القيروان وتونس في الصدارة… أرقام صادمة عن حالات الانتحار
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن إفريقيا تعد القارة الأعلى عالمياً في معدلات الانتحار، إذ ينتحر 11 شخصاً من بين كل 100 ألف شخص سنوياً في إفريقيا، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 9.
ولفتت المنظمة إلى وجود طبيب نفسي واحد لكل 500 ألف شخص في إفريقيا، وهو ما يقل 100 مرة عن توصية المنظمة.
ويعود ذلك جزئياً، وفق المصدر ذاته، إلى عدم كفاية الإجراءات لمعالجة ومنع عوامل الخطر، بما في ذلك حالات الصحة العقلية التي تؤثر حالياً على 116 مليون شخص، وهي زيادة من 53 مليوناً في عام 1990.
وأطلقت الأمم المتحدة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تهدف من خلالها الوصول إلى 10 ملايين شخص في جميع أنحاء المنطقة بهدف زيادة الوعي العام وحشد دعم الحكومات وصانعي السياسات بغرض زيادة التركيز والتمويل لبرامج الصحة النفسية، بما في ذلك جهود الوقاية من الانتحار.
“ضاد بوست” تساءلت في هذا التقرير عن مدى انتشار ظاهرة الانتحار في تونس؟ فضلا عن العوامل الكامنة وراءها؟
انتحار “المجتمع” التونسي
أقدم شابّ من معتمدية مرناق (ولاية بن عروس) يوم 24 سبتمبر 2022 على الانتحار شنقا، في حادثة أثارت احتجاجات أهالي المنطقة، معتبرين أنّ افتكاك البلدية لصندوق خضاره ومعدات عمله هو السبب الرئيسي لانتحاره، فيما واجهت وزارة الداخلية هذه الاحتجاجات ببيان قالت روايته إنّ خلافات عائليّة دفعته إلى وضع حدّ لحياته.
هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها التي تشهدها البلاد، فالمئات من حالات الانتحار استهدفت مختلف الشرائح العمورية، إذ لم يخل شهر ولا ولاية من حوادث الانتحار، ففي أوت 2022، أقدمت فتاة تبلغ من العمر 25 عاما من منطقة بوحجلة من ولاية القيروان على الانتحار، وهو ما أقدم عليه شاب الـ 20 ربيعا بمنطقة الشراردة.
وشملت حوادث الانتحار الأطفال حيث أقدم طفل الـ 11 سنة في منطقة الشبيكة من ولاية القيروان على محاولة الانتحار شنقا، وتعمد طفل يبلغ من العمر 16 عاما وضع حدّ لحياته نظرا إلى عدم تمكينه من مبلغ ماليّ يمكنه من اجتياز الحدود خلسة.
إلى ذلك، فإنّه رغم التراجع الملحوظ إلاّ أنّ الخطر قائم والإحصائيّات لا تزال مفزعة ففي ماي 2022 رصد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 9 حالات انتحار ومحاولة انتحار طيلة الشهر (شهر ماي) تنقسم إلى حالتي انتحار في كلّ من قفصة وصفاقس، وحالة انتحار في كلّ من أريانة والقصرين ومدنين والقيروان وسيدي بوزيد مثّل فيها الانتحار شنقا أبرز أشكال الانتحار المرصودة بنسبة 7.66 % يليه الانتحار حرقا بنسبة 2.22 بالمائة ثم استخدام سلاح أبيض أو سلاح ناري بنسبة 1.11 بالمائة.
وفي أفريل 2022 تمّ رصد 6 حالات انتحار متفرقة بمعدّل حالة في كل من ولايات أريانة وبنزرت وصفاقس والقصرين وتطاوين والمنستير، حسب التقرير الشهري للمنتدى.
واستفردت القصرين بالصدارة من حيث عدد حالات الانتحار خلال شهر مارس 2022 حسب تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وذلك بإقدام 3 أشخاص، من نفس الجهة، على الانتحار تليها ولاية صفاقس بحالتي انتحار وحالة واحدة في كل من سوسة وتطاوين.
التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2021 توصّل إلى تسجيل تراجع ملحوظ من حيث معدّلات الانتحار السنوية خلال السنوات الأخيرة بـ 181 حالة سنة 2021 مقابل 235 حالة سنة 2020 و268 حالة سنة 2019 .
ورغم تراجع النسب إلاّ أنّ العدد لا يزال مفزعا ويجعل الأمر مثيرا للريبة والخوف خاصّة أنّ نسبة هامّة من المقدمين على الانتحار في سنّ المراهقة حيث سجّل تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال شهر ماي 2021 انتحار طفلين دون سن 15 عاما.
وقد تمّ تسجيل تراجع في عدد الإناث المقبلات على الانتحار خلال سنة 2012 بمعدل 50 حالة أي بنسبة 26.9 بالمائة مقابل 131 في صفوف الذكور و73.1 بالمائة، وهو ما قد يدعم فكرة التفكير التقليدي الذي يعتمد أساسا على إلقاء مسؤوليات بناء الأسرة على كاهل الرجل أكثر من المرأة فيشرع في التفكير في مسألة بناء المستقبل بصفة مبكّرة، وعند الفشل في الدراسة وعدم إيجاد شغل بالإضافة إلى الفقر والتهميش يعتبر أنّ أبواب هذا المستقبل موصدة أمامه فيشعر باليأس في ظلّ عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ويقرّر إنهاء حياته.
ويتواصل هذا السيناريو لأنّ الأسباب الأساسيّة للانتحار لم تتمّ معالجتها بجديّة من قبل الهياكل الرسميّة ولم توضع على ذمّتها وسائل ردعيّة أو علاجيّة مناسبة، كما نزحت المعدّلات المرتفعة مؤخّرا إلى العاصمة وضواحيها وأيضا المناطق السّاحليّة، بعد أن ظلت سنوات تلازم الطبقات المهمشة والمفقرة.
العاصمة تفتكّ الصدارة من القيروان
تغيّـر التوزيـع الجهـوي لحـالات الانتحار ومحـاولات الانتحار، فبعـد أن كانت ولايـة القيروان فـي المرتبة الأولى بـ 48 حالـة سـنة 2019 و37 حالـة سـنة 2020 ّ تصـدرت ولايـة تونـس الترتيـب بــ 24 حالـة سـنة 2021، بينما حلت القيروان في المرتبة الثانية بـ 22 حالة، وقد اختلفت الأسباب الّتي جعلت من القيروان في صدارة الولايات لسنوات من حيث تفاقم منسوب الجريمة على غرار الحاجة والفاقة والفقر، فتصدّرت المراتب الأولى من حيث عدد الجرائم المسجّلة لفترة طويلة مقارنة ببقيّة الولايات.
التقرير السنوي للانتحار في تونس 2020
تأرجحت النّسب والإحصائيّات بين الصّعود والنّزول لكنّها إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أنّ المنطقة لم تهدأ فيها معدلات الانتحار بالمرّة ولعلّها باتت خبزا يوميّا رغم أنّ نسقها يتّخذ منحى تنازليّا إذ يؤكّد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير شهر ديسمبر 2020 بالتّعاون مع المرصد الاجتماعي التّونسي تراجع نسبة حالات الانتحار في ولاية القيروان لكنّها لا تزال موجودة إذ يتمّ تسجيل حالات انتحار شهريّة حيث تمّ رصد حالة انتحار واحدة خلال شهر ديسمبر من سنة 2020، كما قدّر منسوب العنف بـ 8 بالمائة خلال نفس الفترة، وسجّلت الولاية خلال شهر نوفمبر2020 حالتا انتحار من بين 9 حالات توزّعت على عدد من ولايات الجمهوريّة و8 حالات انتحار من بين 36 حالة خلال شهر ماي 2020 .(
وكانت سنوات ما بعد الثّورة فترة ملائمة جدّا لتناسل أشكال الانتحار فضلا عن ارتفاع معدّلات الجريمة بشكل ملفت للانتباه، وتوزّعت على مختلف ولايات الجمهوريّة وشملت مختلف الفئات العمريّة خاصّة منها الأطفال والمراهقين، وهذا ما يدلّ على أنّ تونس تعيش “كارثة اجتماعية” حقيقيّة فالأزمة نخرت جذورها بإقبال النّاشئة على الانتحار وعدم الرّغبة في العيش في “دولة مستقلّة ومواردها البشريّة أساس نموّها” حسب بيانات وخطابات من بيدهم مقاليد السلطة.
معدلات الانتحار حسب الجهات لسنة 2021
الاكتئاب والفصام يدفعان إلى الانتحار
المرض النفسي يعدّ سندا أساسيّا لتطوّر الحالة التي تدفع الشخص إلى الانتحار، ذلك أنّ الانتحار يعد من المشكلات التي تحظى بالأولوية في برنامج عمل منظمة الصحة الخاص بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية، الذي تم إطلاقه في عام 2008، والذي يتيح إرشادات تقنية مسندة بالبيانات من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات والرعاية المقدمة في البلدان في ما يتعلق بالاضطرابات النفسية والعصبية والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات، وقد التزمت الدول الأعضاء في المنظمة بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2013-2030 بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بمقدار الثلث بحلول عام 2030.
ويقرّ الدّكتور أنس العويني أخصائي الطب النفسي والجنسي في تصريح خصّ به “ضاد بوست” بأنّ الانتحار ينتج أساسا عن المرض النفسي “الكبير” وهو الاكتئاب، مضيفا أنّه “توجد أمراض نفسية أخرى مثل الفصام التي تصل فيها عديد الحالات إلى الانتحار”.
ومرض الاكتئاب، حسب العويني، “هو الشعور بالحزن العميق الناتج عن فقدان الأمل في الحياة والذات واليأس من الشعور بالفرح في يوم ما”.
الاكتئاب مرض نفسيّ كبير يؤدي إلى الانتحار
ويواصل محدثنا قائلا إنّه “لا يصبح لدى المريض أيّة دوافع للحياة وغير قادر على التمتع بأي نشاط عادي مثل (التمتع بالأكل اللذيذ، الاستماع إلى الموسيقى، السفر…) فلا تثيره جميع هذه الأشياء ولا يرى أنّه يوجد أي دافع يحفزه لها، ولا يجد فيها أية متعة فيرى أن حياته أصبحت مرهقة بشكل كبير فيشعر بتعب كبير وتراوده فكرة الانتحار وتتطور إلى وضع مخططات ثم الدخول في محاولات يمكن أن تتسبب في الكثير من الأحيان في هلاك الشخص، وبالنسبة إلى أمراض الفصام فإنّ الشخص غير واع بأفعاله، ويمكن أن يكون المصاب بها يعاني حالة كبيرة من الحزن مع عدم الوعي بالواقع فيصل إلى الانتحار إذ يعتقد البعض من مرضى الفصام أنهم يقومون بأشياء أخرى (محاولة إلقاء النفس في بئر يتبادر إلى ذهن المريض أنه سيسافر) نظرا إلى عدم التمييز بين الواقع والخيال”.
“يعني الانتحار فقدان شخص من العائلة فيعاني أفراد الأسرة من ألم الفقدان غير المنتظر، فالإنسان طوّر من نفسه بشكل يجعله يتأقلم مع الأقدار الصعبة والتكيف معها (مثل التهيؤ النفسي لفقدان شخص مقرب نتيجة مرض خطير )” لكن الانتحار، حسب د. أنس العويني، “يعتبر فاجعة نظرا إلى الإقدام على فعل الانتحار نتيجة حالة من اليأس، فيدخل عديد الأطراف من العائلة في تأنيب أنفسهم ويرون أنّهم أوصلوه إلى الشعور باليأس والألم الكبير فيعيشون في درجة عالية من الحزن مما يجعلهم في الكثير من الأحيان يقدمون على الانتحار خاصة منهم الأولياء بعد انتحار أبنائهم أو الزوجة بعد زوجها”.
انتحار الأطفال والألعاب الإلكترونيّة
يجب على العائلة أن تستعيد دورها في التنشئة الاجتماعية ومراقبة الأطفال خاصة عند متابعتهم لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعتبر الدكتورة نسرين بن بلقاسم الأخصائيّة الاجتماعية في حديث أدلت به لـ “ضد بوست” أنّ “للتكنولوجيا دورا في تفاقم الظاهرة نظرا إلى زيارة الطفل مواقع وألعاب مؤثرة سلبيا تجعله يدخل في حالة من التأزم والاكتئاب تقوده إلى الانتحار”.
وقد وُضعت الألعاب الإلكترونيّة منذ سنوات في قفص الاتهام، فبعد أكثر من عشر سنوات من البحث والإعداد، صنّفت منظمة الصحة العالميّة إدمان ألعاب الفيديو كمشكلة صحيّة عقليّة، حسب تقريرها الصادر في 18 من جوان 2018.
وأكّدت المنظمة أنّ اضطراب ألعاب الفيديو يعدّ مرض، من بين الأمراض الخطيرة التي يمكن أن تصيب الإنسان بصفة رسميّة، وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 22 أكتوبر 2020 فإنّه “يؤثر فقط على جزء صغير من الأشخاص الذين يستخدمون الألعاب الرقمية أو ألعاب الفيديو، ومع ذلك، يجب أن يكون أي لاعب على دراية بالوقت الذي يقضيه في الألعاب، خاصة إذا تأثرت أنشطته اليومية، وأي تغيير بدني أو نفسي أو اجتماعي وصحي، يمكن أن يعزى إلى السلوك”.
ألعاب في الظاهر مسليّة وتسدّ أوقات الفراغ التي قد تتخلل يوم الطفل لكنّها ساهمت في إلحاق الأذى وهلاك العديد منهم بسيرهم في طريق الانتحار بشكل مبكّر جدّا، لذلك اتفقت عديد التقارير الإعلاميّة على أنّها ألعاب خطيرة.
واشتهرت عدد من الألعاب بتسببها في “انتحار الأطفال”، على غرار لعبة الحوت الأزرق التي عُدّت من أخطر الألعاب الإلكترونيّة إذ ظهرت في العالم سنة 2015 وتسببت في وفاة عديد الأشخاص أغلبهم من الأطفال فهي تقود اللاعب إلى الهلاك عبر مجموعة من التحديات تختم بإجباره على الانتحار.
أما لعبة “تحدي مومو” فعملت بوجهها العنيف الذي يكون على شكل امرأة على التحكم في اللاعب وتهديده وإجباره على مواصلة اللعب إلى النهاية، كما انتشرت لعبة مريم خاصّة في دول الخليج وسببت الرعب للعائلات حيث تحرض في أحد مراحلها على الانتحار وتهدد الطفل عند عدم الاستجابة بإيذاء أهله.
وقد كانت أشكال الانتحار بسبب هذه الألعاب متعددة منها الانتحار شنقا أو إلقاء المنتحر لنفسه من الأماكن العالية، وأيضا عبر تحديات عنيفة تدفع “اللاعب الطّفل” (الذي يكون عموما غير مكتمل النضج والوعي) إلى الانتحار عبر حرق النفس، وهو ما وقع في لعبة “الجنية الساحرة” حيث تشجع هذه اللعبة الأطفال على اللعب بالنار، فهي توهمهم بتحولهم إلى مخلوقات نارية باستخدام غاز مواقد الطبخ ممّا تسببّت في موت العديد من الأطفال حرقاً، أو اختناقاً بالغاز.
تختلف الأبعاد التي بعثت من أجلها عديد الألعاب الإلكترونية ذات الأهداف غير النبيلة حيث قامت حضرت عدد من البلدان الألعاب التي تبعث في النفس الرعب والدعوة إلى الممارسة الجنسية والجرائم البشعة وموت الخصم بطريقة فظيعة وهو ما وقع في أستراليا بمنع مجموعة من الألعاب الإلكترونية والتي أبرزها لعبة “سايلنت هيل هومكومينج”، وأيضا كوبا اعتراضا على طريقة مقتل الزعيم الكوبي فيديل كاسترو عبر لعبة Call ofDuty : Black Ops » كما منعت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ألعابا مسيئة للإسلام وتدعو إلى التخريب والدّمار.
تورّط إعلامي…
يشير الدّكتور الطّيب الطويلي المختصّ في علم الاجتماع في حديث لـ “ضاد بوست”، إلى أنّ “تقديم سببيّة مباشرة أو غير مباشرة لفعل مقيت وصادم كالانتحار قد يتّخذه البعض كتبرير أو مستند لبعض الشّباب ليسيروا في هذا الطّريق، فربط ارتفاع هذه الحالات بما يخلّفه الفقر والتّهميش والبطالة من الهشاشة النّفسيّة والاجتماعية للأفراد يعتبر تحليلا معطوبا”.
الانتحار تحول إلى فعل عاديّ بتمريره الإعلامي في شكل “رومنسي”د. الطّيب الطويلي
لا تعتبر هذه الظّروف، على حدّ تعبير الطويلي، الأسباب الأساسيّة والوحيدة لتنامي ظاهرة الانتحار بل نتيجة المعايير الاجتماعية الّتي تغيّرت بعد الثّورة ونقص الرّقابة الذّاتيّة وانتفاء الواعز الأخلاقي مع انتشار الانتهازيّة وحبّ الظّهور، وأيضا الزّخم الإعلامي الّذي ألقى الضّوء بشكل كبير على الظّاهرة الإجراميّة والّتي كانت في السّابق مخفيّة أو مسكوتا عنها في إطار سياسة الدّولة الّتي تهدف إلى إخفاء سلبيّات المجتمع وتضخيم إيجابياته.
ويقول محدثنا إن “الانتحار تحوّل إلى فعل عاديّ بتهوينه وتبسيطه وتحويله إلى موضوع يوميّ، خاصّة في المسلسلات التّونسيّة الّتي تصوّر المجرم في شكل بطوليّ “جميل”، إضافة إلى تمرير عديد مشاهد الانتحار في شكل شبه رومنسي في محاولة لجلب الانتباه وهي مشاهد كانت ممنوعة سابقا”.
ولاحظ الطّويلي أنّ موجة الانتحار الّتي تلت الثّورة اعتمدت في أغلبها على الانتحار حرقا، وذلك لضمان رمزيّة فرجويّة لحالة الانتحار ولضمان التّعاطف الشّعبي الّذي أصبح يتلو حالات الانتحار بعد الثّورة.
وللحدّ من ظاهرة الانتحار في تونس يشير الطويلي إلى أنّه “توجد عديد العوامل الّتي يجب الاشتغال عليها وأبرزها دور الأسرة والوالدين في الحدّ من جنوح الأبناء ومراقبة تصرّفاتهم وتأمين تنشئة اجتماعية سليمة بعيدة عن العنف وأيضا دور المؤسّسات الإعلامية الّتي عليها انتقاء المادّة الّتي تبثّها والّتي أصبحت تميل إلى إنتاج العنف عبر الخطاب الموجّه في بعض القنوات والّذي يحتوي على عنف مباشر أو ضمنيّ وبمختلف أشكال العنف الجسدي أو اللّفظي أو الرّمزي أو الإيحائي”.
“الحرقة”.. انتحار
ظاهرة الانتحار منتشرة في مجتمعنا وتمس جميع الفئات الاجتماعية والعمرية حيث ينتحر عديد الأطفال في مقتبل العمر وعديد المثقفين والكهول و المتحصلين على شهائد علمية لعديد الأسباب منها الاقتصادية والبطالة وتدهور الوضع المعيشي في تونس، حسب ما ذهبت إليه الأخصائية الاجتماعية نسرين بن بلقاسم في حديثها مع “ضاد بوست”، بالإضافة إلى تفاقم الفقر وعديد الأسباب الاجتماعية مثل العنف في الوسط العائلي والمشاكل العائلية مثل الطلاق وغياب الحوار والتعرض إلى التمييز في الوسط المدرسي مع تدهور الأوضاع المعيشية فأصبح اليوم الأطفال يقبلون على الانتحار لعدم حصولهم على أموال تساعدهم على اجتياز الحدود خلسة (الحرقة )
الرقابة في المدارس للأطفال أصحاب النفسيّة الهشّة ضروريّة
للوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تمر به البلاد تأثير كبير في الحالة التي يمر بها الأشخاص نتيجة تراكمات للأزمات منذ الثورة إلى يومنا، نظرا إلى غياب التحولات المنتظرة، وتمس الظاهرة المجتمع والعائلة وتساهم في عدم استقرار الأسرة التي فقدت أحد أفرادها بسبب الانتحار.
لذلك يجب تشديد الرقابة في المؤسسات التربوية، على حدّ تعبير الدكتورة بن بلقاسم، خاصّة منهم من يعانون من نفسية هشة ويتعرضون إلى عدم القبول من الطرف الآخر في ظل غياب الولي جراء التوقيت المهني وغياب الوالدين على الأطفال الذين يعانون من نفسية هشة، ومن الضروري توفر مختصين نفسانيين في المدارس لأن المعلم غير قادر على القيام بعديد الأدوار والعناية أكثر بالشباب من طرف الدولة لأن الشاب اليوم يعيش أزمات اقتصادية تجعله يقبل على الهجرة بأي طريقة.
الانتحار ظاهرة عالميّة
ينتحر كل سنة أكثر من 700000 شخص في العالم أي ما يعادل وفاة واحدة من كل 100 وفاة وشخص واحد يفقد حياته، بسببه كل 40 ثانية، هذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر يوم 17 جوان 2021، حيث أنّه مقابل كلّ حالة انتحار حالات عديدة من محاولات الانتحار، ويقدم أكثر الأشخاص على الانتحار من جديد إذ لم ينجحوا في المرّة الأولى.
وكشفت المنظّمة أنّ الانتحار هو السبب الرئيسي الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً وأّنّ 77 بالمائة من حالات الانتحار في العالم تحدث في البلدان ذات الدّخل المنخفض أو المتوسّط.
ولا يخلو العالم من حوادث انتحار هزت المجتمع خاصة في صفوف المشاهير والعلماء حيث عمد العديد منهم إلى إنهاء حياتهم بطرق فضيعة هزت الرأي العام وظلت بصمتها التاريخيّة إلى يومنا هذا، على غرار الفيلسوف “سقراط” حيث انتحر عبر شرب السمّ والأمر نفسه بالنسبة إلى الملكة كليوباترا، بينما عمد عدد من الأدباء والكتاب إلى إنهاء حياتهم مثل الشاعر اللبناني خليل حاوي عبر إطلاق النار على نفسه والكاتب ارنست همنغواي عبر بندقية الصيد، كما أنّ الزعماء ليسوا بمنأى عن هذه الظاهرة حيث انتحر الزعيم النازي أدولف هتلر بتناول المواد السامة وإطلاق النار على نفسه.
وحسب التّقرير السّنوي لمؤشّر الجريمة العالمي لسنة 2021، تعتبر أسيا في طليعة ترتيب القارات بـ 5.30 بالمائة على مقياس الإجرام تليها إفريقيا بـ5.17 بالمائة ثم أمريكا بـ 5.06 بالمائة وأوروبا بـ 4.48 بالمائة وأندونيسيا بـ 3.07 بالمائة.
تقرير مؤشر الجريمة العالمي 2021
وسجلت الدول العربية تفاوتا ملحوظا حيث كانت العراق في أعلى الترتيب بـ 7.05 وليبيا بـ 6.55 بالمائة ولبنان بـ 6.76 بالمائة وسوريا بـ6.84 بالمائة واليمن بـ 6.13 بالمائة وجنوب السودان بـ 6.34 بالمائة وهي دول تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي مما ساهم في استفحال معدلات الجريمة، والجزائر 4.51 بالمائة ومصر 5.16 بالمائة و قطر 5.21 بالمائة والأردن 4.71 بالمائة وموريتانيا 4.38 بالمائة بينما سجلت تونس بـ 3.79 بالمائة وهي في أسفل الترتيب مقارنة ببقيّة الدول لكن المؤشر يظلّ مرتفعا مقارنة بمعدل الكثافة السكانية لكل دولة.
إذا، فإنّ العالم يحتفل منذ سنة 2003، يوم 10 سبتمبر من كل عام باليوم العالمي لمنع الانتحار، وهو يهدف إلى تعزيز الالتزام بالعمل في شتى أرجاء العالم من أجل منع حالات الانتحار، وقد تم إحياؤه هذه السنة تحت شعار “خلق الأمل من خلال العمل”، وهي خطة أممية للحد من ظاهرة “الانتحار”، فأيّ خطط أعدتها تونس لمواجهة “فرار” شبابها وأطفالها نحو الانتحار؟
في هذا الصدد، أردنا أن نسوق ملاحظة مفادها أننا اتصلنا بوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن لتمكيننا من بعض المعطيات حول الآليات والخطط التي وضعتها الوزارة للتصدي لظاهرة الانتحار في صفوف الأطفال، وكان ذلك عبر البريد الإلكتروني والاتصالات الهاتفية، وتلقينا وعودا بتمكيننا من التواصل مع مندوب حماية الطفولة بتونس السيد مهيار حمادي الذي أكّد أنّه لا يمكنه التصريح إلاّ بعد موافقة وزارة الإشراف (!!!)، لكن طال انتظارنا دون الحصول على أي رد وتفاجأنا بالمماطلة وعدم التعاون الذي حرم القراء من تفاعل السلط الرسمية.