المساعدة على الإنجاب في تونس.. أمل لمن استطاع إليه سبيلا
يوجد في تونس 12 مركزا للمساعدة على الإنجاب في القطاع الخاصّ و3 مراكز في القطاع العام وهي المستشفى الجامعي “عزيزة عثمانة” في العاصمة والمستشفى الجامعي “فرحات حشاد” في سوسة والمستشفى الجامعي “الهادي شاكر” في صفاقس دون اعتبار قسم المساعدة على الإنجاب بالمستشفى العسكري بتونس العاصمة (يهم عائلات العسكريين)، وهي مستشفيات رائدة في مجالها.
ويتمّ اعتماد 3 تقنيات معروفة للمساعدة على الإنجاب وهي طفل الأنبوب والحقن المجهري والتلقيح الاصطناعي، تقنيات تقع تكاليفها على كاهل زوجين يقطعان رحلة الألف ميل من أجل طفل، رحلة ربما تمتد سنوات ولا يقطعها إلا “من استطاع إلى ذلك سبيلا” ذلك أنّه في القطاع الخاص تبلغ تكلفة الطفل الأنبوب حوالي 5 آلاف دينار بينما تبلغ تكلفة الحقن المجهري حوالي 10 آلاف دينار وتبلغ تكلفة التلقيح الاصطناعي حوالي ألف دينار، دون اعتبار ما تتطلبه كلّ عملية من تحاليل وفحوصات وصور طبية.
تؤكّد منظمة الصحة العالمية (في تقريرها الصادر بتاريخ 15 سبتمبر 2020) أنّ حوالي 48 ميلون زوج و186 مليون فرد في العالم يتعايشون مع مشكلة العقم.
“ضاد بوست” حاولت في هذا الملف بيان رحلة المساعدة على الإنجاب والطرق المعتمدة فضلا عن انعكاساتها النفسية والاجتماعية وأعباءها المادية.
سباق مع العمر
تؤكّد تقارير إعلامية متطابقة أنّ حوالي 10 آلاف محاولة إنجاب يجريها المتزوجون سنويّا في تونس بواسطة طفل الأنبوب وهو أبرز الطرق العلاجية للعقم إلا أن كلفته الباهظة جدا دفعت بـ “أمهات وآباء المستقبل” إلى بيع ممتلكاتهم وهي “مغامرة” قد تنته بالفشل ثمّ الإعادة لمرات واللجوء إلى الإعادة لمرات مرهقة نفسيا وماديا، والمرأة تسابق سنها فبتقدمه يتضاءل مخزونها من البويضات.
وفي هذا الصدد، أكّد أخصائي أمراض النساء والتوليد الدكتور أنيس شاكر في تصريح لموقع “ضاد بوست” أنّ تكاليف عملية “الطفل الأنبوب في القطاع الخاص يبلغ 5 آلاف دينار بالنسبة إلى تقنيتي طفل الأنبوب أو الحقن المجهري، موضحا أنّ هذه التكاليف تشمل الفحوصات والتحاليل ومرحلة استعمال الأدوية ومرحلة المتابعة للوصول إلى مرحلة سحب البويضات وزرع الأجنّة وتثبيتها أو تجميد الحيوانات المنويّة أو الأجنّة، بينما لا تتجاوز تكاليف التلقيح الاصطناعي ألف دينار تقريبا، ومن المعلوم أنّ العمليّة قد تتكرّر عديد المرّات لذلك تكون التكاليف مضاعفة”، وفق محدثنا.
“أمهات المستقبل” هكذا تخاطب نساء مجموعة “Fiv et Insémination en Tunisie l’espoir est là”، بعضهنّ على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، مجموعة مثلت أحد أبواب الأمل والدعم النفسي والنصح والإرشاد عن طريق طرح تجاربهنّ وتساؤلاتهنّ.
“ضاد بوست” اتصلت بـ “سمية” (اسم مستعار) إحدى المشرفات على المجموعة التي كشفت أنّه تم إحداثها يوم 22 سبتمبر 2016، ويتمثل هدف المجموعة في تعريف الأشخاص الذين ليست لهم دراية بإجراءات عمليات طفل الأنبوب والتلقيح المجهري والتلقيح الاصطناعي، هنّ يلتقين للحديث عن المشاكل التي تخص تأخر الإنجاب، وهي تضمّ عددا من الأطباء المختصين وقد خصصوا في أكثر من مناسبة بثا مباشرا للإجابة عن تساؤلات آلاف العضوات.
أما بالنسبة إلى ثقل الأعباء المادية فقد استطاعت المجموعة أن توفر المساعدات في شكل أدوية بمساهمة عضوات من المجموعة، سيما أنّ الصندوق الوطني للتأمين على المرض يكتفي بمنح نسبة محدودة منها، و”سمية” هي نقطة التواصل بينهنّ، وفق محدثتنا.
أدوية مفقودة والمرأة تخوض حربا لإنجاب طفل
تضيف “سمية” أنّ أهم المشاكل التي تواجهها المرأة هي الصعوبات الماليّة خاصة مع ارتفاع أسعار العيادة الطبية التي لا تتكلف أقل من 70 دينار للعيادة الواحدة حتى لمجرد الاطلاع على مضمون التحاليل الطبية (لدى بعض الأطباء)، أما الأدوية لا يقل سعرها عن 2000 دينار كما أنّ عمليتي السّحب والإرجاع (سحب البويضات وإرجاع الأجنة) لا تقل مصاريفها عن 2500 إلى 3000 دينار حسب المصحة.
مع الإشارة إلى أنّ بعض الوضعيات تضطر فيها المرأة إلى تجميد الأجنة مقابل 500 دينار سنويا.
وتقول محدثتنا إنّ “عملية طفل الأنبوب تتطلب مراقبة مستمرّة يوما بعد يوم (لمراقبة نسبة الاسترادول “E2” وحجم البويضة) مما يجعل المصاريف الجملية لطفل الأنبوب تتراوح ما بين 8000 إلى 10000 دينار في المصحّة الخاصّة أمّا بالنسبة إلى المستشفى العمومي تكون التكاليف أقل مع تكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) بجزء من مصاريف الأدوية التي يتمّ اقتناؤها بعد فترة متأخرة لا تراعي التوقيت المناسب لتلقيها.
ولفتت “سمية” إلى أنّ وسائل الإعلام تتطرق إلى مختلف الأمراض والمشاكل الصحية دون التطرق إلى مشاكل طفل الأنبوب ومعاناة المرأة والمصاريف التي تنفقها والأدوية المستعملة واستغلال الأطباء والمصحات الخاصة وسوء المعاملة في المستشفيات العمومية وهو ما يؤثّر في الوضع المادي والنفسي للزوجين، فكأن المرأة ستخوض حربا وليس إنجاب طفل، وفق تعبير محدثتنا.
وهناك أيضا إشكال في وجود الأدوية خاصة دواء “أورمون 2” وهو دواء معروف لدى المرأة التي خاضت تجربة طفل الأنبوب، إذ لا يمكن إجراء أي خطوة في عملية طفل الأنبوب إلاّ بعد تناول هذا الدواء المفقود منذ أكثر من سنة رغم أنّ ثمنه ليس باهظا (4 دنانير تونسية) مما يساهم في إضاعة الوقت وفرص الإنجاب خاصة لدى المرأة التي يكون مخزون البويضات لديها محدودا.
تقصير ومماطلة وسوء معاملة
“لا يمكن الصندوق الوطني للتأمين على المرض النّساء اللّواتي تجاوزت أعمارهن 40 عاما من الأدوية المخصصة لإجراء عمليّة طفل الأنبوب بينما نسبة هامة منهن يتجاوزن هذه السن مع المماطلة وتعدد القرارات والقوانين التي لا تخدم مصلحة المرأة التي تعاني من صعوبة الإنجاب”، هكذا تحدثت “سمية” عن تقصير المنظومة الصحيّة، مضيفة “بالنسبة إلى المصحات الخاصة العمليات الجراحية بمختلف أنواعها ومنها التجميلية يستطيع صاحبها تسديد معاليمها عبر تسهيلات في الدفع (التقسيط)، لكن في عمليات طفل الأنبوب هذا غير ممكن إذ يجب على المرأة الخلاص دفعة واحده، ألا يريدون منا أن نعيش حلم الأمومة؟!!! …الله هو الرزاق لكن توجد أسباب يمكن معالجتها.. لم نجد الوسائل المتاحة للعلاج …جميع الأبواب موصدة. “
وتوجد عديد المشاكل التي تعاني منها النساء في المصحات الخاصة مثل “سوء المعاملة والاكتظاظ والانتظار إلى ساعات متأخرة من الليل مع عدم احترام المريض وتفشّي الرشوة ونفس الشيء بالنسبة إلى المستشفيات إذ لا يمكن الحصول على موعد إلا بعد جهد جهيد فأصبحنا نقصد مراكز المساعدة على الإنجاب في حالة من التوتر والخوف والضغط النفسي”.
وواصلت “سمية” قائلة “أرفع صوتي وصوت جميع النساء اللواتي يعانين من صعوبة الإنجاب، شخصيا أجريت عملية طفل الأنبوب 7 مرات بمصاريف جملية تناهز 70 ألف دينار وجميع المصاريف على عاتقي لأنه ليس من حقي قانونيا أن أحظى بمساعدة الصندوق الوطني للتأمين على المرض، لذلك أطالب بإجراء تسهيلات للدفع، وعلى الدولة توفير الأدوية المفقودة، مع منح حقن التنشيط إلى جميع الأعمار ومراجعة فرص المساعدة فـ 3 مرات فرص قليلة جدا، من الضروريّ أن تصبح 4 أو 5 مرات، مع بعث مراكز عمومية جديدة للمساعدة على الإنجاب”.
في هذا الصدد، رصدت “ضاد بوست” أنّه في مستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة، تتكفل “الكنام” بنسبة من الأدوية والبقية على كاهل المرأة وتختلف تكاليفها حسب حالة المريضة لكنها لا تقل عن 300 دينار، بينما تتكلف عملية السحب والإرجاع 65 دينارا دون اعتبار التحاليل والمنظار والفحوصات الطبية اللازمة، وذلك بالنسبة إلى المنضوين تحت المنظومة العمومية (الدفتر الأزرق)، بينما بقية المنظومات فلا تتكفل “الكنام” بالدواء وتتكلف عملية السحب والإرجاع 250 دينارا مع تضاعف أسعار التحاليل والفحوصات الطبية، لكنها لا تضاهي الأسعار الخيالية في المصحات والمخابر الخاصة، وهي نفس وضعية من لا يملكون إلا بطاقة التعريف الوطنية، إذ يمكنهم المستشفى من العلاج مع تحمل تكلفة الدواء والفحوصات.
ولكن على المرأة تحمل طول المواعيد فقد تبلغ سنة دون اجراء عملية الطفل الأنبوب، ويتكفل الصندوق بتأمين الحقن المنشطة ثلاث مرات فقط، بينما النساء اللواتي يتجاوزن سن الأربعين بسنة أو اثنتين، يتكفل بهن حسب طبيعة كل حالة وعلى ضوء التقارير الطبية (يعتبر المختصون أن السن المثلى للإنجاب عند المرأة بين 25 و30 سنة فيما تنخفض الخصوبة بدرجة كبيرة بعد 42 سنة).
ويتم النظر في التقارير الطبية من قبل لجنة فنية تنعقد أسبوعياً للنظر في مطالب التكفل بعمليات طفل الأنبوب في غضون ثلاثة أسابيع.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنّ “ضاد بوست” حاولت الاتصال الناطق الرسمي باسم الصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام”، عبد العزيز السبيعي، إلاّ أنها لم تتلقى إلا الممطالة المستمرة بعد أسبوع من الاتصالات المتكررة مع وعود بالإجابة عن استفسارات “أمهات المستقبل” !!
إذا، رغم أنّ بعض الحالات مستعصية إلا أنّ الحلول الطبيّة ممكنة، وقد ارتفعت معدّلات ونسب المساعدة على الإنجاب عبر طفل الأنبوب والحقن المجهري والتلقيح الاصطناعي، وفي ما يلي رسم توضحي للفرق التقني بينها:
ارتفعت، في السنوات الأخيرة، نسب نجاح طفل الأنبوب في تونس لتصل إلى 40 % من المحاولة الأولى ويُمكن أن تتجاوز 60 % بعد 4 محاولات، حسب ما أورده الإخصائي في أمراض النساء والتوليد الدكتور إسكندر بن عليّه على موقعه الرسمي على موقع الأنترنت وتتراوح نسب نجاح الحقن المجري “بين 25 و40 بالمائة بعد دورة واحدة من الحقن المجهري ويمكن أن تتجاوز 60 بالمائة بعد 4 دورات مكتملة ” و “تُقدّر نسبة نجاح التلقيح الاصطناعي داخل الرحم بـ 12% في المحاولة الواحدة.
ويُمكن أن يَصل معدل الولادة الحية إلى 50% بعد 6 دورات علاجية وعند تكرار فشل ما بين 3 و6 محاولات للتلقيح الاصطناعي يمكن اللجوء إلى طفل الأنبوب أو الحقن المجهري، وفق المصدر ذاته.
في هذا الإطار، يشير الدكتور أنيس شاكر أخصائي طب النساء والتوليد في تصريح لـ “ضاد بوست” إلى أنّ نسبة نجاح طفل الأنبوب بين 25 إلى 30 بالمائة في كل دورة لدى الإنسان الذي لا يعاني من مشاكل صحيّة (إنتاج وأعداد البويضات والعمر…) وبالنسبة إلى التلقيح الاصطناعي ما بين 12 و18 بالمائة.
و”تونس وجهة إقليميّة للسياحة العلاجيّة وتتوفر أغلب مراكز علاج العقم في بلادنا على أحدث التقنيات والأجهزة المستخدمة في مجال طب النساء والتوليد والمساعدة على الإنجاب” حسب الدكتور إسكندر بن علية، ومن أهمّ التقنيات الأمبريوسكوب والتشخيص الوراثي للأجنة قبل الزرع وتجميد البويضات والأجنة وإنضاج البويضات في المختبر وثقب جدار الأجنة عن طريق الليزر بالإضافة إلى مختلف تقنيات الاختيار المتقدم للحيوانات المنوية والتي يُمكن استخدامها كجزء من عمليات الحقن المجهري لتحسين معدلات نجاح الحمل وتقليص احتمالات حدوث الإجهاض).
صراع نفسي
أكّد الدكتور أنيس شاكر وهو أخصائي أمراض النساء والتوليد في تصريح لموقع “ضاد بوست”، أنّه لا يمكن تحديد نسبة العقم في صفوف الرجال والنّساء بدقّة في تونس إذ لا توجد أرقام واضحة إلاّ أنّه “بعد سنة من الزّواج فإنّ حوالي 50 بالمائة من الأزواج ينجبون، وبعد سنتين يمكن أن ينجب 90 بالمائة منهم بينما نسبة 10 بالمائة يمكن اعتبارهم في دائرة العقم”.
وأوضح شاكر أنّ “هناك تزايدا في نسب العقم من سنة إلى أخرى وتتعدّد أشكال”صعوبة الإنجاب”، فمن بينها التي تصيب الجنسين أي المشتركة على غرار التعفّنات وهي من أكثر المخاطر التي تهدّد عمليّة الإنجاب، وبالنسبة إلى المرأة الأمراض التي تمسّ الأعضاء التناسليّة الدّاخليّة (عنق الرحم أو الرحم أو القنوات أو المبيضين) وذلك نتيجة مشاكل خلقيّة أو مكتسبة”.
عملية طفل الأنبوب جائزة شرعا باتفاق جميع المذاهب، بشرط أن يكون الحيوان المنوي للزوج والبويضة للزوجة، لكن ما لا يجوز هو أن تكون البويضة لإمرأة غير الأم والحيوان المنوي لرجل غير الأب فذلك حرام مطلق نظرا إلى إمكانية اختلاط الأنساب.الشيخ محمد بن حمودة
والأسباب الخلقيّة، حسب الدّكتور أنيس شاكر هي “التشويهيّة بصفة عامة أي غياب عضو من الأعضاء التناسليّة أو عدم اكتمال نموّه وصولا إلى تشوهات انقسام الرّحم، أمّا الأسباب المكتسبة فهي الالتصاقات التي تصيب الرحم والقنوات وأيضا مشاكل التبويض انطلاقا من عدم القدرة على التبويض جينيا لانعدام وجود بويضات (يمكن أن تكون البويضات موجودة لكن الإشكال يكون وظيفيّا لعدم أدائها لوظيفتها أكثر من تركيبتها وأعدادها)”.
وهناك الالتصاقات بسبب التعفّنات أو بطانة الرحم المهاجرة وأيضا عامل العمر إذ أنه بعد سن الـ 40 عاما تقل الخصوبة وهي أسباب تؤثّر على المرأة أكثر من الرجل رغم أن العمر يؤثر على مستوى الخصوبة لدى الجنسين.
وقد تؤثر البيئة التي يعيش فيها الإنسان على عمليّة الإنجاب، حسب أخصائي أمراض النساء والتوليد الدّكتور شاكر، خاصة في ما يتعلّق بنمط العيش المتغيّر مثل التحرر الجنسي الذي يتسبب في التعفنات والالتهابات ونوعيّة الأكل والتدخين وتناول الكحول والمخدرات وعدم النوم بالقدر الكافي الذي يؤثر على وظيفة الأعضاء.
صعوبة الإنجاب لها علاقة وثيقة بالجانب النفسي حسب ما بينته عديد الأبحاث والدراسات وهو ما دعمه الدكتور أحمد الأبيض طبيب وباحث في المسائل النفسية والاجتماعية في تصريح لـ “ضاد بوست”، مبيّنا أنّه بعد استبعاد أن يكون السبب في العقم عضويا يجب البحث في حياة الشخص كوضعيات الضغط النفسي والاكتئاب أو ما شابه ذلك.
ويعتبر الدكتور الأبيض أنّه عندما تخاف المرأة من عدم القدرة على الإنجاب مع التقدم في السن أو الزواج المتأخر تصبح عملية الإنجاب مرتبكة، كما أنّها مهددة سواء من الزوج أو المحيط المهني ولا يمكن أن تقدر على الإنجاب لهيمنة فكرة عدم قدرتها عليها وهذا الأمر يعيق النشاط الطبيعي لعملية الإنجاب، ومن الضّروريّ الخروج من حالة الاكتئاب للقدرة على الإنجاب.
والاكتئاب ظاهرة منتشرة فـ1 من بين 10 أشخاص عانى أو سيعاني الاكتئاب، وفق الدكتور الأبيض، ويمكن معالجة الحالة في ظرف 3 أشهر وتستعيد نشاطها، مشددا على ألا تصغي المرأة إلى كلام الآخرين وتفتح لهم عالمها الخاص، والقيام بالأنشطة الممتعة كممارسة الرياضة والتنزه وقراءة الشعر ومشاهدة محتوى ترفيهي.
الاكتئاب من مخلفات صعوبة الإنجاب ونظرة المجتمع
لصعوبة الإنجاب عديد التبعات التي تؤثّر على الزوجين، وتلقي المجتمعات العربيّة العبء على المرأة أكثر، هذا إن لم نجزم فعلا بأنّ هذا الأمر واقعا بيّنا لا جدال فيه حيث “تستمدّ المرأة في جميع المجتمعات، خاصّة العربيّة هويّتها وصورتها وقيمتها من الصورة التي يسندها إليها المجتمع من خلال الأدوار التي تقوم بها، ومن أهمها الدور الإنجابي ثم الدور التربوي”، وفق ما ذهبت إليه الأستاذة لطيفة التاجوري مختصة في علم الاجتماع في حوار جمعها مع “ضاد بوست”.
فالدور الأساسي، وفق التاجوري، هو الإنجابي حيث تنشأ المرأة التنشئة الاجتماعية التي تتربى عليها وتأخذ كل مقومات وأساسيات الأمومة وتستمد صورتها من خلال الموقع الاجتماعي الذي يمنحه إياها المجتمع في صورة الأم التي تقوم بدور التنشئة، فالمجتمع يريد أن يحافظ على نفسه بإعادة إنتاجه فتكون المرأة عنصر أساسي في رأس المال البشري، وإذا شعرت المرأة بالنقص في أداء هذه الوظيفة الإنجابية فستكون تبعات الموضوع لها تأثيرها على الجانب النفسي.
الوظيفة الإنجابيّة أساسيّة في حياة كلّ امرأة
تؤثر صعوبة الإنجاب حسب الأخصائية الاجتماعية لطيفة التاجوري على الجانب الاجتماعي والعلاقات في مختلف المستويات، فعلى المستوى النفسي تهتز ثقتها بنفسها من خلال المقارنات التي يقوم بها المجتمع بتصنيفها إلى امرأة منجبة وامرأة غير منجبة، تصنيفات تضعها في خانة الشخص الذي لا فائدة ترجى منه لأن المجتمع لا ينتظر منها إعادة إنتاج رأس المال البشري، فتكون صورتها بالنسبة إليها وبالنسبة إلى الآخر متزعزعة ومهتزّة على عديد المستويات منها المستوى العائلي بالميل إلى العزلة وتفادي اللقاءات الاجتماعية الكبرى لتجنب الأسئلة حول موضوع الإنجاب. وفي بعض الأحيان تتقبل المرأة المسألة لكنها تقابل بصد كبير من المجتمع ووصم اجتماعي وكأنها السبب أو العائق أمام الرجل للقدرة على الإنجاب، وفي الغالب تلحق هذه المسألة تداعياتها على المرأة أكثر من الرجل.
المجتمعات الذكورية في العالم على حدّ تعبير الأخصائيّة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري تعتبر دوما أن الرجل سليم وأي خلل يقع داخل الأسرة على عديد المستويات (المستوى البيولوجي أو الإعاقة أو طيف التوحد…) تعتبر المرأة سببا فيه كما أنها السبب في تعطيل نماء أو إنتاج المجتمع، وتلقي العائلة باللوم عليها فتلجأ إلى العزلة والانكماش وبالتالي يتقلص دورها في المجتمع نتيجة خوفها من عدم القدرة على إنتاج أبناء يساهمون في إعادة بناء المجتمع فلا تشارك في الحياة الاجتماعية والعامة. فيفقد المجتمع عنصر من عناصره المشاركة على مستوى التعليم والمجتمع المدني والتعبير على الرأي فهي من بين الفاعلين في إحداث التنمية فتمتد آثار انعزالها على حياتها المهنية أو الدراسية. وهناك في المجتمعات المتقدمة رعاية نفسية لتقبل المشكل وكيفية مواجهة الآراء المختلفة وهو وضع غير مألوف في مجتمعنا لذلك كان من الممكن تفادي التأثير على قدرتهم الإنجابيّة بمجرّد تغيير النّظرة المجتمعيّة للأشخاص الذين يصابون بـ”وصم”، الخجل من عدم القدرة على الإنجاب الذي يظلّ يطاردهم طيلة حياتهم حتى لو أنجبوا.
تراجع معدلات الخصوبة
بلغ عدد السكّان في تونس في غرّة جانفي 2022 ما معدله 11803588 نسمة حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء مقابل 11763857 نسمة سنة 2021، وشهد معدل الولادات حسب نفس المصدر تراجعا خاصة في السنوات الأخيرة فسنة 2013 كان 20.5 ليشهد تراجعا ملحوظا منذ سنة 2015 بـ 19.9 ليصل إلى 14.8 سنة 2020 و13.6 سنة 2021.
ويعود تراجع نسب الولادات في بلادنا إلى عدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد سياسيّا واقتصاديا وهو ما ساهم في اضطراب الحياة الأسريّة وتفشّي عديد المشاكل الاجتماعية بسبب الوضع المعيشي الصعب، مما ساهم في ارتفاع معدلات الطلاق المبكّر وعدم الرغبة في الإنجاب مبكّرا وأيضا نظرا إلى تفاقم نسب صعوبة الإنجاب في صفوف الشباب وتطورها من سنة إلى أخرى.
في المقابل، نلاحظ أنّ المعدّل الإجمالي للخصوبة في منطقة الاتحاد الأوروبيّ، حسب بيانات البنك الدولي، هو 1.5 بالمائة لسنة 2020 وهو نفس المعدّل الّذي وقع تسجيله في كلّ من لتوانيا وكرواتيا وألمانيا وإسبانيا أما ايطاليا فقد سجّلت 1.2 بالمائة.
وتسجّل كل من الدانمارك والسويد (1.7) وبلجيكيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفينيا وهولاندا وهنغاريا وإيرلندا (1.6) وفرنسا (1.8)، ويرتبط انخفاض عدد سكان العالم بانخفاض مستويات الخصوبة وتدهورها، حسب تقرير للأمم المتحدة صادر في 11 جويلية 2022,ففي سنة 2019 سجّلت نسبة أكثر من 40 بالمائة في صفوف السكان الذين يعيشون في بلدان معدّل الخصوبة فيها يعادل 2.1 أو أقلّ بينما ارتفعت النسبة إلى 60 بالمائة سنة 2021.
هذا “الانحدار السكاني” حسب وصف تقرير الأمم المتحدة يرتكز أساسا في البلدان الثريّة بينما النمو السكاني يرتكز في البلدان الفقيرة من العالم، وقد يعود ذلك إلى نمط العيش في الدّول الغربية الذي يختلف عن الدّول العربيّة، إذ يميل الأجانب إلى العلاقات الحرّة وتفادي الإنجاب عند الزواج مباشرة واتخاذ القرار بعد ترتيب الحياة الزوجيّة.
وتشير الدكتورة لطيفة التاجوري المختصّة في علم الاجتماع في حديث جمعها بـ “ضاد بوست” إلى أنّ عدم الإنجاب سيكون له عديد التداعيات على المجتمع منها الاقتصادية خاصة الحالات القادرة على الإنجاب بطريقة طبيعية، ويحدث هذا غالبا في المجتمعات المتقدمة، حيث يقرر الزوجان عدم الإنجاب أو الإنجاب بعد فترة طويلة جدا لوجود واقع اجتماعي واقتصادي وتنموي مختلف عن المجتمعات العربية.