ملفات

أزمة الدواء تتفاقم… والثمن الحق في الصحة

تواجه تونس نقصاً ملحوظا في العديد من الأدوية وسط تخوفات من تفاقم الأزمة، سيما في ظل الديون المتراكمة التي لم تسددها الصيدلية المركزية كمؤسسة معنية بتزويد الصيدليات والمستشفيات بالأدوية.

أزمة متجددة تعود إلى 7 سنوات خلت، وتفاقمت مؤخرا، مما دفع المختصين إلى اعتبارها مؤشرا جديدا لتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. 

فما الذي أدى بتونس إلى الغرق في أزمة فقدان الأدوية؟

تضخ الدولة سنوياً أكثر من 1.3 مليار دينار للأدوية في المستشفيات ومؤسسات الضمان الاجتماعي، وذكر الصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام” (بيان بتاريخ 20 جانفي 2023) أنه يصدر سنويا ما يقارب 600 ألف قرار تكفل بأدوية خصوصية منها 30 بالمائة مسداة من قبل مصحات الضمان الاجتماعي.

وأوضح الصندوق، في بيانه، أن قرارات التكفل بالأدوية الخصوصية تهم ما يقارب 65 ألف منتفع، وأن 70 بالمائة يتم اقتناؤها لدى الصيدليات الخاصة لفائدة ما يقارب 130 ألف منتفع.

المقالات المتصلة

تضخ الدولة سنوياً أكثر من 1.3 مليار دينار للأدوية في المستشفيات ومؤسسات الضمان الاجتماعي

أرقام لا تتجسد في ظلّ فقدان مئات الأدوية خاصة منذ سنتين، حيث ألقت جائحة “كورونا” سنة 2020 بظلالها على الوضع فسعت المخابر والصيدليات على حد السواء للعمل على الحد من تداعياتها. وقد أصبح موضوع نقص الأدوية حديث الشارع التونسي حيث تحدثت “ضاد بوست” إلى بعض المواطنين الذين أكدوا تعرضهم إلى صعوبات في الحصول على الأدوية المطلوبة سواء من المستشفيات العمومية أو الصيدليات الخاصة على غرار دواء “الأنسولين” (مرض السكري) وأدوية أمراض الصرع والسرطان، وأيضا دواء “الإيفرالغون” لخفض الحرارة لدى لأطفال وهو ما أكده عدد من الصيادلة، ووفق بيان صادر عن جمعية الصيادلة (نشر على صفحتها على فيسبوك يوم الأحد 18 ديسمبر 2022) فإن حوالي 690 دواء مفقود في تونس، من بينها أدوية الأمراض المزمنة.

وما زاد الأمر تعقيدا تواتر الحديث عن مغادرة شركات عالمية متخصصة في صناعة الأدوية لتونس وهذا ما خلق جدلا واسعا بخصوص هذا الملف الحساس لدى العامة.

حوالي 690 دواء مفقود في تونس من بينها أدوية الأمراض المزمنةجمعية الصيادلة

خلل في المنظومة

الدكتور رفيق بوجدارية رئيس قسم الاستعجالي في مستشفى محمود الماطري بأريانة، أكد لـ “ضاد بوست” أن “أزمة الأدوية في تونس ليست جديدة وهي أزمة مزمنة سببها الصعوبات المالية التي تعيشها الصيدلية المركزية (مركزية شراءات الأدوية في تونس) منذ سنوات بعد أن تخلدت عندها ديون لم تسلمها، لأن مهمة الصيدلية المركزية شراء الأدوية وتوزيعها على المنظومة الصيدلانية الخاصة والعمومية (المستشفيات)، وهي تقتني اللوازم الطبية والآلات الطبية”.

وأضاف د. بوجدارية “بحكم أزمة الصناديق الاجتماعية فإنّ المستشفيات لم تسدد مستحقات الصيدلية المركزية، وهو ما جعل الديون تتراكم إلى أن تفجرت الأزمة، وهذا ما دفع الحكومة إلى اعتماد دور رجال المطافئ عبر ضخ الأموال لحلحلة الأزمة وتسديد ديون المصانع الأجنبية وتهدئة الأزمة قليلا لتعود مجددا وهكذا دواليك، فسنة 2016 عشنا أزمة وتجددت سنة 2018 حين تزامنت أزمة الصيدلية المركزية مع أزمة صحية كبيرة وهي جائحة “كورونا” فتم استهلاك الكثير من الأدوية وزادت في حدة أزمة الصيدلية المركزية”.

تراكم ديون الصيدلية المركزية دفع الحكومة إلى اعتماد دور رجل المطافئ عبر ضخ الأموالد. بوجدارية

وتابع قائلا “هذه المرة “عسكر الحريقة” لم يتحرك بسرعة فتراكمت الديون وامتنعت المخابر الداخلية والخارجية عن تقديم الأدوية، وقد سمعنا عن مغادرة مخابر أجنبية تونس وحدث نقص في الأدوية، لكنه لا يظهر مع وجود العديد من الأدوية الجنيسة في السوق، لكن هناك أدوية لا يمكن تعويضها مثل بعض أدوية أمراض السرطان والسكري وضغط الدم، ولكن الإشكال يبقى في أن عدد من المرضى يستهلكون دواء لمدة مطولة تبلغ 8 أو 10 سنوات وعندما تقدم لهم دواء آخر يرفضون”.

واعتبر محدثنا أنّ “أزمة الأدوية تخفي أزمة أخرى وهي أزمة المعدات الطبية الناقصة وهذا ما لا يمكن للمريض ملاحظته فالمستشفيات والمصحات هي من تقتني هذه المعدات، وهذا ما يعطل معالجة الناس ويشكل ضغط على الأطباء في اختيار الدواء الموجود في العام الفارط مثلا هناك أدوية النقص في التنفس كانت مفقودة وعادت مؤخرا وهذا ما كنا قادرين على تفاديه لو ذهبنا نحو حل الأزمة المالية للصيدلية المركزية”.

أرقام عن تكفل الـ “الكنام” بالأدوية

وأضاف د. بوجدارية أنّ “الصيدلية المركزية مكسب كبير وهي المعدل لأسعار الأدوية ورغم ارتفاعها النسبي تبقى دائما الأسعار منخفضة وهذا ما يفسر تهريب الأدوية إلى بلدان الجوار، هذا لم يعد سرا ولا بد من وقفة حازمة لأن الأمر متعلق بالأمن الصحي للتونسيين، ولا بد أيضا من إعادة النظر في الصناعة الدوائية في تونس، إذا كنا نصنع 50 دواء جنيس لنفس الدواء فلا بد من التنويع لتغطية حاجياتنا ويجب أيضا أن يذهب القطب التكنولوجي في البيوتكنولوجيا التي يمكن أن توفر أدوية لأمراض مثل أمراض الجهاز العصبي”.

وأفاد محدثنا “في الأزمة الدوائية لسنة 2016 هناك مخابر لبلدان إسكندنافية لم تقطع عنا إمدادات الأدوية رغم عدم تسديد مستحقاتهم وهذا لا بد على السلطات أخذه بعين الاعتبار وتنويع المخابر التي تتعامل معها تونس في شراء الأدوية، فالمخابر التي لم تقطع عنا الأدوية لا يعتبرون الدواء سلعة فقط بل ضرورة لصحة الإنسان وإذا كان هناك دول تعيش مشاكل مالية فإن إعطاء الدواء يدخل في إطار التضامن والأخلاقيات الطبية”.

نعيش الأزمة منذ سنة 2016.. وهي ناتجة عن منظومة خلقت منذ 2004 وبلغت حدها سنة 2018رئيس نقابة الصيادلة

وقال د. بوجدارية “تونس اليوم في حاجة إلى وكالة تونسية للدواء مثل البلدان المتقدمة كأمريكا، فحوكمة قطاع الدواء صحيح أنها تحت إشراف وزارة الصحة لكنها موزعة على عديد الإدارات، ولأكثر نجاعة وشفافية يمكن جمع كل هذه الإدارات في وكالة للدواء للتحكم في قطاع الأدوية والتحكم في إعطاء الرخص والاستهلاك، ولا بد من ترشيد استهلاك الأدوية وضرورة التخلي عن التداوي الذاتي خاصة المضادات الحيوية ومخفضات الحرارة والأدوية المضادة للالتهابات، لأنّ هذا من شأنه أن ينقصها من السوق، وإذا أردنا أن نبتعد عن الاعتماد المكثف للأدوية لا بد من الاستثمار في الوقاية”.

عسكر الحريقة - لم يتحرك هذه المرة بسرعة فتراكمت الديون

رفيق بوجدارية

رئيس نقابة الصيادلة نوفل عميرة قال لـ”ضاد بوست”: “نعيش هذه الأزمة منذ سنة 2016 والنقابة أول من نبه إليها سنة 2018، هذه الأزمة معقدة وناتجة عن منظومة خلقت منذ 2004 بنكا يدفع لمسدي الخدمات الصحية ككل وتدفع أيضا للأدوية للصيدلية المركزية التي يستعملها المرضى ويتوزعون في مصحات الضمان الاجتماعي، هذه المنظومة بلغت حدها سنة 2018 وكان هناك قرار سياسي لإعطاء الأولوية لمنح التقاعد على حساب الصندوق الوطني للتأمين على المرض ومنذ ذلك الحين صارت “الكنام” لا تأخذ  6.75 بالمائة من الاقتطاعات فكانت الأزمة، حيث أن الصيدلية المركزية لم تعد تتسلم مستحقاتها ومسدي الخدمات لم يعد يتسلمون أموالا من “الكنام” وأيضا المستشفيات، وتدهورت الأوضاع وتراكمت الديون إذ كانت في البداية 100 مليون دينار ثم 500 مليون دينار سنة 2016 واليوم نتحدث عن 750 مليون دينار، مع العلم أن المخابر العالمية لا تعطينا الكميات التي نطلبها ولو أخذنا الكميات التي طلبناها لبلغ العجز 1200 أو 1300 مليون دينار”.

أزمة الأدوية تخفي أزمة أخرى وهي أزمة المعدات الطبية الناقصة د. بوجدارية

وتابع عميرة كلامه قائلا “هذا هو السبب الأساسي لكن بعد أزمة “كورونا” انضاف سبب ثان وهو وجود شح في المواد الأولية في العالم ككل فأوروبا تعاني من نقص “البراسيتامول ” و”لاموكتيسيلين” والأطفال في فرنسا وألمانيا ينقصهم مخفضات الحرارة وهذا ما نعيشه في تونس بالضبط، وهناك مواد ارتفعت أسعارها كثيرا والدولة التونسية بقرار سياسي ضاغطة فقط على الأسعار المسيرة إداريا لأن الأسعار الأخرى لا يمكنها التحكم فيها فالمصنعون يتكبدون الخسارة وعليه فإن عدة مصنعين يرفضون تصنيع أنواع معينة من الأدوية التي تكلفهم الخسارة”.

وبخصوص عدد الأدوية المفقودة في تونس قال محدثنا: “المعدل من أول السنة إلى شهر ديسمبر 2022 لم يتجاوز أبدا 350 دواء، ويجب أن يعرف الجميع أن النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة تتلقى المعلومات من جميع الأطراف المتداخلة وما نسمعه من جهات أخرى هي معلومات مغلوطة ليس لأصحابها دراية بالموضوع”.

العدد الحقيقي للأدوية المفقودة في تونس لم يتجاوز 350 دواء

نوفل عميرة

تصنيع محليّ ولكن…

إذا، فإنّ نوفل عميرة في تصريحه لـ “ضاد بوست” تحدث عن مصنعي الأدوية كونهم طرفا هاما في مسألة “شح الأدوية”، خاصة بعد تأكيده على عدم تصنيعهم أدوية معينة لتفادي الخسارة، “ضاد بوست” توجهت إلى طارق الحمامي رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الأدوية للحديث عن أسباب نقص الأدوية وهل فعلا يرفض المصنعون في هذا الظرف صناعة بعض الأدوية؟

وزارة التجارة لم تكن متجاوبة معنا بخصوص التخفيض في أسعار الأدويةمدير عام وحدة الصيدلة والدواء

وفي هذا الصدد، أكّد رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الأدوية أنّ “الصناعة المحلية مهمة جدا وهي تغطي أكثر من 75 بالمائة من الإنتاج المحلي أي 3 علب على أربعة تخرج من المستشفيات والصيدليات مصنعة محليا كما أن القطاع قادر على التصنيع أكثر، يكفي أن يتم التعويل أكثر على الصناعة المحلية بالخفض في استراد الأدوية التي لديها بدائل في تونس أو حتى بدائل علاجية في تونس، يمكن أيضا أن نتوجه نحو الإصلاحات الممكنة للقطاع مع التسريع فيها”.

وأضاف “هناك بعض الأصناف التي نصنعها أسعارها غير متماهية مع التكلفة التي أصبحت أعلى من سعر البيع، وسعر البيع بالنسبة إلى الأدوية تحدده وزارة التجارة بالتوافق مع وزارة الصحة و منذ جوان 2021 أي أكثر من سنة ونصف تقريبا لم يتم الترفيع في أي سعر لأي دواء مصنع محليا رغم زيادات التكلفة في التصنيع مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع قيمة الدولار وغلاء المواد الأولية وغلاء مواد التعبئة، كل هذا جعل بعض الأصناف المصنعة محليا اليوم تصنع ويتكبد مصنعوها خسارة وهذا ما لا يمكن ان يتواصل، ولهذا وجب إيجاد حل في تصنيع بعض الأصناف”.

مصحات الضمان الاجتماعي

وأفاد رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الأدوية أنّ “هناك أصنافا توردها الصيدلية المركزية والمصنع التونسي غير قادر على تصنيعها، مثال في تونس هناك نوع من الأدوية ثمنه 495 مليم للعلبة، هذا دواء لا يمكن للمصنع التونسي تصنيعه لأنه سيتكبد خسارة لكونه مدعم بطريقة كبيرة من الصيدلية المركزية، نحن لسنا ضد سياسة الدعم لكن لا يمكن أن نطالب المصنع بتصنيع هذه النوعية من الأدوية لأن الصناعة المحلية لا يمكن ان تنتج لتخسر، في المقابل هناك إشكال ملفت في القانون التونسي، لماذا تشتري الدولة الدواء من فرنسا أو ألمانيا ولا تقتنيه من مصنع تونسي وتدعمه؟ الجواب هو أن القانون لا يسمح بذلك”.

المصنعون التونسيون للأدوية يصدرون نحو 19 دولة إفريقية

وتابع حمامي “مشكل نقص بعض الأدوية في تونس يعود إلى سببين، الأول يتمثل في الصعوبات المالية التي تمر بها الصيدلية المركزية وهي لا تخفى على أحد، فإمكانياتها لا تسمح بشراء كل الأصناف التي تريد اقتناءها لأن لديها متخلدات لدى المخابر الأجنبية وهناك صعوبات في استراد كل الأدوية بالكميات المطلوبة من هذه المخابر، ثانيا هو أن بعض الأدوية المصنعة محليا تواجه صعوبات التواجد في السوق وهناك بعض النقص”.

وتابع قائلا “المشكل راجع إلى صعوبات التزود ببعض المواد الأولية المربوطة بالأوضاع الصناعية في الصين بعد عودة كوفيد19، حيث أثر ذلك على المواد الأولية وعلى المواد الكيمياوية التي تدخل في تصنيع المواد الأولية وهي تصنع في الصين وتتنقل إلى بلدان أخرى بهدف تصنيع المواد الأولية، وهذا ما يفسر نقص بعض الأدوية في السوق”.

وأضاف الحمامي أنّ “الصعوبات المالية للصيدلية المركزية ليست مربوطة بها لأن الديون التي تنتظرها من منخرطي الـ “كنام ” والمستشفيات أكثر من الأموال المتخلدة بذمتها للمخابر الأجنبية، إذا المشكل الفعلي ليس في الصيدلية المركزية بل في الصناديق الاجتماعية وتوازناتها المالية“، وفق محدثنا.

الصناعة المحلية تغطي أكثر من 75 بالمائة من الإنتاج المحلي رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الأدوية

وتابع “أريد التأكيد على ضرورة توفر الأدوية باستمرار بالكميات الكافية في كامل أنحاء البلاد مع البحث في الآليات الممكنة لحل كل هذه المشاكل، بالنسبة إلى الصعوبات المالية التي تعانيها الصيدلية المركزية هناك حل عاجل يتمثل في ضخ أموال للصيدلية المركزية لتكون لديها القدرة على اقتناء الأصناف الضرورية التي ليس لها بدائل مصنعة محليا، أيضا إصلاح الصناديق الاجتماعية و”الكنام” ليكون خلاص الصيدلية المركزية بطريقة مسترسلة وسلسة لتقوم الصيدلية المركزية بواجبها على أحسن ما يرام”.

وختم طارق الحمامي كلامه قائلا “نحن سعداء بالإعلان عن تركيز الوكالة الوطنية للأدوية التي ستجمع 4 إدارات تشتغل على التصرف في إدارة الأدوية في تونس ليكون هناك تناسق أكبر بينها وهذه خطوة للتقليص من الفترة اللازمة لتسجيل الأدوية في تونس طبعا مع ضرورة تغيير التشريعات وهذا ما ينعكس على تواجد الأدوية والحد من النقص”.

رئيس غرفة مصنعي الأدوية: هناك أدوية لم نعد قادرين على تصنيعها

طارق الحمامي

وتعقيبا على ذلك، قال مدير عام وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة عبد الرزاق الهذيلي في حديثه لـ “ضاد بوست”: “دخلنا في محادثات واستشارات مع ممثلي المصنعين التونسيين ومع ممثلي المخابر العالمية الممثلة في تونس ووجدنا تجاوبا فمنذ 4 أشهر كل أسبوع نلتقي ونتباحث الأمور حالة بحالة”.

وأكّد مدير عام وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة أنّ “وزارة التجارة لم تكن متجاوبة معنا بخصوص التخفيض في أسعار الأدوية، منذ أكثر من أسبوعين عقدنا اجتماعا ولمسنا تجاوبا من الوزارة المذكورة واتفقنا على سقف تعديل الأسعار ولدينا لقاءات قادمة للإعداد لاجتماع مجلس الوزراء الذي ستتخذ فيه قرارات مهمة، كذلك هناك العديد من الأدوية ذات الأولوية وُضعت على موقع إدارة الدواء نخوض من أجلها مباحثات مع مصنعي الأدوية التونسيين للاتفاق على تصنيعها وهذا ما من شأنه أن يوفر لنا العملة الصعبة،  وتجدر الإشارة إلى أن المصنعين التونسيين للأدوية لهم مكانة كبيرة في إفريقيا فهم يصدرون نحو 19 دولة إفريقية وبعض المخابر في تونس تضاهي المخابر العالمية”.

أصل المشكل لا يكمن في وضعية الصيدلية المركزية وديونها… وزارة التجارة هي من تكبل القطاع

وقال الهذيلي “نفتخر في تونس بالسياسة التي ننتهجها بخصوص الأدوية إن كان في التصدير أو توزيع الأدوية فهي تمر عبر الصيدلية المركزية ولا وجود لأدوية غير أصلية في كل البلدان الإفريقية، لا وجود لهذه النوعية من الأدوية إلى حد الآن لأنه بفضل السياسة الدوائية الناجعة لا نبيع إلا الأدوية المطابقة للمواصفات”.

وتابع محدثنا “ما نفكر فيه على المدى المتوسط هو تصدير الأدوية ومنح الرخص خاصة للمصنع التونسي، لا يمكن أن ننكر أن هناك  تأخير في إعطاء الرخص ومرده عدة عوامل من بينها الرغبة الملحة في ترويج دواء مطابق للمواصفات خاصة بالنسبة إلى الأدوية الجنيسة التي يجب أن تتوفر فيها علامات الجودة، كذلك حاولنا أن نجدد العديد من القوانين المكبلة للصناعة الدوائية في تونس مثل قانون 73 الذي لم يتم تحيينه منذ سنة 1973 وهو قانون مهنة الصيدلة والدواء وهو الآن في الطور الأخير فقد مررنا إلى قرابة 30 لقاء مع كل الأطراف المتداخلة بما فيها النقابات وهياكل وزارة الصحة”.

وأفاد الهذيلي أنّه “تم الحديث أيضا عن قانون التجارب الكلينيكية وهو قانون استشرافي يمكن أن يكون مورد كبير للدواء وقد قمنا بالكثير من التجارب واللقاءات وسيكون القانون جاهزا قريبا، أيضا قانون ترسيم الأدوية فنحن مركز متعاون مع منظمة الصحة العالمية يزورنا العديد من المختصين للتعرف على طرق تسجيل الأدوية، كذلك قانون المواد المخدرة وشبه المخدرة انتهينا منه والآن هو تحت الدراسة في القسم القانوني”.

“ضاد بوست” اتصلت برئيس لجنة الصحة بالبرلمان السابق النائب العياشي زمال، حيث أكد أن نقص الأدوية ليس جديد، لكن الأزمة تتفاقم فديون الصيدلية المركزية تجاوزت 900 مليون دينار حسب آخر رقم لديه، كما أن لها متخلدات لم تف بها لدى المزودين الذين تتعامل معهم خاصة في الأدوية الموردة إضافة إلى المشاكل التي تعيشها الصناديق الاجتماعية في تونس والتي أثقلت كاهل الصيدلية المركزية وجعلت الازمة تتفاقم أكثر فأكثر، وفق تعبيره.

وتابع محدثنا قائلا “وجب معالجة المشكل الأول وهو المديونية وعليه وجب تدخل السلطة لتجاوزه وفي مرحلة ثانية يجب وضع استراتيجية وطنية لتصنيع الأدوية الموردة في تونس، يجب أن نصنع في تونس المواد الحيوية لبعض الأدوية خاصة بالنسبة إلى الأمراض المزمنة  والأمراض المستعصية مثل مرض السرطان، لدينا الإمكانية فهناك ميزانية وقروض تسلمتها الدولة التونسية لبعث مخبر لتصنيع المواد الحيوية في مركز التكنولوجيا بسيدي ثابت لكن مع الأسف إلى يومنا هذا لم ير النور، ورأينا مع الأسف أن الخبرات التي من المنتظر أن تشرف على هذه المخابر غادرت الوطن، لكن الخبرات ما تزال موجودة والاعتمادات مرصودة فقط ينقصنا التفعيل فإذا صنعنا المواد الحيوية نتجنب توريد الأدوية، وبعد ما لمسناه في أزمة جائحة “كورونا” من مشاكل كبيرة في فقدان الأدوية ليس لدينا خيار إلا التصنيع محليا”.

وأفاد زمال أنّ “تونس رائدة محليا في تصنيع الأدوية الجنيسة على المستوى الإفريقي، فأكثر من 80 بالمائة من الأدوية في تونس تصنع على نطاق محلي والـ20 بالمائة المتبقية يمكن أن نصنع نسبة كبيرة منها في تونس لتجنب مخاطر فقدان الأدوية في السوق العالمية مستقبلا ولخلق حركية كبيرة وصناعة ويمكن القضاء على جزء ما من البطالة”.

تونس تسلمت ميزانية وقروض لبعث مخبر لتصنيع المواد الحيوية في مركز التكنولوجيا بسيدي ثابت إلى يومنا هذا لم ير النورالعياشي زمال

وأضاف قائلا “اليوم هناك أدوية تصنع في الخارج ونوردها بينما يمكن صناعاتها في تونس لكن المصانع التونسية لا يمكن لها أن تدخل المنافسة مع المخابر الأجنبية فلابد من استراتيجية وطنية لنحول هذه المواد الموردة إلى تصنيع محلي بصفة تدريجية”.

وختم العياشي زمال حديثه معنا قائلا “تونس كذلك مع الأسف كان لديها فرصة كبيرة لتكون مقرا لوكالة الأدوية الإفريقية وقد أنجزنا المطلوب ليكون هذا المقر في تونس ولكن خسرنا المنافسة وذهب إلى رواندا وهذا ما ألومه كثيرا على الدبلوماسية التونسية التي فوتت على تونس هذه الفرصة لأنها كانت يمكن ن تدعم مركز تونس كقطب في صناعة الأدوية وكبلد مصدر للأدوية خاصة أننا نعرف أنه 3 بالمائة فقط من الأدوية التي تستحقها إفريقيا مصنعة في القارة الإفريقية وتونس اليوم لديها فرصة كبيرة وكل الإمكانيات البشرية والتقنية لتكون مزود هام للسوق الإفريقية”.

تقصير دبلوماسي فوت فرصة أن تكون تونس مقرا لوكالة الأدوية الإفريقية

العياشي زمال

“الكنام” تتملص

لم تفوت “ضاد بوست” أي فرصة لمحاولة الاتصال بالصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام” كطرف من الأطراف المتداخلة في الملف كي يدلي بدلوه إلا انه بعد تسويف ومماطلة جاء الجواب في البداية “لا نريد الحديث عن علاقتنا بالصيدلية المركزية …. ” وبعدها “لا دخل لنا في مشكل نقص الأدوية … ونفضل عدم الحديث”.

ملف شائك تتعدد المواقف والآراء بخصوصه وحسب تصريح أدلى به مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه لـ”ضاد بوست”،  فإن أصل المشكل لا يكمن في وضعية الصيدلية المركزية وديونها للمستشفيات والصناديق الاجتماعية، بل هو أعمق من ذلك، حيث اعتبر مصدرنا أن “وزارة التجارة هي من تكبل القطاع بعدم سماحها بتغيير أسعار الأدوية رغم ارتفاع قيمة الأورو وهي العملة التي يتم بها اقتناء الأدوية المستوردة وتسائل المصدر ذاته عن أسباب دعم المنتوج الأجنبي على حساب التونسي”، مشيرا إلى أنه “يمكن تفادي ضخ الأموال مرارا للصيدلية المركزية مع التعديل في الأسعار من طرف وزارة التجارة”.

من جانبه، قال عبد الرزاق الهذيلي مدير عام وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة لـ “ضاد بوست”: “إشكال النقص في بعض الأدوية مرتبط بعدة عوامل أولها أن هذا الإشكال صار عالميا… لا ننكر وجود هذا الإشكال في تونس ومن بين عوامله ارتفاع سعر الأدوية مثل “البراسيتامول” الذي كان سعره 1 دينار وأصبح 4 دينارات نتيجة ارتفاع التكلفة، ثانيا تراجع قيمة الدينار، وثالثا مراجعة أسعار الأدوية خاصة بالنسبة إلى المصنع التونسي، تنضاف إلى كل هذه العوامل مشكلة قديمة جديدة ناجمة عن تراكمات تتمثل في مشكل الصيدلية المركزية نتيجة عدم اشتغال المنظومة ككل بالشكل المطلوب ومشاكل “الكنام” والصناديق الاجتماعية والمستشفيات في عدم خلاص الصيدلية المركزية”. وقال الهذيلي “الصيدلية المركزية لها ديون عند الصناديق الاجتماعية تقدر بـ 1200 مليون دينار وهي مدانة لدى الصناعيين خارج البلاد التونسية بـ 750 مليون دينار ولو تحقق التوازن المطلوب عندما وقعنا في هذا الإشكال، لكن مؤخرا لمسنا تحسن بعد أن وقع ضخ سيولة للصيدلية المركزية إثر قرار رئيس الجمهورية الذي صار ساري المفعول وقد تم عقد جلسة بين وزيرة المالية ووزير الصحة تحت إشراف رئاستي الحكومة والجمهورية وتم الزيادة في التدخل للصناديق الاجتماعية و”الكنام”.

عبد الرزاق الهذيلي: مدير عام وحدة الصيدلة والدواء: لا ننكر وجود أزمة دواء في تونس ولكن …

خطة لتفادي الأزمة

أقرت وزارة الصحة خطة للحد من نقص الأدوية وذلك بإحداث مخزون استراتيجي من الأدوية الحياتية والضرورية تزامنا مع تزايد الإقبال على الأدوية واستفحال أزمة كورونا إلا أن مؤشرات فقدان الدواء ظلت مرتفعة خصوصا المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطيرة كالسكري وضغط الدم والسرطان وضيق التنفس وغيرها.

وانعقدت مساء يوم الإثنين 07 نوفمبر 2022 بمقر وزارة المالية جلسة عمل بين وزير الصحة علي المرابط ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية والرئيس المدير العام للصيدلية المركزية للبلاد التونسية (تمت إقالته لاحقا) والرئيسة المديرة العامة للصندوق الوطني للتأمين على المرض، بحضور ثلة من إطارات الوزارات المعنية، خصصت للنظر في وضعية الصيدلية المركزية وعلاقتها بمزودي الأدوية في تونس، ومطالب الغرفة النقابية الوطنية للصيادلة موزعي الأدوية بالجملة.

وأكّد وزير الصحة ضرورة إيجاد الحلول الجذرية للقطاع من خلال الانطلاق الفوري في الإصلاحات العاجلة لقطاع الأدوية على غرار ترخيص الترويج بالسوق وإحداث الوكالة الوطنية للأدوية والعمل على تسوية وضعية ديون الصيدلية المركزية للبلاد التونسية، وذلك من خلال الحد من تداعيات أزمة الصناديق الاجتماعية على الصيدلية المركزية وقطاع الأدوية عامة.

واجتمع ظهر الخميس 9 فيفري 2023 مجلس الوزراء، بقصر الحكومة بالقصبة، حيث تمت الموافقة على مشروع مرسوم يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة.

ووصف وزير الصحة علي مرابط، مصادقة مجلس الوزراء على المشروع بالمكسب الهام، مؤكّدا أن هذه الوكالة ستمكّن من توحيد عمل كل المتدخلين في قطاع الدواء، وستساهم في تسهيل عمل المستثمرين في المجال، خاصة من خلال تقليص الآجال الإدارية، كما أنها ستساعد على تطوير التعاون الدولي في قطاع الدواء وتعزيز تصنيف تونس مع الهيئات الدولية المختصة في هذا المجال، وفق تقديره.

وهنا أفادنا مدير عام وحدة الصيدلة والدواء قائلا “ما ننتظره اليوم هو بعث الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة، لدينا تشريعات تنظم الإطار المؤسساتي للقطاع، الوكالة ستجمع كل الهياكل المختصة في الأدوية وتوحد الجهود وتدعم التنسيق لتحقيق نجاعة وفاعلية، دورها موصول كهيكل مرجعي في جميع بلدان العالم لنخرج من هياكل مؤسساتية إلى هيكل موحد، نحن كنا سباقين في عدة أشياء لكن بخصوص بعث الوكالة نحن من آخر البلدان الذين أقدموا على إنشاءها”.

ديون الصيدلية المركزية (ما لها/ما عليها)

ويرى الهذيلي أنّ “التعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة تمش مهم أيضا، وقد زارنا مؤخرا وزير الصحة من النيجر حيث اطلع على التجربة التونسية وزار العديد من المخابر التونسية وأعجب بالتجربة التونسية وطالب بالتعاون الوثيق كما دخلنا في تعاون مع وكالة الجزائر للدواء وعيا منا بأهمية التكتلات الإقليمية، كذلك دخلنا مع منظمة الصحة العالمية في نطاق برنامج لتحسين الجودة L L 3  وهذا المستوى الثالث الذي سيمكننا من الاعتراف الدولي برخصنا ويمكننا من تصدير الدواء ولا ننسى أنه وقع الاختيار علينا إلى جانب 6 دول إفريقية لإنتاج اللقاحات لكن السوق صغيرة وعلينا تطوير مستوانا”.

وقال محدثنا “سمعنا عدة مغالطات خاصة منها المغالطة الكبيرة المتمثلة في نقص بأكثر من 600 دواء نحن ننتهج في سياستنا قانون 2008 الذي يجبر الصيدلية المركزية على تخصيص مخزون استراتيجي من الأدوية ما بين أقل من شهر شهرين أو ثلاثة، ومع الأزمة العالمية هناك أدوية تدخل وأخرى تخرج لكن لا وجود لـ 600 منتج مفقود لدينا نقص ليس عال يقارب 243 دواء لشهر ديسمبر 2022، وقريبا سنجتمع لتحيين الرقم لشهر جانفي 2023″.

وأقر ضيف “ضاد بوست” أنّ “هناك إشكال عالمي في العديد من الأدوية على غرار “الامكسيسيلين” و”البراسيتامول”، وهناك إشكال أيضا يتمثل في تقسيط الأدوية من طرف بعض المخابر بخصوص هذه النوعيات من الأدوية، في الحقيقة لدينا نقص في بعض الأدوية لكن هناك في المقابل أدوية جنيسة تونسية ولكنها لم تدخل بعد في عاداتنا لاعتقاد البعض أن الأدوية الأجنبية أكثر فاعلية والحال أنه لا يتسلم الدواء الجنيس الرخصة إلا إذا استوفى الشروط وكان ذا جدوى وفاعلية ويحمل الخصوصيات العالمية”.

شركات عالمية تغادر؟

أكد رئيس نقابة الصيدليات الخاصة نوفل عميرة في تصريح لإذاعة “شمس أف أم” بتاريخ 17 أكتوبر 2022، مغادرة 3 شركات عالمية مختصة في صناعة الأدوية بتونس البلاد من بينها شركة GSK وشركة NOVARTIS، وهي شركات مختصة في صناعة أدوية الأمراض المستجدة، موضحا أنّ من أهم تبعات قرارات المغادرة للشركات المذكورة هو فقدان الأدوية وفقدان مواطن الشغل، مشيرا إلى فقدان 80 مورد رزق جرّاء ذلك.

وقد أعلنت شركة “باير” الألمانية وهي تختص بصناعة الدواء والصناعات الكيميائية، وشركة غلاكسو سميث كلاين اختصارا (GSK) هي شركة أدوية بريطانية عالمية متعددة الجنسيات، إضافة إلى نوفارتس الدولية وهي واحدة من أكبر الشركات متعددة الجنسيات المصنعة للأدوية في العالم، يقع مقرها في بازل بسويسرا، معتبرة أنّ قطاع الأدوية والاستثمار في تونس لم يعد مناسبا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشركات لها مكاتب في تونس وليس لها مصانع، ورغم مغادرتها تونس فهي مستمرة في مدّ الصيدلية المركزية بالأدوية، ومن أهم الأسباب التي دفعتها إلى المغادرة ارتفاع ديونها المتخلدة لذمة الصيدلية المركزية التي قد تصل إلى 14 شهرا إضافة إلى صعوبة تسجيل الأصناف الجديدة من الأدوية.

وفي هذا السياق، قال مدير عام وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة إنّ “الثلاث شركات التي تحدث البعض عن مغادرتها تونس لديها إعادة هيكلة ويطمحون إلى الربح الكثير، وقد كان لديهم ممثلون في تونس وهم أطباء يقومون بالدعاية وقد قرروا الاستغناء عن ممثليهم لكن أدويتهم موجودة ولا يزالون في تعامل معنا، الإشكال في عدد الممثلين الذي يمكن أن يصل إلى 50 أو 60 شخص، صحيح سيحصلون على تعويضات لكن هؤلاء سيدخلون في بطالة مع العلم أن هذه الشركات لم تغادر البلاد، لكن ما وقع معمول به على نطاق عالمي وهذه الشركات ربحية، صحيح أنهم يشتغلون في قطاع الأدوية الذي فيه جانب انساني لكن يطمحون إلى مرابيح أكثر ونحن في لقاءات متواصلة معهم ويمثلهم السفير وقد وجدنا منه كل التفهم خاصة أنهم واعون بالحالة التي تمر بها جميع البلدان، وقد طلبنا منهم التصنيع والتصدير من تونس كما هو الحال مع إحدى الشركات التي تصنع وتصدر إلى إفريقيا من تونس، صحيح نمر بأزمة مالية خانقة ولدينا مديونية لكن في تونس دائما نفي بوعودنا والوضعية في تحسن”.

وصرّح محدثنا أنّه “لدينا في تونس أكثر من 140 شركة دواء ممثلة وأدويتهم حيوية نتعامل معاهم وخروج الأطباء الممثلين للشركات يؤثر فينا لأنهم كانوا همزة الوصل والداعمون لنا وأدويتهم باهظة الثمن إذ تصل كلفة علاج سنوي في بعض الأحيان إلى مليار”.

واعتبر مدير عام وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة أنّ “مشكل الأدوية في تونس ناجم عن تراكمات والنتائج ستكون تباعا وأنا متفائل بحل المشكل تدريجيا دون اللجوء إلى حلول ترقيعية بعد الذهاب إلى معالجة المشكل في العمق، ومراجعة القوانين والتوجه نحو إعطاء الرخص في أقرب الآجال مع الدعم المالي للدولة للهياكل المعنية وإن شاء الله الوكالة تقدم حلا للأدوية”.

تجار الأزمات

ككل الأزمات يظهر مستثمروها ليتاجروا بمعاناة المرضى في أزمة الدواء، وأحد أهم أسلحتها التهريب، فالأدوية تسرق من السوق خارج الأراضي التونسية أمام ضعف الحوكمة وغياب نظام الرقمنة مما أدى إلى تفشي الفساد وتعدد عمليات التهريب المنظمة للأدوية.

وفي إطار التصدي لظاهرة التهريب، أمكن يوم 30 ديسمبر 2022، للكاميرا الحرارية التابعة لجيش البحر بالكتف (معتمدية بن قردان من ولاية مدنين) رصد تحركات لسيارة بسواحل الجهة يقوم صاحبها بتعبئة أجسام مشبوهة على متن مركب صيد، وتم توجيه الدوريات البحرية، لتتم عملية اعتراض المركب المشبوه وقد تعمد ربان المركب عند مشاهدته للوحدات الأمنيّة والعسكرية إلقاء 21 علبة كرتونية بالبحر والتي تم انتشالها بعد السيطرة عليه، والعثور على 13 علبة كرتونية أخرى والقبض على شخصين على متن المركب، هذا وبتفتيش العلب الكرتونية تبين أنها تحتوي على أنواع مختلفة من الأدوية المتداولة ببلادنا والمزمع تهريبها إلى إحدى الدول المجاورة بمراجعة النيابة العمومية بمدنين، أذنت لمركز الحرس البحري بالكتف بتحرير محضر عدلي وآخر جبائي من أجل “مسك مواد سمية مدرجة بالجدول أ بغاية الإتجار بها على خلاف الصيغ القانونية” وحجز المركب والبضاعة ومواصلة الأبحاث مع المتورطين.

جيش البحر : إحباط عملية تهريب أدوية عبر البحر

“ضاد بوست” اتصلت بالديوانة التونسية للحديث عن هذا الملف، حيث أكد مدير إدارة الحرس الديواني العميد مختار الفتوي، اهتمامهم الشديد بمقاومة ظاهرة تهريب الأدوية من وإلى التراب التونسي، أنّ إدارة الحرس الديواني تمكنت في الـ3 سنوات الأخيرة من تحرير عديد المحاضر وبكميات متفاوتة مثلا سنة 2022 تم حجز 861 ألف و236 قطعة “علبة” بما قيمته 16 مليار سنة 2021 وتم حجز 794 ألف علبة بقيمة 15 مليون دينار.

وتابع العميد أنّ “مجهودات الحرس الديواني تتركز أساسا على الأدوية التي يقع تهريبها عبر المسالك الصحراوية الوعرة خاصة عند الدخول إلى تونس فهي عبارة عن أدوية مخدرة بكميات مهولة ومن بين أبرز الحجوزات عن طريق فرقة الصمار ولاية تطاوين كانت 742 ألف حبة دواء مخدر، هذا مع مجهودات الديوانة التونسية في الحدود البرية الجنوبية في معبري ذهيبة وراس الجدير عن طريق عديد الضبطيات خاصة للسيارات صغيرة التي تعتمد مخابئ مهيئة للغلط والتي تحمل كميات من صغيرة إلى متوسطة”.

مجهوداتنا تتركز أساسا على الأدوية المهربة عبر المسالك الصحراوية

العميد مختار

ملف شائك جعل الصحة حق دستوري يترنح في ظل أزمة اقتصادية خانقة ونقص عالمي في الأدوية إضافة إلى تكبيل من التشريعات البالية والبيروقراطية الإدارية واللجوء إلى تغيير المسؤولين دون تصحيح التمشي. إذ تجدر الإشارة إلى أنه صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية أمر عدد 1 لسنة 2023 مؤرخ في 5 جانفي 2023 أنهى مهام بشير اليرماني الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية للبلاد التونسية، وسبق لليرماني أن أكد أن الصيدلية ليست في حالة عجز أو إفلاس، وإنما تعاني من شح في السيولة بسبب تراكم مستحقاتها المالية لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام” ولدى المؤسسات الصحية.

الصحّة حقّ لكل إنسان، تضمن الدّولة الوقاية والرعاية الصحيّة لكل مواطن، وتوفّر الإمكانيات الضروريّة لضمان السّلامة وجودة الخدمات الصحيّة.
تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند، ولذوي الدخل المحدود. وتضمن الحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانونالفصل 43/دستور 2022

من المتوقع أن تكون سنة 2023 الأصعب من حيث تزويد السوق التونسية بالدواء نظرا إلى نقص السيولة وتزايد الديون لدى المخابر العالمية، تونس البلد الذي راهن سابقا على التعليم والصحة وأكد على هذه الحقوق ودسترها، البلد الذي أنجب كفاءات طبية رائدة عالميا يعيش أزمة نقص الأدوية منذ سنوات مع غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة لإصلاح هذا القطاع.

عوامل متداخلة دفعت بكرة الثلج إلى التدحرج ومزيد اكتساب حجم أكبر لتتوسع رقعة الأزمة ويجد المواطن التونسي نفسه يبحث عن الأدوية وحتى بدائل للأدوية المفقودة أو يسعى إلى طلبها من خارج البلاد، أو يلتجئ في بعض الأحيان إلى الدخول في مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل الأدوية أو تقديم التبرعات ويجد المسؤولون أنفسهم يشتغلون ضد الساعة لدعم حق دستوري يترنح.

إيناس المي

خريجة معهد الصحافة وعلوم الإخبار معدة برامج إذاعية وتلفزية اشتغلت في عدة صحف ورقية ومواقع الكترونية تونسية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى