ملفات

فلسطين: نكبة وانتفاضات محورها المسجد الأقصى

تخوض المقاومة الفلسطينية منذ 73 عاما نضالا مستمرا نحو التحرّر من الاحتلال الصهيوني الذي نُكبت به سنة 1948، وفي ظلّ التحولات الدولية والداخلية عاشت المقاومة تحولات كبرى ميّزت طريقة عملها، وتشكيلاتها.

فمرّ نضال الفلسطينيين من الحجارة إلى الصواريخ المتطورة التي أحدثت مفاجأة الحرب التي عاشها قطاع غزة وبقية الأراضي المحتلة منذ بداية شهر أفريل 2021، وقد أجمع الخبراء على أنّ أساليب عمل المقاومة تطورت وأضعفت الآلة الحربية الصهيونية، رغم ما خلفه العدوان الإسرائيلي من دمار وشهداء وجرحى.

وقبل مرور تقريرنا إلى أبرز المحطات التاريخية التي ميزت تطور عمل المقاومة، ارتأينا أن نبرز ما خلفه العدوان الصهيوني المتواصل على غزة عقب انطلاق عملية “سيف القدس” يوم 10 ماي 2021 في مواجهة عملية “حارس الأسوار” الصهيونية التي استهلتها ردا على نصرة فصائل المقاومة في غزة لأهالي القدس وتحديدا حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.

وحدة في وجه عدوان الكيان

تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يوم 13 أفريل 2021 جراء انتهاكات واعتداءات وحشية ترتكبها الشرطة الصهيونية ومستوطنون في مدينة القدس المحتلة، خاصة في المسجد الأقصى وفي حي الشيخ جراح الذي تسعى “إسرائيل” إلى طرد سكانه وتسليم منازلهم لمستوطنين من اليهود.

وأسفر العدوان عن استشهاد 232 فلسطينيا، بينهم 65 طفلا و39 امرأة، بينما أصيب نحو 1900 بجروح مختلفة (خلال 11 يوما). من جهتها، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى نزوح أكثر من 75 ألف فلسطيني من مساكنهم، لجأ منهم 28 ألفا و700 إلى مدارس الوكالة، إما بسبب هدم بيوتهم، أو هربا من القصف.

المقالات المتصلة

وقال أشرف القدوة المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة إن “الانتهاكات والاستهدافات الإسرائيلية أصابت 21 مؤسسة صحية وعددا من الكوادر الصحية خلال استهداف مبنى وزارة الصحة وعيادة الرمال، وشكل ذلك تهديدا لعمل الفرق الطبية”.

مخلفات العدوان على قطاع غزة (11 يومًا)

وقالت وزارة الأشغال إن “أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية تضررت جراء العدوان المستمر، بينها 1447 دمرت كليا”، وبلغ عدد المباني التي قصفت من قبل الاحتلال في غزة 90 بناية، بينها 6 أبراج سكنية دمرت 3 منها تدميرا كاملا.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة (تديره حركة حماس)، إن 75 مقرا حكوميا ومنشأة عامة تعرضت للقصف الإسرائيلي، تنوعت ما بين مرافق خدماتية ومقار أمنية وشرطية. وتضررت 68 مدرسة، ومرفقا صحيا، وعيادة رعاية أولية، بشكل بليغ وجزئي بفعل القصف الشديد في محيطها، بينما تضررت 490 منشأة زراعية من مزارع حيوانية وحمامات زراعية وآبار وشبكات ري.

وقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية، وهدم 7 مصانع بشكل كلي، وألحق أضراراً بأكثر من 60 مرفقا سياحيا.

لحظة انهيار برج الجلاء الذي يضم مكتب الجزيرة في غزة عقب استهدافه بغارات إسرائيلية (وكالة الأنباء الأوروبية)

وقال “ينس لاركيه” المتحدث باسم “أوتشا” في مؤتمر صحفي، إن نحو 47 ألفا من النازحين لجؤوا إلى 58 مدرسة تديرها الأمم المتحدة في غزة. وأضاف أن 132 بناية دمرت كما تعرض 316 مبنى لأضرار بالغة، منها 6 مستشفيات و9 مراكز للرعاية الصحية الأولية، وكذلك محطة تحلية المياه التي توفر مياه الشرب لنحو 250 ألف شخص.

وأكّد الناطق باسم الجيش الاحتلال العميد هيدي زيلبرمان، أن إسرائيل حاولت مرتين تصفية محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس خلال هذه الحرب وفشلت، كما منيت محاولاتها في تصفية 7 قياديين آخرين بالحركة بالفشل.

“نيويورك تايمز” تنشر على صدر صفحتها الأولى صور شهداء أطفال غزة

ولم تكن غزة بمعزل عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة التي شهدت إضرابا عاما وشاملا، يوم 18 ماي 2021، تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة والاعتداءات في القدس والتجييش العنصري ضد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، واستجابة لدعوة وجهتها لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر إلى كافة المواطنين في المدن والقرى والبلدات، حيث حثتهم على الدخول في إضراب شامل اليوم الثلاثاء.

وعمّ الإضراب محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس، وأراضي الـ 48، فشمل كافة مناحي الحياة التجارية، والتعليمية، بما فيها المؤسسات الخاصة والعامة، وأغلقت المدارس والجامعات أبوابها وكذلك المصارف، وتوقفت وسائل النقل العام. ثمّ تحوّل إلى مسيرات غضب شملت كلّ أراضي فلسطين التاريخية فكان غضبا فلسطينيا من البحر إلى النهر.

انتفاضات تاريخية في وجه الاحتلال الإسرائيلي

وعلى الرغم من أنه كان ليوم واحد فإن إضراب الفلسطينيين اليوم أعادهم إلى إضرابهم الشهير عام 1936، الذي استمر 6 أشهر وأدى بهم إلى إطلاق ثورتهم الكبرى ضد الانتداب البريطاني. ومهد لإضرابات خاضها الفلسطينيون لاحقا خلال انتفاضتهم المختلفة، ولا سيما انتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000.

وقد قدّم أهالي الضفة والخط الأخضر 27 شهيدا في 11 يوما وخاضوا اشتباكات يومية مع الاحتلال نصرة لغزة والقدس وأصيب نحو 4 آلاف آخرين، منذ 7 ماي 2021، وفق ما نقلته قناة “الجزيرة” عن مصادر فلسطينية (لم تسمها).

وإنّ التحركات التي شهدها الداخل الفلسطيني ومختلف المناطق المحتلة أعاد إحياء الوعي الذي نشأ في انتفاضة الحجارة سنة 1987 الذي تحركت فيه الجماهير غضا في وجه الاحتلال دون توجيهات من القيادات التقليدية للمقاومة فالجيل الثالث من الفلسطينيين يواصل على نهج النضال ضد المستعمر كاسرا حاجز الصمت الذي اعتقد الاحتلال أنّه قمعه داخل حدود الخط الأخضر.

مراحل تقسيم ممنهجة

فالشعب الفلسطيني فرض توحد فلسطين التاريخية في وجه العدوان والصمت عن محاصرة قطاع غزة جراء الانقسام الجغرافي_السياسي بين حركتي فتح (السلطة الفلسطينية) وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) الذي فرضته واستغلته قوات الاحتلال منذ سنة 1967.

وتوحدت فعاليات الاحتجاج في رام الله والخليل ونابلس مع تظاهرات التعبير عن التضامن في اللد والجليل ومدن ساحل المتوسط فضلاً عن عشرات البلدات والقرى الفلسطينية الأخرى، فتحقق بذلك مقدار وافر من مضمون الشعار الذي رُفع مسبقاً، أي الإضراب من البر إلى البحر.

وفلسطينيو 48 هم جزء من الشعب الفلسطيني ومن سكان فلسطين التاريخية، الذين تسنّى لهم البقاء ضمن حدود الهدنة عام 1949، وحافظوا على كيانهم وهويتهم الوطنية. كان عددهم، حينها، لا يتجاوز 120 ألف نسمة، وبلغ عددهم اليوم (1 جانفي 2020) نحو مليون و910 ألف نسمة، أي ما يقارب 21% من سكان الأراضي المحتلة ضمن الخط الأخضر (إسرائيل). ظلوا صامدين في قراهم ومدنهم وأحيائهم، رغم كل محاولات الاقتلاع والإقصاء والتهميش والإنكار التي مارستها السلطات الإسرائيلية بحقهم منذ سنة 1948 حتى اللحظة وتمسكوا بأرضهم فقدموا الشهداء “يوم الأرض” عام 1976.

ولا أحد ينكر عليهم دفاعهم المستمر عن الأرض ومقدساتهم وأنهم في طليعة المدافعين عن المسجد الأقصى والمواجهين للمخططات التهويدية في القدس المحتلة. وهم يواجهون تمييزا عنصريا شاملا إذ تفتقر الكثير من تجمعاتهم السكانية إلى الخدمات الصحية، والتربوية، والبنى التحتية الأساسية وترتفع نسبة الفقر وتتفشى البطالة بينهم وينظر صناع القرار في “إسرائيل” إلى السكان العرب بصفتهم أقليّة من الدرجة الثانية.

حي الشيخ جراح يقاوم تهويد القدس

وردا على غارات الاحتلال أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية -ومن بينها حماس والجهاد الإسلامي- 3350 صاروخا باتجاه المواقع والمستوطنات منذ بدء المواجهة الراهنة (دون اعتبار صواريخ ليل الثلاثاء 18 ماي 2021)، وهي أعلى وتيرة إطلاق صواريخ تستهدف إسرائيل حسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي. وقتل 12 مستوطنا بينهم طفل وأصيب 336.

خسائر إسرائيل الأولية في عملية “سيف القدس”

وحسب إحصاء سلطة الضرائب بلغت الأضرار الناجمة عن عملية “حارس الأسوار” 33 مليون دولار لحقت بالممتلكات الخاصة للمستوطنين، ونحو 20 مليونا أخرى للممتلكات العامة، بينما تكلفة العملية العسكرية والقتال لجيش الاحتلال بلغت خلال 4 أيام 500 مليون دولار، وهي تتزايد بمعدل مرتفع كل يوم من أيام القتال.

وأظهر الإحصاء أنه منذ بداية العملية العسكرية حتى مساء يوم 12 ماي 2021، تضرر أكثر من 2500 مبنى وشقة سكنية وسيارة، وبحال استمر إطلاق الصواريخ ستتضاعف الخسائر اليومية بالممتلكات، بينما بلغت تكلفة النشاط العسكري حتى الآن 200 مليون دولار.

ووفقا لصحيفة “يدعوت أحرنوت” بلغ 60 مليون دولار حجم الخسائر والأضرار المباشرة للممتلكات خلال الحملة العسكرية “الرصاص المصبوب” التي استمرت 51 يوما، بينما حجم الأضرار غير المباشرة للمؤسسات الخاصة وإغلاق ورش العمل والشركات والمصانع والمكاتب الحكومية قدر بحوالي 300 مليون.

وتسببت الهجمات الصاروخية -التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مدينة تل أبيب ومركز البلاد- بانخفاض وتراجع غير مسبوق للمعاملات التجارية والاقتصادية في سوق المال والبورصة والمصارف الإسرائيلية، فيما سجلت العملة الإسرائيلية (شيكل) انخفاضا قبالة الدولار بنسبة 1.4 %، وفق إحصائيات نقلتها قناة “الجزيرة” في موقعها الالكتروني.

وإلى جانب الأضرار والخسائر بالممتلكات، تبلغ تكلفة كل صاروخ اعتراض من طراز القبة الحديدية ما يصل إلى أكثر من 150 ألف دولار، حيث بلغ استعمال الصواريخ الاعتراضية خلال 48 ساعة أكثر من 50 مليون دولار، بينما تقدر تكلفة غارة واحدة فقط لسلاح الجو الإسرائيلي بعشرات الآلاف من الدولارات، وقد تم بالفعل تنفيذ مئات الغارات.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أنه “للمرة الأولى منذ حرب غزة في 2014 تتعرض إسرائيل لهذا الحجم من الأضرار: منازل مهدمة، وسيارات مدمرة، وإصابة منشأة نفطية”.

المقاومة: تاريخ من الانتفاضات

عاشت المقاومة الفلسطينية انتفاضات ميزت تاريخها وحصدت آلاف الشهداء، فما إن تحررت من الانتداب البريطاني، حتى تخلصت أوروبا من عبء اليهود وفرضت عبر اتفاقيات سرية احتلالا صهيونيا يرزخ في الشرق الأوسط منذ سنة 1948 (النكبة).

من أجل صناعة “دولة إسرائيل” تجسيدا للمشروع الصهيوني، هاجمت قوات الاحتلال المدن الرئيسية، ودمرت أكثر من 530 قرية سنة 1948، قتل فيها قرابة 13 ألف فلسطيني، وهُجِّر أكثر من 750 ألفا من بيوتهم، في أكبر عملية تطهير عرقي عنصري عبر التاريخ، ثم محيت آثارهم، وفعلت “إسرائيل” كل ما يلزم سياسيا وجغرافيا كي لا يعودوا.

خريطة تمدد الاحتلال في الأراضي الفلسطينية منذ سنة 1948

انتفاضة البُراق

شهدت سنة 1929 أول تظاهرات عامة ضد هجرة اليهود إلى فلسطين، وهو ما أطلق عليه اسم “ثورة البُراق” حيث شهدت مدينة القدس أولى المواجهات بين أصحاب الأرض والمحتل الصهيوني وتحديدا يوم 9 أوت 1929 أيام الانتداب البريطاني على فلسطين.

وقد نُسبت هذه الانتفاضة إلى “حائط البُراق” الذي يعتبره المسلمون وقفا إسلاميا وهم يحتفظون بصكوك تخول لهم حق إدارة المكان، بينما يسميه اليهود “حائط المبكى” (البكاء على ما حل بهيكلهم وأسلافهم) ويدعون أنّه من أهم مصاليهم في العالم حيث يمارسون طقوسهم السنوية.

ويمثل الحائط لدى اليهود آخر ما تبقى من هيكل سليمان الذي دمره الرومان عام 70 ميلادي، وهو المكان الذي ركن إليه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حصان البُراق المجنح الذي حمله من مرقده في إسرائه ومعراجه إلى السماء مرورا ببيت المقدس.

قوات الانتداب البريطاني تقمع المظاهرات الفلسطينية في ثورة البُراق

وإنّ تركيز اليهود لمقاعد وستار يفصل نساؤهم عن رجالهم ونفخهم في الأبواق قبالة الحائط اعتبره المسلمون تعدٍ على المعالم الإسلامية وطالبو بإزالتهم مع السماح لليهود بممارسة طقوسهم، ذلك أنّه في العهد العثماني استطاع اليهود انتزاع مرسوم امبراطوري يسمح لهم بالصلاة عند حائط البُراق وإقامة شعائرهم أمامه، شريطة عدم الإخلال بالوضع القائم واستفزاز مشاعر غيرهم من الطوائف التي تسكن المكان.

وعشية يوم 15 أوت 1929 (يوم الحداد على خراب الهيكل حسب التقويم اليهودي) والمتزامن مع احتفالات المسلمين بالمولد النبوي الشريف نظمت حركة “بيتار” الصهيونية المتطرفة مسيرة احتشدت فيها أعداد كبيرة من اليهود في القدس، يصيحون “الحائط لنا” وينشدون نشيد الحركة الصهيونية.

وفي اليوم التالي رد القادة العرب بتنظيم مظاهرة من المسجد الأقصى واتجهوا إلى حائط البُراق، دفاعا عن المقدسات الإسلامية، وازداد التوتر في القدس حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين امتدت إلى مدينة الخليل وبئر السبع جنوبا حتى صفد شمالا.

وخلفت “انتفاضة البُراق” 116 شهيدا و232 جريحا فلسطينيا و133 قتيلا و339 جريحا يهوديا بينهم 198 إصابة خطيرة، واعتقلت سلطات الانتداب 900 فلسطينيا وأصدرت أحكاماً بالإعدام شنقا في حق 27 فلسطينيا خُفّفت الأحكام على 24 منهم ونفذ حكم الإعدام في 17 جوان 1930، في سجن مدينة عكا المعروف باسم (القلعة)، في ثلاثة محكومين هم: فؤاد حسن حجازي، محمد خليل جمجوم وعطا أحمد الزير.

من مواجهات انتفاضة البُراق

وفرضت المحاكم البريطانية على بعض المدن العربية غرامات باهظة تمت جبايتها بشتى أنواع الإرهاب والتعسف وذلك تطبيقا لقانون العقوبات الجماعية وكان العرب وحدهم من تأثر بهذا القانون.

ولم تحاكم سلطات الانتداب البريطانية إلا يهوديا واحد صدر في حقه حكم بالإعدام وخفض إلى 10 سنوات قضى منها فترة قصيرة وغادر السجن.

أما سياسيا، فقد أدت هذه الانتفاضة إلى تشكيل “لجنة شو” (شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في الأحداث) التي أقرت الاحتكام إلى عصبة الأمم (منظمة الأمم المتحدة حاليا)، وأن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي (البُراق) باعتباره جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، كما تعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط.

وأقرت اللجنة، كذلك، أنه لا يجوز لليهود جلب أية أدوات عبادة أو وضع مقاعد أو سجاد أو كراسي أو ستائر أو حواجز أو أية خيمة جوار الحائط لأنه ملك للمسلمين حسب ما أورده تقرير اللجنة المقدم لعصبة الأمم عام 1930.

انتفاضة 1936

سميت بـ”الثورة الفلسطينية الكبرى” انطلقت في 20 أفريل 1936 وامتدت حتى سنة 1939، خاض فيها الفلسطينيون أطول إضراب ينفذه شعب كامل حيث استمر 6 أشهر، وكانت نتيجة تراكمات القمع البريطاني المتصاعد خاصة سنوات ما بين 1920 و1933، واعتبر المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية في تقرير له أنّها “تمثل محطة بارزة في حركة النضال الوطني الفلسطيني ضد الصهيونية والاستعمار البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر، فهي نقلة نوعية في توجهات هذا النضال بعد حالة الوهن العام التي اعترت الحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب هبة البُراق عام 1929”.

وكان هدف هذه الثورة منع بيع الأراضي واغتيال باعة الأرض والسماسرة والجواسيس والتصدي لمشروع التقسيم الذي كانت بريطانيا تمهد لتنفيذه، وصيانة عروبة فلسطين والحفاظ على أراضيها ومنع تهويدها، وإعلان استقلالها في وحدة عربية شاملة.

وطالب الثوار بالاستقلال وإنهاء سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة وشراء الأراضي منعا لتنامي السلطة الاقتصادية اليهودية خاصة مع وضوح التماهي البريطاني مع الصهيونية.

وكانت أولى محطات الكفاح المسلح أسلوبا، لانتزاع حقوق الفلسطينيين من الاستعمار البريطاني، ولم تتوقف إلا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 بعد التدخل العربي الرسمي لإنهاء الإضراب، والتحالف الفرنسي البريطاني عشية سنة 1939.

سنة 1930 أسس الشيخ عز الدين القسام منظمة “الكف الأسود” وهي منظمة مناوئة للصهيونية ومناهضة لبريطانيا، حيث نظم دورات تدريبية عسكرية للفلاحين، وبحلول عام 1935، كان قد جند ما بين 200 و800 رجل.

في المقابل، رفضت بريطانيا طلب اللجنة العربية العليا لفلسطين بوقف الهجرة اليهودية، وتحدت العرب بإصدار شهادة هجرة جديدة قدمتها للوكالة اليهودية لإحضار أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فلسطين.

ورداً على هذا التحدي قرر القادة الفلسطينيون إعلان الثورة المسلحة، وتنفيذا لهذا القرار أعلن “جيش الجهاد المقدس” الثورة المسلحة على الأعداء (مكون من جميع التشكيلات والمنظمات العسكرية السرية ومن انضم إليها فيما بعد، وقد اختير لقيادته عبد القادر الحسيني) وشرع المجاهدون يهاجمون ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات اليهودية، ويدمرون طرق المواصلات ويهاجمون قوافل الأعداء وتجمعاتهم، وقد اقتصرت أعمال الثورة في أيامها الأربعة الأولى على لواء القدس لكنها ما لبثت في اليوم الخامس أن عمت أنحاء فلسطين في المدن والقرى والبادية.

عصابات سياسية صهيونية قبل عام 1948

بدأت العمليات في البداية في مدن يافا، ونابلس، والقدس، وطبريا وحيفا وصفد، فاستفزت قوات الاحتلال فأصبحت في اشتباك دائم مع الخلايا المقاتلة وركزت نشاطها في نابلس والقدس ويافا حيث كانت الخلايا الثورية نشطة فحشدت لهم قوات كبيرة من الجيش. ونتيجة لذلك تحول الثوار إلى الريف وانضموا إلى الجماعات الثورية التي كانت تعمل هناك، ولم تكن هذه المجموعات موحدة وكان منها تنظيم القسام مثل فرحان السعدي الذي عمل في منطقة جنين وألقي القبض عليه في قرية نورس وتم إعدامه وهو في الخامسة والسبعين من العمر عام 1937، وعشرات من المجموعات الأخرى المحلية، التي عملت على تشكيل مجموعة مسلحة في كل قرية ومدينة.

طرأ تطور في الميدان بدخول فوزي القاوقجي وقواته إلى منطقة المثلث وتدفق المتطوعون من الأردن وسوريا ولبنان وانضموا إلى الجهاد المقدس ونتيجة لذلك تحولت الثورة في شهرها الثالث إلى معارك مكشوفة مع القوات البريطانية في شتى أنحاء فلسطين.

استهدفت المقاومة حركة النقل العامة والمواصلات السلكية وسدت الطرق ونسفت الجسور وخطوط السكك الحديدية، وكذلك خط النفط الواصل بين العراق وحيفا وأخذت المجموعات السرية داخل المدن تغتال الموظفين البريطانيين وضباط الجيش والشرطة والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة وتلقي المتفجرات على الدوائر الحكومية وحقق الثوار انتصارات في العديد من المعارك وأصبحت هذه الهجمات ظاهرة مألوفة في “مثلث الرعب” كما سماه الجنود البريطانيون إشارة إلى المنطقة الواقعة بين نابلس وجنين وطولكرم، كما وقعت معارك كبيرة في مرج ابن عامر ووادي عزون وبابا الواد، سقط فيها العديد من الشهداء والجنود البريطانيين.

أثبتت الثورة أنها عصيه على السحق العسكري وأظهرت القدرة على القتال وكانت أعمال العنف والقمع تعزز روح المقاومة وتزيد في أعداد المنتسبين إليها، في المقابل اتخذت حكومة الانتداب تدابير عسكرية لقمع الثورة وفرضت الغرامات المادية الثقيلة والعقوبات الجماعية وعقوبات الإعدام واعتقلت الكثيرين وخربت الممتلكات ونسفت البيوت وهدمت الحي القديم في مدينة يافا لكنها لم تستطع أن تُخمد الثورة الشعبية.

وكانت ما سمي بـ “ثورة الشيخ عز الدين القسام” حيث تجسد فيها الإيمان بعدم جدوى العمل السياسي وأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد لبلوغ الأهداف الوطنية، وقد أيقظت هذه الثورة الشعب الفلسطيني وأشعلت في نفسه الحماسة للجهاد.

ففي نوفمبر 1935، اشتبك اثنان من رجال القسام في معركة بالأسلحة النارية مع دورية شرطة فلسطين، وفي أعقاب هذه الحادثة، أطلقت الشرطة عملية مطاردة وحاصرت القسام في كهف بالقرب من يعبد وفي المعركة التي تلت ذلك قتل القسام.

مجموعة من الثوار المسلحين ضد الانتداب البريطاني

واستمر القساميون في مواجهة بريطانيا والاحتلال الصهيوني رغم استشهاد قائدهم الشيخ عز الدين القسام، فاختاروا قائدا جديدا هو الشيخ فرحان السعدي الذي كان لا يزال مقاتلا صلبا نشطا مشهورا بدقته في إصابة الهدف رغم بلوغ الـ 75 عاما.

ذلك أنّ الشرارة الأولى للثورة الكبرى في فلسطين يوم 15 أفريل 1936، انطلقت بقتل اثنين من اليهود وجرح ثالث على طريق نابلس – طولكر من طرف مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي.

ورد اليهود باغتيال اثنين من العرب في اليوم التالي، ثم حدثت صدامات واسعة بين العرب واليهود في منطقة يافا يوم 19 أفريل 1936 أدت إلى مقتل تسعة يهود وجرح 45 آخرين، وقتل من العرب اثنان وجرح 28.

وبلغت الهجرة اليهودية ذروتها في السنوات الأربع بين 1933 و1936 فوصل أكثر من 164,000 مهاجر يهودي إلى فلسطين، وبين 1931 و1936 ازداد عدد السكان اليهود أكثر من الضعف من 175 ألف إلى 370 ألف شخص، مما زاد حصة السكان اليهود من 17% إلى 27%، وتسبب في تدهور كبير في العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود.

وتمكنت هذه الثورة في بعض مراحلها من السيطرة على كل الريف الفلسطيني، وعلى عدد من المدن، بينما انكفأت السلطات البريطانية في بعض المدن الهامة. ولولا اتحاد الجهود الصهيونية _ اليهودية بدعم أوروبي (خاصة فرنسي) والاحتلال البريطاني ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن تأثير الدول الكبرى لنالت فلسطين استقلالها عن الانتداب البريطاني.

تجدر الإشارة إلى أنّ “الثورة الكبرى” انقسمت إلى فترتين امتدت الأولى من أفريل إلى أكتوبر 1936 على شكل إضراب عام شعبي، قادتها اللجنة العربية العليا الحضرية والنخبوية، وكانت تركز بشكل رئيسي على الإضرابات وغيرها من أشكال الاحتجاج السياسي.

في أكتوبر 1936، هزمت الإدارة المدنية البريطانية هذه المرحلة باستخدام مزيج من التنازلات السياسية والدبلوماسية الدولية (التي تشمل حكام العراق والسعودية وإمارة شرق الأردن الذاتية الحكم والمملكة المتوكلية اليمنية) والتهديد بالقانون العرفي.

أما المرحلة الثانية، فبدأت في أواخر عام 1937، وهي حركة مقاومة مسلحة بقيادة الفلاحين أثارها القمع البريطاني في عام 1936 والتي استهدفت القوات البريطانية بشكل متزايد. وخلال هذه المرحلة، قمع الجيش البريطاني وقوة شرطة فلسطين حركة التمرد بوحشية باستخدام تدابير قمعية كان الغرض منها تخويف السكان العرب وتقويض الدعم الشعبي للثورة.

ووفقا للأرقام الرسمية البريطانية قتل الجيش والشرطة أكثر من 2,000 من العرب في القتال، وشنق 108 منهم، وقتل 961 شخصا بسبب ما وصفوه بأنه “أنشطة العصابات والأنشطة الإرهابية”.

من جانبه، قال مكتب الإحصاء الفلسطيني إنّه بعد أقل من شهرين من بدء الإضراب بلغ عدد قتلى الجنود الذين دفنتهم إدارة الصحة في نابلس 162 جندياً. وبلغت خسائر الحكومة البريطانية بسبب الإضراب 3.5 مليون جنيه استرليني عدا خسائر توقف التجارة والسياحة، وهو ما يوازي ميزانية فلسطين لسنة كاملة في ذلك الوقت.

وقدرت خسائر العرب بعدة ملاين من الجنيهات، رغم أن كل ما جاءهم من إعانات خارجية لم يصل إلى 20 ألف جنيه. وبلغ عدد المنكوبين العرب 300 ألف (ثلث الشعب الفلسطيني) بينهم 40 ألفاً من مدينة يافا وحدها.

سياسيا، شعرت بريطانيا بعجزها عن وقف الثورة وإنهاء الإضراب بالطرق العسكرية فلجأت إلى أساليب غاية في المراوغة فأعلنت أنها قررت إيفاد لجنة ملكية للتحقيق في قضية فلسطين وشكاوى الناس، ووضع التوصيات لحل القضية حلاً عادلاً. وقد وسطت بريطانيا بعض الحكام العرب لإقناع الفلسطينيين بوقف الثورة، وحضر بعضهم إلى فلسطين ليجدوا إصراراً عظيما على الاستمرار في الثورة حتى تتحقق مطالبهم.

وكان يتحرك في هذا الموضوع نور السعيد من العراق وكذلك سعى الأمير عبد الله والأمير سعود، وتجددت الاتصالات بين القيادات العربية والقيادات العليا دون جدوى، في نهاية المطاف استحضرت بريطانيا قوات إضافية لسحق المقاومة حيث بلغ عدد القوات البريطانية في النصف الأول من شهر أوت 1936 في فلسطين 70 ألف جندي، بالإضافة إلى نحو أربعين ألفا من قوات الشرطة النظامية والإضافية وقوة حدود شرق الأردن وحرس المستعمرات اليهودية وقوات “الهاغاناه” والمنظمات السرية الإرهابية الصهيونية.

على الرغم من ذلك فشلت هذه الجهود وذهبت أدراج الرياح وظلت الثورة مشتعلة طوال شهري جويلية وأوت 1936، لكن بعد اتصالات ومشاورات أجراها الملوك والرؤساء العرب بطلب من بريطانيا للتدخل لإنهاء الإضراب، وجهوا رسالة إلى رئيس اللجنة العربية العليا لفلسطين لفك الإضراب وإنهاء المقاومة، ونزل الفلسطينيون عند نداءات الزعماء العرب فأوقفوا الإضراب والثورة في 13/10/1936.

وجاءت لجنة التحقيق الملكية إلى فلسطين قبل انتهاء عام 1936 لتقديم توصياتها، فرفضت القيادة الفلسطينية الاجتماع باللجنة الملكية (لجنة بيل)، لكن تحت الضغوط العربية عليها من مصر والسعودية وبعض التهديدات، وافقت القيادة على استقبال اللجنة.

أنهت اللجنة الملكية أعمالها في جانفي 1937 وعادت إلى لندن، وأشارت في جوان 1937 إلى أنها توصي بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق منطقة عربية ومنطقة بريطانية وهي القدس ومنطقة يهودية، تم رفض هذا المشروع من قبل الحركة الصهيونية نظرا إلى أنه لا يخدم مصالحها، كما رفضته القيادة الفلسطينية والتزمت القيادة العربية بموقف القيادة الفلسطينية ما عدا الأمير عبد الله. ثمّ أعلنت القيادة الفلسطينية بياناً على الشعب تدعوه فيه إلى التمسك بالمطالب الوطنية ومقاومة التقسيم، وفي مطلع جويلية 1937 عمّت فلسطين تظاهرات صاخبة ضد التقسيم ووقعت صدامات دامية بين العرب والأعداء.

وصدر أمر باعتقال الأمين الحسيني باعتباره المسؤول عن إشعال الثورة، فلجأ الحسيني إلى الأقصى وفي نهاية الأمر فر من الأقصى متخفيا إلى لبنان وبعد مدة من وصوله إلى لبنان استطاع أن ينشر بيانا في الصحف العربية أكد فيه رفضه لمشروع التقسيم وتمسكه بمطالب الشعب المعروفة، ودعا إلى مقاومة السياسة البريطانية ومحاربة مشروع التقسيم حتى القضاء عليه، واعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة إلى الثورة المسلحة، وبذلك استؤنفت الثورة ووقعت معارك ضخمة حتى القضاء عليه.

في هذه الفترة كان العمل العسكري دقيقا ومنظما بحيث تشكلت في بادئ الأمر لجنة جديدة سميت “اللجنة العربية للجهاد”، وقسمت المناطق إلى أقسام ولكل منطقة قائدها وأصبح الثوار أسياد الموقف.

كانت بريطانيا في هذه الفترة منشغلة في أمورها وبحاجة إلى هدوء نسبي في فلسطين، فاضطرت بعد عجزها عن القضاء على الثورة إلى العدول عن قرارا التقسيم، وعقد مؤتمر المائدة المستديرة للبحث في الوصول إلى حل لقضية فلسطين، واتفق على أن يمثل الفلسطينيين في المؤتمر ممثلون عن “اللجنة العربية العليا” شريطة أن يكونوا من الداخل، والسماح لهم بالتشاور مع الخارج، وسافر الوفد إلى القاهرة واتفقوا على الثوابت التي سيرتكز عليها الوفد.

انعقد مؤتمر المائدة المستديرة ولم ينجح البريطانيون في جمع العرب والصهاينة مع بعض، وجرت اتصالات مع كل طرف على حده ولكن دون جدوى.

عام 1939 هبط معدل المعارك الفلسطينية ضد الاحتلال حيث أفلت زمام المبادرة من الثوار وانتقل إلى أيدي القوات البريطانية التي تحولت مع المنظمات الصهيونية إلى موقع الهجوم فنزعت سلاح الثوار جراء اهتزاز تنظيماتهم، وافتقارهم إلى القيادة العسكرية والسياسية الفعالة القادرة على تحدي تفوق الخصم، فالقيادة العسكرية لم تعد موجودة في الداخل من الناحية الفعلية، خاصة بعد استشهاد القائد العام عبد الرحيم الحاج محمد في مارس 1939، ووجود عبد القادر الحسيني خارج البلاد منذ إصابته خريف 1938، وترافق ذلك مع غياب الإستراتيجية العسكرية وعدم توفر الإمكانات الفعالة إضافة إلى عدم ملاءمة الوضع الدولي، نظرا إلى ما يمثله الاستعمار من هيمنة على العلاقات الدولية في تلك الفترة والتحالفات المصلحية التي بدأت بالتشكل عشية الحرب العالمية الثانية.

من نتائج الثورة المهمة أنها كشفت القيادات المحلية والعربية التي تدخلت في قضية فلسطين بشكل أسهم في إجهاض الثورة إضافة إلى كشفها الحلف الامبريالي- الصهيوني في المنطقة وقدمت نموذجاً من أجل التحرر والدفاع عن الوطن والحفاظ على فلسطين عربية.

النكبة.. التهجير.. واستئناف المقاومة

قاوم الفلسطينيون تجسيد المشروع الصهيوني على أرضهم فقامت العديد من المعارك المسلحة ضدّ الاستيطان الممنهج بدعم من الاستعمار البريطاني، وقبل قيام “دولة إسرائيل” يوم 15 ماي 1948 احتدت المعارك، كان أولها معارك يافا التي استمرت من 10 جانفي 1947 إلى فيفري 1948، واجه فيها جيش الجهاد المقدس بقيادة حسن سلامة عصابة عسكرية صهيونية تسمى “الهاغاناه”، وقد خلفت معاركها اليومية أكثر من 300 قتيل صهيوني خلال المعارك أو عمليات القنص في مقابل 80 شهيدا عربيا (فلسطينيون ومتطوعون عرب).

مواجهة مسلحة من معارك النكبة سنة 1948 (المصدر: مركز المعلومات الوطني الفلسطيني)

وتعتبر معركة وحصار الفالوجة يوم 14 أكتوبر 1948 التي استمرّت حتّى 15 مارس 1949، من آخر معارك النكبة حيث واجه الجيش المصري وأهالي القرية عصابات الاحتلال الصهيوني، وانتهت باحتلال الفالوجة وتهجير أهلها. وفي ما يلي رصد “ضاد بوست” في رسم بياني أبرز معارك النكبة ونتائجها:

أبرز معارك النكبة

وكانت النكبة يوم 15 ماي 1948 تاريخ إعلان قيام “إسرائيل” ووقوع معظم المناطق الفلسطينية تحت سيطرة العصابات الصهيونية، ووفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني تسببت هذه النكبة في طرد نحو مليون فلسطيني ليعيشوا لاجئين في البلدان العربية المجاورة.

وقادت عصابات صهيونية متطرفة عمليات القتل والاغتصاب فشردت حوالي 800 ألف فلسطيني من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين سنة 1948 قسرا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتفجيرات في الأسواق والإبادات الجماعية فضلا عن الإعدامات الميدانية وتم إحلال اليهود مكانهم، على غرار مدينة “حيفا” التي عاشت 18 مجزرة خلفت 820 شهيدا معظمهم من النساء والأطفال والمسنين وآلاف الجرحى، وتحولت مساكن الفلسطينيين إلى مستوطنات.

مسلحون من جيش الإنقاذ (المصدر: الموسوعة الفلسطينية)

وهدمت العصابات الصهيونية بلدة قيسرية في يوم 15 فيفري 1948 وشردت أهلها البالغ عددهم سنة 1948 حوالي 1350 نسمة، بقيادة “اسحاق رابين” رئيس عصابة “الهاغاناه”، فتم إخلاء القرية وتدمير أربع قرى أخرى وتم محو قرية ثانية تدعى برو قيسارية عن الوجود. فقيسارية كانت أولى القرى التي تمت فيها عملية منظمة لطرد السكان الفلسطينيين إذ احتلت وحدة من عصابة “البلماح” القرية وهرب السكان أو أُمروا بالرحيل، وذُبح من رفض الخروج، ومن بينهم 20 قرويا أصروا على ملازمة منازلهم حتى بعد أن اُحتلت القرية، فدُمّرت منازل القرية وبعضهم ما زال في داخلها.

وفي ما يلي قائمة العصابات العسكرية الصهيونية التي أشرفت على التطهير العنصري في فلسطين، مع الإشارة إلى أنّها كانت لاحقا النواة الأولى للجيش الإسرائيلي حيث أصدر رئيس وزراء “إسرائيل” ووزير الدفاع آنذاك “بن غوريون” فور إعلان قيام “إسرائيل”، قراراً حل بموجبه الإطار التنظيمي لهذه التنظيمات الإرهابية العسكرية وحولها إلى نواة للجيش الإسرائيلي:

عصابات عسكرية صهيونية قبل عام 1948

وكان قرار تهديم المنازل قد اتُخذ في أوائل فيفري 1948 في اجتماع هيئة الأركان العامة لعصابة “هاغاناه”، في السياق العام لتطهير السهل الساحلي شمالي “تل أبيب”، وعلى أنقاضها أقام اليهود مستعمرة “أور عكيفا” سنة 1951، كما ضموا بعض أراضيها إلى مستعمرة “سدوت يام” المجاورة للبلدة والمقامة في عام 1940 على أراضي خربة أبو طنطورة إلى الجنوب من قيسارية.

وسيطرت العصابات على أكثر من 85 % من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كم2 بما فيها من موارد وما عليها من سكان.

كذلك، نفذت هذه العصابات 36 مجزرة في قرى مدينة القدس خلفت حوالي 3000 شهيدا والآلاف من الجرحى، ولم تنج أي من قرى وأسواق ومدن فلسطين من المجازر الصهيونية الإرهابية مثلت كل واحدة منها جريمة حرب وجريمة بحق الإنسانية تصنف في إطار جرائم الإبادة الجماعية، فسيطرت خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه إلى الاحتلال وقوانينه.

قوات صهيونية في بئر السبع الفلسطينية يوم 20 أكتوبر 1948 (المصدر: مواقع الكترونية)

من جهتها، أحصت مصادر مركز المعلومات الفلسطيني عدد الشهداء الفلسطينيين في معارك النكبة بنحو 15 ألف شهيد، بينما بلغ عدد الشهداء العرب من 3500 إلى 700 آلاف شهيد. شارك فيها نحو 10,000 جندي مصري بقيادة اللواء أحمد علي المواوي، و4,500 جندي أردني القيادة العامة مع غلوب باشا، و2,500 جندي عراقي بقيادة الضابط العميد محمد الزبيدي، 1,876 جندي سوري بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم و450 جندي لبناني و3,200 جندي سعودي بقيادة العقيد سعيد بيك الكردي، ووكيله القائد عبد الله بن نامي، و3000 متطوع عربي من جميع البلدان العربية (وهو ما أصبح يعرف بجيش الإنقاذ) بينهم 500 فلسطين.

وبلغ عدد الأسرى العرب في أعقاب النكبة حسب الصليب الأحمر الدولي 5204 أسيرا، منهم 4702 فلسطيني والباقون أردنيون ومصريون وسعوديون وعراقيون ولبنانيون ويمنيون وغيرهم، وكانوا موزعين على معسكرات الجليل 2229 أسيرًا منهم 1894 فلسطيني، ومعسكر “عتليت” 1256 أسيرًا منهم 1136 فلسطيني، ومعسكر صرفند 873 أسيرًا منهم 794 فلسطيني، تم إطلاق سراحهم في عملية تبادل أسرى في أواسط ماي 1949.

وبقي نحو 150 ألف فلسطيني فقط في المدن والقرى الفلسطينية التي قامت عليها “إسرائيل” بعد النكبة، وصل عددهم في نهاية سنة 2019 نحو مليون و597 ألف نسمة.

الفالوجة بعد اقتحامها 28 فيفري 1949 (المصدر: مواقع إعلامية/ لم يُشر إلى المصدر الأصلي)

حسب سجلات وكالة الغوث بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيمًا رسميًا تابعًا لوكالة الغوث الدولية تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيمًا في لبنان، و19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.

وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا وقتها من ديارهم 950 ألف لاجئ، ليصبح حالياً 7.5 ملايين لاجئ، من بينهم 6.2 ملايين لاجئ مسجلون في سجلات “الأونروا”، والبقية غير مسجلين من بين عدد الفلسطينيين البالغ في العالم 13 مليوناً (حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني).

وبلغ عدد الفلسطينيين نهاية سنة 2019 حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حوالي 13 مليون منهم نحو 5 مليون فلسطيني يعيشون فـي الضفة وقطاع غزة، (43% منهم لاجئين حسب التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017)، وحوالي مليون و597 ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948، فيما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 6 مليون، وفي الدول الأجنبية حوالي 727 ألفا.

هُجّر زمن النكبة 950 ألف فلسطيني من ديارهم أصبحوا اليوم 7.5 مليون لاجئ

وتتالت النكبات إثر قيام ما سمي “دولة إسرائيل” فكانت نكسة 1967 التي شردت نحو 200 ألف فلسطيني معظمهم نحو الأردن، يناضلون جميعهم من أجل “حق العودة” وتقرير المصير الذي تعترف به جميع القوانين والمواثيق الدولية وتنكره صفقات التطبيع مع الكيان الصهيوني تمهيدا إلى تصفية قضية اللاجئين وتحقيق صفقة القرن بضم الأغوار الفلسطينية إلى سيطرة الاحتلال الصهيوني بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي أعلنت التطبيع الكامل مع “إسرائيل”.

فمبادئ القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة ذات العلاقة ومن أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 يعترفون بحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه، حيث جاء في المادة 13 منه “أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده”، كما أكدت على ذلك اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم (194 – د) الصادر بتاريخ 11/12/1948 الفقرة رقم (11) والتي تنص على الآتي: “تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقًا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”.

وإنّ سياسة التهجير التي تنتهجها “إسرائيل” لم تتوقف زمن النكبة بل هي مستمرة إلى يومنا هذا، وتتجسد في كلّ شبر من أرض فلسطين وما حي الشيخ جراح إلا نموذج عن هذه الاستراتيجية من أجل “إقامة الوطن الكبير لليهود” الذي يمتد من البحر إلى النهر.

64 مخيما للاجئين الفلسطينيين منذ النكبة

وقدتم التخطيط لصهيونية فلسطين وتهويد الأرض منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بال (سويسرا) سنة 1897، وأقرّ “العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة”، وفي عام 1901 نشطت الحركة الصهيونية في مجال شراء الأراضي في فلسطين، وتهجير اليهود إليها.

عكف القادة في الحركة الصهيونية على وضع الخطط والسياسات اللازمة للتخلص من السكان الشرعيين لفلسطين أيام الانتداب البريطاني، فقد كتب يوسف فايتس – الذي عمل مدة طويلة مديراً للصندوق القومي اليهودي ومستشاراً لرئيس الحكومة الإسرائيلية للشؤون العربية – كتب في مذكراته الخاصة عام 1940: “بيننا وبين أنفسنا، يجب أن يكون واضحاً أنه لا يوجد مكان في البلاد للشعبين معا … فمع وجود العرب لن نتمكن من تحقيق هدفنا المتمثل بأن نكون شعباً مستقلاً في هذه البلاد. إن الحل الوحيد هو أن تصبح أرض إسرائيل، وعلى الأقل أرض إسرائيل الغربية، بدون عرب … ولا توجد طريقة أخرى لتحقيق ذلك غير نقل العرب من هنا إلى الدول المجاورة، نقلهم جميعاً بحيث لا تبقى هنا قرية واحدة. ويجب أن يتم النقل إلى العراق وسورية، بل إلى شرقي الأردن. ولهذا الغرض سوف تتوفر الأموال، الكثير من الأموال. ومع هذا النقل فقط يمكن للبلاد أن تستوعب الملايين من إخوتنا … لا يوجد هناك بديل لذلك … وعلينا أن نقوم منذ الآن بدراسة البلدان المجاورة لكي نحدد قدرتها على استيعاب عرب أرض إسرائيل”.

ثيودور هيرتزل: مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي الأول

لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية أنشأت الحركات الصهيونية عددا من العصابات السياسية الإرهابية تحت مسمى جمعيات سهلت توافد اليهود إلى أرض فلسطين وممولت نشاطاتهم في كافة أنحاء العالم. فاليهود كانوا يملكون 2.5% من أراضي فلسطين عام 1918 ارتفعت إلى 5.6 % في منتصف عام 1948.

وتشير “الموسوعة الفلسطينية” إلى أنّ المؤسسات الصهيونية اعتمدت سياسة تهجير اقتصادية واجتماعية تتماشى مع واقع الاقتصاد الفلسطيني (الزراعي) ومجتمعه الريفي من خلال مجموعة قوانين عنصرية حولت الفلاحين وصغار المستأجرين إلى طبقة مسحوقة، وحرمتهم من أراضيهم، ومن حق العمل فيها، ودفعت بهم إلى الهجرة إلى المدن سعياً وراء العمل في أسوأ الشروط. لقد قدر عدد سكان الأحياء الفقيرة ومدن الصفيح من مهاجري الريف العرب في يافا والقدس وحيفا بـ 121 ألف نسمة.

ومن بين سياسات التهجير التي جرى تطبيقها أيضا سياسة العمل العبري (أي عدم استخدام الأيدي العاملة غير اليهودية) وغزو العمل، وسياسة الضرائب، وسياسة تأجيل الديون وتراكمها، وسياسة الأجور المتناقضة.

ورغم مضي ما يزيد عن 70 عاما عن النكبة مازال الفكر الصهيوني مستمرا في هدفه الأول لدى نشأة المنظمة وهو التخلص من السكان الأصليين لفلسطين وتهجيرهم نحو البلدان المجاورة.

مخيم فلسطيني في سوريا عام 1948 (المصدر: مواقع الكترونية)

وبعد انتهاء العدوان الأخير على غزة (عملية “حارس الأسوار”) ذكرت القناة 12 العبرية في نشرتها يوم 27 ماي 2021، أنّ 500 يهودي من 20 دولة وصلوا البلاد كمهاجرين جدد.

وأوضحت القناة أنّ القادمين الجدد وصلوا من 20 دولة من بينها الأرجنتين وأستراليا وروسيا البيضاء والبرازيل والتشيك وكولومبيا وأثيوبيا وفرنسا وفنلندا والمكسيك وهولندا والسويد وسويسرا وأوكرانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

نكسة 67 وتتالي النكبات

قبل نكسة 67، كانت الثورة الفلسطينية المسلحة التي انطلقت يوم 1 جانفي 1965 بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بهدف تحرير الوطن الفلسطيني. وفي 5 جوان 1967 شنت إسرائيل عدوانا على مصر والأردن وما تبقى من فلسطين، وكانت نتيجة هذا العدوان، أن سيطرت إسرائيل على كافة التراب الفلسطيني بعد أن احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر ومرتفعات الجولان السورية. وهجر عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنهم مرة أخرى.

وسميت تلك بـ “النكسة” لما خلفته من خيبة أمل لدى الشعب الفلسطيني والشعوب التي طمحت إلى افتكاك الحق الفلسطيني في أرضه نصرة لهذه القضية الإنسانية العادلة. فضلا عن أنّ الاحتلال تمكن من مدينة النقب (أوسع الأراضي مساحةً في فلسطين المحتلّة، وتُعادل نصف مساحتها تقريباً نحو 13000 كلم مربع، وتمتد من مدينة بئر السّبع وقرية الفالوجة حتى أم الرّشراش على خليج العقبة) والقرى البدوية التي على أرضها كأمّ العراقيب التي أقيمت لأول مرة في عهد السلطنة العثمانية، والحيران وقرى بدوية أخرى في الضفة الغربية كخان الأحمر، وقد هدمت قرية العراقيب مئات المرات ولازالت تتعرّض إلى النكبة تلو النكبة والنكسة تلو النكسة والهدم والتهجير والتشريد إلى يومنا هذا. ولا تعترف سلطات الاحتلال بملكيّتهم لأراضي تلك القرى والتجمّعات، وترفض تزويدها بالخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وتحاول بكل الطُرق والأساليب دفع العرب الفلسطينيين إلى اليأس والإحباط من أجل الاقتلاع والتهجير.

ويوم 21 مارس 1968، كانت ما سمي بـ “معركة الكرامة” حين حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن، فتصدت لها المقاومة الفلسطينية وقوات الجيش العربي الأردني بقوة على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت.

واستمرت المعركة لأكثر من 16 ساعة ما اضطر قوات الاحتلال إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة، تاركين وراءهم -ولأول مرة- خسائرهم وقتلاهم.

وطلبت إسرائيل -ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي- وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة، إلا أن الأردن أصر -وعلى لسان الملك الحسين (قائد الجيش) – على عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جنديًا إسرائيليًا واحدًا شرقي النهر وذلك رغم كل الضغوطات الدولية.

وقتل من الإسرائيليين 250 جنديًا وجرح 450 في أقل من 18 ساعة، تدمير 88 آلية، وهي عبارة عن 27 دبابة، و18 ناقلة، و24 سيارة مسلحة، و19 سيارة شحن وسقوط طائرة. وارتقى حوالي 100 شهيد، وتمّ تدمير مخيم الكرامة تدميرًا كليًا، بالإضافة إلى ارتقاء 78 شهيدًا وسقوط 108 جريحا وتدمير 13 دبابة و39 آلية.

وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه التي سعى إلى تحقيقها بهذه العملية، وأثبت رجال المقاومة والجيش الأردني قدرتهم على الثبات، والحفاظ على روح قتالية عالية، رغم الظروف الصعبة.

وفي ظلّ هذا الفشل الصهيوني، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية “مبادرة روجرز” في أوت 1970 اقترحت وقف العمليات المسلحة التي ينفذها الفدائيون الفلسطينيون المتمركزون في غور الأردن ضد إسرائيل. فوافقت مصر بقيادة عبد الناصر على هذه المبادرة، ثم الأردن بقيادة الملك حسين لكن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الالتزام بها.

ورفضت الجيوش العربية وقف إطلاق النار إذ كان شهر سبتمبر هو البداية الحقيقية لعودة القتال، عندما قامت معركة بالمدفعية في منطقة القنطرة خسر فيها الإسرائيليون حوالي 80 قتيلً و250 جريحا، وفي 25 أكتوبر، أغرقت البحرية المصرية المدمرة الإسرائيلية (إيلات).

المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967 (المصدر: مركز المعلومات الفلسطيني)

وفي جويلية 1970، أعلن جمال عبد الناصر قبول المبادرة الأمريكية، بعد أن رفضها في البداية، موضحا سبب ذلك في أن القوات المسلحة تحتاج إلى فترة لالتقاط الأنفاس والانتهاء من مواقع الصواريخ على الشاطئ الغربي للقناة؛ بعد أن بلغت خسائر المدنيين الذين اشتركوا في بناء قواعد الصواريخ 4000 شهيد.   وكذلك قال جمال عبد الناصر للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي: إن قبول مصر للمبادرة سوف يحرج إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وأمام أمريكا أيضاً. وذكر أنه لا يعتقد أن لهذه المبادرة أي نصيب من النجاح، وأن فرصتها في ذلك لا تتجاوز 1 أو 2 في المائة.

وتوفي عبد الناصر قبل المدة المحددة لوقف إطلاق النار، وتجدد وقف إطلاق النار لمدة ثلاث سنوات وشهرين، حتى قامت حرب أكتوبر 1973.

فلسطينيا، حققت منظمة التحرير الفلسطينية بعد 1969 مكاسب هامة على الصعيد الدبلوماسي الدولي خاصة   بعد دعوة المجلس الوطني الفلسطيني في 19 فيفري 1974 ومرة ثانية في 12 جوان 1974 إلى إقامة “سلطة وطنية محاربة مستقلة للشعب في كل جزء محرر من الأراضي الفلسطينية، ثمّ اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها “ممثل الشعب الفلسطيني” واعتراف جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في أي من الأراضي الفلسطينية المحررة” وحصول فلسطين، ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، على العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية يوم 9 سبتمبر 1976.

انتفاضة الحجارة

بدأت يوم 8 ديسمبر 1987 حين كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم في الأراضي المحتلة إلى قطاع غزة المحتل، فداهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى إلى استشهاد 4 عمال وجرح 7 آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع).

وفي اليوم التالي اندلعت مظاهرات شعبية من مخيم جباليا حيث يقطن أهالي الضحايا ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداءه في الضفة الغربية المحتلة، عند تشييع الشهداء الأربعة، فعمدت قوات الاحتلال إلى تفريق المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والدخانية، واستشهد وأصيب في ذلك اليوم بعض المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.

لكن هذه الحادثة كانت سببا مباشر لتفجر الأوضاع، ذلك أنّ قوات الاحتلال مارست حصارا سياسيا وعسكريا على منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، فضلا عن عنصرية الاحتلال إزاء الفلسطينيين طيلة 20 عاما، كذلك، أيقن الفلسطينيون أنّ المساعي السياسية في الخارج ليست سبيلا لخلاصهم وأنّه لا بد من المقاومة في الداخل، خاصة مع انحسار الاهتمام العربي بمركزية وقضية فلسطين فبات الحديث عن مركزيتها لا يتجاوز اللفظ.

فلسطينيون يواجهون القمع الإسرائيلي بالحجارة

ومثلما هو الأمر في عملية “سيف القدس 2021” وحدت انتفاضة 87 كلّ فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة والجليل والمثلث والنقب فضلا عن فلسطينيي 48 و67، في مواجهة الاحتلال ورفضه، ملتزمة بموقف سياسي موحد قاعدته وحدة المصير، وأهدافه تحقيق الاستقلال الوطني. فامتنع آلاف العمال الفلسطينيين في المصانع الاسرائيلية من الذهاب إلى أعمالهم مما ترك أثره المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي.

تجدر الإشارة إلى أنّ أشكال النضال في هذه الفترة بدأ بالتطور فعاد العصيان المدني والإضراب الشامل وظهرت مقاطعة البضائع والمنتجات الصهيونية، لجعل احتلال العدو مكلفا من جميع النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى صعيد الرأي العام العالمي تمكنت الانتفاضة من إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس الأولويات العربية والدولية.

وسميت هذه الانتفاضة بـ”انتفاضة الحجارة” بالنظر إلى الأسلحة التي اعتمدتها، فواجه الشعب الفلسطيني الآلة العسكرية الصهيونية بالحجارة على يد فتيان ألقوا بها على دبابات ومدافع العدو، واُستخدم الحجر لإقامة الحواجز وإغلاق الطرق وبناء السواتر والمتاريس والكمائن.

السكين كذلك تمّ استعماله من طرف المقاومة لطعن الجنود الإسرائيليين، وهاجم المتظاهرون الدبابات بالزجاجات الحارقة بعد تجهيزها بمواد أولية متفجرة ومشتعلة أحد التقاليد الموروثة في الحرب الشعبية فلقد استعمل الشعب الفلسطيني الزجاجات الفارغة كأحد أسلحة المقاومة منذ وقت مبكر مما مكنه من تطوير كيفية استخدام هذا السلاح من زجاجة حارقة إلى زجاجة متفجرة، والى زجاجة حارقة ومتفجرة معاً.

ولجأت المقاومة إلى “المصيدة” كسلاح عن طريق حفر حفرة واسعة قليلا وعميقة كثيرا، في مساحة ما، من ثلث الشارع الذي يعتقد بأن الدوريات الإسرائيلية ستمر منه ثم تموه بشكل دقيق بعد تغطيتها بالقش وعيدان القصب وفي الثلثين المتبقين من الشارع تقام الحواجز بحيث يصبح المرور من الثلث الذي تتواجد فيه الحفرة المموهة، إجباريا وفي منطقة قريبة من المصيدة تكمن مجموعة من القوات الضاربة بانتظار مرور السيارة العسكرية الإسرائيلية من المصيدة والوقوع في الحفرة، حيث ينهالون عليها بالزجاجات الحارقة والحجارة والكرات الحديدية فتحترق السيارة ويصاب من بداخلها.

واستخدمت المقاومة المسامير ضد حركة السيارات الإسرائيلية ليلاً وقد أعطي هذا السلاح نتائج أولية لا بأس بها سوء من خلال غرسه في الطرق مباشرة بعد نزع طبعاته، أو من خلال زرعه في حبات البطاطا ونشرها على الطرق أو دق المسامير الكبيرة في قطع خشبية وتوزيعها على مسافات متفاوتة من الطريق أو بواسطة وضعها في قطاع أنابيب الري البلاستكية السوداء، وقد قادت التجربة القوات الضاربة إلى إمكانية توظيف المسامير مع الإطارات المشتعلة وبقع الزيت للقيام بعملية مقاومة واحدة وفق ما اصطلح على تسميته بسلاح العوائق واستخدم هذا السلاح ضد السيارات العسكرية الإسرائيلية.

وإلى جانب هذه الأسلحة المذكورة، استخدم المقاومون العصي والمعاول، والمناجل والفؤوس، وما في حوزة البعض من سيوف قديمة، ومناجل وخناجر، كما استخدمت القضبان والسلاسل الحديدية، واستخدمت قطع بقايا الحديد والكرات الحديدية، بنفس طريقة استخدام الحجر، ومن الأسلحة الهامة في الانتفاضة المقلاع والمطيطة ونصال الرماح.

وتكمن أهمية هذه الانتفاضة في نهوض الشعب الفلسطيني وإيمانه بحتمية المقاومة المسلحة من أجل التحرر من الكيان الصهيوني بعد أن خفوت النضال على الأرض واقتصاره على المفاوضات الدبلوماسية وتحرك القيادات السياسية لحركة “فتح”.

سياسيا، دفعت الانتفاضة القيادة الفلسطينية إلى تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة في المنفى تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إذ أنّ الاحتجاجات طرحت تحقيق هدف رئيسي وهو جلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي من أرض فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته، وفق اختياره الحر للنظام الذي يريده فيها.

ووفق إحصائيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى سقط في انتفاضة الحجارة 1550 شهيدا وتم اعتقال 100000 فلسطيني، وتشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة تجاوز 70 ألف جريح، يعاني نحو 40 % منهم من اعاقات دائمة، 65 % يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.

وكشفت مؤسسة التضامن الدولي أن 40 فلسطينيا سقطوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الاسرائيلية بعد ان استخدم المحققون معهم اساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.

أما إحصائيات مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم)، فأشارت إلى استشهاد 1346 فلسطينيا من بينهم 276 طفلا على أيدي قوات الأمن الاسرائيلية و162 شهيداً على أيدي الوحدات الخاصة.، بينما استشهد 133 فلسطينيا على أيدي المستوطنين.

وتم ترحيل 481 فلسطينياً من الأراضي المحتلة، وخضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى التعذيب خلال استجوابهم، وصدر 18000 أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين. وهدم 447 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) هدماً كاملاً كعقوبة وأُغلق 294 منزلاً فلسطينياً (على الأقل) اغلاقاً تاماً كعقاب.

وأرغم الاحتلال عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتزوجين من غير المقيمين في المناطق المحتلة العيش بعيداً عن بعضهم البعض. وتمّ ترحيل مئات الزوجات والازواج والاطفال المقيمين في المناطق المحتلة بحجة انتهاء فترة زيارتهم ولا يملكون بطاقة إقامة فضلا عن تقييد زيارة الأقارب للمناطق الفلسطينية.

في المقابل، قُتل 256 مدنيا مستوطنا و127 رجل أمن إسرائيليا. وقتل الفلسطينيون 1068 مخبرا متواطئا مع الاحتلال حتى نهاية نوفمبر 1997، وفق إحصائيات مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الإنسان.

هبة النفق دفاعا عن الأقصى

خرج الفلسطينيون منذ 25 سنة يوم 25 سبتمبر 1996، في تظاهرات شعبية كبرى احتجاجا على إقدام سلطات الاحتلال الصهيوني على فتح باب النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك، بعد أن كلف “بنيامين نتنياهو” رئيس بلدية الاحتلال آنذاك “إيهود” أولمرت بافتتاحه، وهو ما أضحى يعرف بـ “هبة النفق”.

واستمرت المواجهات 6 أشهر امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها سقط فيها 63 شهيدا (32 منهم في الضفة الغربية و31 في قطاع غزة) بينما أصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة وقتل 17 جنديا إسرائيليا، وذلك على مدى 3 أيام من المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي أخلت ساحات الأقصى وأغلقت جميع أبوابه.

مدنيون ينقلون الشهيد أحمد النجار بعد إصابته في رأسه على حاجز غوش أثناء هبة النفق (المصدر: وسائل التواصل الاجتماعي)

وفور افتتاح باب النفق انطلقت مآذن مدينة القدس بالدعوة إلى مواجهة هذا الاعتداء، وانتشر أهالي المدينة في الشوارع لكن قوات الاحتلال حالت دون وصولهم إلى موقع النفق، حيث كانت تُوضع اللمسات الأخيرة لتثبيت الباب الحديدي المؤدي إلى مدخل يصل حائط البُراق بباب الغوانمة (أحد أبواب المسجد الأقصى).

وقد تميزت احتجاجات الفلسطينيين رغم غضبهم، بطابعها السلمي جابهته قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص المطاطي والحي بكثافة، كما استُخدمت المروحيات والدبابات بالإضافة لاشتراك المستوطنين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين.

النفق الغربي أسفل سلوان جنوب المسجد المبارك (المصدر: الجزيرة نت)

أمّا القيادة الفلسطينية فاجتمعت بدعوة من الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي بعث برسائل إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون، وملك الأردن الراحل الملك حسين، والرئيس التركي السابق سليمان ديميريل، ووضعهم في صورة العدوان الجديد.

وفي القدس، عقدت الهيئة الإسلامية العليا ونواب القدس وممثلو القوى الوطنية في المدينة اجتماعا طارئا في المسجد الأقصى، أدانوا فيه المؤامرة ودعوا إلى إضراب تجاري وللتجمع في باب العامود وذلك بعد افتتاح النفق بساعات.

وقد شكلت “هبة النفق” مفاجأة للاحتلال الصهيوني إذ أنهم اطمأنوا إلى استقرار الوضع الفلسطيني وصعوبة حدوث انتفاضة جديدة بهذا الحجم والقوة، فشكلت “هبة النفق” حلقة جديدة في سلسلة النضال الفلسطيني الموحد حماية للمسجد الأقصى، وأنه لا بد من مواجهة الاحتلال بعيدا عن مسار التفاوض الديبلوماسي. لكن الهبة لم تجبر الاحتلال على غلق باب مخرج النفق، ثم إن فتح النفق ونتائجه كان إحدى تبعات ونتائج اتفاق أوسلو الكارثية التي نصت على تأخير وتأجيل وترحيل المفاوضات على قضية القدس عامة.

ونجح الاحتلال في احتواء وتطويق رد الفعل الفلسطيني الأمر الذي كانت له نتائج وتبعات كارثية على المسجد الأقصى تتواصل إلى اليوم، وهي أنّ فتح النفق حوله إلى أكبر موقع زيارات لنقل الرواية التوراتية الإسرائيلية، وزاد عدد الزوار إلى أكثر من مليوني زائر سنويا. كما أنّ الحفريات تواصلت وألبسها الاحتلال صفة “الآثار التاريخية” وأنها من مخلفات هيكلهم المزعوم واتسعت رقعة الحفريات تحت السجد الأقصى ومنازل المقدسيين.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحفريات في النفق الغربي بدأت عام 1970 وتوقفت عام 1974 ثم استؤنفت عام 1975، ويمتد النفق من أسفل المدرسة التنكزية بمحاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى من الجنوب إلى الشمال مرورا بخمسة من أبواب الأقصى.

وعام 1987 أعلن الاحتلال عن اكتشاف قناة مياه سبق أن اكتشفها الجنرال الألماني “كونراد تشيك” بطول ثمانين مترا، كما حاول الاحتلال استكمال الحفريات إلى ملتقى باب الغوانمة وتوصيل النفق بقناة المياه وذلك عام 1988، فتصدى المقدسيون له.

انتفاضة الأقصى 2000

اشتعلت الانتفاضة يوم 28 سبتمبر 2000، عندما اقتحم زعيم المعارضة اليميني المتطرف أرئيل شارون بحماية حوالي ألفي جندي وحرس الحدود الإسرائيليين المسجد الأقصى، فتصدى له المصلون وأهالي القدس إلا أن شارون والجنود اقتحموا المسجد، وعندها بدأت المواجهات في المسجد الأقصى بوجود شارون سقط على إثرها عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين.

ولحقت هذه الحادثة سلسلة من المظاهرات امتدت إلى كامل الأراضي الفلسطينية وصولا إلى ما وراء الخط الأخضر، وبعد يومين أي يوم 30 سبتمبر 2000 ارتقى الطفل الشهيد محمد جمال الدرة بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه وأمام كاميرات التلفاز، وأضحى رمزا للانتفاضة الفلسطينية.

الطفل الشهيد محمد الدرة أثناء إطلاق قوات الاحتلال الرصاص باتجاهه ووالده

يوم 1 أكتوبر نفذ الفلسطينيون داخل الخط الأخضر إضرابا شاملا ووقعت مواجهات مع وحدات شرطة الاحتلال أدّت إلى اعتقال 18 فلسطينيا، و61 شهيدا بالرصاص الحي والطلقات المطاطية.

 ويوم 12 أكتوبر 2000 قالت “إسرائيل” إن اثنين من جنودها دخلا بطريق الخطأ إلى مدينة رام الله وقُتلا بأيدي الفلسطينيين بتهمة التجسس لصالح الاحتلال، وردت إسرائيل بشن هجمات صاروخية بالطائرات العمودية على بعض مقار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويوم 17 أكتوبر 2000، اتفق ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية وذلك خلال قمة عقدت في منتجع شرم الشيخ المصري بإشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

ولكن استشهاد 9 فلسطينيين وجرح أكثر من 100 آخرين في قتال نشب يوم 21 أكتوبر جدّد المواجهات التي ازدادت وتيرتها بانفجار سيارة مفخخة في أحد أسواق مدينة القدس يوم 2 نوفمبر 2000 أدى إلى مقتل عدة إسرائيليين في أول هجوم انتحاري داخل المدن الفلسطينية المحتلة.

ويوم 9 نوفمبر أطلقت الطائرات العمودية الإسرائيلية صواريخها باتجاه سيارة في بيت لحم فقتلت ناشطا ميدانيا فلسطينيا هو حسين عبيات، وكان ذلك الاعتداء بمثابة الفاتحة في سلسلة عمليات الاغتيال الإسرائيلية في حق الناشطين الفلسطينيين البارزين.

ويوم 7 ماي قتل طفل فلسطيني عمره أربعة أشهر إثر قصف الدبابات الإسرائيلية أحياء بمخيم للاجئين في رفح، ليفجر شاب فلسطيني نفسه بعد حوالي عشرة أيام انتقاما في مركز تجارى بمدينة ناتانيا الساحلية ويقتل خمسة إسرائيليين.

وجاء الردّ الإسرائيلي في اليوم نفسه إذ دخلت طائرات أل اف 16 المقاتلة معترك الانتفاضة لأول مرة وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة فقتلت عشرة فلسطينيين.

سياسيا، كانت المفاوضات تدور بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية وفي 23 ديسمبر انتهت المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق. ليشهد يوم 11 جانفي 2001 استئناف المفاوضات محادثات السلام في اجتماع متأخر من الليل عند نقطة تفتيش بين إسرائيل وقطاع غزة، كما انتهت محادثات سلام بين الجانبين جرت في منتجع طابا المصري في السابع والعشرين من الشهر نفسه دون أي اتفاق.

تفاقمت الأوضاع في كل أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحت ضغط النداء المنتشر في كل مكان والمطالب بوقف دورة العنف المتفاقمة أخذت مراكز صنع القرار في العالم باقتراح المبادرات الهادفة إلى صنع التهدئة.

ووضعت لجنة دولية برئاسة السيناتور الأمريكي السابق جورج ميتشل تقريرا دعت فيه إلى إنهاء أعمال العنف وبدء فترة تهدئة واتخاذ إجراءات بناء للثقة واستئناف محادثات السلام، وقد قبل كلا الطرفين بنتائج التقرير، ولكن بتفسيرات متباينة لما ورد به. ثم أجرى جورج تينيت رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سى آي إيه” مفاوضات مع مسؤولي الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) للتوصل إلى إطار لوقف إطلاق النار، وعلى إثره انخفضت أعمال العنف غير أن تلك الهدنة لم تتماسك.

أثبتت انتفاضة الأقصى مرة أخرى أنّ المساعي الدبلوماسية الدولية لا تغني عن ضرورة مواجهة الاحتلال في الداخل من طرف الشعب دون أيّ قيادة سياسية، ولأوّل مرّة اتجه الفلسطينيون نحو العودة إلى عسكرة تحركاتهم عبر العمليات الاستشهادية بعد أن تميزت الانتفاضة الأولى سنة 1996 بطابعها السلمي.

تشكل الفصائل الفلسطينية والمواجهة المسلحة

انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة يوم 1 جانفي 1965 بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني بهدف تحرير فلسطين، في تلك الفترة كان لمنظمة “فتح” والفصائل الفلسطينية المنضوية تحتها دورا هاما في الداخل ومعاضدة النضال الشعبي فضلا عن التحركات السياسية في الخارج لحشد الدعم للقضية الفلسطينية. انتهت بانتفاضة أولى تمخضت عنها سلطة فلسطينية اعترف بها الاحتلال والمجتمع الدولي (فصلنا هذا في محور انتفاضة الحجارة” من تقريرنا).

شهدت بداية الستينات تشكل أكثر من 30 فصيلا فلسطينيا ثمّ انضوت كلّها تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في أوت 1964، لتصبح المنظمة “ممثلا للشعب الفلسطيني” عام 1974 حين اعترفت الأنظمة العربية، في مؤتمر القمة بالرباط، بأن المنظمة هي “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.

وإثر “نكسة 67” شجع النظام المصري الفصائل الفلسطينية على مواجهة الاحتلال كجزء من حربه ضد احتلال سيناء فتتالت العمليات الاستشهادية، ثمّ ظهرت على الساحة الفلسطينية ثلاث فصائل كبرى هي “حركة فتح” (ياسر عرفات المتحدث باسمها ولا انتماء أيديولوجي لها) و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” (تنتمي أيديولوجيا إلى الفكر القومي، انتمت لاحقا إلى حركة “فتح”)، و”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” (انشقت عن الجبهة الشعبية وأيديولوجيا هي جبهة يسارية).

بدأت الفصائل الفلسطينية نشاطها بعمليات فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، واستطاعت منظمة التحرير أن تبني قواعد عسكرية في الأردن وفي جنوب لبنان، لتدريب كوادرها ومنطلقا لتنفيذ العمليات، لكن خشية النظام الأردني من أن تورطه المقاومة في مواجهة مع إسرائيل، جعلته يشن ضربات موجعة للمقاومة الفلسطينية، مما أجبرها على الخروج من الأردن بعد مذبحة جرش في جويلية 1971. أما في لبنان، فقد تورطت المقاومة في الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت 1975، وكان خروج المنظمة وفصائل المقاومة بعد الاجتياح الإسرائيلي 1982، وفق اتفاق برعاية الولايات المتحدة.

في المقابل، نشأت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” سنة 1987 تزامنا مع الانتفاضة الأولى وسبقتها “حركة الجهاد الإسلامي” سنة 1975 ذو المرجعية الإسلامية أيضا، لتبدأ في منتصف الثمانينيات تنفيذ عمليات طعن جنود الاحتلال في سياق ما عرف بـ “الصحوة الإسلامية”، وقد لعبت هذه الفصائل دورا محوريا في الانتفاضات التي لحقت الانتفاضة الأولى وصولا إلى الآن فهي أهم الفصائل الناشطة في قطاع غزة الذي يقود الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني.

سنة 2000 عقب انتفاضة الأقصى حاز خيار المقاومة المسلحة على إجماع شعبي داخل فلسطين، خاصة بعد أن اتضح للشعب أن التفاوض مع العدو الصهيوني لا نهاية له، وأن إسرائيل تتخذ من المفاوضات طريقا لتثبيت الاحتلال، في ظل زيادة الاستيطان والعمل على تهويد القدس وتقطيع أوصال الضفة الغربية وحصار الشعب الفلسطيني.

ظهرت بوادر التطور على مستوى العتاد الحربي بالنسبة إلى المقاومة في قطاع غزة المحاصر، سنة 2014 في عملية “البنيان المرصوص” التي استخدمت فيها المقاومة صواريخ متطورة فاجأت الاحتلال وأوقعت به الخسائر البشرية والمادية. إذ شنّت طائرات الاحتلال يوم الاثنين 7 جويلية 2014 غارةً على نفقٍ تابعٍ للمقاومة شرق رفح، استشهد على إثرها ستة مقاومين، ردّت المقاومة بقصف عدد من المستوطنات والمدن المحتلة، لتندلع بعدها حربٌ استمرت 51 يوماً راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح، والكثير من الدمار.

التنظيمات السلفية المسلحة في قطاع غزة

أظهرت المقاومة أداء حربيا غير مسبوق وكثافة نيرانٍ بمعدلاتٍ عالية لم يسبق أن استطاعت الوصول إليها، فضلا عن الحفاظ عليها لمدة 51 يوما، عملية أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “الجرف الصامد” وردت كتائب عز الدين القسام بمعركة “العصف المأكول” وحركة الجهاد الإسلامي بعملية “البنيان المرصوص”. حيث أطلقت المقاومة 8000 صاروخٍ وقذيفة وصل بعضها إلى أقصى نقطة ممكنة في العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني، ونفذت عمليات نوعية خلف خطوط العدو، ونجحت في صد التوغل البريّ لجيش الاحتلال وأوقعت فيه عديد الخسائر، كما نجحت في أسر بعض جنوده.

وقد دخلت صواريخ جديدة على منظومة الصواريخ متوسطة المدى واتسعت رقعة المناطق الواقعة تحت تهديد الصواريخ مما حقق ضغطا على حكومة الاحتلال، خصوصا بعد جلاء أعدادٍ كبيرةٍ من مستوطني الجنوب إلى مدن وبلدات الوسط وتعطيل الحياة فيها، عدا عن تعطيل المقاومة لحركة الملاحة الجوية في مطار “بن غوريون”.

شملت ترسانة المقاومة من الصواريخ المستخدمة خلال عملية “البنيان المرصوص”/”العصف المأكول” ما يلي:

  1. صاروخ 107: صاروخ روسيّ الصنع يصل مداه إلى (12) كلم، دخل الخدمة في قطاع غزة لأول مرة عام 2008 واستخدم في حربيّ 2012 و2014 لقصف مستوطنات غلاف غزة حتى مستوطنة (سيدروت). قامت المقاومة بتصنيع نماذج مشابهة للصاروخ مع إضافة تحسينات على قدرته التفجيرية.
  2. صاروخ جراد: صاروخ روسيّ الصنع يصل مداه إلى (40) كلم، دخل الخدمة في قطاع غزة لأول مرة خلال العام 2008 واستخدم في قصف مدينتي بئر السبع والمجدل.
  3. صاروخ سجيل S-55: تصنعه المقاومة محليّاً، ويصل مداه لـ (55) كلم وقصفت به مدينة اللد ومستوطنة (روحوفوت).
  4. صاروخ مقادمة M-75: تصنعه المقاومة محليّاً، ويصل مداه لـ (70- 75) كلم واستخدم لأول مرة في حرب 2012 في قصف تل أبيب. تم تصنيع M-75 كمحاكاة لصاروخ “فجر5” الإيراني.
  5. صاروخ براق 70: تصنعه المقاومة محليّاً، واستخدم لأول مرة في حرب 2012 لقصف تل أبيب.
  6. صاروخ فجر 5: صاروخ إيراني الصنع استخدم لأول مرة خلال حرب 2012 لقصف تل أبيب وتسبب في خسائر مادية جسمية، وقللت المقاومة من استخدامه في حرب 2014 لسهولة تعقبه من قبل القبة الحديدية واستعاضت عنه بصواريخ “M-75” المحليّة الصنع.
  7. صاروخ جعبريJ-80 تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ(80) كلم وتحتوي بعض نسخه على تقنية تشويش على رادار القبة الحديدية، واستخدمت هذه الصواريخ لقصف تل أبيب لأول مرة في 12 تموز 2014 وقد أطلقت كتائب القسام عشرة صواريخ منها بعد الإعلان مسبقاً عن نيتها استخدامها عبر بيانٍ عسكريٍّ بثته، متحديةً في ذلك مهندسي القبة الحديدية.
  8. صاروخ رنتيسيR-160 تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ (160) كلم واستخدم لأول مرة في حرب 2014 لقصف حيفا والخضيرة، وهي أعمق نقطة وصلتها صواريخ المقاومة انطلاقاً من غزة حتى الآن. يعد صاروخ “R-160” محاكاة لصاروخ “فجر7” الإيراني.
  9. صاروخ براق 100: تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ (100) كلم.

وإنّ التوجه الجديد للمقاومة أعلنتاه عمليتان نوعيتان، كانت الأولى أن ركب الشهيد “محمود الجماصي” البحر، فخخ قاربا وفجّره في أحد الزوارق الحربية الصهيونية قبالة سواحل شمال قطاع غزة، أما الثانية يوم 7 نوفمبر 2000 حيث ركب الشهيد “حمدي انصيو” قاربا محملا بـ(120) كيلوغرام من مادة المتفجرات “TNT”، هاجم به زورق حربيا إسرائيليا فدمره وقتل من فيه من الجنود وارتقى شهيدا.

واستخدم الشهيدان “اسحاق نصار” و”زكريا أبو زور” قذائف الـ “R.P.G”  والأسلحة الرشاشة الخفيفة والقنابل اليدوية، في تنفيذ عملية اختطاف مستوطن من داخل مستوطنة “تل قطيف” إلا أنهما رُصِدا عند اقترابهما من الموقع العسكري الموجود شمال المستوطنة، وخاضا اشتباكا مع جنود جيش الاحتلال المتحصنين في الموقع.

والمميز لهذه الفترة أنّ المقاومة الفلسطينية اعتمدت العمليات البحرية عن طريق مقاومين يملكون من الكفاءة القتالية ما يمكِّنهم من تنفيذ عمليات بحرية نوعية باستخدام معدات غطس متطورة. واتضحت هذه القدرة أيام عملية “العصف المأكول” عندما وجهت المقاومة الفلسطينية ضربةً موجعة لجيش الاحتلال واستخباراته، حيث نجح 4 مقاومين من جنود وحدة الضفادع البشرية في التسلل واجتياز ما مسافته (1400) متر غطساً من شاطئ غزة إلى قاعدة (زكيم) البحرية على شاطئ عسقلان المحتلة واشتبكوا مع قوات الاحتلال. وكشفت المقاومة أن قوات “الكوماندوز البحري” التابعة لها نفذت عملية استطلاع مسبقة لموقع القيادة والسيطرة على ساحل عسقلان، حيث مكث أحد مقاوميها عدة ساعات على أرض الموقع، لتنفيذ مهمة الاستطلاع، ثم عاد إلى قواعده بسلام.

تفاصيل اقتحام موقع “زكيم” الصهيوني (المصدر: الجزيرة)

أطلقت المقاومة قذائف الهاون على مستوطنة “نيتساريم” اخترقت القذيفة السقف الخشبي لوحدة استيطانية وتوقفت عند السقف الإسمنتي، ولم تنجح بإصابة أي من المستوطنين بأذى وهي المرة الأولى التي تنجح فيها قذيفة مدفعية في بلوغ مستوطنة صهيونية.

وكانت قذيفة الهاون الفلسطينية الأولى في غزة ثمرة مجهودات طويلة قام بها أحد أهم مهندسي المقاومة في غزة خلال الانتفاضة الأولى وهو الشهيد عدنان الغول، بالتعاون مع كل من باسم عيسى وسعد العربيد. كان الغول – الذي اغتيل في غزة في العام 2004- مسؤولاً كذلك عن تطوير العديد من القدرات العسكرية للمقاومة في أجيالها الأولى، ويُنسب له الفضل في تطوير أول قنبلة يدوية محلية الصنع -كانت تُعرف باسم “رمانة حماس”، وأول قاذف محليّ مضادّ للدروع باسم “قاذف البنا”، إضافة إلى “قاذف الياسين”، وذلك ضمن اتجاهٍ جديدٍ تبنته المقاومة في غزة بعد بداية الانتفاضة الثانية بالاعتماد على الخبرات المحلية بسبب شح الأسلحة والصعوبات التي ترافقت مع عمليات التهريب.

استمرت المقاومة فيما بعد بقصف مستوطنات غزة بقذائف الهاون وتكررت عمليات القصف بوتيرةٍ متسارعةٍ، وشمل مداها غالبية مستوطنات غزة، وظلت خياراً رئيساً لدى فصائل المقاومة حتى بعد تطوير الصواريخ محلية الصنع والتي استخدمت بكثافة فيما بعد لتغطية مساحة قصف أكبر خارج حدود قطاع غزة ومستوطناته.

وإنّ للأنفاق دورا فعالا في عمليات المقاومة البرية، فاُستخدمت في التسلل والإنزال خلف خطوط العدو، وكانت العملية الأولى التي نفذتها المقاومة باستخدام هذا التكتيك هي عملية “الوهم المتبدد”، التي نُفذت صبيحة يوم الأحد الموافق 25 جوان 2006 التي اختطفت فيها الجندي (جلعاد شاليط).

وكانت هذه العملية مفتاحا لصفقة تبادل أسرى بين المقاومة وقوة الاحتلال نتج عنها تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني في عام 2011.

الأسرى الإسرائيليون الأربعة لدى حركة “حماس” (شاؤول آرون، هدار غولدن، أفيرا منغستو، هشام السيد: الصحافة الإسرائيلية)

وتملك المقاومة وحدات القناصة المنتشرة على طول امتداد القطاع والعاملة في إطار عمل الوحدات الدفاعية، نفذت في حرب 2014 ما يقارب 30 عملية قنص، كان من أبرزها عملية قنص “ديمتري لافيتاس” قائد سرية في سلاح المدرعات التابع لجيش الاحتلال، بواسطة بندقية القنص “غول” أعلنت عنها المقاومة خلال الحرب لأول مرة، كنموذج مطور لبندقية “ستاير” السويدية والتي تتميز باستخدامها لطلقات من عيار 14.5 ملم ومدى قاتل يصل إلى 2000 متر.

وأدخلت المقاومة في غزة إلى الخدمة صاروخها محلي الصنع الأول “قسام” والذي أنجزت تصميمه وبناءه على يد مهندسيّها الشهيدين (نضال فرحات) و(تيتو مسعود)، وقامت بإطلاقه باتجاه الأراضي المحتلة لأول مرة في 26 أكتوبر 2001.

منذ ذلك اليوم، لم تتوقف المقاومة عن عملية تطوير وتحسين منظومة صواريخها سواء على صعيد قدرتها التفجيرية أو على صعيد مدى وصولها بالإضافة لدقة إصابتها، وارتفع بشكل تدريجي كل من عددها وكثافة إطلاقها.

وأعلنت في الذكرى الأولى لحرب 2014 عن إدخال صواريخ “أبو شمالة SH” و”عطار A” للخدمة دون الكشف عن تفاصيل عن مدى إطلاقها وقدرتها التفجيرية، إضافةً إلى إعلانها مسبقاً عن صاروخ “J-80” الذي يعد نسخةً مطوّرةً عن صاروخ “J-80″، الذي سبق استخدامه خلال عملية “العصف المأكول”.

ولم تطور المقاومة الفلسطينية على مستوى عتادها بل تنظيميا كذلك، جسدته في “غرفة العمليات المشتركة” بين مختلف الفصائل التالية اشبه بنواة لجيش فلسطيني ومكوناتها الكتائب التالي ذكرها:

النفق الغربي أسفل سلوان الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة

وفي عملية “سيف القدس التي استمرت 11 يوما  (ماي 2021)، قال أبو خالد، الناطق العسكري باسم “كتائب المقاومة الوطنية”، الجناح العسكري لـ”الجبهة الديمقراطية  لتحرير فلسطين” في تصريح لقناة “روسيا اليوم”، “نؤكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، بيني غانتس، وباقي أفراد العصابة في المستويين السياسي والعسكري لدولة الاحتلال، أن المقاومة أحدثت نقلة كبرى في بنيانها وطاقاتها وإمكانياتها وعدتها وعديدها، وبإمكانها أن تخوض القتال لأسابيع ولأشهر”.

عناصر من “كتائب المقاومة الوطنية” الفلسطينية (المصدر: رويترز)

فعلا، أثبتت المقاومة أنّها قادرة على الوصول إلى أقصى نقطة في العمق المحتل (أوردنا هذا تفصيلا في محورنا الثاني “شهداء العدوان وخسائر الكيان”)، وقدرة المقاومة على المبادرة والمفاجأة فكانت ضربتها الصاروخية مكثفة وغير مسبوقة. وهو ما خلق توازن ردع جديد أجبر الاحتلال على إعادة حساباته قبل شنّ عدوان على قطاع غزة فالشعب الفلسطيني تجاوز القتال بالحجر إلى الصاروخ الدقيق.

تمتلك فصائل المقاومة في قطاع غزة أسلحة تكفي لمهاجمة المستوطنات، لكن أهم سلاح في ترسانة الفلسطينيين إلى حد بعيد هو امتلاكهم لمجموعة متنوعة جدا من صواريخ أرض – أرض. وإنّ الجزء الأكبر من ترسانتي المقاومة مصنعة محلياً، حيث توجد قدرات تصنيع نشيطة ومتطورة داخل قطاع غزة نفسه.

ولدى حماس مخزون كبير من الصواريخ قصيرة المدى مثل القسام (يبلغ مداه 10 كيلومترات) والقدس 101 (يبلغ مداه حوالي 16 كيلومترا)، كما أن لديها نظام صاروخ غراد (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا)، وصاروخ سجيل 55 (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا). ومن المحتمل أن تكون هذه الأنواع تمثل الجزء الأكبر من مخزون حركة حماس، وفيما يتعلق بالمدى الأقصر يمكنها استخدام قذائف الهاون.

لكن بحوزة الحركة أيضا مجموعة متنوعة من الأنظمة الصاروخية طويلة المدى مثل إم – 75 (يصل مداه حتى 75 كيلومترا)، والفجر (يصل مداه حتى 100 كيلومتر)، و160 – آر (ويصل مداه حتى 120 كيلومترا)، وبعض صواريخ إم -302 إس التي يبلغ مداها 200 كيلومتر، لذلك من الواضح أن لدى حماس أسلحة يمكنها استهداف القدس وتل أبيب على حد سواء، وتهديد الشريط الساحلي الذي يضم أكبر كثافة سكانية من المستوطنين والبنية التحتية الحيوية بأكمله.

صواريخ المقاومة في سماء “تل أبيب” (المصدر: رويترز)

فبعد 13 عاما على بدء المقاومة في قطاع غزة واستخدام الصواريخ ضد إسرائيل، تحوّل هذا السلاح إلى تهديد إستراتيجي لمنظومة الردع الإسرائيلية. وقد تضاعف مدى هذه الصواريخ من 75 كلم كحد أقصى إلى 150 كلم، ففي مواجهة العام 2012 فاجأت المقاومة إسرائيل بالصاروخ أم-75 الذي استهدف مدينة القدس.

والآن بعد بدء إسرائيل حربها الجديدة، كشفت المقاومة عن تطور آخر في منظومتها الصاروخية تمثل في استهداف مدينة حيفا التي تبعد 140 كلم عن غزة، أي أنها زادت المدى مرتين. واستخدمت المقاومة الصاروخ الجديد آر-160 ومداه أكثر من 150 كلم، وبرأس حربي يزن 175 كلغ.

صاروخ آخر هو جي-80 قالت المقاومة إنها تخبئ مفاجآت لإسرائيل من خلاله، لكنها لم تكشف عن مداه، غير أنها استخدمته لاستهداف تل أبيب والخضيرة الواقعة على بعد 100 كلم عن قطاع غزة.

وهناك أيضا صواريخ أطلقتها سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، منها براق-70 الذي يقدر الخبراء مداه بأكثر من 70 كلم، وبقوة تفجيرية تصل إلى 90 كلغ استهدفت به السرايا مطار بن غوريون وتل أبيب والقدس وقاعدة “هلافيم” قرب الخليل.

حاليا، إضافة إلى الصواريخ التي سبق ذكرها في هذا التقرير، تتكون ترسانة صواريخ المقاومة الفلسطينية من:

  1. صاروخ R160: محلي الصنع، ويبلغ متوسط مداه 160 كلم ويصل إلى حيفا، أما حرف R فيرمز إلى الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.
  2. صاروخ A120: متوسط مدى هذا الصاروخ محلي الصنع هو 120 كلم، ويصل إلى تل أبيب، ويرمز حرف A إلى القائد الشهيد رائد العطار.
  3. صاروخ M302: يبلغ متوسط مداه أكثر من 100 كلم. ويصل هذا الصاروخ، سوري الصنع، إلى تل أبيب وحيفا. ويُعد M302 استنساخًا للصاروخ الصيني WS-2.
  4. صاروخ براق 120: يصل هذا الصاروخ محلي الصنع إلى مدينة الخضيرة المحتلة، ومداه المتوسط يبلغ 120 كلم.
  5. صاروخ J80: يرمز الحرف J في هذا الصاروخ إلى الشهيد أحمد الجعبري. وهو محلي الصنع وذو  مدى متوسط يبلغ 80 كلم، ويصل إلى تل أبيب.
  6. صاروخ M75: يبلغ متوسط مداه 75 كلم، ويصل إلى تل أبيب وضواحي القدس. وبينما يُعد محلي الصنع من مجموعة القسّام المطوّرة، فإن حرف M يرمز إلى الشهيد إبراهيم المقادمة.
  7. صاروخ فجر 5: محلي الصنع وتم تطويره في سوريا. يبلغ متوسط مداه 65 إلى 75 كلم، ويصل إلى تل أبيب وضواحي القدس.ويُعد استنساخًا للصاروخ الصيني WS-1.
  8. صاروخ القسّام: ذو مدى قصير يتراوح بين 12 و15 كلم، يصل هذا الصاروخ، محلي الصنع الذي تم تطويره على عدة مراحل، إلى المستعمرات المتاخمة لغزة. ويحمل اسم الشهيد عزالدين القسّام.
  9. صاروخ 107: استهدف هذا الصاروخ روسي الصنع بدوره المستعمرات المتاخمة لغزة، وهو مضاد للدروع والمنشآت وقصير المدى: 12 كلم.
  10. صاروخ الناصر 4: محلّي الصنع وتم تطويره على مراحل، يستهدف هذا الصاروخ المنشآت. وهو قصير المدى: أقل من 15 كلم، ويصل إلى المستعمرات المتاخمة لغزة.
ترسانة الصواريخ التي تمتلكها حماس

وتملك المقاومة كذلك، صاروخ موجه مضاد للدروع يُسمى “الكورنيت”، استخدمته في العدوان الأخير على قطاع غزة، وقد أوقع إصابات إسرائيلية مباشرة لأنه مزود بكمية كبيرة من المتفجرات، كما أنه يتمتع بدقة عالية لإصابة هدفه.

والكورنيت هو صاروخ مضاد للدروع، روسي الصنع، مُوّجه ومُصوّب بأشعة ليزر، وبشكل نصف أوتوماتيكي، بحيث يُصوّب الرامي الصاروخ نحو الهدف، ويوجه علامة تصويب الصاروخ حتى الإصابة، ويمكن إطلاقه من خلال منصة تُثبت على الأرض أو الكتف مباشرة.

وقد أسهم استخدام المقاومة الفلسطينية للكورنيت في الضغط على قوات الاحتلال التي تُسيّر دورياتها العسكرية على حدود غزة، لأنه يحقق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف قواتها ومستوطنيها.

مقاتل في كتائب القسام يحمل صاروخ “كورنيت” المضاد للدروع

يوم 10 ماي 2021، أعلنت سرايا القدس استهداف جيب إسرائيلي بصاروخ “كورنيت” شرق غزة، وأكدت إصابة الجيب بشكل مباشر. وفي 12 ماي 2021، أعلنت كتائب عز الدين القسام استهداف مركبة عسكرية إسرائيلية من نوع “ديفندر” بصاروخ “كورنيت” قرب مستوطنة “نتيف هعسراه” شمال غزة. واستهدفت يوم 20 ماي حافلة لنقل جنود الاحتلال الإسرائيلي قرب قاعدة “زيكيم” شمال قطاع غزة بصاروخ موجه، ثم دكت محيط الحافلة المستهدفة بقذائف الهاون.

ويتم توجيه الصاروخ عبر موجّه بصري من خلال الرامي الذي يتابع توجيهه حتى يصل إلى هدفه، ويمتلك قدرة على المناورة من خلال الالتفاف في حلقات دائرية أثناء تحليقه باتجاه الهدف حتى المرحلة الأخيرة، التي يطبق فيها على الهدف ويتوجه إليه بشكل مباشر.

لكن استخدام المقاومة لمضادات الدروع يعود إلى سنة 2001 حين تمكنت كتائب القسام من قصف مركبة إسرائيلية بقذائف “آر بي جي” (RPG) في 2001.

وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، حصلت المقاومة على عينات ونماذج عديدة من صواريخ “الكورنيت”، واستخدمتها بكثافة خلال الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع في أعوام 2008 و2012 و2014، وأسفرت عن سقوط العديد من جنود الاحتلال، مما شكل رادعا لهم عن التقدم باتجاه اجتياح غزة.

وسعت المقاومة للحصول على “الكورنيت” من الخارج لعدم قدرتها على تصنيعه محليا، وشكّلت حقبة الربيع العربي بيئة خصبة لشراء هذه الصواريخ وإدخالها إلى غزّة، خاصة من إيران وليبيا وسيناء، فضلا عن مضادات روسية الصنع وأخرى كورية وصينية وصلت غزة عبر الأنفاق.

وتمثل صواريخ “الكورنيت” أهمية لأنّه يوقع أكبر عدد من الإصابات والخسائر الإسرائيلية، كما أن القبة الحديدية الإسرائيلية لا تستطيع التصدي لها، ويدخل استخدام هذه الصواريخ تشويشا على حركة الدوريات العسكرية على حدود غلاف غزة.

مسيّرة شهاب التي أنتجتها المقاومة (الجزيرة نت)

يشار إلى أنّ حركة “حماس” بدأت عملية التصنيع مع مؤسس جناحها العسكري كتائب القسام صلاح شحادة الذي استشهد عام 2002 وكان المهندس يحيى عياش الذي استشهد عام 1996 أبرز المتميزين في صناعة العبوات والأحزمة الناسفة التي تم اعتمادها لتنفيذ العمليات الاستشهادية كما كان للقيادي في القسام عدنان الغول الذي اغتالته إسرائيل عام 2004 الفضل الكبير في تطوير التصنيع المحلي إلى أن نجح مروان عيسى رئيس أركان “حماس” منذ عام 2012 في إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى عمليات التصنيع.

مشاهد من العرض العسكري لكتائب القسام وسط قطاع غزة إثر عملية “سيف القدس” (المصدر: الموقع الرسمي لكتائب القسام)

ونجحت سرايا القدس في تطوير الصواريخ، فكان لديها “سجيل”، و”براق 75″، و”فجر”  كما طورت صاروخ “الكاتيوشا” الإيراني الصنع تحت اسم “صواريخ قدس” أصدرت السرايا أول جيل من هذه الصواريخ، قدس1، عام 2002، ثم تبعه الجيل الثاني والثالث  “قدس2″ و”قدس3″ التي تعتبر صواريخ بعيدة المدى، يصل مداها إلى 18 كيلومتراً وتحمل كميات كبيرة من مادة  TNA المتفجرة كما أنتجت صاروخ “قدس متوسط المدى” برأس متفجر أكثر تأثيرا بعد استنساخها لتقنية صناعة  صواريخ “غراد”.

ونجحت ألوية الناصر صلاح الدين الجناح في تصنيع وتطوير صاروخ بعيد المدى تحت اسم “صواريخ ناصر” وأنتجت منها ثلاثة أجيال (ناصر1، ناصر2، ناصر3). يحمل آخر الأجيال رأسا متفجراً يزن 13 كيلوغراماً تقريباً، ويتعدى مداه 15 كيلومترا كما طورت الألوية صواريخ “ناصر” لتنتج الجيل الرابع منها (ناصر4) ومعه بات صاعق الصاروخ داخل جسد الصاروخ وليس في رأسه، لضمان حتمية انفجاره عندما يلامس أي شيء.

أما كتائب شهداء الأقصى فصنعت صواريخ أطلقت عليها اسم “الأقصى” أنتجت منها حركة فتح جيلين (أقصى1، أقصى2)، الجيل الأول يصل مداه إلى 5 كيلومترات ويطلق من منصات ثابتة وبطاريات خاصة، أما الجيل الثاني فهو يشبه إلى حد كبير صواريخ أرض- أرض ويمكن استخدامه ضد المواقع الأرضية.

الطائرة أبابيل المسيرة التي أنتجتها كتائب القسام (الجزيرة)

إنّ في فلسطين شعب لا يهدأ فقد مرّ منذ الانتداب البريطاني مرورا بـ 73 عاما من النكبة الصهيونية بعدد من الانتفاضات التاريخية، قدّم خلالها الآلاف من الشهداء، وبعيدا عن الحسابات السياسية والتحركات الدبلوماسية الدولية التي تقودها السلطة الفلسطينية منذ قيامها سنة 1967 على أهميتها البالغة في مساعدة الشعب الفلسطيني على إبلاغ صوته وتعرية الجرائم الصهيونية. إلاّ أنّ الوعي بضرورة مقارعة العدو بمواجهته على الميدان لاحظنا أنّه نمى في العقل الفلسطيني منذ ثورته الكبرى سنة 1929.

زعماء فلسطينيون اغتالهم الاحتلال

وقد اتفقت الانتفاضات على التوحد من أجل فلسطين من البحر إلى النهر كسرا للحواجز التي فرضها الاحتلال الصهيوني على فلسطيني الداخل المحتل وفلسطيني حدود 67 فضلا عن فلسطيني قطاع غزة ومختلف مدن وأرياف فلسطين التاريخية، لكن الاختلاف يكمن في نوعية الأسلحة المستخدمة في مواجهة الآلة الحربية الصهيونية، فانتقلت المقاومة من “البارودة” زمن الانتداب البريطاني ومعارك النكبة مرورا بالحجارة والمسامير والسكين (عمليات الطعن) والعمليات الاستشهادية وصولا إلى المعارك التي خاضها قطاع غزة في عملية “البنيان المرصوص” عبر صواريخ متطورة وغواصات قادرة على بلوغ عمق الأراضي المحتلة والطائرات المسيرة عن بعد إضافة إلى عمليات أسر الجنود الإسرائيليين التي آتت أكلها فتمكنت المقاومة بمختلف فصائلها من تحرير الآلاف من الأسرى لدى الاحتلال على غرار يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الذي أصبح إحدى الأهداف الأولى في قائمة الاغتيالات الصهيونية ضد القادة الفلسطينيين.

المصادر:

  • موقع قناة “الجزيرة نت”
  • وكالة رويترز
  • وكالة الأناضول
  • وكالة الأنباء الفرنسية “أ ف ب”
  • وكالة “وفا” الفلسطينية
  • مركز المعلومات الوطني الفلسطيني- وفا
  • موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، 2008
  • الموقع الرسمي لحركة “حماس”
  • الموقع الرسمي لكتائب “عز الدين القسام”
  • الموقع الرسمي لكتائب “سرايا القدس”

منى الكوكي

صحفية حاصلة على الأستاذية من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة، سنة 2009 اختصاص صحافة مكتوبة. عملت مدير تحرير وكالة الأنباء التونسية الخاصة "بناء نيوز" وصحفية بجريدة "الضمير" (توقفت عن الصدور) في تونس.
زر الذهاب إلى الأعلى