أطفال تونس في بؤر التوتر: حقّ العودة.. وزر الآباء وخذلان الدولة
عجزت الحكومات المتعاقبة عن الحسم في ملف الأطفال التونسيين الموزعين بين خيام اللجوء والسجون في كل من سوريا وليبيا والعراق، وظلّ هذا الملف رهين المهاترات السياسية والنداءات الحقوقية المستمرة من طرف عائلات من ذوي الأطفال ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الحقوقية المحلية والدولية، إلاّ أنّ ملف “عودة الأطفال التونسيين العالقين في بؤر التوتر” آثار ولا يزال العديد من نقاط الاستفهام، ولا معطيات أو أرقام تكشف مصيرهم.
ينصّ الفصل 47 من دستور 2014 على أن الدولة توفر جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل، وهو ما تؤكّده مجلة حماية الطفل فضلا عن المعاهدات الدولية التي تضمن حقهم في العودة وأهمها حق المواطن في الجنسية الذي يكفله الدستور التونسي كذلك، لا سيما في الفصل 26 منه، حيث يحجر سحب الجنسية من أي مواطن، ويكفل له حق الرجوع إلى وطنه، إضافة إلى الاتفاقيات الأممية التي وقعتها تونس خاصة اتفاقية حقوق الطفل.
شهد يوم 25 جويلية 2022، استفتاء أفرز نصّ دستور جديد، وقد نص في فصليه 31 و52 على حق العودة لكل المواطنين التونسيين وعلى حماية الدولة لحقوق الأطفال دون تمييز.
إذا، ترسانة من القوانين لم تشفع لهؤلاء القصر الضحايا لتمكينهم من حق العودة إلى الديار، فلماذا ظلّ “حقّ العودة” ملفا تتقاذفه الأهواء السياسية وتتملص فيه الدولة من واجبها؟
نداءات الأهالي
تحدثت “شهيرة” بحسرة إلى “ضاد بوست”، قائلة “توجهت ابنتي سنة 2017 إلى سوريا وكانت في سن الـ20 ربيعا مع طفلها الذي يبلغ من العمر 6 أو 7 أشهر حيث تم التغرير بها وبزوجها البالغ من العمر 22 عاما، في البداية تأثرت كثيرا بعد أن غابت أخبارها وأعلمت السلطات ثمّ بلغنا أنهما في الجزائر، لكن بعد سنة اتصلت وأعلمتنا أنها في سوريا، وبعد تعكر الأمور هناك ندمت هي وزوجها على فعلتهما واتصلت بي لتطلب العون للعودة إلى تونس، حاولت أن أبلغ صوتها للسلطات بكل الطرق لكن للأسف ما من آذان صاغية، وقد حاولا الهروب لكن أمسك بهم الأكراد وابنتي، حاليا، تعيش داخل مخيم منذ 4 سنوات وتم تفريقها عن زوجها وبقيت وحيدة مع أطفالها الثلاثة بعد أن تم إعادة زوجها إلى تونس وهو الآن قابع في السجون التونسية منذ 3 سنوات”.
وتابعت الجدة: “تحولت إلى وزارة الخارجية ورفعت عرائض ووصلنا حتى إلى القصر الرئاسي لكن رئيس الجمهورية لم يستقبلنا كما توجهنا إلى الصليب الأحمر ومنظمة حقوق الانسان، في البداية الأمم المتحدة كانت حريصة على تقديم الأكل في المخيمات ولكن بلغني أن وضعيتهم تعكرت مؤخرا مما أثر على حالتي النفسية والصحية، ألتمس من السلطات إعادة ابنتي وأطفالها فوضعيتهم في المخيمات مزرية جدا، أياديهم احترقت من أعمدة الخيمات المشتعلة بمفعول حرارة الطقس فهم الآن في صحراء وحتى ماء الشرب تقف ابنتي لوقت طويل في الطوابير لتسلم قنينة”.
وتساءلت “كلهم يتعللون بالخوف من هؤلاء الأطفال ولكن ما ذنبهم؟ هم أبناء تونس لما لا يتم إعادتهم وتأطيرهم؟ أنا مثلا مع محاسبة الأم ولتتركوا لي الأطفال كي أربيهم وأجعلهم أبناء صالحين”.
يتعللون بالخوف من الأطفال..ولكن ما ذنبهم؟
“تحية” من القيروان لديها أيضا أحفاد عالقون في سوريا حيث تحدثت لـ “ضاد بوست” قائلة: “ابني توجه إلى سوريا سنة 2012 أنجب طفلان هناك 8 و6 سنوات وطفلة عمرها 4 أشهر من أم سورية، هم الآن يعيشون في المخيم وغير مسجلين في الدفاتر هناك وحتى الإعانات لا تصلهم وحفيدي البكر تعرض إلى حادث على مستوى الرأس، ويحتاج تدخلا جراحيا في أقرب الآجال خاصة أن لديه أيضا شبه شلل على مستوى اليد والرجل، أما حفيدي الثاني فلديه حساسية حادة”.
وأضافت محدثتنا “اتصلنا بوزارة الشؤون الخارجية التي وجهتنا إلى القنصلية العامة في إسطنبول وقد سافر زوجي وابني إلى تركيا حيث وجدوا ملف ابني وعائلته هناك، لكن الإشكال الآن هو كيفية خروجهم من سوريا إلى تركيا، أطلب من كل القلوب الرحيم وأصحاب الضمائر الحية أن يعينوني بتسهيل عملية نقلهم من سوريا إلى تركيا وهناك يتم تحليل الحمض الجيني “ADN” ويعودون إلى تونس، خاصة أن والدتهم تزوجت ووضعيتهم متردية للغاية”.
وأردفت قائلة “قمت بعدة محاولات واتصلت بمرصد الحقوق والحريات وجمعية التونسيين العالقين بالخارج، حاولت مع السفارة وتوجهت إلى الصليب الأحمر الدولي الذين تفاعلوا معي وأكدوا أنهم في حاجة إلى إذن لجلبهم بطائرات خاصة فتوجهت مجددا إلى وزارة الخارجية بطلب قوبل بالرفض، وقد سعيت أيضا لإيصال صوتي حتى عن طريق الصحافة الأجنبية بأنواعها وكل منظمات حقوق الإنسان لكن الطريق أمام هذا الملف مسدود”.
وتابعت كلامها قائلة “هناك خطر كبير عليهم في سوريا، أتمنى أن يعودوا ويتم تأهيلهم في تونس، خاصة أن أمهم قامت بتسجيلهم بأسماء مزورة ويصعب عليهم الدراسة هناك وحتى أخذ الإعانات، أطلب من كل الأطراف ذات الصلة بالملف أن تتدخل لفائدة أحفادي ويتم ايصالهم إلى القنصلية العامة في إسطنبول كي أتمكن من استرجاعهم، فقد خسرت اثنين منهم بعد تعكر حالتهم بسبب الظروف القاسية مما أدى إلى وفاتهم في المخيم”.
أين أصحاب الضمائر الحية؟
شهادة مؤثرة أخرى يقدمها “منصف العبيدي” من الكاف الذي تحدث أيضا لـ “ضاد بوست” عن وضعية ابن أخته بكل حرقة بعد تعرضه إلى طلق ناري في سن العامين استوجبت 4 عمليات جراحية متتالية، الطفل الآن في سن السابعة والنصف وهو قابع بسجن الجديدة بليبيا بعد أن قضى مدة في سجن معيتيقة صحبة والدته بعد وفاة الأب هناك.
وأضاف قائلا “منذ 2016 إلى 2019 أخبار الطفل كانت تصلنا تباعا من الجمعيات والمنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود والمفوضية السامية للأمم المتحدة، لم أترك بابا إلا طرقته، الوزارات والجمعيات والمنظمات الوطنية والدولية حتى في الجانب الليبي، راسلت وناشدت كل السلط في تونس وليبيا لإنقاذ هذا الطفل لأنه إلى هذه اللحظة ووفق منظمة أطباء بلا حدود والصليب الأحمر بليبيا بحاجة إلى عملية خامسة لا يستطيعون القيام بها في ليبيا لعدم توفر المعدات اللازمة، توجهت إلى كل الوزارات ذات الصلة بالملف وحتى رئاسة الجمهورية على علم بالموضوع، رئيس الجمهورية بتاريخ 23 جانفي 2020 استقبل 6 أطفال يتامى قادمين من ليبيا في القصر الرئاسي وبعدها استقبل 5 نساء و7 أطفال في أفريل 2021، ومنذ ذلك الحين توقف الحديث عن الملف ولم يتم استكمال إعادة بقية النساء وعددهم 14 امرأة و22 طفلا إلى حد هذه الساعة وهم الآن يخضعون إلى محاكمة نتمنى أن تكون عادلة في ليبيا تحت إشراف منظمات عالمية كمنظمة العدالة للجميع والمفوضية السامية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمات ليبية.
وواصل كلامه قائلا “الملف معطل من الجانب التونسي، أعتقد أن لديهم أولويات سياسية على حساب هذا الملف رغم أن الدولة ساهمت في هذه الوضعية بعد سماحها بإقامة الخيمات الدعوية وتسهيلها سفر عدد من الشباب إلى بؤر التوتر، ما ذنب طفل برئ أن يولد لأب إرهابي؟”
واعتبر العبيدي أنّ الدولة تخلت عن حماية أبناءها وتريد طمس الملف.
هناك أولويات سياسية على حساب هذا الملف
تقاعس تونسي ودفع دولي
مطلب وحيد ينادي به جميع الأهالي وهو ضرورة عودة أطفالهم العالقين في بؤر التوتر في أقرب الآجال حفاظا على سلامتهم الجسدية والنفسية، وأملا في إعادة إدماجهم وضمان حياة كريمة لهم في تونس بعد ما تجرعوه من عذابات.
فلا يمكن للطفل أن يتمتع بكرامته دون أن يتمتع بحقوقه وحرياته بما يتوافق مع المعايير الدولية، على رأسها اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر الطفل أداتها ومحورها وهدفها باعتباره صاحب حقوق وكل أطراف مكونات المجتمع تتحمل المسؤولية تجاهه باعتبارهم أصحاب الواجب والمسؤولية، أي أن الطفل دائن بالحقوق والجميع مدينون بالمسؤولية تجاه حقوقه والدولة على رأس هؤلاء.
وحسب عدد من منظمات المجتمع المدني يعتبر هذا الموضوع شائكا ومحل جدل، كما أنه محل تخوف كبير من الساسة لذلك يتم التملص من طرحه لارتباطه بمصطلح الإرهاب، رغم أن تونس صادقت على اتفاقية الطفل الخاصة باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة وبالتالي من واجبها التعامل مع الملف بكل مسؤولية، كما أن القرار 2427 الذي صدر عن الأمم المتحدة المتعلق بالأطفال العالقين أو المجندين أو المتأثرين بالنزاعات، يحمّل كل الدول المسؤولية في حمايتهم.
اتفاقية الطفل الخاصة باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة
تونس أيضا انضمت إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات، وهي أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتخذ تدابير تسمح للأطفال بتقديم شكاوى عند حدوث انتهاكات لحقوقهم ومع ذلك لا تحركات تذكر لتطبيق القانون في هذا الملف.
هذا التقاعس التونسي في السعي إلى حلحلة الملف واجهته موجة من الانتقادات اللاذعة من أهالي الأطفال والحقوقيين بالداخل والخارج، أيضا فقد أعربت “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل” العام الفارط عن قلقها إزاء الأطفال التونسيين الموجودين في بؤر التوتر، وطالبت السلطات التونسية بالإسراع في استعادتهم.
وقالت اللجنة الأممية، في بيان لها، إنها تتابع ملف الأطفال التونسيين المولودين من آباء تونسيين انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي، والذين يوجدون في مخيمات في ليبيا وسوريا والعراق، وحثت الدولة التونسية على إعادتهم إلى وطنهم، حيث جاء في نص البيان “على تونس أن تساعد هؤلاء الأطفال بعد عودتهم على التعافي بدنيا ونفسيا، وعليها أيضا اتخاذ إجراءات لمنع تجنيد الأطفال للمشاركة في النزعات المسلحة في الخارج”.
وطالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات بالإسراع في إعادة أبناء المقاتلين التونسيين في صفوف تنظيم الدولة بسوريا، مشيرة إلى احتجاز حوالي مئتي طفل ومئة امرأة يقولون إن لديهم جنسيات تونسية بالخارج دون تهم لمدة تصل أكثر من ثلاث سنوات.، مشددة على أنه يتوجب على حكومة تونس إعادة أطفال مقاتلي داعش الإرهابي من سجون ومعسكرات الخارج ومنحهم الجنسية، والتأهيل والتعليم، معتبرة أن “تونس متقاعسة بخصوص ملف إعادة الأطفال والنساء التونسيين العالقين في بؤر التوتر”.
وفي هذا الصدد، قال محمد إقبال بن رجب رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج، في تصريح لـ “ضاد بوست” إن الأطفال التونسيين العالقين ببؤر التوتر يعتبرون ضحايا تنظيم “داعش”، ففي ليبيا هناك 20 طفلا و10 نساء في طرابلس، وكذلك عدد من النساء في مخيم “الروج” ومخيم “الهول” في سوريا، ومخيم يقع بين الحدود السورية والعراقية، وهناك تونسيات في تركيا هربن من سوريا وعند دخولهن تركيا عرفن بأنفسهن أنهن لاجئات سوريات ومنهن من اصطحبت أطفالهن وهم يعيشون إشكاليات عديدة من بينها غياب الهوية وعدم مقدرتهم على الالتحاق بمقاعد الدراسة، والعدد يتجاوز 120 طفلا والنساء عددهم مجهول، أما حسب تصريحات الأمم المتحدة والجمعيات كالصليب الأحمر الدولي وغيرهم الذي اشتغلوا على الملف يرجح أن عدد التونسيين كبير ضمن الدول العربية “.
وتابع بن رجب قائلا “منذ سنة 2018 لم نحيين معطياتنا بسبب الوضع الوبائي في العالم وتونس، للأسف الدولة تتعامل بكل استهزاء في هذا الملف حيث صرحت للأمم المتحدة بوجود 0 طفل عالق في الخارج لذلك تحركنا كجمعية وأكدنا وجود 83 طفل عالقين بين ليبيا سوريا تركيا والعراق”.
واعتبر بن رجب أنّ تصريح المندوب العام لحماية الطفولة الذي أقر فيه بوجود 49 طفلا تم الاهتمام بهم منذ عودتهم سنة 2018، مهم جدا لأن الدولة التونسية لا تقوم بأي مجهود يذكر لاسترجاع الأطفال إلا بالضغط، فالأطفال الذين تم استرجاعهم من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد كان بعد ضغط من الصليب الأحمر الدولي وجمعيات أخرى علما أنهم يتامى الأب والأم”.
وختم رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج كلامه قائلا “مؤخرا تم عقد “وارك شوب” عالمي بين أمريكا وأوروبا وجمعيتنا للاشتغال على برنامج لإعادة التأهيل والادماج للأطفال والنساء العائدين من بؤر التوتر ونحن نأمل أن يتم إعادة هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما اقترف الأولياء وعلى الدولة التونسية ان تتحمل مسؤولية اهمالهم إلى يوم الناس هذا، فبلجيكا مثلا قامت بإرسال طائرة لإعادة مثل هذه الحالات ونتمنى أن تقدم تونس على مثل هذه الخطوة قريبا”.
هم ضحايا وعلى الدولة تحمل مسؤوليتها
بدوره، أكّد مروان جدة المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات، لـ “ضاد بوست” حساسية هذا الملف والاحصائيات المتعلقة به، حيث قال إنّه “من خلال آخر إحصائيات وصلت المرصد عدد هذه الفئة من الأطفال أكثر من 120 طفل في المخيمات السورية إلى جانب 20 طفلا في ليبيا حددهم المرصد بالاسم واللقب واسم الأب والمخيم وسنة الولادة وتم ذلك بعد اتصال عائلاتهم بالمرصد ولكن التقديرات تتجاوز 120 طفلا لتصل تقريبا إلى 200 طفلا في المخيمات السورية غالبيتهم (70 أو 80 بالمائة) دون سن 13 عاما أي دون سن المؤاخذة القانونية”.
وتابع جدة قائلا “نحن كمرصد اشتغلنا على الموضوع منذ 2018 وكانت هناك لقاءات متعددة بمجلس النواب في اللجان المختلفة سواء لجنة المرأة والطفل أو لجنة الحقوق والحريات قبل حل مجلس النواب كما تواصلنا مع مؤسسات أخرى مثل رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية رئاسة الحكومة ووزارة المرأة لكن لا وجود لتجاوب مع مقترحات المرصد لتعجيل إعادة هؤلاء الأطفال العالقين في بؤر التوتر الذين كلما تأخر ترحيلهم كلما صعب على مؤسسات الدولة لاحقا إدماجهم وإعادة تأهيلهم وعلاجهم من الآثار السلبية للإرهاب والحروب والعيش وسط المخيمات”.
وأردف محدثنا أنّه “عندما نتحدث عن المخيمات السورية فإنّه إلى اليوم لم يتم ترحيل ولو طفل واحد من المخيمات السورية التي تشرف عليها غالبا قوات سوريا الديمقراطية التي هي معارضة لنظام بشار الأسد وبالتالي الأطفال التونسيون ليسوا لدى نظام بشار بل لدى بعض معارضيه وجماعات مسلحة، فعلى عكس ما توهم به وزارة الخارجية لم يتم ترحيل ولو طفل واحد، وقد طالبنا بترحيل الحالات العاجلة مثلا الحالات التي تتطلب عمليات جراحية وذوي الإعاقة والأيتام لكن للأسف الدولة لا ترى لا تسمع لا تتكلم لا تشعر ولا تتألم.”
وأكّد مروان جدة أنّ المرصد أطلق حملة “من حقي نرجع” في فيفري 2020 ونظمنا وقفات احتجاجية وندوة صحفية في 5 مارس 2020 بمشاركة عدد من المنظمات الوطنية وطالبنا بتعجيل استرجاع الأطفال ولكن الدولة تحاول المراوغة والايهام بأشياء لا أساس لها من الصحة، موضحا أنّ “الدولة كانت تتعلل بأنها لا تستطيع ترحيل واستعادة هؤلاء الأطفال لأنها لا تتحاور ولا تتفاوض مع الجماعات المسلحة ولا تتفاوض إلا مع الدول، لكننا كشفنا في المرصد أن الدولة تفاوضت مع هذه الجماعات أو هذه التنظيمات واستعادت على الأقل 10 مقاتلين كانوا في نفس السجون وهم الآن يقبعون في السجون التونسية.
وتابع المدير التنفيذي للمرصد قائلا إنّه “كان من باب أولى لو قبلت الدولة التفاوض والترحيل أن يكون لفائدة هؤلاء الأطفال، فهناك 5 آباء تم ترحيلهم وهم في السجون التونسية وأبناءهم ونساءهم عالقون في المخيمات، فهل الأولوية أن تعيد الدولة طفلا لا حول له ولا قوة ولا جرم، بل هو ضحية اختيارات أو إجرام الآباء أم ترحيل الآباء المتهمين في بعض الأعمال الإرهابية؟”.
وعن وضعية العالقين في ليبيا، أكّد جدة أنّ “هناك تحركا بطيئا جدا لكن بالنسبة إلى الأطفال في سوريا ما نؤكده أنه لم يتم ترحيل أيّ طفل و18 طفلا العائدون من سوريا، وفق ما صرح به مسؤول بوزارة الخارجية، فلا أساس له من الصحة وهؤلاء الأطفال فرو إلى تركيا وعادوا بصفة طوعية وليست الوزارة أو الدولة التي تفاوضت على ترحيلهم”.
وشدد جدة على أنّ هناك نداءات استغاثة عديدة، تصل المرصد، لأطفال يتمنون العيش تحت سقف حديدي لأنهم يعيشون في الشتاء في خيمة وفي الحرارة في خيمة وفي الثلوج في خيمة وللأسف هذه الخيام كثيرا ما تهترئ أو تحترق وتصبح المطالبة بخيمة أقصى اهتماماتهم.
وأضاف محدثنا قائلا “استبشرنا خيرا ببادرة رئيس الجمهورية لما استقبل 6 أطفال يتامى عادو من ليبيا ونتذكر ذلك المشهد جيدا حيث حسم الجدال وقدم موقف الدولة الرسمي من الملف، بعد أن قال إنّ “هؤلاء الأطفال هم ضحايا الإرهاب والدولة هي ولية من لا ولي له”، و قد ثمنا تلك البادرة وراسلنا رئيس الجمهورية من أجل تشجيعه على استعادة بقية الأطفال لكن للأسف توقف الأمر عند تلك الصورة والتصريح، وإلى الآن رئاسة الجمهورية المسؤولة عن السياسة الخارجية وبعد 25 جويلية هي المسؤولة عن كل الوزارات وكل المسارات لا تتحرك من أجل الملف في المقابل في أزمة “كورونا “استنفرت كل أجهزة الدولة لترحيل التونسيين العالقين في مختلف أنحاء العالم، أيضا في الحرب الروسية الأوكرانية تدخلت الدولة لترحيل التونسيين، خاصة الطلبة العالقين في أوكرانيا وهذا أمر محمود ونثمنه لكن الدولة التونسية عليها أن لا تميز بين مواطنيها وعليها مسؤولية رعاية مواطنيها أيا كانت انتماءاتهم وأيا كانت توجهاتهم وأيا كانوا وعليه كان على الدولة أن تتحرك لفائدة هؤلاء الأطفال وبقية التونسيين العالقين في سوريا وليبيا”.
هناك معطيات مغلوطة من وزارة الخارجية
حق العودة
سيدة مبارك رئيسة جمعية “حقي” للدفاع عن الطفل والأسرة وعضوة سابقة في الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهي مختصة في حماية الطفولة ومندوبة حماية الطفولة كان لها لقاء مع “ضاد بوست، حيث قالت إنّ “هذا الموضوع مهم جدا لأنه يتعلق بفئة من الأطفال يمكن أن يكونوا مساهمين في القتال، لكن وإن كان ذلك صحيحا فهو نتيجة استغلالهم من طرف الجماعات هناك، وبالتالي هذا الطفل بمقتضى القانون الدولي يعتبر طفل ضحية”، موضحة أنّه “بمقتضى القانون التونسي يعتبر “طفل ضحية” ولا بد من التعامل معه كطفل ضحية و يجب أن يعود لتلقي الحماية والرعاية والتأهيل من أجل تحقيق حسن الاندماج”.
وتقول محدثتنا إنّ “هناك أطفال غادروا مع آبائهم أو أمهاتهم اللاتي التحقن بأزواجهن، إذا هم لا ذنب لهم فقد وجدوا أنفسهم في بؤر التوتر وليس بالضرورة ساهموا في عمليات معينة لكنهم وجدوا أنفسهم في ظروف تعيسة جدا وصعبة جدا دون دواء أو دراسة أو تكوين تحت جماعات غير رسمية حتى السلطات الرسمية التونسية أو غيرها لا تستطيع التعامل معها بصفة رسمية والمنظمات الدولية غير قادرة على الوصول إليهم لإيصال الغذاء والدواء بسهولة”.
واعتبرت مبارك أنّ “من حق هؤلاء الأطفال العودة للتمتع بحقوقهم التي صادقت عليها تونس وذكرت في الدستور ومن حقهم أن يتم إدماجهم وينظر إليهم كأطفال ضحايا لا ذنب لهم، كذلك هناك أطفال ولدوا في بؤر التوتر ومع ذلك المعطيات شحيحة حول الاحصائيات لكن هناك أطفال تم إعادتهم إلى تونس واستقبلهم رئيس الجمهورية قيس سعيد وعددهم 6، لكن استرجاعهم لم يكن عن طريق السلطات التونسية رغم وجود محاولات، فقد كانت هناك صعوبة في التنفيذ لأن هناك أطفال موجودون تحت يد جهة غير رسمية والجهات الرسمية لا يمكنها التعامل معهم ولكن هناك أطفال في ليبيا يمكن أن يتم حولهم التنسيق بين السلطات الليبية والتونسية ويتم استرجاعهم، ومن واجب تونس أن تسترجعهم لأنه بمقتضى القانون التونسي والقانون الدولي هم ضحايا بأتم معنى الكلمة ولهم الحق الكامل في الحماية والتأهيل والإدماج في بلادهم والعودة إلى عائلاتهم الموسعة في تونس ولا يحاسبون نتيجة أخطاء أولياءهم لو ارتكبوا أخطاء”.
يجب تطبيق القانون
مندوب حماية الطفولة: نسعى إلى استرجاع أطفالنا ولكن…
أكّد مهيار حمادي المندوب العام لحماية الطفولة، في اتصال جمعة بـ “ضاد بوست”، أنهم كطرف في وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن شركاء في التعهد والإعداد لقدوم الأطفال الموجودين في مناطق النزاع إلى تونس وتأمين مختلف الظروف التي يمكن أن تكون مريحة للأطفال من ناحية العودة والاستقبال وكذلك الايواء لدى العائلات الموسعة لأنه يوجد بين هؤلاء الأطفال من هم فاقدو السند تماما، وهذا ما يجعل الإحاطة والرعاية الأسرية الموسعة هي الأساس باعتبار أن هذه العائلات متمسكة بأبنائها.
وكشف حمادي أنه لا يوجد لدينا أطفال في مؤسسات رعاية الدولة أو غيرها وبالتالي العمل على إعادة إدماجهم والإحاطة بهم وخاصة إلحاقهم بمقاعد الدراسة وتوفير الظروف المريحة لهم وكذلك تأمين عدم الوصم الذي له تأثيرات سلبية، علاوة عن الرعاية قصيرة المدى المكثفة وطويلة المدى باعتبار الظروف التي عاشها هؤلاء الأطفال في الأماكن التي قدموا منها، فهناك أطفال شاهدوا عمليات معينة وكانوا ضحايا بعد وفاة الوالدين أو تعرضوا إلى إصابات، فالإحاطة النفسية هامة جدا”.
وتابع المندوب العام لحماية الطفولة قائلا “تبقى مؤسسات الدولة من شؤون اجتماعية وتربية معنية بالملف، بالتالي عمليات التسليم تكون بمقتضى قرارات قضائية تصدر عن قاضي الأسرة ويتم الإذن فيها بالمتابعة من مختلف الجوانب حتى يقع حماية الأطفال وتأمين سلامتهم وخاصة إعادة إدماجهم في محيطهم”، مشددا على أنّ مؤسسات الدولة وعدد من المنظمات شركاء في الدعوة إلى عودة هؤلاء الأطفال وعدم تواصل إقامتهم في بؤر التوتر، وأكثر خوفا من تبعات ذلك وتأزم وضعياتهم، وقد دعونا في عديد المناسبات إلى إعادتهم واستدعينا الجهات الأخرى المعنية من مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية كي تكون العودة في أقرب الآجال”.
وأضاف المندوب العام لحماية الطفلة أنّ “أهم شيء لدى مندوبي حماية الطفولة في كل الولايات والمندوب العام أن يكون الطفل في تونس تحت مسؤولية الدولة بالأساس ولكن المساعي في ذلك توكل إلى جهات أخرى خاصة وزارة الخارجية والجهات الدبلوماسية وتمثيليات التونسيين الموجودة بالخارج والمنظمات الأممية والدولية”.
الإسراع في استعادتهم واجب قبل تأزم وضعياتهم
وكان المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي، قد أفاد في تصريح إعلامي يوم 11 جوان 2022 أنه تم إدماج جميع الأطفال التونسيين العائدين من مناطق النزاع منذ سنة 2018 والبالغ عددهم 49 طفلا.
وأضاف مهيار حمادي، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، على هامش انعقاد ورشة عمل خصصت لدراسة مسار التعهد بالأطفال العائدين من مناطق النزاع ومناقشة وثيقة مرجعية لهؤلاء الأطفال، أن التعهد بالأطفال العائدين أغلبهم من ليبيا ومجموعة من سوريا أفضى الى إدماج العدد الأكبر بالمدارس الابتدائية ومجموعة التحقوا بمراكز التكوين المهني وآخرين ببرامج تعليم الكبار.
ولفت الى أن مسار العودة يتم عبر مراحل انطلاقا من تنظيم رحلات لضمان عودتهم الى أرض الوطن ثم مرحلة الاستقبال وتحديد هوياتهم وايداعهم بمراكز الرعاية قبل تسليمهم الى العائلة الموسعة، لافتا الى أنه تم تسليم جميع الأطفال الى عائلاتهم بعد تخصيص تعهد نفسي وصحي واجتماعي لهم مما مكّن من اندماجهم في المجتمع.
وفي ما يتعلق بالأطفال التونسيين المتواجدين بمناطق النزاع حاليا، ذكر أنه لم يتم بعد تحديد عددهم وهوياتهم إلا أن تمركزهم يقع أساسا بليبيا وسوريا والمخيمات على الحدود السورية التركية.
وأشار إلى أن الورشة الختامية التي التأمت كانت هي الرابعة من نوعها بعد 3 ورشات انتظمت خلال سنة 2021، ببادرة من مكتب المندوب العام لحماية الطفولة التابع لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وبالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” وعدد من الوزارات المتدخلة.
عوائق العودة
أكّد معز الشريف رئيس جمعية حقوق الطفل لـ “ضاد بوست”، أنه تم التطرق إلى ملف وضعية الأطفال التونسيين بصفة عامة والمتواجدين في وضعية احتجاز خارج الوطن على وجه التحديد وهم الأطفال المتواجدون في سوريا وليبيا، مع جمعية التونسيين العالقين بالخارج.
وقال الشريف “المشكل الأول هو مشكل هوية يجب إثبات هوية هؤلاء الأطفال، في تونس لدينا قانون يسمح للأم إن كانت تونسية بإعطاء الجنسية التونسية وهذا قانون متميز خلافا لعدد من البلدان الأخرى مما يوفر الرعاية والحماية للأطفال، لكن الإشكالية التي وجدناها أن العائلات تريد ربط مشكل الأطفال بأمهاتهم، كما أن الطفل تحت 13 سنة لا يمكن مقاضاته وكان من المفروض أن كل طفل دون هذا السن ويريد العودة يتم إعادته، إذ يكفي وجود عائلة لإيوائه تكون من العائلة الموسعة للطفل ويقع استرجاعه، لكن إصرار الأمهات على ربط مصير الأطفال بمصيرهن كان عائقا بالنسبة إلى إرجاع الأطفال، الأمهات ارتكبن جرائم دولية في حق بلدان إقامتهم حاليا ولا يمكن استرجاعهم إلا بعد مقاضاتهم وفض المشكل القانوني الذي يعيشونه في هذه البلدان سواء سوريا أو ليبيا”.
وتابع رئيس الجمعية قائلا “3 آلاف هو العدد الجملي للأطفال الملقبين بأطفال “الدواعش” 200 منهم تونسيون، المشكل يهم عددا كبير من البلدان بالنسبة إلى الأطفال فوق 13 سنة يمكن مقاضاتهم بتطبيق قانون الإرهاب في تونس ولو وقع استرجاعهم فيجب أن يمتثلوا للقضاء وهذا فيه كثير من التجاوزات وعديد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني تقر أن هذا القانون لا يحترم جانبا كبيرا من حقوق الإنسان ويمكن الدولة من صلاحيات مبالغ فيها في كيفية التعاطي مع الأطفال في مثل هذه الملفات حيث لا يجد الطفل نفسه يتعامل مع قاض مختص أي قاضي طفولة بل يكون أمام قاض جزائي ويتعامل معه كإرهابي محتمل وهذا ما نندد به كمجتمع مدني، وعندما يعلم الأولياء أن ابنهم حال عودته إلى تونس سيعامل بهذه الطريقة يرفضون عودتهم، وهذا في حد ذاته مشكل وقد تمت عدة محاولات لاسترجاع الأطفال من بؤر التوتر لكن محاولات ضئيلة كللت بالنجاح”.
وأضاف “عدد الأطفال الذين تم استرجاعهم بضع عشرات فقط هم رضع وأطفال صغار (3 و4 سنوات) وكان فض الإشكال أسهل بعد إثبات الهوية وموافقة الأمهات وتوفير مكان للاحتواء من خلال عائلتهم الموسعة، ووقع متابعتهم نفسيا، نظرا إلى وجودهم في فضاء عنف وتجاوزات وما عايشوه من مشاهد جد صعبة، فإعادة تأهيلهم أمر مهم جدا ويمكن أن تطول على مستوى الزمن، وهؤلاء الأطفال تعتني بهم مؤسسة مندوبي حماية الطفولة لتوفير المتابعة والمصاحبة والمرافقة النفسية”.
الخوف من التتبعات أحد عوائق العودة
قتل وعنف واستغلال جنسي.. الأطفال ضحايا النزاعات بالعالم
أكّدت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية (Save the Children)، فإنه سنة 2020 كان يعيش نحو 337 مليون طفل في مناطق تسيطر عليها مجموعات مسلحة أو قوات حكومية تقوم بتجنيد الأطفال، وهذا الرقم يعادل 3 أضعاف ما كان عليه عام 1990.
ولفت التقرير إلى أنه سنة 2021، عاش نحو 426 مليون طفل في مناطق الصراع، منهم نحو 200 مليون، بمناطق الصراعات والاشتباكات العنيفة، بزيادة 20 في المائة عن أرقام سنة 2020.
وأظهر التقرير، أن هذه الزيادة سببها أعمال العنف في موزمبيق، والتأثيرات السلبية لتغير المناخ والصراعات في اليمن ونيجيريا والكونغو وأفغانستان، التي تعاني من أزمات غذائية.
ووفقا للتقرير، تعد أفغانستان وجنوب السودان والعراق والكونغو ومالي ونيجيريا وإفريقيا الوسطى والصومال والسودان وسوريا واليمن، أخطر البلدان التي يعيش بها الأطفال.
وازداد منذ عام 2010، عدد الأطفال في مناطق الصراعات بنسبة 34 بالمائة، والجرائم ضد الأطفال بنسبة 170 بالمائة، بحسب التقرير ذاته.
وأشار التقرير، إلى أن 99 بالمائة من الأطفال في سوريا يعيشون بمناطق متأثرة من الاشتباكات.
وأوضح أن الصومال تعد أكثر دولة يتعرض فيها الأطفال بمناطق الاشتباكات إلى الاستغلال الجنسي، بينما تعد نيجيريا أكثر دولة يتم فيها تسليح الأطفال في صفوف الجماعات المسلحة.
وحسب الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، فإن آلاف الأطفال بمختلف مناطق الصراعات والاشتباكات حول العالم تعرضوا لأضرار بالغة ودفعوا أثمان باهظة.
25 عاماً في مجال الأطفال والنزاع المسلح
وقال تقرير “اليونيسيف” صدر في 27 جوان 2022، إن أطراف النزاع في أكثر من 30 حالة نزاع عبر إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية ارتكبت أكثر من 266 ألف انتهاك جسيم ضد الأطفال بين عامي 2005 و2020.
ووجد التقرير أنه بين عامي 2005 و2020 تم التحقق من مقتل أو تشويه أكثر من 104100 طفل في حالات النزاع المسلح. وتم التحقق من تجنيد واستخدام أكثر من 93 ألف طفل من قبل أطراف النزاع واختطاف ما لا يقل عن 25700 طفل من قبل أطراف النزاع. كما اغتصب أطراف النزاع، أو زوجوا قسرا، أو استغلوا جنسيا، أو ارتكبوا أشكالا خطيرة أخرى من العنف الجنسي ضد 14200 طفل على الأقل، وفقا لما نقله موقع أخبار الأمم المتحدة. وتحققت الأمم المتحدة من أكثر من 13900 حادثة هجوم على المدارس والمستشفيات وما لا يقل عن 14900 حادثة منع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال منذ عام 2005. ولفتت اليونيسف إلى أن هذا الرقم يمثل جزءا بسيطا من الانتهاكات التي يُعتقد أنها ارتُكبت، فقيود الوصول والقيود الأمنية، من بين أمور أخرى، والعار والألم والخوف الذي يواجهه الأطفال والناجون من بين أسرهم غالبا ما يعيق الإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في حالات النزاع المسلح وتوثيقها والتحقق منها.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسيف كاثرين راسل، في بيان صحفي “يظهر هذا التقرير بأوضح العبارات الممكنة فشل العالم في حماية أطفاله من الانتهاكات الجسيمة في أوقات النزاع المسلح”.
ختاما، وجب التنويه إلى الصعوبة الكبيرة التي اعترضتنا من أجل “افتكاك” توضيح من وزارة الخارجية إزاء الاتهامات الموجهة إليها بخذلان الأطفال التونسيين في مناطق النزاع، اتهام اتفق عليه جميع المستجوبين في هذا الملف، إلا أنّه رغم تكرر الاتصالات الهاتفية والتقدم بمطالب رسمية عبر البريد الالكتروني، قوبلت جميع محاولاتنا بـ “الخذلان”، ولم تقدم الجهة الرسمية الرئيسية في ملف الأطفال التونسيين بمناطق النزاع أيّ معطيات واكتفت بالصمت وأضاعت حقنا في إطلاع الرأي العام على مصير هؤلاء الأطفال.
إلى ذلك، يفسّر عدد من المراقبين صعوبة الملف والتملص الحاصل من السلطات التونسية بالخوف من أن تكون عودة الأطفال العالقين في بؤر التوتر بابا لعودة الإرهابيين خاصة أمام عدم جاهزية الدولة على المستوى اللوجيستي لاستقبال وتأهيل العائدين منهم خاصة النساء والأطفال.
في المقابل، يدعو الحقوقيون إلى عدم الانسياق وراء الترويج لهؤلاء الأطفال على أنهم قنابل موقوتة و مصدر خطر على المجتمع ووصمهم بصفات تلحق الأذى النفسي بهم مع ضرورة تناول مثل هذه القضايا بعمق في وسائل الإعلام ومساءلة كل الجهات المتهاونة والمتملصة من تحمل المسؤولية في هذا الملف الثقيل، مع الانتباه إلى مخاطر التسييس والتأخير في عودة الأطفال العالقين، ومعالجة الملف بطريقة حقوقية قانونية بحته، فيما يطالب اخرون بضرورة بتشكيل لجان في أقرب الآجال من أجل تأمين زيارات متكررة للمخيمات والمعتقلات بهدف الاطلاع على ظروف عيش الأطفال التونسيين العالقين هناك و الوقوف على المخاطر المحدقة بهم و إيصال اصواتهم .
ورغم هذه الدعوات ونداءات الاستغاثة لا يزال هؤلاء الأطفال يعيشون ظروفا لا إنسانية، منهم تحت الخيام وآخرون في السجون يطوف حولهم شبح الموت وخطر الاعتداءات حتى الجنسية منها كل دقيقة مع افتقارهم لأبسط مقومات الحياة الكريمة من غذاء ودواء وأحيانا عائلة تحيط بهم نفسيا وماديا فضلا عن عدم تمتعهم بالحق في التعليم وتحركهم بهويات مزورة أحيانا.
فإلى متى يتواصل هذا الحيف وإلى متى تواصل الدولة التملص من الملف والضرب عرض الحائط بكل القوانين الوطنية والدولية الضامنة لحقوق هؤلاء الأطفال؟