الترحيل القسري… خرق حقوقي أوروبي وإذعان تونسي
دقت منظمات المجتمع المدني التونسية والإيطالية ناقوس الخطر خصوصا في الأشهر الأخيرة، وذلك بسبب توجه دول أوروبية لترحيل آلاف المهاجرين التونسيين غير النظاميين بطريقة تتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية وفي مخالفة واضحة لحقوق الإنسان.
وتصاعدت وتيرة عمليات الترحيل القسري لمهاجرين غير نظاميين يحملون الجنسية التونسية بطريقة لافتة، حيث سجلت جمعيات تونسية ترحيل مئات الأشخاص شهريا خصوصا من إيطاليا نحو تونس بطريقة سرية تثير العديد من نقاط الاستفهام.
وحسب معلومات تحصلت عليها “ضاد بوست”، فإن عمليات الترحيل تتم في ساعات متأخرة من الليل وعادة ما يقع إيصال المرحلين إلى مطاري النفيضة وطبرقة بعيدا عن عدسات الصحافة ومنظمات المجتمع المدني.
وفي ذات السياق، تحديدا بتاريخ 28 ديسمبر 2021 التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بالجمهورية الإيطالية “لويجي دي مايو”، وقد انتقد الكثيرون فحوى هذا اللقاء خاصة أن الوزير الايطالي صرح على صفحته الرسمية تأكيد حرص بلاده على مكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية خلال لقائه بالرئيس قيس سعيد.
ضغوطات خارجية
أكّد المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر أنه تم خلال شهر نوفمبر 2021 ترحيل حوالي 551 مهاجرا تونسيا غير نظامي من أوروبا إلى تونس.
وأضاف بن عمر في حديث لـ “ضاد بوست”، أنه تم في العشر سنوات الأخيرة ترحيل أكثر من 10 آلاف مهاجر تونسي غير نظامي من أوروبا، في انتهاك واضح لحقوق المهاجرين التونسيين المتواجدين في إيطاليا، فرنسا وألمانيا.
في ذات السياق، أشار بن عمر إلى “أن قضية الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين أخذت منعرجا خطيرا في السنوات الأخيرة وذهبت في اتجاه التشريع والتعاون لانتهاك حقوق المهاجرين المتواجدين في الدول الأوروبية”.
وأضاف المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “أنه يقع سنويا ترحيل مجموعة من المهاجرين دون احترام للتراتيب القانونية والضمانات الكافية للتمتع بحقوقهم للطعن في مثل هذه القرارات”، مشيرا إلى أن الدبلوماسية التونسية تتجه نحو الانصياع للضغوط الإيطالية وتم الترفيع في وتيرة المرحلين من 40 إلى 160 أسبوعيا.
الترفيع في وتيرة المرحلين من 40 إلى 160 أسبوعيا
وأشار محدثنا إلى أن عمليات الترحيل الجماعية التي تقوم بها السلطات الإيطالية ضد المهاجرين التونسيين أخذت منحى تصاعدي خطير، مشيرا إلى أن الترحيل من الأراضي الإيطالية أصبح يتم بناء على الهوية وبمرافقة أمنية إلى الأراضي التونسية.
واعتبر بن عمر، أن المهاجرين المرحلين يقع تنزيلهم في مطار طبرقة الدولي، الذي تم إنشاؤه لتنشيط الاقتصاد بولايات الشمال الغربي فأصبح شبيها “بمعتقل غوانتنامو” يستقبل مئات المرحلين بعيدا عن الأعين، حسب تعبيره.
وأكد بن عمر “أنه يتم مؤخرا التشريع لعمليات الترحيل القسرية في كنف السرية وفي غياب تام للشفافية، مؤكدا أن تونس أكثر دولة في العالم متعاونة في مجال ترحيل المهاجرين”.
وتابع بن عمر ” تونس منصاعة لكل الضغوطات المسلطة عليها من الجانب الفرنسي وذلك لاستقبال مزيد من المهاجرين غير النظاميين، في مقابل الجانب الجزائري والمغاربي اللذان رفضتا هذه الضغوطات”.
تونس منصاعة لكل الضغوطات المسلطة عليها من الجانب الفرنسي
الواقع المر
يركب الشباب التونسي الحالم بحياة أفضل في الدول الأوروبية، البحر بحثا عن الجنة المنشودة لكنه يجد نفسه وحيدا في مواجهة واقع صادم وخطير، من خلال احتجازهم في مراكز الحجز والترحيل الشبيهة بأبشع السجون ومعاملتهم معاملة سيئة قبل ترحيلهم بطريقة غير قانونية ودون موافقتهم.
وما بين “رحلة العبور” إلى الضفة الأخرى ومرحلة “ما بعد الوصول” هناك الكثير للحديث عنه لأن البعض من هؤلاء يدفنون أحلامهم أو أرواحهم بعد سماع قرار “الترحيل القسري”، حيث تأتينا الأخبار من مراكز الحجز والترحيل في إيطاليا تفيد بتسجيل حالات وفاة في ظروف غامضة ومحاولات انتحار متكررة وسط صمت السلطات التونسية والإيطالية.
ذلك أنّه في فترة وجيزة وصلتنا أخبار مفادها وفاة شخصين في مراكز الحجز والترحيل الايطالية وهما وسام عبد اللطيف الذي توفي يوم 28 نوفمبر 2021، فرغم أن القاضي في “سيراكوزا” قرر إخلاء سبيله من مركز الحجز والترحيل بتاريخ 24 نوفمبر إلا أنّ السلط المعنية لم تعلمه بذلك وبقي في المستشفى بروما مشدود الوثاق إلى السرير إلى أن تم الإعلان عن خبر وفاته.
وأعلنت منظمات حقوقية وفاة تونسي ثاني يدعى عز الدين عناني (44 عامًا) في ظروف غامضة، في مركز الحجز والترحيل بـ Gradisca Isonzo، وجاري البحث في ملابسات وفاته.
ولم تعد هذه الحوادث حالات معزولة فهناك عدة شباب قرروا وضع حد لحياتهم من خلال إلقاء أنفسهم من الحافلة التي تقلهم باتجاه المطار بعد قرار الترحيل أو باعتماد طرق مختلفة للانتحار داخل مراكز الحجز والترحيل وهناك أيضا من حامت عديد الشبهات بخصوص وفاتهم في ظروف مسترابة والبعض تحدث عن استعمال مفرط للقوة أو تعذيب المهاجرين غير النظاميين.
شهادات صادمة
وكان لـ “ضاد بوست ” لقاءات مع عدد من الشباب الذين عاشوا تجربة الترحيل القسري مؤخرا، حيث “أكدوا لنا تعرضهم للإهانة والتعنيف وإجبارهم على التوقيع على وثائق دون حضور محام أو مترجم”.
لم يكن رياض (45 عامًا) يتوقع أن يقع الاستغناء عن خدماته أين يعمل في مغازة تجارية بتونس العاصمة، ليقرر بعدها ركوب الأمواج للمرة الثالثة على التوالي في محاولة منه لتحسين وضعيته الاجتماعية.
يسرد رياض لـ “ضاد بوست”، بداية الرحلة إلى إيطاليا ليقول “قمنا بكراء منزل اجتمعنا داخله وانتقلنا من صفاقس إلي قرقنة حيث أقمنا 10 أيام هناك ثم اتجهنا إلي “لمبدوزا” أين أقمنا يوما وليلة ثم تم نقلنا إلى باخرة للقيام بحجر صحي ليتم إطلاق سراحنا فيما بعد داخل إيطاليا حسب ما تم إخبارنا به”.
يضيف “بعد 10 أيام من الحجر الصحي لم يتم تقديم أوراق الحماية الدولية أو طلب اللجوء لنا، وفوجئنا بأن تعاملنا كان فقط مع الأمن الايطالي حيث تم نقلنا من الباخرة عن طريق الحافلة إلى مركز “تشنترو” في بوتانزا، وهو مكان غير لائق يشبه أقفاص الحيوانات ولم يتم التعاطي معنا بالمرة ولم يتم تمكيننا حتى من التنقل خارج الغرف أو الحديث مع المحامي”.
الأمن كان يستهدف المهاجرين التونسيين دون سواهم من الجنسيات الأخرى
يواصل رياض حديثه “بعد أن أمضينا 10 أيام في الحجر الصحي بسبب إصابة أحد المهاجرين معنا بفيروس كورونا، أجرينا التحاليل وتبين أننا لا نحمل الفيروس ومع ذلك لم يسمحوا لنا بمقابلة المحامين وكانوا يعاملوننا بطريقة مذلة ومهينة شبيهة بمعاملة الإرهابيين والقتلة”.
في ذات السياق، يؤكد رياض أن “الأمن كان يستهدف المهاجرين التونسيين دون سواهم من الجنسيات الأخرى، حيث أنه على الرغم من وجود مهاجرين من ليبيا، المغرب والجزائر داخل الـ “تشنترو”، فإنها كانت تحضى بمعاملة محترمة، حيث يتم دائما توفير طبيب ومترجم ومحام لهم ويقع تجاهل مطالب التونسيين.”
ويعود رياض بذاكرته إلى اليوم الذي تم فيه ترحيله قسريا رفقة عشرات التونسيين ليقول “يوم الترحيل جاء الأمن الايطالي فجرا إلى الغرفة أين أوسعونا ضربا وأصروا على توقيعنا على عدد من الأوراق، لكنا تمسكنا بالرفض فأخرجونا عنوة ولم يتم تمكيننا من ملابسنا”.
يواصل حديثه “بعد ذلك وضعونا في حافلة وتوجهنا نحو “كاتانيا” ومنها إلى “بلارمو” مع تعزيزات أمنية مشددة رغم أن عددنا حينها لا يتجاوز 30 شخصا، ثم تم ترحيلنا وتنزيلنا في مطار طبرقة ومن ثم تم تأمين حافلتين لنقلنا إلى محطة باب عليوة في تونس العاصمة”.
ولعلّ ما بقي في ذاكرة رياض من مرارة التجربة هو التمييز الحاصل بين الجنسيات حيث استغرب من تشديد الرقابة والتضييق على التونسيين دون غيرهم فضلا عن نوعية الأكل الرديئة وعدم الاستجابة إلى طلباتهم المضمونة بالقانون الدولي.
الأمن الإيطالي اعتدى علينا بالضرب وأجبرنا على توقيع أوراق ثم رحلنا قسريا
قصة حلمي (26 سنة) تختلف عن قصة رياض فهو من عائلة ميسورة الحال يشتغل بإحدى المختبرات بالعاصمة محب للرياضة سافر أكثر من مرة بطرق نظامية لكنها المرة الثانية التي حاول فيها الشاب عبور البحر نحو ايطاليا بعد أن أخفق في محاولته الأولى.
حلمي تحدث هو أيضا لـ”ضاد بوست” عن مراحل عملية الهجرة إلى ايطاليا وصولا إلي “كاتانيا 6″، إذ أكد أنه سجن يحتوى على عدد من السجناء من بينهم “قتلة و تجار مخدرات…” حيث كانت الظروف سيئة للغاية.
وتابع حلمي قائلا “تحدثت مع القاضي وطالبت باللجوء رغم الظروف الصعبة التي رأيتها هناك، لم أعد أرغب بالعيش في تونس زادت نقمتي بعد سوء المعاملة تجاهنا مقارنة بالجنسيات الأخرى من المهاجرين غير النظاميين.
وقد علل الشاب سوء المعاملة بتخلي الدولة في شخص رئيس الجمهورية وقنصل تونس في ايطاليا من خلال توقيعهم على اتفاقية ثنائية بين تونس وايطاليا تلغي حقوق التونسيين وتسمح بترحيلهم قسرا.
وعن ظروف الإقامة في مراكز الحجز والترحيل أكد حلمي أنّ الوضعية مزرية والظروف قاسية جدا في “التشنترو” فالشبابيك غير قابلة للغلق “مفتوحة ليلا نهارا” ورائحة الأغطية جد عفنة.
وأكّد محدث “ضاد بوست” أن الاتصال بعائلاتهم في تونس صعب ويستوجب نفسا طويلا في ظل غياب دور المترجم الذي لم يقم معهم بالمطلوب، حسب تصريحه.
وتابع محدثنا سرد شهادته بمرارة “صدمت وتأزمت نفسيا بعد إعادتي إلى تونس فمخاطرتي في البحر ذهبت سدا ووجدت نفسي في مطار طبرقة”.
وقد حمل حلمي رئيس الجمهورية مسؤولية ما عاشه وعدد من المهاجرين غير النظاميين، متهما اياه بالخداع والتنكر لوعوده التي خص بها الشباب الذي دعمه وزكاه.
وبنبرة إصرار واصل حلمي كلامه قائلا “سأعيد الكرة مرات ومرات إما أن أصل أو أموت وأنا أحاول الوصول. وتابع “أكرر ليست ظروفي المادية التي دفعت بي “للحرقة” أنا فقط لم أعد أود العيش في تونس وهذا من حقي”.
لم أعد أود العيش في تونس وهذا من حقي
صفقة؟
النائب عن دائرة ايطاليا بمجلس نواب الشعب المجمدة أعماله مجدي الكرباعي، أكد لـ”ضاد بوست”، أن الترحيل القسري جاء نتيجة لاتفاقية تونسية ايطالية تمت سنة 1998 وتم تنقيحها في مناسبة أولى سنة 2003 بمقتضى قانون الإرهاب ثم في مناسبة ثانية سنة 2011 بتعلة ازدياد عدد “المهاجريين غير الشرعيين” ثم سنة 2020 تم تعديلها بعد وصول أكثر من 12 ألف تونسي للأراضي الايطالية وقد استقبلت تونس إطارات سامية ايطالية وتم توقيع محضر جلسة تعاون تقني أمني لكن هذه الاتفاقية لم تمر على مجلس نواب الشعب ولا يمكن الطعن في مدى شرعيتها إلا عبر مجلس نواب الشعب وهذا هو الإشكال، حسب تقديرات محدثنا.
تونس قبلت أن تكون حارسا على الحدود الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مقابل 30 مليون يورو
وأضاف مجدي الكرباعي قائلا “الآن تونس قبلت أن تكون حارسا على الحدود الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مقابل تمويل بقيمة 30 مليون يورو ما بين سنة 2021 وسنة 2023، لتحسين جاهزيتها لحراسة الحدود البحرية والتصدّي لقوارب الهجرة غير النظامية”.
ويواصل “وصل عدد المرحلين الي تونس 1655 منذ جانفي 2021 إلى 15 نوفمبر 2021، وذلك حسب وزارة الداخلية الايطالية أما المحتجزون بمراكز الحجز والترحيل فبلغ عددهم 2465 من بينهم 2463 ذكور و2 إناث”.
وتابع الكرباعي أنّ “أكتوبر ونوفمبر 2021 شهدا ذروة عمليات الترحيل بـ 496 مهاجرا، وهذا رقم كبير وقياسي مقارنة بالسنوات الفارطة وهذه أيضا رسالة غير مباشرة من رئاسة الجمهورية بالتزامها بما تعهدت به للسلطات الايطالية رغم تواتر الانتهاكات التي لا تحصى على هذه الفئة من ذلك وفاة الشاب وسيم يوم 28 نوفمبر بمركز الحجز والترحيل بروما، وفاة مسترابة حيث كان مشدود الوثاق إلى سريره”.
وأشار الكرباعي إلى ضرورة العمل الجدي على فضح الانتهاكات الحاصلة بمراكز الحجر والترحيل.
سياسة التعتيم
رئيس جمعية “الأرض للجميع” عماد السلطاني أكد لـ”ضاد بوست” أن المهاجر التونسي هو الوحيد من بين المهاجرين ليس لديه الحق في إنفاذ القانون وطلب الحماية الدولية فالسلطات الايطالية تتعسف على حقوقه ولا تترك له المجال حتى للاتصال بالمحامي، وأن قنصلية “بالارمو” توقع قرارات الترحيل دون الحديث حتى مع أي مهاجر تونسي.
وتابع السلطاني “لمسنا معاملة لا إنسانية في “المعتقلات الإيطالية” انجر عنها مؤخرا وفاة شاب تونسي في مكان لا يحترم حقوق الإنسان مع غياب دور الدولة التونسية، فخلال شهر نوفمبر 2020 تونس الدولة الوحيدة التي قبلت استعادة 516 مهاجر لا نظامي في شهر واحد، هذا الرقم قياسي مقارنة بدول أخرى حول العالم التي قبلت استعادة شخص أو على أقصى تقدير 10 أشخاص كل هذا يعود إلى أوامر من الجهات الرسمية الدبلوماسية الخارجية والتي يترأسها رئيس الجمهورية قيس سعيد”.
وقال محدثنا “نحن كجمعية “الأرض للجميع” طالبنا بالنفاذ إلى المعلومة من رئاسة الجمهورية لكنها قامت بالرد علينا بمراسلة رسمية حيث أكدت أنها لا توجد اتفاقية بين تونس وإيطاليا، وأشارت إلى أنه إن وجدت هذه الوثيقة فإنها من مشمولات رئاسة الحكومة، اتصلنا برئاسة الحكومة لكنها لم تجبنا فقدمنا شكوى إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة لتجيب رئاسة الحكومة أنه لا وجود لهذه الوثيقة التي تم الاستفسار عنها”.
وتابع “بعد فترة ما راعنا إلا وقد تم تمكين صحفية ايطالية تعمل على موضوع الترحيل القسري من هذه الوثيقة “الاتفاقية التونسية الايطالية” وتقول الوثيقة إنه بمقتضى هذه الاتفاقية سيكون هناك تعامل ثنائي لتسهيل الترحيل القسري لتكون تونس حارسا لحدود الاتحاد الأوروبي مقابل مليمات وهذا ما أسقط حقوق التونسيين في إيطاليا”.
وتابع رئيس جمعية “الأرض للجميع” أنّ “الدولة مقصرة فهي لا تهتم بالتجاوزات الحاصلة تجاه مواطنيها داخل “المعتقلات” الايطالية لكن عند الترحيل القسري تفتح ذراعيها لاستعادتهم وهذا يعتبر وصمة عار، الهجرة غير النظامية اليوم لا تقتصر على الشباب فقط في تونس بل مست كل شرائح المجتمع وكل الفئات، إذ أنّ هناك عائلات اختارت هذا النوع من الهجرة (أم/أب/أطفال)، ونحمل رئيس الجمهورية المسؤولية لأن الاتفاق الممضى بين الحكومة الإيطالية ووزارة الخارجية التونسية من مشمولات رئيس الجمهورية، كما نود الاستفسار عن أسباب التعتيم وعدم مدنا بوثيقة الاتفاق المذكورة لكي نذهب للقضاء الدولي للمطالبة بإلغاء هذه الاتفاقية التي نرفضها”.
لماذا يتم التعتيم على وثيقة الاتفاق السري لنطالب بإلغائها لدى القضاء الدولي
وحسب ما أفادت به عدة مصادر مختلفة لـ “ضاد بوست”، فإنّ تونس من أكثر الدول الداعمة للترحيل القسري وهذا ما جعل عدة منظمات وهياكل من المجتمع المدني تتحرك بحثا عن تسوية لوضعية عدة أشخاص عالقين بايطاليا وينتظرون قرار الترحيل في أي لحظة في ظروف لا تحترم حقوق الإنسان وتضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية.
ويظهر الجدول تباينا في الأرقام بين عدد المرحلين التونسيين منذ سنة 2016 إلى سنة 2020 مقارنة ببلدان أخرى مثل المغرب مصر نيجيريا وألبانيا، ففي سنة 2016 مثلا تم ترحيل 329 مغربي في نفس السنة تم ترحيل 1268 تونسي أما سنة 2020 تم ترحيل 34 مغربي وفي نفس السنة تم ترحيل 1922 تونسي.
ارتفاع الهجرة غير الشرعية
وتجدر الإشارة إلى أن نتائج تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لشهر سبتمبر 2021 حول الهجرة غير النظامية، أكد أن عدد الواصلين إلى السواحل الايطالية ارتفع خلال 9 أشهر إلى 12697، وأشار ذات التقرير إلى أن مجموع المهاجرين غير النظاميين الذين تم منعهم خلال 10 سنوات من بلوغ ايطاليا بلغ إلى 48 ألف شخص ويمثل الذين تم منعهم في 9 أشهر من سنة 2021 نصفهم تقريبا.
وخلال شهر أكتوبر 2021 وصل عدد القصر الذين بلغو السواحل الايطالية في إطار هجرة غير نظامية خلال 9 أشهر الى 2249 قاصرا، أما عدد العائلات المهاجرة خلال الـ 9 أشهر الأولى من السنة الحالية فوصل إلى 300 عائلة. وتمكنت “ضاد بوست” من الحصول على شهادات مصورة لعدد من القصر يتحدثون عن أسباب خروجهم من تونس وتمسكهم بالبقاء على الأراضي الايطالية وعلى مقطع فيديو يقدم فيه أب شهادته حول سوء المعاملة وحرمان ابنته المريضة حتى من الدواء.
بعد أن تم الكشف مؤخرا عن وجود اتفاقية بين تونس وايطاليا لتسهيل عملية الترحيل القسري للتونسيين مقابل بعض “الامتيازات” التي تتمتع بها تونس نددت منظمات المجتمع المدني بالعمل بهذه الاتفاقية التي أسقطت حقوق التونسيين، معتبرة أن الدولة تخلت عن أبناءها حيث صار التونسي غير قادر على التمتع بأبسط حقوقه داخل مراكز الحجز والترحيل بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث وصل الأمر للتنكيل بهم وحبسهم داخل أقفاص مشابهة لأقفاص الحيوانات وفي ظروف جد مهينة ليطلق عدد من الشباب نداءات الاستغاثة للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
القوانين والمواثيق الحامية للمهاجرين غير النظاميين
كل القوانين والمواثيق الدولية في هذا الموضوع وجدت من أجل إيجاد إستراتيجية إقليمية أو دولية تضمن التوازن بين المصلحة الوطنية والتزامات كل دولة باحترام القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية في مجال حماية حقوق المهاجرين.
تعريف الدخول غير المشروع: يُقصد بتعبير “الدخول غير المشروع” عبور الحدود دون تقيّد بالشروط اللازمة للدخول المشروع إلى الدولة المستقبلة.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948) هو الإطار القانوني المنظم لكل المسائل الحقوقية المتعلقة بحقوق الإنسان الأساسية من ذلك حق التنقل والمسكن واختيار مقر الإقامة، في إطار موضوع الحال تعرض الإعلان إلى مسألة حرية التنقل وحرية اختيار مكان العيش وضمان كرامة الإنسان فيه من خلال الفصول عدد 13 و14 اللذان تعرضا إلى حرِّية التنقُّل وحق اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة و حق كل فرد في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده و حقُّ كل فرد التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد.
اتفاقية جنيف المتعلقة باللاجئين أيضا تأطر ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر إقرار ضمان حقوق المهاجرين وتبقى هذه الاتفاقيات وغيرها محدودة النجاعة فالواقع فرض آليات أخرى خاصة منها الأمنية لمواجهة هذه الظاهرة.
في إطار موضوع الهجرة خاصة غير النظامية منها فإن مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان كذلك تعمل على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان التي تستهدف المهاجرين أن تنطوي على حرمانهم من حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، على غرار التوقيف التعسّفي، والتعذيب، وعدم تنفيذ الإجراءات القانونيّة الواجبة، أو حرمانهم من حقوقهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، على غرار الحرمان من الحقوق في الصحّة والسكن والتعليم. وغالبًا ما يرتبط حرمان المهاجرين من حقوقهم ارتباطًا وثيقًا بقوانين تمييزيّة وبالتحيّز وكره الأجانب المتجذّرَيْن في مواقف البعض في إطار أضيق لا يسعنا في هذا المجال إلا التذكير بالمؤتمر الحكومي الدولي الذي اعتمد الاتفاق العالمي للهجرة، انعقدت أعماله في مدينة مراكش المغربية سنة 2018 اجتمع فيه رؤساء ومندوبو 164 دولة، يرافقهم ممثلو المجتمع المدني والقطاع الخاص وتعرض الاتفاق إلى مسألة الهجرة غير المنظمة باعتبارها قضية ملحة في السنوات الأخيرة.
ففي كل عام، يفقد آلاف المهاجرين أرواحهم أو يُفقد أثرهم في طرق محفوفة بالمخاطر، وغالبا ما يقعون ضحايا للمهربين وغيرهم من المجرمين هذا الاتفاق ليس معاهدة، ولا وثيقة ملزمة قانونيا، بل هو “إطار للتعاون الدولي، متجذر في عملية تفاوض دولية بين الحكومات بحسن نية”، فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الوثيقة التي لعبت دورا محوريا في نص الاتفاق.
غياب استراتيجيات شاملة وسياسات طويلة المدى
أما بخصوص مدى تطبيق هذه المواثيق والمعاهدات الدولية وفصول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالنسبة إلى المهاجرين التونسيين نحو الأراضي الإيطالية، فقد صرحت الأستاذة بثينة بن قانة الزعفراني المحامية ورئيسة منظمة محامون بلا حدود – تونس لـ “ضاد بوست” قائلة “تعرف تونس كغيرها من الدول انتشارا كبيرا لظاهرة الهجرة باعتبارها بلدا مصدرا للهجرة وهي كذلك بلدا مستقبلا لها بالنسبة للمهاجرين القادمين من دول الساحل الإفريقي الأراضي الإيطالية هي أول وجهة يتوجه إليها المهاجر التونسي غير النظامي وغير الشرعي عملت الدولة التونسية على إيجاد العديد من الحلول وبالأخص الآليات والتدابير التي تهدف إلى تأمين الحدود من خلال فرض مجموعة من الإجراءات القانونية والأمنية وحتى الاقتصادية”.
تتمثل الإجراءات القانونية أساسا في القانون عدد 06 لسنة 2004 المؤرخ في 03 فيفري 2004، المتعلق بتنقيح واتمام القانون عدد 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوازات السفر.
وقد تضمن هذا القانون العديد من العقوبات الجزائية الزجرية بالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين باختلاف الأعمال ودون أن يولي اهتماما بحقوق المهاجرين فساوى بين الأشخاص المسؤولين على التهريب سواء داخل الجمهورية أو خارجها.
وتواصل بن قانة “بصفة عامة بالنسبة للقوانين التونسية أو الاتفاقيات العالمية فإن دورها يبقى محدودا جدا في الحفاظ على حقوق المهاجرين الغير نظاميين فليس هناك استراتيجيات شاملة وسياسات طويلة المدى يغلب عليها الطابع الشمولي”.
وأضافت الأستاذة “لا مجال للشك وحسب رأيي أن التشديد في العقوبات خاصة في دول الاستقبال أو حتى في دول التصدير لا يزيد إلا تعقيدا لهذا الواقع المرير، فدول الاستقبال أصبحت تميز بين الوافدين من أصحاب المهارات والكفاءات التي تكون نوعا ما لينة في تأطيرهم وبين الأشخاص ضعفاء الحال أو ذوي تكوين محدود بالنسبة إلى ايطاليا والهجرة غير النظامية لها، نظمتها الدولة من خلال القانون الخاص للهجرة الصادر في سنة 1998 الذي اهتم بالنظام القانوني للمهاجرين و اهتم كذلك بالغير شرعيين منهم فوضع أربعة آليات وهي ضبط إجراءات الدخول وتحديد إقامة الأجانب وتفعيل آلية الإعادة القسرية وإحداث مراكز الايواء”.
وإجابة عن السؤال المتعلق بعدد القضايا التي تهم الهجرة غير الشرعية سنويا في تونس وأبرز أنواعها أجابت رئيسة منظمة محامون بلا حدود – تونس “ضاد بوست”، أنّه “لا يمكن حصر عدد هذه القضايا لكن يمكن القيام ببحث استقصائي في الموضوع لحصر العدد وفي المجمل هي قضايا تتعلق بالجرائم الحدودية والاتجار بالبشر والتهجير القسري وتكوين وفاق من خلال الجرائم المنظمة الوطنية وجرائم التهريب واجتياز الحدود خلسة …كما يمكن في المقابل إيجاد قضايا أخرى من نوع القضايا المتصلة بالانتهاكات لحقوق الإنسان بصفة عامة وعدم الإغاثة، وقضايا أخرى متصلة بالعمل والتشغيل وقضايا أخرى متصلة بالقصر والأطفال”.
وتحدثت الأستاذة عن دور جمعية محامون بلا حدود تونس في هذا الملف الشائك حيث قالت “أرى أنه يمكن للمنظمة أن يكون لها دوران أساسيان: يتصل الأول بموضوعها كجمعية حقوقية ودورها الرقابي فتحاول الحفاظ على حقوق الإنسان الأساسية ضد اي انتهاك يمكن أن يحصل باعتماد “نظرية المهاجر الضحية”.
ويتصل الثاني بدورها كعضو في المجتمع المدني، فتحاول أن تكون من بين المفاوضين لأنها مقتنعة بضرورة إنشاء استراتيجيات دولية طويلة المدى لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية ووضع ضمانات للأزمة باعتبار أنّ هذا النوع من المهاجرين هم غالبا ضحية لوضع اجتماعي وسياسي واقتصادي معين.
وتابعت قائلة “جمعيتنا تؤمن بالتعاون الدولي الذي يجب أن يكون مثمرا وتحت مظلة منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية حتى تكون للآليات المتخذة ناجعة وتتصدى بموضوعية لتجاوز الأسباب وإيجاد الحلول الفضلى للتحديد من هذه الظاهر، علما أننا مقتنعون تماما بمسألة الحفاظ على الأشخاص من مسألة الاتجار بهم خاصة الأطفال والقصر منهم، الموضوع في غاية من الأهمية ومسألة مداولته تطول لتشعبه وتداخل العديد من المسائل والإشكاليات فيه”.
أن تتحدى الموت بحثا عن حياة جديدة على أرض جديدة هذا في حد ذاته مخاطرة دوافعها ليست بالهينة لدى أغلب من أقدموا على هذه التجربة وأن تتعايش مع ظروف لا إنسانية بعد مواجهة الموت على خط الوصول هو امتحان جد عسير، كل أصابع الاتهام في هذا الملف الشائك تتجه نحو الحكومات التونسية المتعاقبة التي سوفت طرح ظاهرة الهجرة غير النظامية وعمليات الترحيل القسري حيث غابت الإرادة السياسية لوضع إستراتيجية وخطط عمل لحماية حقوق التونسيين.
وبعد أخبار الموت والانتحار والعنف ونداءات الاستغاثة التي تصلنا من مراكز الحجز والإيواء ما على قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن إلا العمل الجدي على فتح تحقيقات في الوفايات المسترابة ومضاعفة الجهود الدبلوماسية لمراقبة وضعية المهاجرين غير النظاميين في مراكز الحجز والترحيل مع دراسة وضعياتهم حالة بحالة، خاصة أن من بينهم أطفال ومرضى، إضافة إلى الضغط في اتجاه تعديل الاتفاقية مع الجانب الايطالي موضوع الجدل لتعديل الكفة وتجنب هضم حقوق التونسيين هناك والدوس على كرامتهم وما دون ذلك فيعتبر حسب عدد من منظمات المجتمع المدني استقالة للدولة من دورها وتخليها عن أبنائها.