ملفات

نظام “أكبر البقايا”.. هوس بضرورة التعديل

“الاقتراع” جوهر العملية الانتخابية في كلّ الديمقراطيات، لذلك فإنّ تونس بعد إزاحتها صرح الدكتاتورية كان القانون الانتخابي من أولويات هيئة بن عاشور (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي)، تلك الهيئة “الثورية” شبه التشريعية الناشئة بتاريخ 15 مارس 2011 تحت رئاسة المحامي عياض بن عاشور، وأشرفت على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس لتنتهي مهامها يوم 11 أكتوبر أياما قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011.

وكانت أهم منجزات تلك الهيئة تكوين وانتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتحديد تنظيمها، وقد وضعت النواة الأولى للقانون الانتخابي الحالي، حيث مكن القانون الانتخابي لهيئة بن عاشور من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، وكان جوهره المساواة بين الجنسين في كل قائمة مترشحة، وتوفير أقصى قدر من الفرص للأحزاب الصغيرة (نظام التمثيل النسبي الذي اعتمد منهج أكبر البقايا)، فضلا عن أنّ كل شخص تحمل مسؤولية في صلب هياكل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل الثورة، لا يحق له الترشح لهذه الانتخابات (أي انتخابات 2011)، ونفس الشيء بالنسبة إلى كل شخص ناشد الرئيس زين العابدين بن علي الترشح لولاية سادسة في 2014، ولأول مرة في تاريخ تونس، يمكن للتونسيين في الخارج التصويت والترشح للانتخابات، وتشرف على تنظيمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

نظام التحالفات الهجينة

لعلّ المعضلة اليوم تكمن في “نظام أكبر البقايا” والعتبة الانتخابية التي لا يتم اعتمادها في الانتخابات التشريعية وتم اعتمادها لأول مرة بنسبة 3 % في الانتخابات البلدية السابقة، وذلك لمنع استفراد الحزب الواحد بهياكل الحكم وإنقاذ “الأحزاب الصغيرة” من الاندثار، في المقابل تتالت الدعوات إلى ضرورة تعديل القانون الانتخابي عدد 16 لسنة 2014 المعدل في 30 أوت 2019، معتبرة أنّه قانون مرحلة التأسيس ولا فائدة من استمراره حاليا، حيث لم يولّد إلاّ مشهدا سياسيا مشتتا خلق العديد من المعضلات الفرعية سواء في البرلمان حيث ساد التعطيل المتبادل لمشاريع القوانين أو في الحكومة وصراع تشكيلات الحكومات واستحالة تحمّل الحزب الواحد لأعباء الحكم ومسؤولية فشله أو نجاحه.

وبالتالي ولادة التحالفات “الهجينة” على سبيل تحالف حركة نداء تونس وحركة النهضة عقب انتخابات سنة 2014 فالتقى الخطان المتوازيان لاستحالة تشكيل الحزب الفائز (نداء تونس) الحكومة دون مصادقة الحزب الثاني (حركة النهضة)، وكذلك حكومة إلياس الفخفاخ التي بدت مشكّلة مما يسمى “الأحزاب الثورية” وانفجرت في أولى اختبارات “التضامن” الحكومي، ولولا جائحة “كورونا” لا كانت أقصر حكومات ما بعد الثورة عمرا.

وتلتها حكومة هشام المشيشي “المستقلة” في 24 أوت 2020 ثمّ المعدلة في 16 جانفي 2021 بعد تحالف حركة النهضة و”عدوها” في الفترة الانتخابية حزب قلب تونس، فالنظام الانتخابي الحالي الذي يعتمد نظام الاقتراع النسبي مع أكبر بقايا الانتخابات لا يسمح لأي حزب بالفوز بـالأغلبية المطلقة للأصوات بالبرلمان (109 مقاعد)، وهو ما يحتم على الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد البحث عن تحالفات سياسية أخرى.

المقالات المتصلة

فالبرلمان الذي أفرزته انتخابات سنة 2019، أدى إلى أنّ ثلاثة أرباعه نواب أكبر البقايا أي بعدد أصوات أقل من الحاصل الانتخابي، وهنا يمكن أن نستنتج واقع صعود نواب بعدد أصوات لا يعكس الإرادة الحقيقية للناخبين.

فالعملية الحسابية (أكبر البقايا) التي يعتمدها النظام الانتخابي النسبي في تونس أدّت إلى أنّه من أصل 217 نائب لم يصعد من بينهم إلاّ 54 نائبا فقط بالحاصل الانتخابي، أي أنهم جمعوا فعلا الأصوات التي تأهلهم للحصول على مقعد في مجلس نواب الشعب، بينما 163 نائبا هم إفرازات “أكبر بقايا” الصندوق أي أنّ صاحب ذاك المقعد حصل عليه “بضربة حظ” نتيجة حصوله على أكبر البقايا في دائرته الانتخابية.

طريقة الاقتراع في نظام التمثيل النسبي – مع الأخذ بأكبر البقايا

والنتيجة أنّ حركة النهضة تحصلت على 23 مقعدا وقلب تونس تحصل على 20 مقعدا والتيار الديمقراطي 20 مقعدا وائتلاف الكرامة 20 مقعدا وحركة الشعب 15 مقعدا والحزب الدستوري الحر 14 مقعدا وبقية المقاعد تحصّل عليها المستقلون (تجدر الإشارة إلى أنّ كتلة قلب تونس شهدت استقالات وبعض المستقلين انضموا إلى كتل حزبية وآخرون تنضموا في كتلة الإصلاح، وهذا المقال ليس مجالا للتفصيل في ما سمى “السياحة الحزبية).

إذا فإنّ نظام “أكبر البقايا” وعدم اعتماد العتبة الانتخابية هما السبب المباشر لصعود نواب “بقايا الصندوق”، في حين يرى مؤيدو نظام أكبر البقايا، أنّ من ينادي بالترفيع في العتبة الانتخابية، يريد عبر موارده الحزبية الكبرى الاستفراد بالحكم والتغوّل للعودة إلى نظام الحزب الواحد ودكتاتورية ما قبل الثورة. والعتبة هي الحد الأدنى من الأصوات الذي يشترط القانون الحصول عليها من قبل الحزب أو القائمة الانتخابية، ليكون له حق الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات التشريعية.

هوس التنقيح

عدّل المجلس الوطني التأسيسي بعض نقاط قانون “هيئة بن عاشور” فولد القانون عدد 16 لسنة 2014، وهو بدوره تمّ تعديله قبيل انتخابات سنة 2019 (القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2018) بعد أن تم إيداعه من طرف رئاسة الحكومة في 26 سبتمبر 2018 وصادق على تنقيحه مجلس نواب الشعب في 19 جوان 2019 لكن توفي رئي الجمهورية الباجي قائد السبسي ولم يختمه، وسبق هذا التنقيح القانون الأساسي عدد 2016/01 المنقح والمتمم للقانون الانتخابي.

وتعلقت التنقيحات السابق ذكرها بشروط الترشح والترفيع في السن القصوى لذلك فضلا عن السماح للتجمعيين بالترشح للانتخابات، إلاّ أنّه لم يتم تعديل الإشكال الحقيقي في القانون وهو التصويت النسبي ذلك أنّ الفصل 107 منه ينصّ على أنه “يجرى التصويت على القائمات في دورة واحدة، ويتمّ توزيع المقاعد في مستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا.

ذلك أنّ الحزب الفائز بالأغلبية الساحقة (حركة النهضة) لم يحض في انتخابات 23 أكتوبر 2011، إلاّ بـ 109 مقاعد من أصل 217، مما اضطر الحزب “الأغلبي” إلى تحالف هجين أوّل يقود البلاد وهو ثلاثي إسلامي_يساري_وسط يسار مثله كلّ من حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.

وعقب انتخابات سنة 2019 شهدنا تحالفا “إسلاميا تجمعيا” بين حركة النهضة وحزب نداء تونس.

وإنّ التشتت الناتج عن “نظام أكبر البقايا” وما يخلفه من صراع علنيّ بين أجنحة السلطة برأسيها في التنفيذية ممثلة في كلّ من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس نواب الشعب، يرجعه بعض السياسيين ربما “عمدا” إلى خلل في الدستور، لكننا نرى أنّ المسألة صميمها يكمن في القانون الانتخابي، فهو لا ينتج أغلبية مطلقة متجانسة ولا معارضة صلبة تقف في وجه السياسات المتعاقبة، ولم تر تونس منذ سنة 2011 إلاّ حكومات اضطرارية.

فالقانون الانتخابي لم يحدد فعليا وزن الفاعلين السياسيين ونتائج صندوقه كانت منبع كلّ أزمات حكومات “تونس الثورة”، وهينات الدستور لا تحمله مسؤولية ما يحصل من اضطرابات الحكم طيلة 10 سنوات، فالمسألة إذا ليست قانونية بل سياسية صرفه.

ولا داعم لنظام الاقتراع الحاليّ إلاّ الأحزاب الصغرى والمتوسطة ماليا وجماهريا، فحياتها في الساحة السياسية متعلقة بتنقيح القانون الانتخابي واعتماد العتبة الانتخابية والترفيع فيها.

ذلك أنّه بإقرار عتبة بـ 3 أو 5 بالمائة الحاصل الانتخابي يصبح أٌقل من السابق، وهذا يؤدي إلى ازدياد مقاعد الأحزاب التي تحتل المراتب الأربع الأولى، والتشكيلات داخل مجلس نواب الشعب”، مثال ذلك أنّ البرلمان الحالي احتوى 31 تشكيلا نيابيا بين أحزاب سياسية وائتلافات ومستقلين، وإذا تم إقرار عتبة بـ 3 بالمائة، فإن هذه التشكيلات ستنزل إلى 25 تشكيل نيابي، وإذا تم إقرار عتبة بـ 5 بالمائة، فإن هذه التشكيلات ستكون في حدود الـ 18.

وإذا تم إقرار عتبة بـ 5 بالمائة، المقترحة في مشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي سيقل عدد المقاعد بنظام أكبر البقايا، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك في السابق 70 مقعدا صعدوا بنظام أكبر البقايا، فإن هذه المقاعد ستتراجع إلى حدود 50 أو 30 مقعدا، وسيكون هناك زيادة بـ 10 بالمائة من المقاعد بالنسبة إلى الحزب الأول، و7 بالمائة إلى الحزب الثاني.

وقد طرحت كتلة حركة النهضة (الكتلة الأولى في البرلمان) مشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي أحاله مكتب مجلس نواب الشعب منذ يوم 28 جانفي 2020 على لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانین البرلمانية والانتخابية مع طلب استعجال نظر فیه، وينص مقترح القانون على أن القائمات التي تتحصل على أقل من 5 % من الأصوات لا تدخل في احتساب المقاعد.

من جهته، أكّد رئيس لجنة النظام الداخلي النائب ناجي الجمل في تصريح لموقع “ضاد بوست”، أنّ كتلة حركة النهضة اقترحت اعتماد عتبة 5 % في مبادرتها المقدمة في مارس 2020، على مستوى الدوائر الجهوية بينما من اقترح عتبة 3 % على المستوى الوطني و5% على مستوى جهوي هو كتلة ائتلاف الكرامة.

إمكانية اعتماد أكبر المتوسطات وعتبة انتخابية

ناجي الجمل

وأوضح أنّ هناك مقترحات أخرى على غرار “شبكة مراقبون” التي قدمت مقترحا مختلفا وهو مختلط في أنّه نصف المقاعد تقدم جهويا والنصف الاخر وطنيا مع عتبة 3 بالمائة وهناك من اقترح 7 بالمائة وهناك من اقترح اعتماد أكبر المتوسطات في احتساب عدد المقاعد عوض أكبر البقايا.

وتابع النائب ناجي الجمل أنّ “اللجنة لم تحسم في هذا الشأن أي إما تغيير نظام الاقتراع وتعتمد أكبر المتوسطات أم اعتماد النظام المختلط. مضيفا أنّ اللجنة هي التي تبتّ في كل المقترحات مهما كان مصدرها ومن المنتظر الانتهاء من النقاشات صلب اللجنة نهاية شهر جوان 2021 وتمريره إلى الجلسة العامة باعتبار أنّ الأسبوع القادم هو أسبوع الجهات”.

وجاء مقترح القانون الذي تم نشره بالموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب، في فصلین، ينص الأول على إضافة فقرة أولى جديدة ضمن الفصل 78 جديد من القانون الأساسي لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقیحه بالقانون الأساسي لسنة 2017 المؤرخ في 14 فیفري 2017 تنص على أن “تصرف لكل مترشح أو قائمة مترشحة تحصلت على ما لا يقل عن 3 بالمائة من الأصوات المصرح بھا بالدائرة الانتخابية وعلى ما لا يقل عن 5 بالمائة من الأصوات المصرح بھا بالدائرة الانتخابية بالنسبة للانتخابات التشريعية دون سواھا، منحة عمومیة تقديرية بعنوان استرجاع مصاريف انتخابية بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات شرط الاستظهار بما يفید إيداع الحسابات المالیة لدى محكمة المحاسبات وبعد التثبت من احترام المترشح أو القائمة المترشحة للواجبات القانونیة المتعلقة بالحملة الانتخابية وتمويلھا”.

كما تم اقتراح إضافة فقرة ثالثة جديدة ضمن نفس الفصل، تنص على عدم احتساب الأوراق البیضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصلت على أقل من 5 بالمائة من الأصوات المصرح بھا على مستوى الدائرة في احتساب الحاصل الانتخابي، أما الفصل الثاني من مقترح القانون فقد تضمن إضافة فقرة رابعة من الفصل 110 من القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء تنص على أن توزيع المقاعد على القائمات المترشحة التي تحصلت على أقل من 5 بالمائة من الأصوات المصرح بھا على مستوى الدائرة.

ولم يتضمن مقترح القانون الذي تقدمت به الحركة، استبدال النظام الانتخابي الحالي الذي يعتمد على نظام الاقتراع على القائمات وفق قاعدة التمثیل النسبي باحتساب أكبر البقايا والذي يعتبر، كذلك، مسؤولا عن تشتت أصوات الناخبین.

إلاّ أنّ مشروع القانون أثار جدلا كبيرا في الساحة السياسية وشهد تاريخ 3 مارس 2020 الجلسة العامة التي أرجعته إلى لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية لمزيد التشاور. وقد تباينت المواقف، آنذاك، بخصوص المقترح الذي تقدمت به حركة النهضة المتعلق بتعديل القانون الانتخابي، وإقرار عتبة انتخابية بـ 5 بالمائة في الانتخابات التشريعية القادمة، وبررت الحركة مقترحها بالتقليص من التشتت الحاصل في المشهد البرلماني.

ولا يعد هذا المقترح الأول من نوعه، إذ سبق أن عرضت حكومة يوسف الشاهد في شهر جويلية 2019 على البرلمان السابق قبيل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية، إلا أنه رغم مصادقة مجلس نواب الشعب فإنه لم يقع ختمه من طرف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وبقي الغموض يلف تلك الفترة بسبب توعك صحة الرئيس ثم وفاته.

وشملت تعديلات حكومة الشاهد على القانون الانتخابي إدراج عتبة 3 بالمائة في احتساب عدد المقاعد للفائزين في الانتخابات التشريعيّة وحذف إقصاء التجمعيّين من عضوية مكاتب الاقتراع ورفض ترشّحات من ثبُت قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي ومن يقوم بخطاب مُعادٍ للديمقراطيّة، بالإضافة إلى اشتراط بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدليّة.

وتقدمت حكومة الشاهد كذلك بمشروع قانون أساسي عدد 64 لسنة 2018 يتعلق بضبط مقاييس تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها.

وقد تلقت الساحة السياسية القانون بجدل كبير تطور إلى صراع بين قصر قرطاج والقصبة في آخر أيام حياة الرئيس الباجي قايد السبسي وقيل حينها إنّ السبسي رفض ختم القانون الانتخابي، فيما صرحت مستشارته سعيدة قراش يوم 24 جانفي 2021 لإذاعة “موزاييك” أنّ الرئيس كان عاجزا عن الإمضاء.

من جهتها، أودعت كتلة ائتلاف الكرامة في مرة أولى مقترح شمل 3 تعديلات على القانون الانتخابي، من بينها مقترح تعديل للفصل 39 منه يستنسخ مقترح التعديل نفسه الّذي تمّ التصويت عليه داخل اللجنة، والمتعلق بتنقيح الفصل 45 من النظام الداخلي وهو اعتبار الاستقالة من الكتلة البرلمانية استقالة من المجلس، ووفق وثيقة شرح الأسباب المرفقة مع نصّ المبادرة التشريعيّة، فإنّ الهدف من التعديل هو القطع مع السياحة الحزبيّة.

ونصت المبادرة على حصر الترشح لمجلس نواب الشعب في دورتين نيابيتين فقط وتخصيص الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالإشراف على انتخابات الأحزاب والسياسية والهيئات المهنية والمنظمات والجمعيات التي تتلقى تمويلا عموميا ويفوق عدد منخرطيها 1000 منخرط.

واقترحت المبادرة اعتماد عتبة 3 % على المستوى الوطني و5% على مستوى جهوي بينما لم تشمل تنقيح النظام الانتخابي المعتمد في احتساب عدد المقاعد.

وأودعت الكتلة يوم 4 ماي 2021 مقترح قانون ثان، يتضمن فصلا وحيدا ينصّ على أن “يُنقّح الفصل 2 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 المتعلّق بالقانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي كما يلي: “يرجع أعوان الأمن الداخلي بالنظر إلى وزير الداخلية تحت سلطة رئيس الحكومة الذي يأذنهم ويأمرهم مُباشرة أو عن طريق وزير الداخلية طبقا لأحكام الدستور ويخضعون للرقابة البرلمانية والمُساءلة كُلّما دعت الحاجة إلى ذلك.”

مشروع موحّد لتنقيح القانون الانتخابي

تواصل لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين الانتخابية عقد جلسات النقاش والاستماع في إطار تنقيح الانتخابي، ذلك أنّها انطلقت يوم 28 أفريل 2021 في دراسة مقترحات تعديل القانون الانتخابي المعروضة على أنظارها. وحدّدت المنهجية التي اعتمدتها في إطار دراستها لمقترح تعديل القانون الانتخابي.

وكانت اللجنة أطلقت استشارة على الموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب، لمنظمات المجتمع المدني الراغبة في إبداء الرأي بخصوص أحكام مقترحات القوانين المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي والمعروضة عليها، وذلك بداية من 28 أفريل وانتهت يوم 10 ماي 2021 ثمّ تمّ التمديد فيها إلى يوم 16 ماي وذلك نظرا إلى كثافة المادة، ولرغبة عدد من الجمعيات والمنظمات المشاركة في أشغال اللجنة.

مع الإشارة إلى أنّ اللجنة أنهت صياغة مشروع تنقيح يشمل نقاط تقنية كعمليات التسجيل وإضافة بعض الشروط للترشح وفض النزاعات الانتخابية ومراقبة الحملة الانتخابية وغيرها من التنقيحات التي تتفق كل الأطراف على ضرورة تنقيحها، وقد أحالته على المكتب كمبادرة تشريعية من طرف النواب ليعيدها بدوره إلى اللجنة كمقترح قانون لمناقشته.

وبدأت سلسلة جلسات الاستماع يوم 28 ماي 2021 لصياغة هذا المشروع الموحّد انطلاقا من كل المبادرات التشريعية المطروحة والتي تشمل جوانب تقنية وأخرى سياسية خلافية على رأسها تغيير النظام الانتخابي الحالي والعتبة الانتخابية التي يطرح باستمرار الترفيع فيها وإعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية، ليتم تجميعكل المبادرات التشريعية لتنقيح القانون سواء في النقاط الكبرى الخلافية أو التقنية وتضمينها في مشروع واحد.

واستمعت اللجنة إلى أصحاب المبادرات في إطار دراسة مقترحات القوانين المتعلقة بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وجميع النصوص التي نقحته وتممته، وتعميق النظر حوله.

وأوضح أصحاب المبادرات في مداخلاتهم أن اقتراح اعتماد عتبة في الانتخابات التشريعية بنسبة 3% على المستوى الوطني و5% على مستوى الدوائر، يأتي بهدف التأسيس لحياة سياسية مستقرة وتفادي التشتت داخل البرلمان وعدم الاستقرار الحكومي فضلا عن ضمان احترام إرادة الناخبين وتكريس تمثيلية عادلة.

ذلك أنّ اللجنة تنظر في 3 مقترحات قوانين معروضة عليها، تتعلق بتنقيح القانون الانتخابي، وهي مقترح القانون الأساسي عدد 20/2021 والمقدم من 11 نائبا من كتلة حركة النهضة ومقترح القانون الأساسي عدد 47/2020 والمقدم من قبل كتلة ائتلاف الكرامة إلى جانب طرح مقترح تنقيح ثالث يتضمن تعديلات تتعلق بالعتبة.

مشاريع القوانين المعروضة للنقاش في لجنة النظام الداخلي

وتنص المقترحات الواردة على اللجنة، على تكليف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالإشراف على تنظيم الانتخابات الخاصة بالأحزاب والجمعيات والهيئات المهنية التي يتجاوز عدد منخرطيها ألف منخرط حتى يتسنى تدارك التجاوزات بخصوص عدم تنظيم الانتخابات في أوانها، وحصر الترشح للانتخابات التشريعية في دورتين فقط بهدف منح فئة الشباب فرصا أوفر للعضوية بالمجلس النيابي، فضلا عن ترتيب فقدان العضوية بمجلس نواب الشعب في حالة استقالة العضو من الحزب أو القائمة او الائتلاف الذي ترشح تحت اسمه، وذلك بهدف الحد مما يعرف بظاهرة السياحة الحزبية.

كما جاء ضمن هذه المبادرات مقترح تعديل الفصل 101 من القانون الانتخابي في اتجاه إسناد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صلاحية دعوة الناخبين.

واستمعت اللجنة إلى ممثلين عن الهيئة العليا المستقلة الانتخابات لمزيد الاستيضاح حول جملة من أحكام القانون الانتخابي ولتقديم محاكاة حول نظام الاقتراع باعتماد العتبة مع مقترح حول تقسيم الدوائر الانتخابية، وذلك يوم 10 جوان 2021.

وقدّم رئيس الهيئة شرحا لاقتراح التقليص في أيام الاقتراع بالنسبة إلى الدوائر بالخارج من ثلاثة أيام إلى يومين مع فرضية الاقتراع عن بعد، وبخصوص التزكيات، فإن المقترح في تكليف معتمدين لديها من قبل الراغبين في الانتخابات الرئاسية ووضع مكاتب جهوية لقبول التزكيات والتثبت فيها ونشرها، تعتبره الهيئة إيجابيا لمزيد تأطير عملية التزكيات مع اختلاف بعض أعضاءها حول مدى حياد الهيئة في صورة تدخلها على مستوى التجميع وفي مرحلة ثانية الثبت من صحة التزكيات.

وتم التداول بخصوص مقترح محكمة المحاسبات المتعلق بفصل الرقابة الإدارية عن الرقابة القضائية وذلك عبر إحداث هيئة أو لجنة تعهد إليها مهمة تلقي الحسابات المالية للقائمات المترشحة والمترشحين والقيام بالأعمال الرقابية المتعلقة بها على غرار ما هو معمول به في عدد من الأنظمة المقارنة مع اقتراح ان تقوم بهذه المهمة في مرحلة انتقالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وقدّمت الهيئة رأيا مخالفا بخصوص اسناد هذه المهمة إليها، معتبرة إياها عمل قضائي استقصائي بامتياز يتطلب اختصاصات مالية وتجربة ميدانية. وأكّد رئيس الهيئة أهمية احداث هذا الهيكل الذي سيعمل بصفة مستمرة وخارج المواعيد الانتخابية متى تم ادخال جملة من الإصلاحات الجوهرية على المنظومة التشريعية والمؤسسية ومن بينها مراجعة النصوص المنظمة للأحزاب والجمعيات.

أما في ما يتعلق بنتيجة المحاكاة باعتماد عتبة من 3 إلى 10%، فقد بينت الهيئة أنها تفضي إلى التقليص في عدد الكيانات السياسية الممثلة بالبرلمان من 31 إلى 7 حسب العتبة المعتمدة (البرلمان الحالي). كما أن عدد الأصوات التي لم يتم احتسابها يكون من 34 % الى أكثر من 50 %. في حين أدت المحاكاة على نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2019 باعتماد نظام اقتراع بأكبر المتوسطات إلى التقليص من عدد الكيانات السياسية الممثلة بالبرلمان من 31 الى 18.

وفي هذا الصدد، قال الجمل إنّ “أحدا لم يقترح عتبة 10 بالمائة وإنّما هيئة الانتخابات طلبنا منها المحاكاة، لكن المطروح الآن رسميا أمام اللجنة هو عتبة بين 3 إلى 7 بالمائة”.

المطروح هو عتبة بين 3 إلى 7 بالمائة

ناجي الجمل

وتمت مناقشة جملة من الفرضيات بخصوص إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية ومنها الحفاظ على العدد الحالي للمقاعد بمجلس نواب الشعب، ورفع القيد الخاص بعشرة نواب كحد أقصى للمقاعد عن الدائرة الانتخابية، وإلغاء التنفيل بالنسبة إلى بعض الدوائر التي لا يتوفر بها العدد الأدنى من السكان وإعادة التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية بالخارج.

لجنة النظام الداخلي تستمع إلى ممثلين عن هيئة الانتخابات (المصدر: الصفحة الرسمية للبرلمان)

أما في جلستها ليوم 9 جوان 2021، فوافقت اللجنة على “التنصيص على شرط نقاوة المترشح المعني بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، من السوابق العدلية والإدلاء بما يفيد القيام بالتصريح بالمكاسب والمصالح في الآجال المنصوص عليها بالفصلين 21 و50 من قانون التصريح بالمكاسب وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح”.

في المقابل، أرجأت لجنة النظام الداخلي التصويت على مقترح يتعلق باشتراط شهادة إبراء الذمة من الأداءات، للترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية، علما أن هذا الشرط معمول به بالنسبة إلى الانتخابات البلدية والجهوية.

اجتماع لجنة النظام الداخلي (المصدر: الصفحة الرسمية للبرلمان)

وأرجعت اللجنة إرجاء التصويت على هذا المقترح، إلى حين استشارة المصالح المختصة بوزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار حول عدد من المعطيات المتعلقة بهذه الوثيقة.

وتم خلال الجلسة التداول حول المقترحات التعديلية بخصوص الفصول المتعلقة بشروط الترشح، سواء بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية والجهوية والوثائق الخاصة بتقديم الترشحات واللازمة لإثبات استيفاء هذه الشروط.

وتضمنت المبادرات التشريعية المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي، “موانع وشروط جديدة للترشح للانتخابات، كانت الغاية منها مزيد ترشيد الترشحات داخل المجالس المنتخبة، إلى جانب إيجاد الآليات وسن أحكام تحول دون ترشح ذوي الشبهة لعضوية هذه المجالس، وذلك دون المساس والتضييق في ممارسة الأفراد لحقهم الانتخابي الذي يكفله الدستور”.

وانعقدت جلسة يوم 03 جوان 2021، حيث أفضى النقاش إلى التصويت على عدد من الفصول من مقترح القانون عدد 20/2021 وهي 164 فقرة ثانية جديدة، والفصل 167 جديد، والفصل 3 نقطة اخيرة جديدة، وفقرة جديدة للفصل 7، والفصل 20 مكرر، والفصل 42 مكرر، وفقرة رابعة جديدة للفصل 49 ثاني عشر، والفصل 66 ثالثا، والفصل 67 مكرر و74 مكرر و74 ثالثا و115 مكرر.

وتعلّقت أهم التعديلات المدرجة بالنقاط التالية:

  • الترفيع في آجال السقوط بالتقادم للجرائم الانتخابية من ثلاث سنوات الى خمس سنوات،
  • تعريف الاستفتاء بما هو الية ديمقراطية تتم ممارستها في شكل اقتراع عام مباشر يدعى اليه الناخبون للفصل في مسائل دستورية او تشريعية او محلية،
  • التنصيص على إمكانية اعتماد التسجيل عن بعد داخل الجمهورية في الحالات التي لا يشترط فيها اثبات عنوان فعلي جديد او التي يكون فيها العنوان الفعلي مطابقا للعنوان المبين ببطاقة التعريف الوطنية،
  • تمكين الهيئة من اعتماد مكاتب متنقلة للتسجيل،
  • منع الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب وللانتخابات الرئاسية على كل من تحمل مسؤولية ضمن هيئة تسييرية بجمعية خلال الاثني عشر شهرا التي تسبق يوم الاقتراع،
  • إحداث نظام طعن استعجالي خاص بالحملة الانتخابية،
  • تضمين أحكام تتعلق بتنظيم الاستفتاء المحلي المنصوص عليه بمجلة الجماعات المحلية ضمن القانون الانتخابي،

وصوتت اللجنة بالرفض على الفصلين 20 رابعا، و42 رابعا، المتعلقين بعدم قبول ترشحات كل من تثبت للهيئة قيامه بشكل صريح ومتكرر بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي على السلطة او يهدد النظام الجمهورية ودعائم دولة القانون أو يدعو إلى العنف والتمييز والتباغض بين المواطنين أو يمجد ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، وذلك لاعتبار هذه الشروط غير قابلة للبت بصفة موضوعية من قبل الهيئة ويصعب تعليلها.

وفي جلسة يوم 01 جوان 2021 انتهت لجنة النظام الداخلي إلى التصويت على عدد من الفصول وهي 70 جديد 76 جديد و77 فقرة ثانية جديدة في صيغة معدلة و84 جديد و116 جديد و117 جديد و143 جديد و160 نقطة أولى جديدة من مقترح القانون عدد 20/2021 وقد تعلقت أهم التعديلات المدرجة بالنقاط التالية:

  • التمديد في فترة منع ونشر نتائج سبر الآراء والــــــــدراسات والتعاليق الصحفية عبر مختلف وسائل الاعلام لتغطي كامل الفترة الانتخابية او فترة الاستفتاء،
  • مراجعة التعريف المتعلق بالتمويل الأجنبي، للسماح للتونسي المترشح للانتخابات الرئاسية والمقيم بالخارج من تمويل حملته وتفادي تمويل الأجنبي المقيم بتونس، إضافة الى تحجير التمويل المقنع أو الذي يكون مصدره مجهولا،
  • التنصيص على جملة من المعايير التي ستكمن الهيئة من تقدير تأثير المخالفات على النتائج والتي يمكنها اعتمادها في تعليل قرارتها وهي نفس المعايير التي استقر عليها فقه قضاء المحكمة الإدارية وفقه القضاء المقارن،

وفي جلسة يوم 28 ماي 2021 شرعت لجنة النظام الداخلي في مناقشة فصول المبادرات التشريعية المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي وذلك باعتماد منهجية تم إقرارها بإجماع الأعضاء تتمثل في التداول والتصويت على الفصول التقنية والإجرائية التي لا تثير إي إشكاليات أو خلافات وهي محل توافق عديد المتدخلين في العملية الانتخابية.

وخلصت في نهاية أعمالها إلى التصويت بالإجماع على الفصول 10(جديد) و27 (جديد) و28 (جديد) و29 (جديد) و30 (جديد) 45 (جديد) و68 (جديد). كما صادقت بأغلبية أعضاءها على الفصول 4(جديد) و52 (نقطة 4 جديدة) و52 (نقطة 8 جديدة).

وتتلخّص محتوى هذه الفصول وأهم تعديلاتها في ما يلي:

  • تمكين الضيوف من اعتماد الهيئة لمتابعة المسار الانتخابي والتنصيص على الصحفيين المحليين والأجانب كملاحظين،
  • إسناد اختصاص النظر في الطعون المتعلقة بالنزاعات الانتخابية إلى القضاء الإداري ومزيد توضيح الإجراءات المتبعة،
  • مراجعة آجال البت في مطالب الترشحات من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات،
  • سحب القواعد المنضمة للحملة على أي وسيلة إعلام إلكتروني وأي رسالة موجّهة للعموم عبر وسائط إلكترونية تهدف للدعاية الانتخابية أو المتعلقة بالاستفتاء،
  • التأكيد على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين خلال الحملة فضلا عن إضافة مبدأ عدم تضليل الناخبين عبر ترويج معلومات خاطئة.
  • مزيد تنظيم مراقبة الحملة الانتخابية مع التنصيص على مهام الوكيل المالي،

ويومي 20 و21 ماي 2021 استمعت اللجنة إلى ممثلين عن عدد من ممثلي جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي شاركت في الاستشارة التي أطلقتها اللجنة على الموقع الرسمي للمجلس والتي رغبت في إبداء رأيها أمام اللجنة وهي: المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية وجمعية منتدى التنمية والديمقراطية وشبكة القطب المدني للتنمية وحقوق الانسان والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وجمعية شباب تونس يؤثر ومنظمة أنا يقظ والجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد” ورابطات الناخبات التونسيات وجمعية شباب بلا حدود ومركز “كارتر”.

وثمّن المتدخّلون إطلاق عملية تنقيح القانون الانتخابي من قبل مجلس نواب الشعب بما يتلاءم والمعايير الدولية التي تحث على أن تتم عمليات مراجعة التشريع الانتخابي قبل حيز زمني معقول لا يقل عن سنة عن موعد الانتخابات، إلى جانب تثمينهم لمنهجية العمل التي تم إقرارها من قبل اللجنة والرامية إلى اعتماد مسار تشاركي في مراجعة القانون الانتخابي من خلال الانفتاح والتشاور مع مختلف الأطراف المتدخلة في هذا المجال.

لجنة النظام الداخلي تستمع إلى ممثلين عن المجتمع المدني (المصدر: الصفحة الرسمية لمجلس نواب الشعب)

وأشار ضيوف اللجنة إلى أن عديد الأحكام الواردة بالمبادرات التشريعية سيكون لها وقع إيجابي على تنظيم الانتخابات وعلى الحياة السياسية عامة، ومن أهمها إدراج أحكام جديدة متعلقة بالتسجيل والتصويت وبشروط الترشح وتدعيم تمثيلية الشباب في الانتخابات التشريعية ومراجعة وتدقيق الأحكام المتعلقة بالإشهار السياسي وإدراج عدّة أحكام تهم إعادة تنظيم الحملة الانتخابية على مستوى وسائل الإعلام السمعية والبصرية، وخاصة تدارك الثغرات المتعلقة بالدعاية عبر الوسائط الالكترونية.

وأكّدوا، في المقابل، أن كل هذه الإيجابيات لا يجب أن تحجب بعض الصعوبات التي يمكن أن ترافق عملية تنقيح القانون الانتخابي والتي يتعيّن العمل على تذليلها بالحرص على ضمان تناغم القانون الانتخابي مع بقيّة النصوص القانونية النافذة من جهة وضمان التناغم الداخلي لنصّ القانون الانتخابي وتناسق أحكامه من جهة أخرى.

وتمحورت أهم المقترحات والتوصيات المقدمة في النقاط التالية:

  • تأكيد ضرورة تطبيق ما جاء في الدستور من مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات والتنصيص على التناصف الأفقي والعمودي بين المرأة والرجل في الترشحات للانتخابات التشريعية، وضرورة تدعيم تمثيلية ذوي الإعاقة والشباب ضمن عديد الآليات التي تذهب إلى حدود إسقاط القائمات المترشحة التي لا تلتزم بالحصة المستوجبة من هذه الفئات ضمن مرشّحيها.
  • اعتماد العتبة الانتخابية في الانتخابات التشريعية والترفيع في العتبة الانتخابية من 3% الى 5% في الانتخابات البلدية والجهوية، إضافة إلى تغيير النظام الانتخابي للمجالس المحلية البلدية والجهوية عبر إقرار النظام النسبي مع الأخذ بأكبر المتوسطات.
  • ضرورة إدراج تقسيم الدوائر الانتخابية ضمن القانون الانتخابي ومراجعة العدد الــجملي للمقاعد المفتوحة للتنافس في الانتخابات التشريعية بالاستئناس بالتجارب المقارنة مع التخلي على نظام التَّنفيل واحترام مبدأ العدل والإنصاف الذي ينبني علية التمثيل النسبي،
  • النظر في الحدّ من عدد التزكيات المطلوبة من المترشحين للانتخابات الرئاسية حتى تتمكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، من التّثبّت من التوقيعات بشكل أكثر صرامة،
  • اقتراح تعزيز حق الاقتراع العام عبر منح حق الاقتراع للقوات العسكرية والأمنية في جميع الانتخابات،
  • تأكيد وجوب توضيح حدود استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية عن طريق الــــــــزام القائمات المترشحة والمترشحين والأحزاب بمد الهيئة بقائمة في الصفحات التي يعتمدونها خلال الحملة والتنصيص على وجوب التعاون مع المؤسسات المتصرفة في مواقع التواصل الاجتماعي وإحداث هيكل/ وحدة مختصة تتولى مراقبة الحملة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي لمقاومة الاخبار المضللة والمغلوطة،
  • تأكيد وجوب تدخل المشرع في تحديد مفهوم الاشهار السياسي وضوابطه، احتراما للفصل 49 من الدستور الذي أقر أن التضييق من الحريات يكون بمقتضى القانون وليس بموجب نصوص ترتيبية يتم إصدارها من قبل الهيئات / الهياكل المختصة أو أن تكون محل تأويل واجتهاد من قبل الهياكل القضائية،
  • التأكيد على وجوب مراجعة الأحكام الخاصة بالمصاريف الانتخابية. من خلال توسيع التعريف المعتمد لتشمل المصاريف التي تهدف الى نيل ثقة الناخبين قبل انطلاق الفترة الانتخابية واحتسابها في السقف الانتخابي وذلك لتلافي الحملة الانتخابية المقنعة والمصاريف التي يتم انفاقها خلال تلك الفترة والتي يستفيد منها المترشح،
  • اقتراح إدراج طرق الاقتراع الإلكتروني وعن بعد للتشجيع ومنح فرصة المشاركة في التصويت خاصة لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج واقتراح ادراج آلية التصويت الالكتروني داخل مراكز الاقتراع لتسهيل عمليات الفرز وإعلان النتائج وتفادي الأوراق الملغاة مع اقتراح اعتماد الية مكاتب الاقتراع المتنقلة ورقمنة السجل الانتخابي،
  • التأكيد على ضرورة إضفاء التجانس على منظومة مراقبة تمويل الحياة السياسية والإنفاق فيها، في جانبها المتعلق بالانتخابات والاستفتاءات وفي جانبها المتعلق بالأحزاب السياسية، وهو ما من شأنه أن يسهم في دعم شفافية تمويل الحياة السياسية ونزاهتها، بالإضافة إلى دعم ثقة الناخب فيها وفي الأحزاب السياسية كحلقات وصل للمشاركة في الحياة العامة،
  • اقتراح مراجعة نظام مراقبة الحسابات المالية للقائمات المترشحة والمترشحين والأحزاب السياسية وتخفيف العبء على كاهل محكمة المحاسبات، كتحديد ممثل قانوني للقائمة إضافة إلى الوكيل المالي وتحديد مهام كليهما.

واستمعت اللجنة إلى ممثلي كل من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ومحكمة المحاسبات والمحكمة الإدارية باعتبارها أطرافا متدخلة بشكل مباشر في الشأن الانتخابي وذلك يوم 26 ماي 2021.

وفي مداخلته، تطرق رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى أهمّ المراجعات الواردة بالمبادرات التشريعية المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي مثمنا تدقيق بعض المصطلحات التي طرحت عديد الإشكاليات خلال المحطات الانتخابية السابقة والتي من بينها “الإشهار السياسي” و”المصاريف الانتخابية”. ودعا إلى تفادي ادراج بعض المصطلحات والعبارات الفضفاضة التي يصعب قانونا تأويلها واتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها من قبل الهيئة الانتخابية على غرار عبارتي “عدم احترام النظام الديمقراطي” و”احترام مبادئ الدستور”.

وأوضح بخصوص مقترح تكليف الهيئة بمهمة تنظيم الانتخابات الخاصة بالأحزاب والمنظمات التي تتمتع بالتمويل العمومي والمضمن بإحدى المبادرات المعروضة على أنظار اللجنة أن إسناد الهيئة لهذه الصلاحية من شأنه أن يمسّ من حيادتها.  كما اقترح إعفاء الهيئة من القيام بتنظيم الانتخابات البلدية الجزئية أثناء فترة الانتخابات التشريعية لتفادي تشتيت جهود الهيئة وإرباك الناخبين.

أما في ما يتعلق باعتماد عتبة بــنسبة 5 % على مستوى الدوائر الانتخابية و3 % على المستوى الوطني، فقد أفاد أن عملية المحاكاة المتعلقة بنتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2019 قد أفضت إلى النزول بعدد العائلات السياسية المتواجدة حاليا بمجلس نواب الشعب من 32 إلى 7 عائلات كبرى، مضيفا أنه في صورة اعتماد هذه العتبة، فإن الحصول على 4 مقاعد لا يتيح العضوية بالبرلمان.

وبالنسبة إلى اختفاء عدد من الكيانات السياسية جراء الترفيع في العتبة الانتخابية، أوضح ناجي الجمل رئيس لجنة النظام الداخلي، في تصريحه لـ “ضاد بوست”، أنّ الهدف الرئيسي من اعتماد العتبة الانتخابية هو الحد من التشتت والسماح للكتل الكبيرة بالاتفاق على حكومة في وقت أقصر وفي نفس الوقت تتفق أن تنجز لا أن نتفق على حكومة بعد 4 أشهر، ثمّ الاتفاق على حكومة تراوح مكانها”.

هدفنا القضاء على التشتت ودفع الكيانات الصغيرة إلى التوحد

ناجي الجمل

من جهته، تعرّض رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلى بعض المسائل ذات العلاقة بالإشهار السياسي، مشيرا إلى صعوبة إنفاذ القانون في ما يتعلق ببعض الممارسات التي تقوم بها القنوات الناشطة بصفة غير قانونية خلال الحملات الانتخابية. وأكّد أهمية وضع نظام عقوبات فعال والتصدي لمثل هذه المخالفات والجرائم الانتخابية وذلك بهدف ضمان شفافية ونزاهة النتائج الانتخابية إلى جانب ضرورة مقاومة ظاهرة الأخبار الزائفة بالنظر لتداعياتها الخطيرة على المسار الانتخابي.

نظم الانتخاب في الانتخابات التشريعية

وثمنت ممثلة محكمة المحاسبات بدورها عديد المقترحات التعديلية المضمنة بالمبادرات التشريعية سيما المقترح المتعلق بإلزام الهياكل المكلفة بالرقابة للحيلولة دون التمويل الأجنبي بمد محكمة المحاسبات بتقارير حول نتائج اعمالها فضلا عن مزيد تحديد شروط الترشح لكل من الانتخابات التشريعية والرئاسية. وأكدت أهمية مزيد تجويد هذه المقترحات من خلال تلافي افتقار بعض الأحكام الواردة بالقانون الانتخابي للوضوح والدقة الكافية في تحديد المفاهيم كالدعاية والنفقات الانتخابية والحساب المالي والتمويل العيني وعدم الدقة في تحديد المسؤوليات (رئيس القائمة، وسائل الاعلام المترشحين، الوكيل المالي….) بالإضافة إلى عدم تنظيم الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب تفادي النقص على مستوى تحديد سقف للتمويل الخاص بالنسبة للانتخابات البلدية والجهوية. كما دعت إلى ضرورة الفصل بين الرقابة الإدارية والرقابة القضائية مع تحديد مسؤوليات جميع الجهات المعنية بالشأن الانتخابي.

وفي تدخله، أكد ممثل المحكمة الإدارية أهمية الموازنة بين مبادئ المحاكمة العادلة والمحافظة على الديمقراطية التمثيلية مثمنا مقترح توحيد الاختصاص القضائي وذلك بإسناد اختصاص النظر في جميع الطعون الموجهة ضدّ قرارات هيئة الانتخابات سواء تعلّقت بالتسجيل أو الترشح أو النتائج إلى القاضي الإداري، داعيا في المقابل إلى إعادة النظر في الآجال المخصصة للنظر في الطعون الانتخابية باعتبارها جد مقتضبة. كما طالب بتنقيح الفصل 143 المتعلق بسلطة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إلغاء النتائج بصفة كلية أو جزئية إذا ما ثبت لديها أن المخالفات أثرت بصفة جوهرية وحاسمة بتحديد معايير موضوعية في تقدير “التأثير الجوهري والحاسم على نتائج الانتخابات”.

من جهة أخرى تم التداول بخصوص الجهة المخول لها الدعوة للانتخابات وما هو معمول به في الأنظمة المشابهة وضرورة الاتفاق دون الأخذ في الاعتبار الوضع السياسي الراهن.

وفي ختام الجلسة تم اقتراح مواصلة التشاور بين الهيئات ومحكمة المحاسبات والمحكمة الإدارية بخصوص بعض الأحكام المشتركة ذات الصبغة الفنية على أن تقوم اللجنة بعرض المبادرة التشريعية على أنظار المجلس الأعلى للقضاء للاستشارة الوجوبية.

وعقدت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية يوم 27 ماي 2021 جلسة خصصتها للاستماع إلى أصحاب المبادرتين التشريعيتين عدد 47/2020 و27/2021 المتعلقتين بتعديل القانون الانتخابي آنف الذكر.

وفي مداخلتهم، أوضح أصحاب المبادرتين أن اقتراح اعتماد عتبة في الانتخابات التشريعية بنسبة 3% على المستوى الوطني و5% على مستوى الدوائر يأتي بهدف التأسيس لحياة سياسية مستقرة وتفادي التشتت داخل البرلمان وعدم الاستقرار الحكومي فضلا عن ضمان احترام ارادة الناخبين وتكريس تمثيلية عادلة.

ومن المقترحات التي تقدمت كذلك بها جهة المبادرة تكليف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالإشراف على تنظيم الانتخابات الخاصة بالأحزاب والجمعيات والهيئات المهنية التي يتجاوز عدد منخرطيها ألف منخرط حتى يتسنى تدارك التجاوزات بخصوص عدم تنظيم الانتخابات في أوانها. إلى جانب حصر الترشح للانتخابات التشريعية في دورتين فقط بهدف منح فئة الشباب فرص أوفر للعضوية بالمجلس النيابي. هذا فضلا عن ترتيب فقدان العضوية بمجلس نواب الشعب في حالة استقالة العضو عن الحزب أو القائمة او الائتلاف الذي ترشحه تحت اسمه وذلك بهدف الحد مما يعرف بظاهرة السياحة الحزبية. كما جاء ضمن هذه المبادرات مقترح تعديل الفصل 101 من القانون الانتخابي في اتجاه إسناد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صلاحية دعوة الناخبين.

وفي تفاعلهم حول مجمل هذه المقترحات، أجمع أغلب أعضاء اللجنة على تسريع النظر في المبادرات التشريعية المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي موضوع نظرها بعد أن استوفوا سلسلة الاجتماعات إلى المنظمات والجمعيات المهتمة بالشأن الانتخابي والهيئات الرسمية التي تدير العملية الانتخابية. كما أجمعوا على أهمية وضع الحلول المناسبة للحد من ظاهرة السياحة الحزبية على أن تراعى في ذلك مقتضيات الدستور التي تنص أن النائب يعبر عن إرادة الشعب وبالتالي إمكانية الاستعاضة عن مقترح ترتيب الاستقالة من عضوية المجلس بإقرار منع انتماء العضو المعني إلى أي كتلة. أما في علاقة بالدعوة إلى الانتخابات فقد تمت الإشارة إلى ما هو معمول به في عدد من التشريعات المقارنة حيث تتم هذه الدعوة من قبل الهيئة الانتخابية على أن تقتصر الحالات التي تتم فيها الدعوة من قبل رئيس الجمهورية على حالة تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بمقتضى الفصل 89 من الدستور أو حالة تنظيم استفتاء في بعض المسائل ذات الصبغة الوطنية حسب الفصل 82 من الدستور.

وخصصت اللجنة يوما 5 و6 ماي 2021، للاستماع إلى ممثلين عن مرصد “شاهد” لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية وممثلين عن عدد من جمعيات المجتمع المدني بولاية المنستير وشبكة “مراقبون” وجمعية “حداثيو تونس” والمنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، في انتظار أن تخصّص جلساتها القادمة للاستماع إلى بقية مكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن الانتخابي والراغبة في تقديم ملحوظاتها ومقترحاتها في الغرض.

وتمحورت أهم المقترحات والنقاشات المقدّمة في النقاط التالية:

  • إسناد اختصاص النظر في جميع الطعون الموجهة ضدّ قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى القاضي الإداري،
  • مراجعة آجال الطعن على المستوى الابتدائي والاستئنافي في اتجاه الترفيع فيها،
  • اعتماد عتبة انتخابية،
  • مراجعة نظام الاقتراع،
  • إضافة بعض الشروط للترشح للانتخابات الرئاسية ومنها الإدلاء بما يثبت القدرة الصحية،
  • مراجعة الأحكام المتعلقة بالتزكيات،
  • مراجعة شروط الترشح للانتخابات التشريعية، بإضافة جملة من الوثائق التي يجب توفرها في ملف الترشح،
  • إعادة تعريف الاشهار السياسي،
  • تمكين الامنين والعسكريين من المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية على غرار الانتخابات البلدية،
  • دعم تمثيلية المرأة، باعتماد التناصف الأفقي إلى جانب التناصف العمودي كشرط صحة للترشحات للانتخابات التشريعية،
  • التأكيد على أهمية معالجة مسألة السياحة الحزبية،

إذا فإنّ التنقيحات المطروحة على أنظار مجلس نواب الشعب خضعت بالضرورة إلى التناول السياسي دون التطرق الفعليّ إلى المآلات القانونية للنظام الانتخابي الحاليّ وارتداداته السلبية على الساحة السياسية من التشتت البرلماني والحكومي، بيد أنّه لا جدل في ضرورة تغييره بعد أن استهلك مدة صلوحيته المنتهية بانتهاء فترة التأسيس التي اقتضت صعود جميع الألوان السياسية للمشاركة في “العرس الديمقراطي”، وإنّ الوضع في تونس اليوم يقتضي تحميل المسؤولية لمن أفرزه الصندوق لا “بقاياه”.

في المقابل، ترى بعض منظمات المجتمع المدني وممثلو الأحزاب الصغرى أنّه رغم ما يفرزه النظام الانتخابي الحالي من فسيفساء سياسية وحزبية داخل البرلمان، فإنّ التعديلات المقترحة على القانون الانتخابي في مستوى الترفيع في العتبة الانتخابية وإلغاء نظام أكبر البقايا ستعيد تغوّل الحزب الواحد وتقضي على التعددية السياسية، وبالتالي إجهاض التجربة الديمقراطية.

إذا بعيدا عن الحسابات السياسية، أيّ الأنظمة الانتخابية هي الأنسب لتونس بعد أكثر من 10 سنوات لتستقر أرضية المشهد السياسي؟

منى الكوكي

صحفية حاصلة على الأستاذية من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة، سنة 2009 اختصاص صحافة مكتوبة. عملت مدير تحرير وكالة الأنباء التونسية الخاصة "بناء نيوز" وصحفية بجريدة "الضمير" (توقفت عن الصدور) في تونس.
زر الذهاب إلى الأعلى