015 أي منذ 5 أو 7 سنوات تقريبا، وقد وصلت إلى مرحلة تكوين فريقها البيداغوجي، وحاليا تقوم بتكوين فريقها الإداري ليتميّز بالكفاءة وتحقيق مصلحة التلميذ ومتطلباته الحاليّة التي تستجيب إلى متطلبات العصر الحالي.

ويقول المشرقي “الإشكال الحقيقي والخطير يكمن في إمكانية لجوء المدرسة الخاصة إلى الانتماء إلى سلطة إشراف خارجية تمس بالسيادة نظرا إلى إجحاف السلطة المحليّة، وذلك باللجوء إلى تطبيق برامج تابعة لبلدان أخرى مثل (فرنسا/ كندا/ أمريكا/ انقلترا…) نظرا إلى طلبات الأولياء الذين يرون أن تكوين أبنائهم يجب أن يستجيب إلى متطلبات معينة بأن يكون متميزا في لغات معينة ويتميز ببيداغوجيا ديناميكية وتفكير غير إقصائي وإعطاء التلميذ آليات لمواجهة مستقبله ومواكبة لعصره”.

مشاكل التعليم العمومي أثرت سلبا على عمل التعليم الخاص

رئيس غرفة أصحاب المدارس الخاصّة

نلاحظ هجرة الولي في تونس إلى المدارس الخاصة على جميع المستويات سواء كان على مستوى التعليم الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي وهي وجهة جديدة ممنهجة تجعل الولي يختار التعليم الخاص رغم ضعف الإمكانيات، لكن يكونون مضطرين”، هكذا قيمت الأخصائيّة الاجتماعية نسرين بن بلقاسم الإقبال المتزايد على المدارس الخاصّة من طرف الولي، وأضافت في حديث لـ “ضاد بوست”: “يقال إنّ تونس تتميز بالتعليم المجاني لكن هذه أكبر مغالطة يمكن أن نعيشها فمجانية التعليم مجرد فكرة وصورة في أذهاننا لكن الواقع عكس ذلك فتكلفة التلميذ على الولي اليوم ليتعلم باهظة جدا، ومحتوى القسم لم يعد كافيا، أصبحنا نعاني من أشكال كبير جدا اليوم  فـ”إذا عندك فلوس تقرا وتنجح ، ماعندكش فلوس ماعادش تنجم تقرا وتنجح” لأن الدرس الذي يعطى في القسم لم تعد له أية قيمة، فأصبح التعليم العمومي يشكل أزمة كبرى اليوم وهي من أهم الأسباب التي تجعل الولي يلجأ إلى منظومة التعليم الخاص، فقد أصبحت المدرسة العمومية تنتج العنف وأصبح التلميذ يعاني من عديد المشاكل في الوسط المدرسي وبات الولي يفكر في مستقبل طفله وفي تعليم وإحاطة جيدة وهو أمر غير متوفر في المدرسة العمومية التي تلعب دورها التعليمي والتربوي والإحاطة فأصبح الولي مضطرا للتوجه إلى المدرسة الخاصة”.

التعليم المجاني أكبر مغالطة … الواقع أنّ تكلفة التلميذ باهظة جداأخصائية اجتماعية

وتعتبر بن بلقاسم “أنّنا نعيش أزمة حقيقية في التعليم ونوعا من الأمية حيث يدرس التلاميذ منذ السنة الثالثة من التعليم الأساسي اللغة الفرنسية إلى حدود الباكلوريا، ويعجز عدد منهم على تكوين جملة سليمة، بالإضافة إلى دراسة عديد المواد الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية …) دون تحقيق الكفايات اللازمة، ونفس الشيء بالنسبة إلى المواد العلمية، المدرسة العمومية اليوم ليست لديها أية قيمة إذا لم يحرص الولي على تمكين طفله من دروس التدارك بالإضافة إلى الإحاطة خارج المدرسة وهي ظروف توفرها المدرسة الخاصة”.

وتتابع “يريد الولي اليوم تدريس ابنه اللغات انطلاقا من المرحلة التحضيرية وهو ما توفره المدارس الخاصة، هذه اللغات توفر للتلميذ في المستقبل بيئة معينة حيث تمكنه من الهجرة بينما تعاني المدارس العمومية من أزمة حقيقية على مستوى اللغات فيكون تكوين التلميذ ضعيفا في هذا المجال إذا غاب حرص الولي، وأصبح تعليم اللغات المبكر دافعا للولي للدراسة في المدارس الخاصة سيما مع توفير المستلزمات الدراسية (الكتب) من الخارج.”

من جانبه، أوضح كاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي نور الدين الشمنقي لـ “ضاد بوست” أنّ “هناك تراجعا لمردودية المدارس العمومية في السنوات الأخيرة على مستوى الجودة وأيضا لضغط الحياة وإيقاعها المعقد والمكثف على الزمن الاجتماعي مما يجعل الولي يضغط على ميزانيته ليمكن طفله من الدراسة في التعليم الخاص استجابة لعامل الراحة النفسية والاطمئنان لأنّ طفله يمضي كامل يومه في المدرسة حيث أن المدرسة الخاصة تقوم بعديد الأدوار منها التعليم والحضانة عكس المدارس العمومية”.

وفي ما يخصّ عمليات تفقد عمل المدارس الخاصّة بيّن كاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي أنّ “هناك ضغط كبير على المتفقدين في التعليم العمومي للتكوين والمرافقة والتفقد في القطاع العمومي بالإضافة إلى تفقد المدارس الخاصة، كما توجهت النقابة العامة للمتفقدين للمفاوضات الاجتماعية في علاقة بوزارة التربية لتمكين المتفقدين من منحة استثنائية إضافية تدفع من صندوق التعليم الخاص تحت إشراف وزارة التربية لتمنح لكل متفقد يقوم بالعمل الإضافي المتمثل في تفقد المدارس الخاصة”.

وقال الشمنقي “عند مراقبتنا للمدارس الخاصة هناك جودة من حيث البنية التحتية لدى عدد منها، بينما البعض الآخر منها لا تستجيب إلى المعايير وكراس الشروط (عدم وجود ساحة وسط المدرسة، غياب التهوئة الكافية، وجودها في حي قريب من منطقة صناعية، متاخمة لورشات الحرف التي يبعث منها الدخان والهواء الملوث المضر بصحة الأطفال…)، في المقابل توجد مدارس خاصة أصحابها من قطاع التربية يقومون بالعمل وفق الشروط والمعايير البيداغوجية والتربوية وبهذه الشروط تكون المؤسسات جاهزة لاستقبال التلاميذ والأولياء نظرا إلى مظهرها اللائق ولأنّها مؤمنة”.

المدرسة العمومية فقدت هيبتها… الولي فيها لا يشعر أنّ ابنه آمنأخصائية اجتماعية

وفي ما يخصّ إدارة التعلمات، بيّن محدّثنا أنّه “لا يوجد اختلاف بين المدرسة العمومية والمدرسة الخاصة لكن هناك امتياز للمدارس الخاصة بالتبكير في تعليم اللغات منذ السنة الأولى مما يدفع الولي إلى المدارس الخاصة”.

وفي هذا الصدد، أوضح محدثنا أنّ “اللغات أصبحت ضرورية للتموقع في العالم، رمزيا وماديا، فماديا يمكن التنقل وإدارة التفاوض مع الدول عبر اللغة الانقليزية والفرنسية أساسا، وبالنسبة إلى البعد الرمزي فإن البحث العلمي والمناويل البيداغوجية يمكن فهمها بهذه اللغات، وفي عينة من المؤسسات التربوية الخاصة هناك تميز بالأنشطة والنوادي مما يطور الحياة المدرسية”.

وقع نوع من الهجرة إلى المدارس الخاصة خاصة في السنوات الأولى للثورة، ولكن سنة 2015 انطلقت عملية إطلاق المسار الإصلاح التربوي وبين سنتي 2016 و2017 هناك نوع من الإصلاح والأسرة التربوية شرعت في التفكير في إعادة هيكلة المنظومة التربوية وإصلاحها وتطويرها ووضعها على طريق الحداثة والتجديد، فوقعت هجرة عكسية في فترة بين 2016 و2017، حسب ما أكّده كاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي، لذلك “هناك هجرة متبادلة ولا تسجل المدارس الخاصة سنويا سوى نسبة نجاح 4 بالمائة بالنسبة إلى الباكالوريا”.

وصرّح الشمنقي أنّ “غرفة أصحاب المدارس الخاصة تضغط على وزير التربية من خلال اللوبيات ورجال الأعمال والجلسات والمفاوضات والإعلام ليأذن بتمكين مدرس التعليم الابتدائي من التدريس بعض الساعات في المدارس الخاصة نظرا إلى جودة التعليم العمومي”.

وفي مجال تكوين المربين، اعتبر الشمنقي أنّ “هناك امتياز للمربي في القطاع العمومي خاصة بعد تجربة الإجازة التطبيقية في التربية بالتكوين الأكاديمي في الجامعة والتكوين الميداني لدى متفقد، كما يتم تكوين النواب والمتعاقدين ميدانيا عبر تكوين ومراقبة ومتابعة المساعد البيداغوجي والمتفقد ومدير المدرسة مما يجعله يحمل المستوى الأدنى من التكوين البيداغوجي ليجعله معلما ناجحا”.

غرفة أصحاب المدارس الخاصة تضغط على وزير التربية من خلال اللوبيات

كاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي

إنّ طرق التعليم في المدارس العموميّة أصبحت متأخرة جدا، على حدّ تعبير الأخصائيّة الاجتماعية بن بلقاسم، وأضافت “يمكن القول إنّ بلادنا أصبحت من الدول المتخلفة على مستوى التعليم باعتماد طرق تعليم تقليدية لا تتماشى مع الوضع والتحولات الاجتماعية التي نعيشها اليوم، فعدد الساعات كثير جدا كما يمارس عنف وضغط كبيرين على التلميذ والمربي في التوقيت المدرسي والبنية التحتية التي جعلت المدرسة العمومية مكان موحش بأقسام ملوثة وتجهيزات مخربة لا تدفع الطفل نفسيا للذهاب للدراسة وتؤثر على مردودية المربي وهو دافع كبير لتوجه الولي إلى المدارس الخاصة”.

واعتبرت بن بلقاسم أنّ “هناك من أفقد المدرسة العمومية قيمتها مما تسبب في اللجوء إلى المدارس الخاصة وربما إلى خوصصة التعليم نظرا إلى أنّ الدولة لا تعطي القيمة اللازمة للتعليم العمومي بغياب الإصلاحات في المدارس وغياب مراجعة البرامج والاكتظاظ داخل الأقسام وعدم توفير الإحاطة اللازمة للتلميذ والمربي، هذه الظروف جعلت وتيرة العنف مرتفعة في الوسط المدرسي نتيجة الضغط الكبير على التلميذ وعلى المربي بسبب عدم مواكبة التحولات الاجتماعية والتكنولوجية والعولمة والانفتاح على العالم الخارجي لأنّ  المستوى المدرسي ضعيف وتقليدي في المدارس العمومية”.

وتابعت أنّ ” المحيط المدرسي أصبح مكانا خطيرا على التلميذ نظرا إلى انتشار المخدرات والعنف وتعاطي الكحول والتدخين، جميعها ظروف جعلت الولي غير مطمئن على طفله في المدارس العمومية وجعلته يتوجه إلى المدارس الخاصة”.

واعتبرت الأخصائية الاجتماعية أنّ “حضور المختصين في الوسط المدرسي مهم جدا، فالمربي لا يستطيع القيام بوظائف متعددة لذلك يجب على الدولة الاهتمام بهذا الأمر الذي يدفع الولي إلى المدارس الخاصة لضمان تنشئة الطفل في بيئة سليمة على المستوى التعليمي والنفسي والأخلاقي، فالولي لا يشعر اليوم بأن طفله أمن في المدرسة العمومية لفقدانها قيمتها ودورها، وقد خلق الأمر نوعا من العنف الرمزي بين المدرسة الخاصة والمدرسة العمومية نظرا إلى قدرة البعض من التلاميذ على الحصول تعليم جيد ومتوازن وعدم قدرة البعض الآخر على ذلك لأنّنا  نعيش مغالطة كبرى اسمها مجانية التعليم، يجب العمل على إصلاح التعليم والبرامج التعليمية بشكل يتماشى مع الوضع الاجتماعي والتحولات التي تحدث في المجتمعات لإعادة هيبة المدرسة العمومية”.

إذا، رغم أنّه من المفروض أن تكون هناك علاقة تكامل بين المدرسة الخاصّة والمدرسة العمومية سيما أنهما تنضويان تحت إشراف نفس الهيكل (وزارة التربية) إلاّ أنّ التنافر في المواقف والآراء جعل السبل متوازية لا تلتقي، خاصّة عند تأثّر سير عمل المدارس الخاصّة بسير عمل المدارس العموميّة التي تعاني منذ سنوات عديد الهنات على مستوى البيداغوجيا التي يصفها البعض بـ “التقليديّة” والهيكل التربوي ومشاكل الانتداب التي أثّرت على سير الدروس ومردوديّة التلميذ، وفي جميع الأحوال المتضرّر الوحيد من هذا “الصّراع” هو التلميذ.

فإلى متى سيستمرّ هذا التقهقر في مردود المدرسة العموميّة؟ وهل ستقود هذه المشاكل فعلا إلى خوصصة القطاع تدريجيّا؟

فاتن الماجري

صحفية حاصلة على الأستاذية من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة، سنة 2009 اختصاص إذاعة. عملت بعدد من الصحف والمجلات التونسية على غرار جريدة "السور" اليومية (توقفت عن الصدور)، والمجلة الجامعة "قبل الاولى " ومجلة "med.tn" المختصة في المجال الطبي.
زر الذهاب إلى الأعلى