إعلام السلطة وسلطة الإعلام… وضيم القوانين المبتورة
إنّ الإعلام من أبرز المكاسب التي حققتها ثورة 14 جانفي 2011، وشهد القطاع عدة محاولات من أجل الابتعاد عن المحتوى الموجّه من طرف السلطة، حيث تم سن عدد من القوانين من شأنها أن تفتح باب التعددية وتنظم القطاع وتعزز حرية الصحافة والإعلام، أبرزها صدور المرسومين 115/ 116 اللذان ينظمان المهنة ويحددان مسؤولية الصحفي وحدوده القانونية، فضلا عن وضع الهياكل التعديلية.
وحاول مهنيو القطاع من صحفيين وهيئات تعديلية ونقابية ومجتمع مدني دفع الإعلام خاصة العمومي من أجل الخروج من “سطوة السلطة” والتخلص من وصم “التبعية” ليكون “إعلام الجمهور” لا “إعلام السلطة”.
فما هي الوضعية المالية والقانونية للهياكل التعديلية؟
وما وراء الانتقادات التي يتعرض إليها الإعلام العمومي؟
هل يمكن إدارة قطاع الإعلام عبر مرسومين فقط، في ظل تعالي الأصوات المطالبة إياه بالقيام بدوره على أكمل وجه؟
قوانين مبتورة
صدر المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وإنشاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، في محاولة لتنظيم القطاع وتعزيز حرية الصحافة والتعبيـر وإيجاد التشريعات المناسبة التي تحمي الصحفيين وتحارب ثقافة الإفلات من العقاب.
ويضمن المرسوم 115 حريةَ تداول ونشر وتلقّي الأخبار والآراء مهما كان نوعها، وينص على حقوق الصحفيين في الوصول إلى المعلومة وسرّية المصادر، إضافة إلى سبل حمايتهم من التهديدات مهما كان نوعها.
وحدد المرسوم العقوبات التي تسلط على الصحفيين في حال تم تسجيل إخلال في العمل الصحفي ومن أبرز ما تم التخلي عنه هو العقوبة السالبة للحرية حيث تم استبدالها بغرامات مالية وخطايا، في حين يشمل المرسوم 116، الإعلام السمعي البصري فقط، ونصّ على مكونات الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري كهيئة تعديلية وصلاحياتها ونظم شروط إطلاق الإذاعات والقنوات التلفزية.
وفي وقت لاحق تم دسترة (دستور 2014) ضوابط عمل “الهايكا”، وبذلك يكون للقطاع السمعي البصري هيئة دستورية تراقب وتعدل، كما جاء في الفصل 125 (من الباب السادس: الهيئات الدستورية المستقلة) “تعمل الهيئات الدستورية المستقلة على دعم الديمقراطية، وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها وتتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية ويضبط القانون تركيبة هذه الهيئات والتمثيل فيها وطرق انتخابها وتنظيمها وسبل مساءلتها”.
وأقر الفصل 127 (من القسم الثاني: هيئة الإعلام) على أنه “تتولى هيئة الاتصال السمعي البصري تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري، وتطويره، وتسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام، وعلى ضمان إعلام تعددي نزيه، تتمتع الهيئة بسلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وتستشار وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بهذا المجال”.
و”تتكون الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة، مدتها ست سنوات، ويجدّد ثلث أعضائها كل سنتين”.
وفي دستور 2022، أسقط رئيس الجمهورية قيس سعيّد باب الهيئات الدستورية بما احتوته من قسم “هيئة الإعلام” أي هيئة الاتصال السمعي البصري “الهايكا”، ولم ينصّ في باب الأحكام الانتقالية على مواصلة العمل بها، وهو ما يحيل آليا إلى إرساء منظومة جديدة تعود فيها مختلف السلطات التعديليّة مجددا إلى السلطة الحاكمة.
وإضافة إلى المرسومين 155 و116 تم دسترة حرية الرأي والتعبير في دستور 2014، حيث نص الفصل 31 منه على أن “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”، ونصّ الفصل 32 على أنّ “الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة والوثائق والذي يمثل الجيل الثالث لحقوق الإنسان”.
وأورد دستور 2022 الإعلام في الفصل 37 منه فقال إنّ “حريّة الرّأي والفكر والتعبير والإعلام مضمونة”، وأنه “لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحرّيات”، في المقابل، ينصّ الفصل 55 (دستور 2022) على أنّ “كلّ الحريّات المضمونة بهذا الدّستور مُقيَّدة بضرورات يقتضيها الأمن العام أو الدفاع أو الصحة أو الآداب العامّة”، وهو ما أسقط الفصلين في تناقض بين حرية الصحافة و”عدم جواز” رقابتها القبلية وتقييدها بـ “الضرورات”؟؟!
القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، بدوره كان من المنتظر أن يساهم في تحرر الإعلام ودعم حريته إلا أنّه ظلّ حبيس الحبر الذي كتب به، وتمّ إسقاط النصّ المتعلق بهيئة النفاذ إلى المعلومة في دستور 2022، وهو ما جعل الأسئلة تتوالى عن وضعيتها القانونية والمالية و”حدود” ممارستها لمهامها كمثيلتها من الهيئات الدستورية المسقطة من دستور 2022.
وإنّه لا يمكن الحديث عن حق النفاذ إلى المعلومة دون الحديث عن حرية الإعلام فالعلاقة بينهما هيكلية وعضوية وحتى المراسيم التي تنظم عمل الصحفيين تنص على أهمية حق النفاذ إلى المعلومة بالنسبة إلى الصحفيين.
فالصحفي هو المعني بالأساس بهذا الحق الذي اعتبرته الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في قرارها عدد 59 الصادر منذ 1946 حجر الزاوية لجميع الحقوق الأساسية للإنسان، فلا يمكن الحديث عن حرية الصحافة والتعبير والإعلام دون ضمان الحق في النفاذ إلى المعلومة، ومن بين الصعوبات التي تعرفها الهيئة تراجع الميزانية المخصصة لها والنقص في عدد أعوانها.
والأمر الغاية في الأهمية هو ضرورة التعجيل في استكمال الإطار الترتيبي والمتمثل في الأمر متعلق بالنظام الخاص بالأعوان والأمر المتعلق بالتنظيم الهيكلي وكذلك الأمر المتعلق بخطة المكلف بالنفاذ وهي خطة جد هام لكي تكون الهيئة قادرة على القيام بمهامها على أكمل وجه وتدعم عمل الصحفيين.
إلى ذلك، فإنّه رغم وجود هذه المراسيم والفصول تبدو وضعية الإعلام ضبابية وصعبة، فهيئة النفاذ إلى المعلومة مثلا تواجه ثقافة التعتيم وهي إلى اليوم تنتظر استكمال النصوص الترتيبية لعملها ومجلس الصحافة وهو هيئة للتعديل الذاتي يعاني رغم مرور سنوات على إحداثه من صعوبات مالية ولوجستية أثرت في أداءه أما الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” .فوضعيتها ليست أقل تعقيدا والطعن في شرعيتها من عدمه خلق الكثير من الجدل
الهياكل التعديلية.. مأزق الوجود!
إنّ الوضعية الحالية لـ “الهايكا” هي بالتأكيد من الناحية الشكلية غير قانونية باعتبار أنها تجاوزت المدة المخولة إليها ولكن وجب التساؤل حول أسباب ذلك، فـ”الهايكا” وُجدت قبل دستور 2014 تحديدا في ماي 2013 وجاء الدستور الذي أعطى مهلة بسنة كي يتم إرساء هذه الهيئة الدستورية قانونيا ليتم تمرير المهام من الهيئة القديمة إلى الهيئة الجديدة ولكن البرلمان لم يقم بصياغة هذا القانون وبالتالي بقيت الهيئة على حالها إلى حين إنجاز “هذا القانون” ليتم تسليم العهدة إلى الهيئة الجديدة.
المحامي بديع بوزكري تحدث لـ “ضاد بوست” عن الوضعية القانونية للهيئة قائلا إنّه “منذ سنة 2011 هناك مرسومان ينظمان المهنة وهوما المرسومان 115 و116 اللذان أعطيا للهايكا صلاحيات مطلقة لتنظيم القطاع مثل مسألة كراس الشروط والتراخيص ومراقبة عمل وسائل الإعلام والخطاب الموجه وكيفية سير المؤسسات الإعلامية، كما أعطاها صلاحيات الضابطة العدلية في حجز المعدات وإسناد الخطايا لكل مؤسسة إعلامية قامت بتجاوزات خلال القيام بعملها”.
واعتبر بوزكري أنّ “المرسوم 116 غير كاف باعتبار أنّ القطاع متغير ومتطور وهناك إشكاليات في تطبيقه حتى من خلال قرارات الهيئة التي تمنع بث برنامج، فتعتمد المؤسسات الإعلامية أساليب ملتوية لتفادي العقوبات مثل تغيير الديكور والاسم لمدة معينة ثم يقع استئناف البرنامج مجددا”.
وأضاف محدثنا قائلا “الهايكا هي نفسها لم تجد حلولا لمثل هذه الوضعيات في ظل نقص المرسوم، إلى جانب أنّ عددا من القنوات التي ترغب “الهايكا” في أن تطبق عليها القانون في مسألة التراخيص تجد نفسها عاجزة، مثل ملف قناتي “نسمة” و”حنبعل” اللتان اشتغلتا سنوات دون ترخيص قانوني ومع ذلك لم تستطع “الهايكا” تطبيق القانون إلا بتدخل سياسي”.
وتابع بوزكري كلامه قائلا “المرسوم 116 يبقى في نهاية الأمر عاجز عن تغطية النقائص الموجودة في القانون وطبعا عدد من المؤسسات الإعلامية تستفيد من هذه النقائص لتمرر خطابها وهناك مؤسسات إعلامية مرتبطة بالمستشهر، و”الهايكا” إلى اليوم غير قادرة على تحديد “ملف الإشهار” رغم أن المرسوم 116 يفرض عليها أن تقدم نسب المشاهدة والاستماع إلى كل مؤسسة إعلامية لكنها متخلية عن دورها، وشركات سبر الآراء هي التي تتحكم في الأرقام فجعلتها تتحكم في المشهد”.
وواصل “الهايكا إلى اليوم لم تفرض على أي مؤسسة وضع خطة الموفق الإعلامي” (موجود في إذاعة “موزاييك” وينشر تقريره دوريا)، مؤكدا أنه “حتى لو فرضت فإن الخطة تكون صورية وعمليا هي غير موجودة أو ممثلة بالطريقة التي فرضها المرسوم”.
وأشار محدثنا إلى أن “مراجعة المرسوم أكثر من ضروري لكونه أمر رئاسي لم يسبقه مداولات أو نقاشات أو استشارة لكل الأطراف المتداخلة في القطاع من أجل تفادي أكثر ما يمكن من عقبات وأخطاء”، معتبرا أن “هذا ما جعل المرسوم من سنة إلى أخرى يثبت أنه غير قادر على تنظيم القطاع بشكل يحمي جميع المتداخلين، وهذا ما جعل مؤسسات إعلامية مهددة في استمرارها وأخرى واجهة لتبييض الأموال ومؤسسات أخرى لا تقدم مستحقات فريق العمل والصحفيين”.
وأضاف أن الإشكال المطروح منذ مدة هو شرعية “الهايكا” من عدمها بعد عدم تجديد أعضاءها إثر انتهاء الفترة النيابية المحددة بالقانون فإلى اليوم لا وجود لتعينات أو تسميات جديدة وحتى الشغورات صلب الهيئة لم يتم سدها، موضحا أن مسألة شرعية “الهايكا” مطروحة على أكثر من واجهة.
الهايكا عاجزة فهي لم تستطع تطبيق القانون إلا بتدخل سياسي
ولم يخف رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، الأستاذ النوري اللجمي أنّ “الهايكا” تقف في مفترق طرق، حيث أكد ذلك لـ “ضاد بوست” قائلا “الهيئة في مفترق طرق دون معرفة أي الطرق ستسلك في قادم الأيام في انتظار تحركات رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة ، نحن منذ سنوات طويلة نطالب بإصدار قانون يعوض المرسوم 116 كي ينظم صلاحيات الهيئة لأن العمل بالمراسيم يفترض أن يكون قد انتهى وعليه وجب إصدار قانون أساسي للإعلام السمعي البصري لتنظيم المشهد السمعي البصري والتنصيص على صلاحيات الهيئة واستقلاليتها، لكن للأسف هذا لم يتم عدى بعض المشاريع التي بقيت في رفوف مجلس النواب الذي وقع حله”.
وتابع اللجمي قائلا: “نحن الآن في فترة استثنائية لا نعرف هل سينتهي الأمر بقانون جديد أو مرسوم ولا نعرف كيف ستدار الأمور بالنسبة إلى الهيئة، وقد قلنا في العديد من المرات في وسائل الاعلام أو مع المسؤولين في رئاسة الحكومة، إنّه يجب النظر في وضعية الهيئة بعد تجاوز مدة صلاحيتها ولما لا إصدار قانون جديد ينظم عملها وتنصيب مجلس جديد، لكن ذلك لم يتم إلى اليوم وهذا الأمر ليس بيد الهيئة طبعا”.
وأضاف “في الأثناء نحن نواصل العمل ونجهل إلى أي مدة، من الممكن أن تنتهى غدا خطة المجلس الحالي أو يمكن أن تنتهي بعد الانتخابات، فلا وجود لأي فكرة واضحة عن ذلك، نحن نبحث عن التوضيح والوضوح في الرؤية لأنه لا وجود لأي رؤية واضحة في الموضوع، أما بالنسبة إلى الوضعية المالية للهيئة فلا وجود لأي إشكال من هذه الناحية وكل ما المبالغ التي نطلبها نتسلمها دون أي إشكال”.
الهيئة في مفترق طرق... نحن نواصل العمل ونبحث عن الوضوح في الرؤية
في سابقة عربية تم إحداث مجلس الصحافة في تونس وهو أول مجلس صحافة مستقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد مثل إحداثه إنجازا هاما في مسار إصلاح الإعلام 2011، حيث جاء في سياق تصاعد فيه نسق انتشار الأخبار الزائفة وانتهاك أخلاقيات المهنة، وهو هيئة خاصة مستقلة غير ربحية متكونة من 9 أعضاء وقع إحداثه بمبادرة مشتركة من نقابة الصحفيين (ممثلة عن الصحفيين) والجامعة التونسية لمديري الصحف (ممثلة عن الصحافة المكتوبة) والنقابة العامة للإعلام والغرفة النقابية لأصحاب التلفزات الخاصة والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (تمثل الجمهور).
ويلعب مجلس الصحافة دور “محكمة الشرف” للصحفيين كما يسعى إلى تعزيز أخلاقيات الصحافة وتمكين الجمهور من حقه في الحصول على المعلومة، من خلال دعم حرية الصحافة والتعبير.
المجلس إلى اليوم لا يملك مقرا يحتضن أشغاله ولا إمكانيات بشرية أو مالية تدعمه في ظل عدم التعريف بنشاطاته، عدى دليل للجيب تم إعداده لتقديمه إلى الجمهور، لكن المواطن إلى اليوم لا يعرف مجلس الصحافة ولا أهدافه ولا يعرف طرق الاتصال به، بينما المطلوب حملة إعلامية موسعة تعرف بالمجلس وبدوره وتبين للجمهور أن من حقه أن تصله مادة إعلامية دقيقة خالية من الشوائب تحترم أخلاقيات المهنة وتسعى إلى الحقيقة ليكون عنصرا فاعلا في بلورة المشهد الإعلامي وللقيام بمهمة التعديل الذاتي المناطة بعهدته.
الصادق الحمامي أستاذ التعليم العالي بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار وعضو بمجلس الصحافة، أكد لـ “ضاد بوست” أن هناك هيئة تعديلية وحيدة هي “الهايكا” وأن مجلس الصحافة هو هيئة تعديل ذاتي.
وقال الحمامي “”الهايكا” هيئة عمومية مستقلة تحظى بتمويل الدولة باعتبارها مؤسسة تسير مرفق عام الذي هو الإعلام بالمعنى العام للمرفق العام، لكن بالنسبة إلى مجلس الصحافة هو هيئة تعديلية ذاتية تم إحداثها من طرف النقابات وهي ذات طابع جمعياتي، وهي امتداد لجمعية دعم مجلس الصحافة وداخل هذه الجمعية هناك هيئة اسمها هيئة مجلس الصحافة، قانونيا هو هيئة في إطار جمعية، أما التمويل فلا وجود له، وهذا ما يفسر أن مجلس الصحافة لا يشتغل بطريقة طبيعية، فالمجلس الآن بصدد تأسيس نفسه وتكوين آلياته”.
مجلس الصحافة لا يشتغل بصفة طبيعية
نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي، أكد بدوره لـ “ضاد بوست”، ضعف الهياكل التعديلية في قطاع الإعلام، قائلا إنّ “”الهايكا” لديها وجود قانوني كمؤسسة من مؤسسات الدولة وميزانيتها من الدولة ولا أعتقد أن لديها مشاكل مالية بقدر ما لديها مشاكل في علاقة بوجودها وانتهاء مدة ولايتها وتجديد أعضاءها والمصادقة على القانون الأساسي للقطاع السمعي البصري الذي سيتم بمقتضاه انتخاب هيئة جديدة، كما أن لديها مشكلة أخرى تتمثل في اعتراف السلطة أيضا بصلاحياتها وإمكانياتها”.
“أما مجلس الصحافة فهو هيئة تعديل ذاتي بدأ التفكير فيها سنة 2015 وانطلقت سنة 2019 دون إمكانيات لوجستية ودون مقر فهي تجتمع بمقر نقابة الصحفيين، وليس لديها أدوات العمل، فعملها اقتصر على إصدار بيانات أو توجيها، أما فعليا نستطيع القول إن مجلس الصحافة لم ينطلق في الدور المنوط به حسب قانونه الأساسي وظل يقوم بدور معنوي فقط، وفق نقيب الصحفيين”، وفق تعبير الجلاصي.
وشدد الجلاصي على أنّ “الهياكل التعديلية ضعيفة، فحتى من لديها شرعية كاملة وإمكانيات مثل “الهايكا” معنويا ضعيفة، على اعتبار أن السلطة لا تعترف بها مثلا من خلال التعيينات التي من المفترض أن تتم عن طريق “الهايكا” تتم بطريقة أحادية من قبل السلطة، ومسألة التعامل مع القنوات ومسألة إسناد التراخيص أيضا، عدة مسائل لا تتحكم فيها “الهايكا” حتى تدخلها في تعديل القطاع السمعي البصري لم يعد مثل ذي قبل فقد ضعف جدا في الفترة الأخيرة وهذا يعود إلى عدة أسباب خاصة منها التعامل السياسي والمشاكل القانونية في وجودها أصلا حيث هناك من يطعن في وجودها رغم أن القانون يقول إنها يجب أن تواصل العمل إلى حين انتخاب الهيئة الجديدة ولكن يجب أن تكون فاعلة وهذا غير متوفر اليوم”.
وتابع “المشكل الكبير الذي خلفه ضعف الهيئات هو جعل السلطة تذهب نحو توجه آخر، وهو التعيينات في الإعلام العمومي دون المرور بـ “الهايكا” وجعلتها تعين أشخاصا موالين لها يقومون بتنفيذ أجنداتها وخدمتها في المنابر الإعلامية، وهذا خاصة في التلفزة الوطنية التونسية عكس الإذاعة التونسية التي بقيت صامدة، فالتعيينات المباشرة المسقطة في التلفزة التونسية ساهمت في أن تصبح تلفزة دعائية موالية تماما للسلطة وإعلام عمومي لا يقوم بدوره في الإخبار والتثقيف والتفسير والترفيه، واقتصر دوره على التطبيل للسلطة”.
الهياكل التعديلية اليوم ضعيفة
سلطة الإعلام وإعلام السلطة
أكد الصادق الحمامي أستاذ التعليم العالي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار لـ”ضاد بوست”، أن “الإعلام العمومي برمته، سواء كان إعلام تلفزيوني أو إذاعي أو وكالة أنباء أو مؤسسة “سنيب لابراس” أو جريدة “الصحافة اليوم” وغيرها، هي مؤسسات تعيش أزمة عميقة جدا، أزمة هيكلية وأزمة خطيرة بسبب الحكومات المتعاقبة التي لم تسع إلى إصلاحها ولم تسع إلى ضمان شروط ديمومتها، مما جعلها مهددة وغير قادرة حتى على إنتاج مواد إعلامية على قدر انتظارات المجتمع، رغم أن المجتمع بصدد تمويلها، لكنها كلها لا تشتغل بطريقة طبيعية”.
وأشار الحمامي إلى أن “الحكومات المتعاقبة منذ 2011 إلى اليوم هي حكومات إما سعت إلى استخدام المرفق العمومي أو أنها لا تبالي به ولا بمصيره أو إدارته بل هي تنظر إلى بعض مؤسساته على أنها عالة على ميزانية الدولة”، موضحا أنه “هذا هو السبب الرئيسي لوضعيته الراهنة ويمكن إضافة سبب ثان والذي هو أقل أهمية وهو أن هذه المؤسسات لا يوجد فيها مطلب للإصلاح عدى بعض المؤسسات التي فيها مطالب داخلية للإصلاح”.
وبين محدثنا أن “وضعية الإعلام العمومي بكل مؤسساته اليوم هي نتيجة غياب أو ضمور مطلب الإصلاح داخليا وخارجيا، لأن مطلب الإصلاح عملية صعبة جدا وتحتاج إلى موارد وقد تؤدي إلى مواجهات أيضا ولهذا الحكومة تؤجلها”، مضيفا “الحكومات المتعاقبة لا ترغب في الإصلاح لأن الإصلاح عملية مضنية جدا وصعبة ولهذا ترك الإعلام العمومي على حاله وهو الآن لا يشتغل بطريقة طبيعية”.
وتابع الحمامي قائلا: “هناك خطأ شنيع يقوم به بعض الخبراء والمهنيين فالإصلاح القانوني جزء من الإصلاح، لماذا يعيش الإعلام وضعيته الراهنة؟ لأن الحكومات المتعاقبة وحتى داخل المهنة اقتصروا على الإصلاح القانوني في حين يوجد إصلاح من نوع آخر وهو إصلاح التصدير وإصلاح النموذج الاقتصادي وإصلاح التنظيم الإداري وإصلاح الإنتاج، أيضا مفهوم السلطة الرابعة يقوم به الصحفيون من تلقاء أنفسهم فهم لا يحتاجون إلى دفع من الحكومة، فالصحافة تتحول إلى سلطة رابعة بقرار من الصحفيين أنفسهم وهناك البعض من المهنيين لا يفهمون ما معنى السلطة الرابعة وما أدوار الصحافة، الصحافة هي من تقوم بدور الرقابة على السلطة السياسية للأسف هذا الدور محدود جدا إن لم يكن غائبا، الإصلاح هو عملية شاملة ويجب أن يكون شاملا لكل أبعاد الإعلام العمومي، الاقتصاد والتنظيم والموارد المالية وغرف الأخبار والقانون”.
وأضاف “التأكيد على الإصلاح القانوني فقط مقاربة مبتورة، الإصلاح كان إصلاحا مبتورا سنة 2011 حيث أصدروا مراسيم فقط، حتى لو تم وضع قانون فلن يتغير شي يجب إصلاح الإعلام العمومي والإعلام بشكل عام بطريقة شاملة وهذا يحتاج إلى مؤتمر وطني، أما في ما يتعلق بالتعيينات فهي جزئية لأن الأزمة كبيرة جدا والبعض يتحدث عن التعيينات، فهل التعيينات ستحل مشكلة الإعلام العمومي؟ هذا غير صحيح بالمرة وهذه أيضا مقاربة جزئية وأكثر من مبتورة، هل هناك مدير يملك مفاتيح سحرية لحل كل مشاكل الإعلام العمومي؟ اختزال الإصلاح في مسألة التعيينات مقاربة خاطئة وأتساءل لماذا يتم دائما التطرق إليها؟”.
وبخصوص انعكاس وضعية المرفق العمومي على المادة الإعلامية المقدمة، قال الحمامي: “أعتقد أنه لا يوجد نظام إعلامي بل أشلاء نظام إعلامي، النظام الإعلامي التونسي في أزمة عميقة ويكاد يتهاوى، تونس كانت يمكن أن تكون مثالا يحتذى به في الإعلام الديمقراطي والمهني، ولكن هذا لم يقع وهذا يعيدنا إلى نفس الإشكالية وهي أنه لم يتم إصلاح الإعلام بشكل عام ثم إن التعديل في تونس كان تعديلا محدودا جدا، فتأثير “الهايكا” على الإعلام بشكل عام كان محدودا جدا ولم تقم بأدوارها بشكل كامل ولهذا نرى أن التلفزيونات الخاصة أصبحت تلفزيونات تجارية محضة”.
ورأى محدثنا أنّ “هناك تنميطا في كل المشاهد والخاسر الأكبر في كل هذا هو مهنة الصحافة لأن الصحفيين يشتغلون في ظروف صعبة وبائسة أحيانا لم يجنوا شيئا من الانتقال السياسي والديمقراطي، أيضا ليس لنا إعلام اليوم يقدم مضامين متنوعة ثقافية وتربوية وسياسية… هذا كله يجب أن يدفعنا إلى مقاربة، أنا من المدافعين عنها، وهي مقاربة الهدم وإعادة البناء من جديد، المعمار الإعلامي ككل يجب إعادة بناءه من جديد المقاربات الجزئية التي تتعلق بالتسميات أو التسميات المشتركة هي لا تغني ولا تسمن من جوع يجب إعادة بناء النظام الإعلامي من جديد حتى يتمكن الصحفيون من الحصول على الأوضاع المهنية الجدية التي تسمح لهم بأداء مهامهم و للجمهور بتلقي مادة إعلامية محترمة لأن الخاسران الكبيران في العملية هما الصحفي والجمهور”.
وختم محدثنا كلامه قائلا “أقول اليوم إن مفتاح الحل موجود ويتمثل في أن يرفع الصحفيون والصحفيات عاليا مطلب الإصلاح الشامل على الحكومة فالحلول الترقيعية والجزئية لا فائدة منها والتسميات لا فائدة منها، ونعني بالإصلاح الشامل إصلاح الإعلام العمومي وإعادة إصلاح منظومة التعديل”.
يوجد أشلاء نظام إعلامي يكاد يتهاوى.. أنا مع الهدم وإعادة البناء
إصلاح الإعلام.. وفخ السلطة
نقيب الصحفيين أكد بدوره تأثر المادة الإعلامية المقدمة بالأوضاع الصعبة التي يعيشها الإعلام العمومي حيث صرح لـ “ضاد بوست” أنّه “بالنسبة إلى المادة الإعلامية المقدمة فالأمر واضح أن هناك توجه إلى أن تكون التلفزة التونسية بهذا الشكل، التلفزة لم تعد فيها البرامج السياسية والحوارية والبلاتوهات وبرامج التفسير، سابقا كانت التلفزة منفتحة على كل الحساسيات الاجتماعية السياسية والنقابية وكان فيها تنوع في البرامج، اليوم صارت مفرغة من البرامج والحوارات السياسية وحتى الإنتاج يقتصر على الأخبار والإعادات، حتى كرة القدم “البطولة المحلية التونسية” لم تقدر على أن تضمن للمواطنين مشاهدتها على قناتهم التونسية، والكل صار يشاهدها على قنوات أجنبية مشفرة أي يدفعون أموالا مقابل الفرجة على بطولة تونسية وهذا من ضمن تخلي الدولة عن دورها حيث اقتصرت على الأخبار وتبييض السلطة، وهذا ما رفضناه كنقابة الصحفيين وخضنا إضرابات وتحركات داخل التلفزة ووصل الأمر إلى الإضراب العام حتى يستفيق الجميع وتستفيق السلطة والمسؤولون، لكن تواصل الوضع على ما هو عليه وجعل التلفزة اليوم تقريبا من أفقر معنويا ومضمونيا القنوات الموجودة في تونس“.
وعن مدى ضعف المراسيم التي تدير قطاع الإعلام وإمكانية السعي نحو وضع قانون شامل ينظم القطاع، قال نقيب الصحفيين: “اليوم الدولة ككل تدار بالمراسيم وحتى المجالس القضائية، أيضا هناك تعيينات في خطط كبيرة وقوانين وقرارات كبيرة اتخذت بالمراسيم وهذا أخطر شيء، عندما يكون فرد واحد مهما كانت مكانته وشرعيته وقوته هو من يدير الدولة بالمراسيم وبطريقة انفرادية لا يمكن إلا أن يجلب الأخطاء، ولقد لمسنا أن كل المراسيم التي تم إصدارها تقريبا تحتوي على أخطاء ورئيس الجمهورية بنفسه قال إنه سيتم مراجعتها في ما بعد”.
وتابع “أما في قطاع الإعلام فلا أعتقد أن المرسومين 115 و116 انتهى دورهما، هما في حاجة إلى التطوير والتعديل أكيد، لكن ماهي البدائل اليوم عنهما؟ حتى في مجال الحريات القانون عدد 54 الذي تم وضعه هو قانون تعسفي وقمعي والمرسومين المذكورين فيهما حد أدنى من الضمانات والاستقلالية وحد أدنى يضمن عدم الذهاب بالإعلام العمومي في اتجاه التطبيل، حد أدنى أن تعطى رخص لوسائل الاعلام ضمن منطق التنوع والتعدد وهو الشيء الغائب حاليا”.
وتابع محدثنا كلامه قائلا: “أعتقد أنه يجب أن يكون هناك قانون شامل لقطاع الإعلام ونحن لدينا مقترحات وقدمناها رسميا كمشاريع كاملة في حرية الصحافة والطباعة والنشر الالكتروني في قانون الاتصال السمعي البصري لدينا مشاريع كاملة يجب أن تصدر في شكل قوانين أساسية مقدمة للدولة بدأنا الاشتغال عليها منذ 2016، وهناك مشاريع قدمت للبرلمان الفارط وأخرى قدمت للبرلمان الأسبق لكن لا وجود لإرادة سياسية من أجل إصلاح قطاع الإعلام عبر إصدار قوانين أساسية تضمن استمراريته واستقراره لذلك المطلوب أن يتم المصادقة على القوانين الأساسية في البرلمان ولا يتم المصادقة عليها بطريقة أحادية وننطلق بعدها في إصلاح فعلي للإعلام وإصلاح هيكلي وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح القوانين التي تنظمه مثل قانون الإشهار العمومي ومؤسسات سبر الآراء (نسب الاستماع والمشاهدة)، والإجراءات التي تدعم المؤسسات مثل معاليم البث والأداءات والرقمنة مثل الصحافة المكتوبة ودعم صحافة الجودة، هناك جملة من الإجراءات لإصلاح الإعلام يجب اتخاذها بعد المصادقة على جملة من القوانين الأساسية للقطاع السمعي البصري وللصحافة والنشر”.
وختم محمد ياسين الجلاصي كلامه قائلا: “هذه أصعب فترة يعيشها قطاع الإعلام في تونس بسبب وجود سلطة تمسك بزمام الأمور بطريقة أحادية انفرادية لم تترك أي مجال للإصلاح وليس لديها أي نية للإصلاح بل لديها نية لتعفين الأوضاع واستغلال الهشاشة الموجودة لتجعل الإعلام ينخرط في سلطتها وهذا تقريبا ما فعلته مع كل المجالات على غرار المجال الانتخابي والقضاء والمحاماة وحتى مع رجال الأعمال والقطاعات المهنية الأخرى ومع المجتمع المدني، وهذا لا يمكن ان يتواصل لأن الدولة ستفقد قيمتها وستبعد عنها نخبها وستتجه في اتجاه انفرادي أحادي يفقد ثقة الناس في الدولة ويفقد ثقة الناس في أي إمكانية للإصلاح”.
هذه أصعب فترة يعيشها قطاع الإعلام بسبب وجود سلطة أحادية انفرادية.. لديها نية لتعفين الأوضاع
الجامعة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل عبرت بدورها في عديد المناسبات عن عدم رضاها عن واقع قطاع الإعلام في تونس، على وجه التحديد بالنسبة إلى الإعلام العمومي ونادت بضرورة التعجيل في الإصلاح.
وقد أكد كاتب عام مساعد جامعة الإعلام محمد الهادي الطرشوني لـ “ضاد بوست” أن “الوضع العام في قطاع الإعلام بعد 25 جويلية هو مواصلة لما عشناه خلال 10 سنوات خلت، ففي كل مرة نعيش تغييرات فيها الإيجابي وفيها السلبي ولكن المسار بصفة عامة بقينا نراوح مكاننا كإعلام يراعي الانتقال الديمقراطي ليس من جانب الإعلام العمومي أو الخاص فقط، بل بالنسبة إلى الجميع سواء صحافة ورقية أو إلكترونية وقطاع السمعي البصري”، موضحا أن “كل هذا جاء نتيجة ما بعد الثورة حيث عشنا مرحلة مهمة ارتبطت بأحداث سياسية كبيرة كان فيها انفتاح كبير للمؤسسات الإعلامية خاصة منها التابعة للإعلام العمومي حيث أثبتت وجودها في اللحظات التاريخية كانتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات 2014 وانتخابات 2019 وحتى المؤسسات الصحافة الورقية والالكترونية وكان هناك حراك كبير جدا في مساحات الحرية والإنتاج والإبداع، لكن أيضا فيها الجانب السلبي خاصة على مستوى التشريعات التي لم تكن واضحة بالنسبة إلى الإعلام الذي ظهر على منصات أخرى والطرق القانونية لمعالجته سواء كانت على شكل صفحات مشبوهة أو غيرها إضافة إلى دخول المال السياسي الفاسد في الإعلام”.
وتابع محدثنا قائلا: “أهم شي في كل هذا وجود “الهايكا” والمرسومين 115 و116 اللذان ينظمان الصحافة المكتوبة والالكترونية وهما هدف ناضلت من أجله النقابات ومكونات المجتمع المدني وأولهم الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة المرسومين 115و 116″.
وأضاف الطرشوني “لكن إلى اليوم لم نجد الدعم المطلوب لقطاع الإعلام سواء نحن كجامعة عامة للإعلام أو نقابة الصحفيين أو جامعة مديري الصحف فقد قدمنا مقترحات ومؤخرا راسلنا رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة بخصوص قطاع الإعلام في تونس، خاصة المؤسسات المصادرة وقطاع الصحافة المكتوبة والكل يعرف ما تعيشه جريدة الصباح وجريدة لابراس وغيرها من المؤسسات وما قمنا به من تحركات ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل طالبنا بالجلوس على طاولة الحوار، وقدمنا مقترحات للإصلاح بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة وأيضا طرق تقنين الإشهار العمومين كل هذا ومازلنا ننتظر رد السلطة، وفي صورة لم يتم التجاوب معنا فنحن وشركاءنا سنتحرك ويجب أن تعرف أي سلطة أنها لو قامت بمعادة الإعلام فمصيرها الاضمحلال والنسيان”.
وقال الطرشوني: “الإعلام العمومي إلى حد الآن لا يزال يسير بأنظمة بالية لم يتم تنقيحها سواء كان ذلك على مستوى وكالة تونس إفريقيا للأنباء أو على مستوى التلفزة التونسية والإذاعة التونسية، اليوم مجالس الإدارة تركيبتها لا تواكب التطور الذي وقع ونوعية المهن التي وجدت ولا تواكب تطورات قطاع السمعي البصري”.
وتابع “المؤسسات المصادرة تم دفعها نحو الخراب من خلال التعيينات التي تقع في كل محطة انتخابية عن طريق لوبيات سياسية معينة، الأحزاب التي حكمت البلاد من 2011 إلى يومنا هذا، وبعد 25 جويلية كل السلطات أصبحت في يد رئاسة الجمهورية والحكومة الحالية لكن هذا مواصلة للصيرورة أو التمشي الذي انتهجته الحكومات، فلا وجود لرغبة صادقة لإصلاح الإعلام، هم يعاملون مؤسسة مصادرة سواء كانت جريدة أو إذاعة كمصنع منتج “للصابون” أو غيرها من المواد، يتعاملون بمنطلق ربحي لا غير”.
وختم محدثنا كلامه قائلا: “اليوم هناك غياب للدعم المادي واللوجستي كأن هناك نية مبيتة لضرب الإعلام العمومي على وجه الخصوص والإعلام التونسي ككل، فلا وجود لإرادة سياسية سواء من السياسيين القدامى أو الجدد لإيجاد حلول لقطاع الإعلام لأنه لا يمكن أن يتم الانتقال الديمقراطي دون وجود قطاع إعلام يواكب متطلبات المرحلة الانتقالية الديمقراطية”.
الإعلام العمومي لا يزال يسير بأنظمة بالية.. ولا رغبة صادقة لإصلاحه
انتكاسة الإعلام
يعتبر ثالوث “التعيينات” و”تعنت السلطة ورفضها للإصلاح” و”ضعف المادة الإعلامية المقدمة”، عوامل متداخلة ومربط الفرس في الوضعية الحالية للإعلام العمومي على وجه التحديد رغم وجود مقاربات لا تعتمد كل أضلع هذا الثلوث.
“ضاد بوست” كان لها اتصال بالصحفية ورئيسة تحرير سابقة بجريدة الصباح منية العرفاوي، حيث أكدت أن “التعيينات في القطاع الإعلامي العمومي طوال العشر سنوات الأخيرة كانت تدفع نحو المشكل وجزء من الأزمة الكبرى التي يعيشها هذا القطاع رغم صرف أموال كثيرة ووجود عدة برامج تعديلية وتدريبية للنهوض بقطاع الإعلام العمومي وتحويله بالفعل من إعلام حكومي قبل الثورة خاضع كليا للسلطة يمارس بالبروباغاندا وليس إلى إعلام عمومي يحترم دافعي الضرائب والعقل التونسي وذكاء الجمهور وحاجته إلى أن يكون في هذا المرفق العام إعلام تعددي ومتنوع يطرح كل الأفكار”.
وأضافت “التعيينات على رأس المؤسسات الإعلامية أعتقد أنه رغم الدور الذي حاولت “الهايكا” أن تلعبه من خلال الاتفاق المشترك بينها وبينها الحكومة في التعيين حيث لا يتم التعيين على رأس المرافق الإعلامية العمومية إلا بوجود برنامج أهداف واضحة، لم نرى أي برامج أهداف واضحة ورغم وجود القرار المشترك لا يزال قرار التعيين تتحكم فيه، إلى حد ما، سواء كانت أطراف نافذة مهنيا أو أطراف نافذة على مستوى العلاقات العامة أو أطراف بنكهة سياسية وهذا ما جعل وضعية هذه المرافق الإعلامية العمومية هشة وأكبر دليل على هذه الهشاشة ما عشناه مع بعض هذه المرافق بعد 25 جويلية، لأن عشر سنوات من الثورة كانت كافية لمراكمة تجربة جديدة، وهي تجربة الإعلام العمومي وليس الإعلام الحكومي، نرى اليوم أنه منذ 25 جويلية هناك طريقة سافرة في التعيين وفي فرض الإرادة السياسية دون العودة إلى الهياكل ولا إلى العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية، تمّ فرض تعيينات فوقية أو ترك شغور لأشهر مثل ما حدث في الإذاعة التونسية” .
وتابعت العرفاوي كلامها قائلة “رأينا أن جزء من هذا الإعلام عاد طوعا إلى بيت الطاعة السياسي، التلفزة الوطنية التونسية مثلا منذ 25 جويلية وقع فيها منع دخول السياسيين -المعارضين- مع تغييب البرامج الحوارية وعدم فتح نقاش سياسي في مرحلة تحولات سياسية كبرى تعيشها الجمهورية بصياغة دستور جديد وقانون انتخابي جديد، نحن في التلفزة الوطنية، باستثناء نشرة الأخبار التي يحاول الزملاء أن يكون هناك تنوع سياسي في المادة المقدمة، لا نستمع إلا صوتا واحدا”.
وختمت محدثتنا كلامها قائلة “كصحفية وكمدافعة عن حرية الإعلام والرأي والتعبير وعن حقوق الإنسان، يؤلمني ما آلت إليه التلفزة بعد 25 جويلية، هذه الانتكاسة الكبرى التي يعيشها المرفق الإعلامي العمومي الذي كان دائما ينظر إليه في يوم ما أنه سيكون القاطرة القوية والثابتة والصلبة التي ستقود الإعلام التونسي إلى إعلام حر ومسؤول وله استقلالية عن السلطة، إعلام يحترم ذهن المشاهد وذكاءه، إعلام يمثل الجميع دون إقصاء أو تمييز، لكن للأسف نعيش فترة ردة كبرى على ما ظنناه مكاسب جنيناها أو راكمناها على مدى 10 سنوات، اليوم الشأن الإعلامي إجمالا شأن مقلق والمرفق الإعلامي العمومي وضعه كارثي على كل المستويات”.
نعيش فترة ردة... المرفق العمومي وضعه كارثي
أعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية في مطلع ماي المنقضي تراجع تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة بـ 21 نقطة، لتحتل المركز 94، بعد أن كانت في المرتبة 73 خلال عام 2021. وتستقبل تونس في 10 ديسمبر 2022 اجتماع قيادة الاتحاد الدولي للصحفيين من أجل الإطلاع على واقع الحريات في تونس ودعم الصحفيين التونسيين.
من جانبه، اعتبر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجي، خلال مشاركته في ندوة صحفية نظمتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الخميس 3 نوفمبر 2022، أن وضعية حرية الصحافة في تونس تتأزم، قائلا إن “هناك طرف واحد للتحاور معه وللأسف ليس هناك تفاعل من طرف الحكومة ورئاسة الجمهورية وهو أمر مقلق.. التفاعل الوحيد الذي لاحظته هو العنف والتخويف، وهذا “غير مقبول”.
ودعا بيلانجي رئيس الجمهورية إلى فتح حوار مع الهياكل الصحفية والحكومة إلى وضع مخطط مساعدة لبعض المؤسسات الإعلامية من أجل إنقاذها وديمومتها.
إذا، رغم ترسانة القوانين المحصنة للقطاع لا يزال الإعلام التونسي يشكو من الهنات وأبرزها عدم اعتماد القوانين المنصوص عليها سواء في محاكمة الصحفيين أو في الولوج إلى المعلومة في أكثر من مناسبة وهذا ما يؤكد غياب فكرة الإصلاح لدى السلطة ورغبة الحكومات المتعاقبة في ترويض الإعلام وإخضاعه إلى هيمنتها بتجاهل مطالبه ووضعه في خانة “اليك” مما يستوجب استفاقة جماعية وتوحيدا للجهود للخروج من هذه الشرنقة التي خيطت لتكبل حرية الإعلام والصحافة وتغييب دوره وحضوره.