النفاذ إلى المعلومة.. حق يقارع الساسة والبيروقراطية
أصبح حق النفاذ إلى المعلومة من المؤشرات الأساسية المعتمدة لتقييم ديمقراطية الدولة وحرية الصحافة والإعلام وقياس حجم الفساد فيه. فحجب المعلومة أو التضييق عليها، مخالف للقانون، والدستور التونسي أقر في فصله 32 الحق في النّفاذ إلى المعلومة وجعل الدّولة التونسية الضّامنة لذلك. فإلى أي مدى نجد أثرا لهذه القوانين على أرض الواقع وما هي الصعوبات التي تعترض الصحفي في سبيل نفاذه إلى المعلومة؟
تولّى القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرّخ في 24 مارس 2016 إبراز ضوابط ممارسة هذا الحق، في إطار تكريس مبدأي الشّفافية والمساءلة وضمان تحسين جودة المرافق العمومية ودعم مشاركة العموم في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها.
ويكون النّفاذ إلى المعلومة إما بنشر المعلومة بمبادرة من الهياكل الخاضعة طبقا لأحكام الفصول 6 و7 و8 من قانون النفاذ إلى المعلومة أو بطلب من قبل كل شخص طبيعي أو معنوي بموجب مطلب كتابي في الغرض ويتولى المكلّف بالنّفاذ إلى المعلومة تلقّي مطالب النّفاذ إلى المعلومة ومعالجتها والردّ عليها في الآجال التي حددها القانون.
القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 مؤرخ في 24 مارس المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة
ويمكن لطالب النّفاذ عند رفض القرار المتّخذ بخصوص مطلبه التظلّم لدى رئيس الهيكل المعني في أجل أقصاه 20 يوما تلي الإعلام بالقرار ويتعيّن على رئيس الهيكل الردّ في أقرب الآجال الممكنة على ألا يتجاوز ذلك أجلا أقصاه 10 أيام من تاريخ إيداع مطلب التّظلّم.
ويعتبر عدم رد رئيس الهيكل المعني خلال هذا الأجل، رفضا ضمنيا، كما يمكن لطالب النّفاذ الطعن مباشرة في قرار الهيكل المعني لدى هيئة النّفاذ إلى المعلومة.
وتجدر الإشارة إلى أن هيئة النفاذ للمعلومة نص عليها الفصل 37 من الدستور، و”من مهامها البت في الدعاوى المرفوعة لديها في مجال النفاذ إلى المعلومة ومباشرة جميع إجراءات التحقيق ومتابعة الالتزام بإتاحة المعلومة”.
ومن بين الفصول الأساسية التي يرتكز عليها عمل الهيئة هما الفصل السادس من القانون عدد 22 الذي ينص على المعلومات التي “يتعيّن على الهياكل الخاضعة لأحكامه أن تنشرها وتحيّنها وتضعها على ذمة العموم بصفة دورية وفي شكل قابل للاستعمال”.
من بين هذه المعلومات الميزانية المرصودة للهيكل مفصَّلة، والصفقات العمومية المبرمجة والمصادق على ميزانيتها والتي يعتزم الهيكل إبرامها، ونتائج تنفيذها، وتقارير هيئات الرقابة، وكل معلومة تتعلق بالمالية العمومية والمعطيات المتعلقة بالمديونية العمومية والحسابات الوطنية وكيفية توزيع النفقات العمومية.
والفصل 24، الذي أشار إلى استثناءات في حق النفاذ إلى المعلومة وهي المعلومات “التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية”.
تركيبة الهيئة: تجديد نصفي “مجمّد”
تأخر البرلمان في انتخاب أعضاء مجلسها حتى 18 جويلية 2017، ولم تضطلع بمهامها إلا في شهر جانفي 2018، وعلى عكس ما شاب تشكيل بقية الهياكل الدستورية فإنّ عملية انتخاب أعضاء الهيئة التسعة، مرّت دون خلافات سياسية، بل حصلت على توافق عريض حول الأسماء المترشحة رغم أن القانون المنشئ لها كان محل جدل داخل مجلس نواب الشعب وحتى خارجه قبيل المصادقة عليه.
وتولى القاضي الإداري عماد الحزقي رئاسة الهيئة ثمّ خلفه القاضي عدنان الأسود كرئيس بالنيابة ثمّ رئيسا للهيئة، إثر تعيين الحزقي على رأس وزارة الدفاع الوطني في حكومة إلياس الفخفاخ من فيفري إلى أوت 2020.
الجدير بالذكر أن قرعة التجديد النصفي لأعضاء مجلس هيئة النفاذ إلى المعلومة تمت يوم الخميس 18 جوان 2020 بحضور النائب بلقاسم حسن كملاحظ وممثل عن اللجنة الانتخابية بمجلس نواب الشعب وعدلي تنفيذ وكافة أعضاء مجلس الهيئة باستثناء محمد القسنطيني الذي تعذر عليه الحضور، علما أن القسنطيني تقدم سابقا بطلب كتابي إلى مجلس الهيئة ضمّنه رغبته الصريحة في عدم إدراج اسمه ضمن عملية القرعة الخاصة بالتجديد النصفي لأعضاء مجلس الهيئة واعتباره على ذلك الأساس متخليا وبصفة طوعية عن عضويته بمجلس الهيئة مع التزامه بمواصلة مهامه إلى حين تعويضه بعضو آخر من الصنف الذي ينتمي إليه.
وأفرزت نتيجة القرعة عن مغادرة كل من:
- ريم العبيدي: مختصّة في الوثائق الإدارية والأرشيف
- خالد السلامي: ممثل عن الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية
- عدنان الأسود (نائب الرئيس – اختصاص قاضي عدلي)
- محمد القسنطيني: صنف أستاذ جامعي مختص في تكنولوجيا المعلومات (مُتخلي بصفة طوعية).
وتم مراسلة مجلس نواب الشعب لإعلامه بالنتيجة لفتح باب الترشحات لسد الشغور الحاصل في عضوية الهيئة في الاختصاصات المذكورة وتعويضهم عن طريق الانتخاب طبقا لأحكام المطتين 4 و5 من الفصل 43 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
وعقدت اللجنة الانتخابية بالبرلمان جلسة عمل يوم الإثنين 15 مارس 2021 لفرز ملفات الترشّح لتجديد نصف تركيبة مجلس هيئة النفاذ إلى المعلومة، وبالشروع في فرز ملف عدنان الأسود (صنف قاض عدلي) تم النقاش بخصوص ترشحه لوجود إشكال قانوني يتمثّل في أنّ أحكام القانون المُنظّم لهيئة النفاذ إلى المعلومة يضمن التجديد والاستمرارية.
وهذا يعني التجديد من خلال تجديد أعضاء مجلس الهيئة، والاستمرارية في عدم تجديد رئيس الهيئة ونائبه معا، حيث أن نائب الرئيس مشمول بالقرعة والرئيس غير مشمول بالقرعة، وتمثل الإشكال في وجود وضعية غير مسبوقة، حيث أن الرئيس غادر الهيئة إثر تعيينه وزيرا للدفاع، ونائب الرئيس غادر بقرعة التجديد النصفي.
ومن يترأس الهيئة حاليا هو نائب الرئيس بصفة وقتية وهو مشمول بالقرعة، وإنّ هذا الموضوع طرح بخصوص إمكانية أن يُجدّد نائب الرئيس الحالي (وهو رئيس وقتي للهيئة) ترشّحه أم لا. فالعهدة صلب هيئة النفاذ إلى المعلومة مُحدّدة بمدّة زمنية مُعيّنة وهي 6 سنوات، والفصل 44 من القانون المنظم للهيئة يُقرّ بأن تعيين أعضاء الهيئة المُشار إليها لمدّة 6 سنوات غير قابلة للتجديد، صحيح أن القانون لا يمنع الترشّح، لكنه كذلك يُحدّد مدّة العضوية على ألا تتجاوز 6 سنوات.
وبقـرار من رئيس اللجنة الانتخابية بمجلس نواب الشعب تم منح أجل إضافي ثالث لقبول الترشحات لتجديد نصف تركيبة مجلس هيئة النفاذ إلى المعلومة.
وبتاريخ 06 جويلية 2021 عقدت اللجنة الانتخابية جلسة تولت خلالها إتمام التصويت على الصنفين المعنيين بالتجديد النصفي لتركيبة مجلس هيئة النفاذ للمعلومة، اللذين تمّ تأجيل التصويت عليهما في جلسة سابقة لمزيد التنسيق والتوافق، وهما صنفي قاضي عدلي ومختص في الوثائق الادارية والأرشيف وذلك بأغلبية ثلاثة اخماس (5/3) أعضائها عن طريق التصويت السري على الأسماء، عملا بأحكام المطّة 3 من الفصل 43 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
ويجدر التذكير أنه تمّ في جلسة سابقة التصويت بأغلبية 3/5 أعضاء اللجنة على قبول المترشحة الوحيدة في صنف ممثل عن الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، أما بالنسبة إلى صنف أستاذ جامعي مختص في تكنولوجيا المعلومات، برتبة أستاذ تعليم عالي أو أستاذ محاضر، فلم ترد على اللجنة ترشّحات في شأنه خلال الآجال الأربع التي تم فيها فتح باب الترشحات.
تبت هيئة النفاذ إلى المعلومة في الدعاوي المرفوعة لديها (..) ومباشرة جميع إجراءات التحقيق ومتابعة الالتزام بإتاحة المعلومة
وتولّت اللجنة تباعا اختيار المترشحين بأغلبية ثلاثة أخماس (5/3) أعضائها في صنفي قاضي عدلي، ومختص في الوثائق الإدارية والأرشيف طبقا لمقتضيات الفصل 43 من القانون الأساسي آنف الذكر وذلك كما يلي:
- في صنف قاضي عدلي: تم اختيار (3) مترشحين من بين (5) مترشحين مقبولين إداريا.
- في صنف مختص في الوثائق الإدارية والأرشيف: تمّ اختيار (3) مترشحين من بين (15) مترشحا مقبولين إداريا.
وبذلك أنهت اللجنة الانتخابية جميع المراحل المتعلقة بالتجديد النصفي لتركيبة مجلس هيئة النفاذ إلى المعلومة على أن تتم إحالة قائمة المترشحين الذين اختارتهم اللجنة إلى مكتب مجلس نواب الشعب لبرمجة جلسة عامة انتخابية.
ويوم 25 جويلية 2021 فعل رئيس الجمهورية الفصل 80 من الدستور الذي علق بمقتضاه أشغال مجلس نواب الشعب، فبقيت الهيئة على تركيبتها الحالية قبل عملية القرعة برئاسة وقتية لعدنان الأسود مع الحفاظ على بقية الأعضاء .
انغلاق الإدارة وحقّ النفاذ
مسار النفاذ إلى المعلومة مر بعدة مراحل منذ 2011 وصولا إلى إصدار القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 ولم يكن من اليسير الاعتراف بهذا الحق بعد الثورة رغم تمسك مختلف مكونات المجتمع بإقراره وتحضير الأرضية الملائمة من قوانين وتشريعات وهيئة مستقلة تسهر على تطبيقه، “ضاد بوست” اتصلت برئيس الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة عدنان الأسود وكان لنا معه حوار مصور تحدث فيه عن أبرز محطات تطور الاعتراف بهذا الحق في تونس فضلا عن آليات عمل الهيئة وعلاقتها بالهياكل الإدارية المعنية بإلزامية إتاحة المعلومة.
وأوضح محدثنا أنّ هناك 18 صنف من المعطيات التي يتعين على الهياكل العمومية اتاحتها للعموم وتقديمها على مواقع الواب، إلا أنّ العائق هو ثقافة التعتيم وانغلاق الإدارة على نفسها وعدم فهم حق المواطن في الاطلاع على المعلومة إضافة إلى الفهم الخاطئ لمصطلح “السر المهني”، مستدركا أنّ “الحصيلة ايجابية فبعد 5 سنوات نظرنا في 4946 قضية إلى غاية 14 مارس 2022 تم الفصل من بينها في 3676 قضية”.
وشدّد الأسود على أنّ علاقة الهيئة علاقتها الرئيسية بالإدارة العمومية من خلال الخدمات العمومية التي يتعين على الإدارة إتاحتها، مطالبا، في هذا الصدد، باستكمال الإطار الترتيبي المتعلق بالنظام الخاص بالأعوان والأمر الترتيبي المتعلق بالتنظيم الهيكلي وكذلك الأمر المتعلق بخطة المكلف بالنفاذ وهي خطة جد مهمة لكي تكون الهيئة قادرة على القيام بمهامها على أكمل وجه، وفق تعبير ضيف “ضاد بوست”.
وأشار رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة إلى أن الهيئة تشتغل على موقعها الالكتروني ومن المنتظر أن تصدر نشرية شهرية تحمل كل المعطيات المحينة، مؤكدا أن الصحفي هو المعني بالأساس بهذا القانون وهذا الحق الذي اعتبرته الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بقرارها عدد 59 الصادر منذ 1946 حجر الزاوية لجميع الحقوق الأساسية للإنسان.
النائب السابق ورئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني التأسيسي سهيل العلويني (الخبير الحالي لدى منظمة الصحة العالمية) تحدث بدوره عن الفترة التي دفع فيها المجتمع المدني في اتجاه تكريس حق النفاذ إلى المعلومة، حيث أكد لـ “ضاد بوست” أن موضوع النفاذ للمعلومة انطلق الاشتغال عليه مع المجتمع المدني سنة 2012 فتم تأسيس مجموعة “الحكومة المفتوحة التونسية” للضغط على المجلس التأسيسي بمساعدة عدد من النواب لإصدار المرسوم 41 الذي يفتح المجال للولوج إلى المعلومة رغم أن تطبيقه لم يكن جيدا.
وقال العلويني إنهم طالبوا المجلس التأسيسي بالإعطاء الحق للمجتمع المدني للولوج إلى المعلومة في ما يتعلق بمحاضر الجلسات في كتابة الدستور وتم رفع قضية لينصفهم القضاء لكن بعد أن أكمل المجلس التأسيسي عمله.
وتابع العلويني سرد شهادته قائلا “سنة 2014 مع البرلمان الأول حسب الدستور كان الهدف انشاء الهيئة المستقلة للنفاذ للمعلومة وقد عرف هذا القانون الكثير من الأخذ والرد خاصة في النسخة الأولى في ما يتعلق بالإغلاق على بعض المعلومات وقد دعمنا ضغط المجتمع المدني قبل مرور القانون على المجلس مما مكننا من تحسين النسخة”.
وعن واقع النفاذ للمعلومة، أكد العلويني أن “الهيئة موجودة لكن إمكانياتها ضعيفة والتزام الادارة التونسية بالقانون نفسه متأرجح، وعليه لا يمكن الحديث عن النفاذ للمعلومة في ظل عدم رقمنة الإدارة ودون تفتح المعطيات التي يجب أن تكون مفتوحة للعموم وواصل النائب السابق كلامه قائلا: “هناك تعطيلات في المنظومة الإدارية المكبلة بالقوانين فالثورة الحقيقية هي ثورة تغيير للمنظومة التي أصبحت بالية”.
لا يمكن الحديث عن النفاذ للمعلومة في ظل عدم رقمنة الإدارة
إذا، لا يمكن الحديث عن تطبيق حق النفاذ إلى المعلومة إلا مع تغيير العقليات بنشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة ورقمنة الإدارة وتعصيرها ولما لا تغيير عدد من القوانين البالية التي لا تخدم هذا الحق إضافة إلى تدريب وتكوين أعوان الإدارة على طرق التعامل مع طالبي المعلومة وإرساء الإطار الترتيبي لعمل هيئة النفاذ للمعلومة.
فالهيئة ضمان لتكريس مبدأ الشفافية أيضاً، وهي لبنة من لبنات إرساء حراس الديمقراطية التي لا تقوم فقط على السلطات الثلاث ومراقبتها لبعضها البعض وإنما كذلك على مراقبة الهيئات التعديلية التي تحرس حقوق التونسيين وتراقب السلطات الثلاث للحيلولة دون عودة الإدارات التونسية إلى علبة مغلقة لا يمكن النفاذ إلى معطياتها، وعليه يجب أن تكون الهيئة قوية وبعيدة عن التجاذبات السياسية والحزبية ما أمكن لحماية مقتضيات الدستور المتعلقة بحق التونسيين في النفاذ إلى المعلومة.
ضعف الإرادة السياسية
المحامي والخبير في النفاذ إلى المعلومة والرئيس السابق لوحدة الشؤون القضائية والقانونية بهيئة النفاذ إلى المعلومة عصام الصغير أكد بدوره لـ “ضاد بوست”، أن واقع النفاذ إلى المعلومة في تونس فيه جانب ايجابي على المستوى التشريعي والقانوني خاصة منذ إصدار القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 الذي شكل نقلة نوعية باعتبار أن القانون يعتبر من أفضل القوانين في العالم وحسب بعض التصنيفات الدولية المعتمدة.
واعتبر الصغير أنّ “ذلك غير كاف رغم النقلة النوعية والضمانات القانونية والمؤسساتية التي تم وضعها خاصة مع إحداث هيئة النفاذ إلى المعلومة باعتبارها هيئة عمومية مستقلة تشرف على تكريس حق النفاذ إلى المعلومة ونشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة نظرا إلى وجود عقليات قديمة كانت تتعامل لسنوات طويلة على أن المعلومة ملك للإدارة وليست للمواطن أو للصحفي”.
90 بالمائة من أعوان هيئة النفاذ إلى المعلومة ملحقون نتيجة عدم صدور الأوامر والنصوص الترتيبية
وشدد محدثنا على أنّ “هناك ثقافة حجب المعلومة والسر المهني، وتغيير هذه العقلية يتطلب الكثير من الوقت، والتغيير يتطلب نشر ثقافة النفاذ للمعلومة وتوفير ضمانات قانونية أكثر نظرا إلى وجود عدة عوائق فمثلا على مستوى الهيئة لم يتم تمكينها من الإمكانيات المادية والمالية الضرورية للقيام بعملها”.
وأكّد الخبير في النفاذ إلى المعلومة أنّ “الهيئة في وضعية صعبة جدا باعتبار أنه لم تصدر النصوص التطبيقية المتعلقة بالهيكل التنظيمي لها ولم يصدر الأمر التطبيقي المتعلق بالنظام الأساسي لأعوان الهيئة، الشيء الذي جعل الهيئة تفقد الكثير من الكفاءات التي تدخل الهيئة ثم تغادرها نظرا إلى أن مسارهم المهني لم يكن واضحا، وهو ما يضطر الهيئة إلى انتداب أعوان آخرين وهو ما جعلها في وضعية صعبة جدا وغير قادرة على الانتداب بصفة مباشرة”.
وأشار محدثنا إلى أنّ “90 بالمائة من الأعوان داخل الهيئة هم أعوان ملحقون فهذا الوضع جعل الهيئة غير قادرة على أن تلعب الدور المناط بعهدتها على أكمل وجه رغم عديد المحاولات ورغم العمل الجبار لكن حجم العمل المطلوب يتطلب إمكانيات أكثر وضمانات أكثر للهيئة”.
وأضاف الخبير في النفاذ الى المعلومة أنّه “على مستوى الهياكل العمومية المطالبة بإتاحة المعلومة وبتكريس حق النفاذ للمعلومة هناك عدة إشكاليات، فهناك مشكل في ادارة المعلومة حتى على مستوى الهياكل العمومية أي تنقل المعلومة من مصلحة إلى أخرى داخل نفس الهيكل الإداري، وهناك مشكلة أيضا في تنظيم مسك المعلومة لأن عديد الإدارات لازالت تتعامل عن طريق الوثائق الورقية مع غياب نظم معلومات قادرة على توفير المعلومات في اللحظة الحينية وهناك مشكل آخر وهو ضعف التزام الهياكل العمومية بالنشر التلقائي الذي يعتبر ضمانة أساسية”.
الهيئة غير قادرة على أن تلعب الدور المناط بعهدتها (..) حجم العمل المطلوب يتطلب إمكانيات أكثر وضمانات أكثر
وواصل عصام الصغير سرد شهادته لـ “ضاد بوست” قائلا “من أهداف قانون النفاد إلى المعلومة في فصله الثاني الحق في النفاذ إلى المعلومة للأشخاص باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان ودعم الثقة في الهياكل العمومية وهذا للأسف لم نصل إليه بعد مع أغلب الهياكل العمومية في تونس وأيضا دعم البحث العلمي أداء الهياكل العمومية في تونس لا يشجع البحث العلمي فالحصول على المعلومة اليوم صار مسألة مرهقة”.
وقال الصغير إن “الأمر الايجابي بعد الثورة أنه تم تكريس الحق في النفاذ إلى المعلومة”، مؤكدا أن “النص القانوني تطور بشكل كبير جدا لكنه يتطلب تعديلات طفيفة فيكفي أن يتم إعطاء الهيئة الإمكانات المادية والنصوص التطبيقية لتتحسن الأمور”.
وأشار إلى أنّ “هذه النصوص جاهزة وتم إرسالها إلى رئاسة الحكومة منذ 2019 لكن لا جواب إلى الآن”، مؤكدا أنّ هذا يعكس ضعف الإرادة السياسية أو غيابها وضرورة تغيير العقليات على مستوى الهياكل العمومية”.
تأخر صدور النصوص التطبيقية يعكس ضعف الإرادة السياسية أو غيابها
قضايا النفاذ إلى المعلومة في أرقام
حسب المعطيات التي تحصلت عليها “ضاد بوست “من هيئة النفاذ للمعلومة بعد تقديم مطلب نفاذ إليها، فإن عدد القضايا المرفوعة لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة خلال الفترة الممتدّة بين 1 جانفي 2020 و30 جوان 2020 بلغت 372 قضية.
وفي خصوص عدد القضايا المرفوعة لدى هيئة النّفاذ إلى المعلومة خلال الفترة الممتدّة بين 1 جانفي 2021 و30 جوان 2021 فقد بلغ 1028 قضية.
إذا، تضاعفت عدد القضايا المرفوعة لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة، من 372 قضية في الفترة الممتدة من 1 جانفي 2020 و30 جوان 2020 إلى 1028 قضية في نفس الفترة من سنة 2021 .
أما بالنسبة إلى أشهر جويلية وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر من سنة 2021 فقد عرفت ارتفاعا كذلك في عدد القضايا مقارنة بالسنة التي سبقتها أي سنة 2020 عدى شهر أوت الذي عرف تراجعا طفيفا من 118 قضية سنة 2020 إلى 109 قضية سنة 2021.
وقد أمدتنا هيئة النفاذ للمعلومة بعدد القضايا المرفوعة لديها خلال شهر جانفي 2022 وقد بلغ عددها 119 قضيّة.
عدد من المراقبين للشأن العام ذهبوا إلى أن إجراءات 25 جويلية كانت من العوامل التي ضيقت على حق النفاذ إلى المعلومة ليرتفع عدد القضايا منذ جويلية 2021 مقارنة بعدد القضايا في نفس الفترة من السنة التي قبلها أي سنة 2020.
وفي تصريح إعلامي ذكر رئيس هيئة النفاذ للمعلومة القاضي عدنان الأسود بأن مطالب النفاذ حافظت على نفس الوتيرة وفي المقابل ارتفعت القضايا والطعون بعد إجراءات 25 جويلية 2021.
وقال الأسود خلال ندوة صحفية انتظمت لتوقيع اتفاقية شراكة مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان، إنّ مطالب النفاذ إلى المعلومة حافظت على نفس الوتيرة قبل وبعد 25 جويلية في ما يتعلق بالأحداث الآنية فمثلا في فترة ذروة جائحة كوفيد 19 مطالب النفاذ وجهت خاصة إلى وزارات الصحة والداخلية والاقتصاد، مشيرا إلى أن الدعاوي في ارتفاع وإن الطعون في مطالب النفاذ المرفوضة من الهياكل العمومية ارتفعت أيضا.
حجب المعلومة والنفاذ إليها
أصدرت رئيسة الحكومة نجلاء بودن المنشور عدد 19 بتاريخ 10 ديسمبر 2021، وجهته إلى الوزراء وكتاب الدولة ودعتهم فيه إلى ضرورة التنسيق مع مصالح الاتصال برئاسة الحكومة بخصوص شكل ومضمون كل ظهور إعلامي، والامتناع عن الحضور والمشاركة في القنوات التلفزية والإذاعات المخالفة للقانون ولقرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري” الهايكا”.
وتجدر الإشارة إلى أن المنشور الذي صدر من طرف رئيسة الحكومة نجلاء بودن، تحت عنوان “قواعد الاتصال الحكومي للحكومة” حدد إجراءات الاتصال الحكومي، ودعا إلى تعيين قائمة المتحدثين الرسميين باسم كل وزارة لاعتمادها عند التعامل مع وسائل الإعلام. وهي خطوة اعتبر الصحفيون أنها تقيد بشكل واضح الحق في الوصول إلى المعلومات، ومن شأنها أن تخلق الخوف لدى أعضاء الحكومة الراغبين في التواصل مع الصحافة.
وقالت نقابة الصحفيين التونسيين في بيان نشرته يوم 21 ديسمبر 2021 إن هذا القرار مهين ومشين ويتعارض كليا مع الضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية والتي كثيرا ما أُثّث بها الخطاب الرسمي للجمهورية الثانية، بل الناسف لكل المكاسب التي ناضل وضحى من أجلها التونسيين والتونسيات وفي مقدمتهم الصحفيين والصحفيات.
وطالب أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين “أنتوني بيلانجي” بسحب هذا القرار فورا، واصفا حرية الصحافة في تونس بأنها في حالة سقوط حر منذ عدة أشهر، ويجب إلغاء هذا المنشور الذي يهدف إلى الحد من تعددية وسائل الإعلام.
ودعا رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين ونقيب الصحفيين التونسيين خلال ندوة حوارية بتاريخ 24 ديسمبر 2021 عقدتها المنظمتان حول حقوق الصحفيين كدعامة لصحافة الصالح العام وحقوق الإنسان، رئيس الجمهورية قيس السعيد ورئيسة حكومة إلى استئناف مسار الحوار، كحق أساسي للمواطنين التونسيين في الحصول على المعلومات.
وفي تصريح لرئيسة مرصد النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خولة شبح خلال الوقفة الاحتجاجية للصحفيين بالتلفزة التونسية، قالت إن الدولة يجب أن تضمن عبر القوانين حق الصحفي في النفاذ الى المعلومة.
وأكدت شبح أنه حسب الأرقام الخاصة بالمرصد فإن 43 % من الاعتداءات التي طالت الصحفيين تعلقت بالنفاذ إلى المعلومة و17 % تعلقت باستهداف السلامة الجسدية و8 % تعلقت بخطاب التحريض على العنف والكراهية ضد الصحفيين.
وفي هذا الصدد، أكد الصحفي وعضو لجنة الحقوق والحريات بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مالك الخالدي في حديثه لـ “ضاد بوست”، أن عمل الصحفيين بعد فترة 25 جويلية، خاصة منذ تعيين نجلاء بودن كرئيسة للحكومة أصبح مستحيلا بدرجة كبيرة سواء على الميدان أو على مستوى الندوات أو في ما يخص القيام بأي عمل صحفي ذو قيمة.
وتابع الخالدي “مثلا في حال رغبة الصحفي القيام بربورتاج من الصعب عليه الحصول على المسؤول لتمرير الطرف والطرف المقابل، وحتى من خلال الندوات التي قامت بها الحكومة حول قانون المالية لسنة 2022، مثلا تجد نفسك أمام تراخيص طويلة لتتصل بالمكلف بالإعلام والاتصال فيشير عليك بالانتظار 10 أيام للحصول على رد حكومي حول مسألة معينة لا يتجاوز الرد فيها دقيقتين أو ثلاث”.
وواصل الخالدي قائلا “أصبحنا اليوم نكتفي بالطرف الواحد بعد مقاطعة الحكومة للصحفيين وهي رغبة واضحة من رئيسة الحكومة نجلاء بودن ومنشورها ورئيس الجمهورية الذي “يشيطن” الصحفيين وقطاع الإعلام وهناك رغبة واضحة من الهياكل العمومية وهياكل الدولة عموما لمقاطعة الصحفيين والإعلام. فرئيس الجمهورية يتواصل مع الشعب من خلال “صفحة فيسبوك” وليس لديه ثقة بوسائل الإعلام التونسية وفي الصحفيين وسمعناه ينتقد وسائل الإعلام عديد المرات، أيضا رئيسة الحكومة صامتة، لا تتكلم إلا قليلا إلى جانب مديرين عامين لا يتحدثون”.
عمل الصحفيين بعد فترة 25 جويلية أصبح مستحيلا بدرجة كبيرة
انتصار حق النفاذ إلى المعلومة
أمل المكي هي أول صحفية استعملت حق النفاذ إلى المعلومة من خلال اشتغالها على تحقيق صحفي، حيث لاحظت أن المؤسّسات التابعة لوزارة الداخلية لا تقدّم أي وثيقة للأشخاص المعنيين بالإجراء”اس17″ الحدودي.
ماي 2018، طلبت أمل إحصاءات ومعلومات من وزارة الداخلية عن أعداد التونسيين المشمولين بالإجراء الحدودي، إضافة إلى تعريف هذا الإجراء ومعايير تطبيقه، غير أن الوزارة لم تجبها وتم أخذ نسخة من هويتها ونسخة من بطاقة انتسابها للنقابة، وهو ما يخالف إجراءات التعامل مع الصحفيين.
فلجأت الصحفية إلى تقديم طلب إلى “هيئة النفاذ إلى المعلومة” لتصدر الهيئة قرارها بإنصاف أمل المكّي، وإلزام وزارة الداخلية بتزويد الصحفية بالمعلومات المطلوبة ولكن الوزارة لم تلتزم به وعادت للطعن في القرار أمام المحاكم.
وفي هذا الصدد، أكدت الصحفية بالإذاعة التونسية وعضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين جيهان اللواتي لـ”ضاد بوست” أن المواطن التونسي في أمس الحاجة للنفاذ للمعلومة في هذا الظرف الذي تعيشه تونس بوصفه دافع ضرائب وعليه يجب أن يتمتع بحقوقه كاملة من بينها النفاذ إلى المعلومة، وأكدت الصحفية أنه لا يحق للدولة التونسية في هذا الوقت الحساس بالذات أن تعيق عمل الصحفيين وأن لا تؤمن لهم النفاذ إلى المعلومة لأنه في حجب المعلومة ضرب لهذا الحق المواطني.
الصحفية ورئيسة تحرير موقع “كشف ميديا” خولة بوكريم تحدثت لـ”ضاد بوست” عن تجربتها في النفاذ إلى المعلومة مع عدد من المؤسسات والهياكل العمومية، حيث قالت “تجربتي في حق النفاذ كانت ثرية جدا فقد قدمت أكثر من 25 مطلب نفاذ خلال سنتين في مختلف الهياكل العمومية والوزارات من بينها وزارة الصحة والصيدلية المركزية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ورئاسة الحكومة والهيئة الوطنية للطلب العمومي المعنية بالصفقات العمومية، وتابعت مسار النفاذ، لكن أغلب الهياكل العمومية لا تجيب على مطالب النفاذ مما يضطرني إلى تقديم قضايا ضدها لدى هيئة النفاذ للمعلومة وتقريبا كل الدعاوى في صالحي” .
وتابعت بوكريم قائلة “من أبرز تجاربي التي أعتز بها عندما تقدمت بمطالب النفاذ إلى الصيدلية المركزية في فترة كوفيد تحديدا 19 أفريل 2020 ولم يتم الاستجابة لمطلبي فتقدمت بدعوى ضد الصيدلية المركزية لدى الهيئة وفي جويلية 2020 تم الاستجابة لمطالبي ونفذت الحكم وتم تسليمي نسخة من المعلومات التي طلبتها أي 90 بالمائة منها تقريبا، عليه أقول إنّ على الصحفي ألا ييأس ويتابع مسار النفاذ إلى المعلومة”.
واعتبرت محدثتنا أنّ “حق النفاذ إلى المعلومة هو مكسب في تونس لكن تنقصه عديد الأشياء وعلينا مراجعة القانون خاصة في الآجال (20 يوم)، وفي نشر وتعميم ثقافة النفاذ إلى المعلومة لدى المكلفين بالنفاذ بالوزارات وبقية الهياكل مع تكثيف الدورات التدريبية وللمكلفين بالنفاذ وكل الموظفين الذين يمر من خلالهم مسار النفاذ أيضا خاصة أنني عشت عدة تضييقات ورأيت استغراب موظفين حال سؤالي عن معلومة ما وهذا دليل على عدم انتشار هذه الثقافة على الوجه الأمثل”.
وأضافت رئيسة تحرير موقع “كشف ميديا”، “نحن في وضع استثنائي وهناك انكماش ذاتي على المعلومة دون أي أوامر أو توجيهات فلا أعتقد أنه يوجد أمر مباشر من رئيس الجمهورية لحجب المعلومة حسب اعتقادي لكن الوضع العام وكيل الاتهامات والتخوين والخطابات السياسية التي تضرب الجميع وتتهم الجميع تسببت في انكماش المعلومة، فليس للجميع الحق اليوم في ان ينفذ الى المعلومة وهذا المشهد العام يؤثر ليس فقط على النفاذ للمعلومة بل يؤثر ايضا على حرية التعبير وحرية الصحافة”.
نحن في وضع استثنائي وهناك انكماش ذاتي على المعلومة
وبلغت عدد القضايا المرفوعة لدى هيئة النّفاذ إلى المعلومة من طرف الصّحفيين خلال الفترة الممتدة بين 2018-2021، 101 قضية من بينها 16 قضية بعنوان سنة 2020 أماّ بالنسبة لسنة 2021 فقد بلغ العدد 44 قضيّة وعليه نسجل ارتفاعا ملحوظا في عدد القضايا حسب رد هيئة النفاذ للمعلومة على مطلب “ضاد بوست” للحصول على المعطيات والاحصائيات.
قانون رائد ولكن …
الصحفي ورئيس تحرير موقع الكتيبة محمد اليوسفي أكد” لضاد بوست” وجود إشكاليات كبرى في حق النفاذ للمعلومة، مشيرا إلى أنه قانون رائد في المنطقة العربية ومكسب من مكاسب الانتقال الديمقراطي في تونس.
وتابع محدثنا “من الملاحظ أنه بعد سنوات من دخوله حيز التنفيذ لا زلنا نجد إشكاليات متعلقة بالوعي بأهمية هذا القانون، حتى في علاقة بثقافة النفاذ إلى المعلومة الصحفية وتعكس ممارسة شبه دورية وحتى لدى المواطنين لأنه مكسب للمجتمع”.
وأوضح اليوسفي أنّ “هذا القانون فيه عديد الصعوبات في تطبيقه وتنزيله على أرض الواقع الصعوبات كانت قبل 25 جويلية، وتعقدت الأمور بعد 25 جويلية فقد وجدنا كصحفيين صعوبات في مواجهة الإدارات والمسؤولين ومؤسسات الدولة وكانت صعوبات كبيرة في الحصول على المعلومة لأنه مزال هناك ممانعة تعكس عدم احترام ومحاولة التملص من تطبيق هذا القانون بتعلات واهية من هذا الجانب أو ذاك، ربما هذا يحتاج نقاش أكبر مستقبلا لكن الإشكال اليوم في الوضع السياسي الذي يسوده التخوف وانغلاق وتعتيم كبير على المعلومة”.
وأكد اليوسفي أنه في الأشهر الأخيرة الإدارة التونسية ومؤسسات الدولة العمومية كالوزارات وغيرها اعتمدت أكثر خنق المعلومة وعدم احترام هذا القانون ربما لأسباب متعلقة بالخوف من ردود الفعل وانعكاسات كشف هذه المعلومات.
هناك تعتيم على المعلومة وضرب لحق النفاذ إليها نتيجة المناخ السياسي من رئاسة الجمهورية التي لا تحترم حق الحصول على المعلومةمحمد اليوسفي
وتابع رئيس تحرير موقع “الكتيبة” قائلا “قدمنا في إحدى تحقيقاتنا 6 مطالب للنفاذ إلى المعلومة ولكن كل الإدارات لم تجب رغم أنها مطالب قانونية وفي إطار القانون، إذا يمكن أن نستنتج أنه هناك تعتيم على المعلومة وضرب لحق النفاذ إلى المعلومة نتيجة هذا المناخ السياسي من مؤسسة رئاسة الجمهورية التي لا تحترم حق الحصول على المعلومة، من الضروري التمييز بين الحصول على المعلومة والنفاذ إلى المعلومة فالنفاذ عادة ما يكون للمعطيات الحساسة التي تتطلب تمحيص عادة أما الحصول على المعلومة تهم تصريح أو توضيح ما لا يتعلق بملفات دقيقة ولا تحتاج بيانات ومعطيات”.
وواصل اليوسفي “أعتقد أن هذا المناخ ساهم في ضرب هذا الحق وهذا القانون لأن الوضع الدستوري والقانون برمته في تونس يطرح نقاط استفهام عديدة، هناك إرادة سياسية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة عن وعي أو غير وعي تمس وتضرب من هذا الحق وهو حق دستوري وقانوني ومواطني بالأساس، لأنه يهدف إلى خدمة الجمهور والمواطن والديمقراطية والشفافية حتى يقوم الإعلام بدوره لإنارة الرأي العام وكشف الحقائق كي يتم محاربة الفساد ويتم من خلالها احترام مبادئ الشفافية والتشريعات التي تجعل الجميع على قدم المساواة.
وأبرز اليوسفي أنه توجد مركزة للقرار والمركزة تخلق أجواء ومناخات من الخوف وتجنب مد الصحفيين بالمعلومات، قائلا “غلق الباب وعدم تكريس الانفتاح الحقيقي على وسائل الإعلام حتى إن تعلق الأمر بقانون كان يفترض أن تحترمه الدولة وربما في جانب آخر في بعض الملفات التي تعتقد السلطة أو مسؤولي الوزارات أو الحكومة أن هذه الملفات قد تحرجها بين الخطاب والممارسة وقد تضعها في وضع تناقض وهذا في حقيقة الأمر يضر بصورة الديمقراطية التونسية ويمس من حرية الإعلام وحرية الصحافة التي تعد من أهم المكاسب إن لم نقل من المكاسب القليلة جدا التي تحققت بعد 14 جانفي 2011”.
هناك ممانعة تعكس عدم احترام ومحاولة التملص من تطبيق هذا القانون بتعلات واهية
هيئة مبتورة
الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سمية بن رجب أكدت لـ “ضاد بوست ” أن “مسألة النفاذ إلى المعلومة في علاقة بالجانب الصحفي في تونس هي مسألة شائكة نظرا إلى أنه رغم مرور السنوات ورغم وجود هيئة للنفاذ للمعلومة ورغم وجود قانون للنفاذ للمعلومة، لكن الصحفيين دائما يشتكون من التعامل غير المسؤول مع عدد من الوزارات خاصة مع طلبات وسائل الإعلام للنفاذ للمعلومة سواء كان مع وزارات سيادية كالداخلية والعدل أو حتى مع هيئات أو مصالح أخرى”.
وأضافت بن رجب أنّه “من الضروري التركيز على مسألة تعلق قضية النفاذ للمعلومة بمدى حرية الإعلام وأيضا مدى اهتمام الإعلام بطرح موضوع الشفافية لدى الهيئات والوزارات والدواوين والهياكل العمومية هو أمر لا يخلو من التساؤلات خاصة بعد تظلم الكثير من الصحفيين أو وسائل الاعلام لدى المحاكم ضد مؤسسات عمومية لتقاعسهم في الإجابة عن مطالبهم والاهتمام في الإجابة في الآجال”.
وتابعت محدثتنا “يحتم علينا اختبار الظرف الحالي الذي يفرض عديد الاكراهات ويجعل الصحفيين أكثر توترا في التعامل مع هيئة النفاذ للمعلومة التي يصفها بعض الصحفيين الاستقصائيين بالهيئة المبتورة لكونها عاجزة عن محاكمة ومحاسبة عديد الأطراف سواء كان ذلك في الوقت الحالي أو في فترة سابقة خاصة 2018/2019”.
يُعدّ قانون النفاذ إلى المعلومة خطوة هامة نحو مزيد تكريس حرية التعبير والصحافة والنشر ومبدأ الشفافية والمحاسبة غير أن ذلك لم يمنع عدة مؤسسات خاضعة له من رفض تطبيقه وانتهاج سياسة حجب المعلومة، حيث تتواصل سياسة التعتيم من قبل العديد من المؤسسات العمومية في ضرب واضح لهذا الحق.
فالمسار نحو النفاذ إلى المعلومة يحتوي على عدة مطبات ويعود ذلك حسب عدد من المراقبين إلى طبيعة الشأن العام، نظرا إلى امتعاض الساسة من هذا الحق وإلى الأداء المتواضع لهيئة النفاذ للمعلومة وهذا ما دفع كثيرين إلى الطعن في قراراتها.
أما الهيئة فترجع هذا الأداء إلى نقص الإمكانيات اللوجستية والبشرية، وعدم استكمال الإطار الترتيبي وبين هذا وذاك لا يزال هذا القانون الرائد والحق الذي تدور حوله كل حقوق الإنسان الأخرى يقاوم ويقارع قوى الجذب إلى الخلف في ظروف استثنائية ومناخ سياسي ضبابي كي يكون نافذا على الوجه الأمثل.