الدور الجزائري.. هل يحسم من جديد حلّ الأزمة السياسية في تونس؟
استقطبت تونس من جديد اهتمام الرأي العام الدولي والقوى الدولية والإقليمية، منذ يوم 25 جويلية الماضي، تاريخ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد التدابير الاستثنائية في البلاد استنادا إلى الفصل 80 من الدستور المتعلق بحالة الخطر الداهم، وذلك عقب يوم من المظاهرات العنيفة التي شهدتها عديد المدن في البلاد.
ومنذ أسبوعين نشطت التحركات الدبلوماسية تجاه تونس عبر اتصالات المسؤولين من أعلى مستوى هاتفيا أو بزيارات مباشرة، تباينت فيها المواقف، بين حذر وتوجّس من مآلات الوضع الدستوري واستقرار مؤسسات الدولة، وبين داعم صريح لشخص قيس سعيد من جهة بعض الدولة العربية في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية والبحرين، التي التقت التصريحات الرسمية لمبعوثيها الذين زاروا سعيّد في قرطاج على تأكيد “الثقة” في شخصه وعلى دعمه.
ويتطلّع المراقبون في تونس، عادة أثناء الأحداث الكبرى والتحولات داخل البلاد، إلى موقف “الشقيقة الكبرى” الجزائر، التي كان لها دور سابق في التواصل مع الفاعلين السياسيين في تونس.
وكشف قيادي من حركة النهضة، فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ”ضاد بوست” أنّ الغنوشي تلقى مؤخرا اتصالا من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وقد عبّر الغنوشي، لبعض قيادات حركته، عن ارتياحه لما دار في المكالمة بينه وبين الرئيس تبون، حسب المصدر نفسه.
ويشير المصدر إلى ما كشفه تسريب لعضو شورى حركة النهضة سامي الطريقي، على حسابه بموقع فايسبوك، من تصريح في اجتماع شورى الحزب اعتبره كثير من المعلقين “تعديلا” لموقف رئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي مما حدث يوم 25 جويلية الذي اعتبره في وقته “انقلابا”.
ودوّن الطريقي أن الغنوشي ذكر في تقدير موقف افتتح به اجتماع مجلس الشورى، مساء الأربعاء 4 أوت 2021، أنّه يجب أن تصبح الإجراءات الاستثنائية المعلنة ضمن المسار الديموقراطي وأن لا يخرج عنه، أي أن “تكون تلك التدابير الاستثنائية المعلنة في حدود ما أعلنته وضمن سياقها الزمني وأن تكون فعلا فرصة للإصلاح كذلك بالعودة إلى السياق الدستوري واسترجاع المؤسسات الدستورية”.
واعتبر المصدر أنّ تخفيف الغنوشي لحدّة موقفه من الرئيس سعيد، قد يكون بتأثير من فحوى المكالمة التي جمعته بالرئيس تبون.
ويشار إلى أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أكّد في حوار بثه التلفزيون الجزائري مساء الأحد 8 أوت 2021، أنّ التونسيين “ذاهبون إلى حلّ”.
وقال تبون إنّ بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي لتونس لأنّها “قادرة على حل مشاكلها بنفسها، دون ضغط”.
وأضاف تبون: “لا نقبل أن يضغط عليها “الناس” مهما كانوا… والتونسيون ذاهبون إلى حلّ.. والأزمة التي عرفتها تونس ربّما لأنها اختارت نظاما ما لا يتلاءم مع تكوينة العالم الثالث”. وتابع الرئيس الجزائري قائلا: :
العبقرية التونسية قادرة على الوصول إلى حلّعبد المجيد تبون
وهذا التفاؤل من جانب تبون رحّب به عبد اللطيف المكي، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة ووزير الصحة السابق، معوّلا على أن يكون مساعدا في حل الأزمة السياسية في تونس.
ودوّن المكي على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك: “كل الشكر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على تصريحاته اللائقة والأخوية تجاه الشعب التونسي والتي ستكون عنصرا مساعدا لتونس على تجاوز الأوضاع الراهنة بسلام”.
قصر المرادية راع ووسيط
الدور الجزائري الرسمي في اتجاه الحفاظ على الاستقرار في تونس، كان علنيا خلال سنة 2013 التي عرفت انقساما سياسيا كبيرا في البلاد جرّاء الخلاف على الدستور ووقوع اغتيالين سياسيّين هزّا البلاد وأجّجا العنف، في 6 فيفري و25 جويلية من تلك السنة، وبات واضحا التأثير الذي لعبه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لدفع زعيمي أكبر حزبين في البلاد إلى الاتفاق على خارطة طريق تنهي الأزمة السياسية في البلاد وترسي الاستقرار.
وقد استقبل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، بصفته الحزبية، في مناسبتين سنة 2013 من قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم 10 سبتمبر ويوم 15 نوفمبر، خلال الحوار الوطني الذي أفضى إلى حكومة “تكنوقراط” من أولوياتها الإعداد لانتخابات أكتوبر 2014.
وحسب بلاغ لمكتب الغنوشي نشر على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك، “عبّر الرئيس بوتفليقة عن دعم الجزائر التام للمسار الانتقالي في تونس وضرورة إيجاد أرضية للتوافق بين الفرقاء السياسيين لأن ذلك وحده كفيل بتحسّن الأوضاع وتأمين البلاد من الأخطار التي تتهدّدها كالإرهاب” .
وكان الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس قد زار بوتفليقة يوم 11 سبتمبر 2013، أي بعد يوم واحد من وصول الغنوشي الجزائر ولقائه بوتفليقة. وأفاد الباجي قايد السبسي، في تصريح تصحفي عقب اللقاء، أن الرئيس الجزائري قدم جملة من النصائح من أجل تونس وأكّد “ضرورة إيجاد حل ” وفق تعبير السبسي نقلا عن بو تفليقة.
واعتبر السبسي أن “وساطة” الرئيس الجزائري لا تندرج ضمن التدخل في الشأن التونسي بل هي “مجرد نصائح وقال: “بوتفليقة لم يتخذ موقفا ولم يحدد موقفه لا مع حركة النهضة ولا مع نداء تونس”.
وكذلك استقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم 17 نوفمبر 2013 بالجزائر العاصمة، يومين بعد مقابلته راشد الغنوشي، رئيسَ حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي.
ونقلت وسائل إعلام جزائرية أنّ “قائد السبسي أطلع رئيس الجمهورية الجزائرية على المساعي الجارية لتحقيق متطلبات المرحلة الانتقالية في تونس من أجل تشكيل حكومة انتقالية في إطار المفاوضات الجارية”.
وبالفعل فقد أفضت الوساطة الجزائرية بين الزعيمين الإسلامي راشد الغنوشي والدستوري الباجي قائد السبسي إلى توافق امتدّ حتى أشهر قليلة قبل وفاة هذا الأخير.
وتواصلت الدعوات إلى راشد الغنوشي لمقابلة بوتفليقة في قصر المرادية بالعاصمة الجزائر، وجرى ذلك في جويلية 2015، ثم في مارس 2016.
وكانت الجزائر أول وجهة يزورها الرئيس الباجي قائد السبسي في فيفري 2015 إثر توليه رئاسة الجمهورية، وهو التقليد الذي دأب عليه الرؤساء ورؤساء الحكومات في تونس في أولى أيامهم على رأس المسؤولية في قرطاج أو القصبة، بعد ثورة ديسمبر 2010 جانفي 2011.
وصرّح السبسي من الجزائر بخصوص موقفه من حركة النهضة أن “هذه الحركة غيرت من خطابها وأصبحت تقول نحن تونسيون قبل كل شيء وإسلامنا هو إسلام تونس”، مضيفا أن “النهضة عبرت عن رغبتها في المشاركة في الحكومة بعد فوزها بـ69 مقعدا في البرلمان وتمثل فئة من المجتمع التونسي”.
وفي 15 ديسمبر 2016 زار الرئيس الباجي قايد السبسي نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بالعاصمة الجزائرية، قبل شهر سفر الغنوشي لمقابلة بوتفليقة.
ونقل بلاغ لرئاسة الجمهوريّة الجزائرية أنّ السبسي أكّد لبوتفليقة أنّ أمن البلدين وحرمتهما الترابية هما خط أحمر لا مساس به لأنّ أمن تونس هو من أمن الجزائر وأمن الجزائر هو من أمن تونس.
وأضاف البلاغ أنه تم خلال هذا اللقاء التشاور وتبادل الرأي حول عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها الوضع في ليبيا.
ويوم 22 جانفي 2017 صرّح الغنوشي إثر استقباله من قبل الرئيس عبد العزيز أن “مبدأ التوافق والوئام الوطني الذي أطفأ الحريق في الجزائر وفي تونس يعد نموذجا لحل المشكلات عن طريق الحوار وهو السبيل لحل الأزمة الليبية”.
وذكّر الغنوشي بالدور “الكبير” الذي بذله بوتفليقة في الدفع إلى تحقيق التوافق الوطني في تونس بين الحزبين الرئيسيين وهما نداء تونس والنهضة.
مفردات الحل عند تبون
يبدو التفاعل واضحا من جانب راشد الغنوشي مع مفردات حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أكّد أنّ التونسيين “ذاهبون إلى حلّ”، وأنّ تونس “قادرة على حل مشاكلها بنفسها، دون ضغط”.
وتكلم تبون بلهجة المساند لتونس ضد أي جهة خارجية قائلا: “لا نقبل أن يضغط عليها “الناس” وتابع: “العبقرية التونسية قادرة على الوصول إلى حلّ”.
ومن جانبه قال الغنوشي في تصريح لوكالة الأناضول أنس 11 أوت 2021، معلقا على التدخلات الخارجية إن الشعب التونسي ونخبه “قادر على حلّ مشاكله بالحوار والتنازلات من أجل المصلحة الوطنية”، مشيرا إلى أن حركته “سبق أن تنازلت عن الحكم من أجل المصلحة الوطنية وهي مستعدة للتضحية من أجل استكمال المسار الديموقراطي”.
ويرى مراقبون أنّ الجزائر لا تخفي رفضها للتدخل المصري الإماراتي في المنطقة المغاربية، وفي هذا السياق جاء انزعاج الرئيس عبد المجيد تبون من الزيارات المتواترة مؤخرا من المحور الإماراتي المصري السعودي لتونس في مسعى للالتفاف على مسار الأزمة التونسية واعتماد المساعدات على الخروج من الأزمة الوبائية لتوجيه القرار السياسي الداخلي.
وكان تبون أعلن بوضوح أنّ بلاده كانت ستتدخل عسكريا لمنع سقوط طرابلس بأيدي قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر العام الماضي، وهي القوات المدعومة من مصر والإمارات.
ووجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون في مناسبتين، في أسبوع واحد، وزير الخارجية رمطان العمامرة لمقابلة قيس سعيد، وذلك ظهر الثلاثاء 27 جويلية 2021، “محمّلا برسالة شفوية” أولى، ثم مساء الأحد 1 أوت 2021 قرطاج، محمّلا برسالة شفوية ثانية.
وإلى جانب ذلك، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، يوم 14 أوت الجاري بالجزائر، إنه بحث مع نظيره الجزائري أيضًا قضايا إقليمية ودولية، مثل ليبيا وتونس والساحل. وأضاف:
أود أن أقول بكل سرور إن وجهات نظر الجزائر وتركيا متطابقة بشأن هذه القضايامولود تشاووش أوغلو
وشدّد على أن تركيا ترى أن الدور الجزائري مهم جدا ومفيد لضمان سلام المنطقة واستقرارها. وأردف:
اتفقنا على العمل معًا في كل هذه القضايا التي تحدثنا عنهامولود تشاووش أوغلو
وعقب لقائه مع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أكّد أوغلو أن لتركيا وجهات نظر “متطابقة تماما” مع الجزائر فيما يتعلق بكثير الأمور، منها “التطورات في ليبيا ودول الساحل وفي تونس، وغيرها من الأمور الدولية”، حسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكّد، في اتصال هاتفي بنظيره التونسي قيس سعيد، يوم 2 أوت الماضي، أن “استمرار البرلمان التونسي، مصدر الإلهام في المنطقة للتحول الديمقراطي، بأعماله رغم كل الصعوبات أمر مهم لديمقراطية تونس والمنطقة”، حسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
وشدد أردوغان على أهمية استمرار أعمال البرلمان التونسي كأرضية للحوار والنقاش الصحي وإيجاد حلول للمشاكل. وأضاف: “حماية الديمقراطية وضمان الحريات واحترام سيادة القانون في تونس أمور قيمة للغاية”، وفق المصدر نفسه.