معالم “المرسى”… تاريخ آيل للسقوط
وصفها مستكشف شمال افريقيا الحسن بن محمد الوزان “ببلدة قديمة صغيرة تقع على شاطئ البحر، يسكنها صيادون وفلاحون وغاسلو الكتان”.
المرسى المنطقة الشاطئية التي اشتهرت بتاريخ عريق عرفت منذ نشأتها بحقب تاريخية متنوعة ساهمت في إثراء معالمها، الصفصاف.. قصر السعادة …. العبدلية …. قصر أحمد باي …… قبة الهواء …معالم تاريخية ساهمت في ازدهارها ورغم جمالها وروعتها إلا أنها تعاني الإهمال والتهميش، يوم بعد يوم ينهار جزء منها وهي في طريقها نحو الاندثار.
غياب الصيانة
قصر أحمد باي: ذاكرة المرسى يعاني التهميش
خلال السنوات الأخيرة شهدت مدينة المرسى هشاشة عدة معالم والبعض منها قد انهار جزء منه من ضمنها نذكر قصر أحمد باي وهو من أقدم قصور البايات الموجودة في المرسى، تم تشييده منذ سنة 1862 ولازال قائما حتى الآن، رغم انهيار الجزء الخلفي منه وقد لحقته عديد الأضرار وذلك إثر بيع هذا القصر من طرف ورثة أحمد باي في السنوات الأخيرة.
وبيعت منه العديد من القطع الرخامية وغيرها علاوة عن الإهمال الذي لحقه منذ وفاة أحمد باي سنة 1942، وبذلك ستخسر المرسى قصرا آخر من القصور الملكية بعد قصر التاج الذي كان يتضمن ثكنة عسكرية ومسجدا واستفاد من هدمه بعض المسؤولين وتجار مواد البناء في ذلك العهد.
قبة الهواء …… لؤلؤة المرسى تشكو الإهمال
قبة الهواء الهوية “المرساوية” هو الآخر من بين المعالم التي تعاني التهميش لسنوات طويلة دون إيجاد حلول جذرية لإنقاذه، مرت على هذا المعلم عديد الحقبات التاريخية والتي جعلته مخلدا لدى سكانه وزواره ورغم جماله وعراقته إلا أنه أصبح آيلا للسقوط فقد مرت سنوات على صيانته آخر مرة.
صيحة فزع لإنقاذ قبة الهواء
“نخاف نهار نقوم نلقى قبة الهوا طاحت في البحر “، هكذا رددت صفاء بن مبارك الشابة العشرينية خلال اصطحابنا في جولة بين الصفصاف وقبة الهواء لتسترجع بذلك طفولتها وأيام الصيف والاستجمام على شاطئ المرسى، راحت صفاء تروي لنا بكل بحزن تفاصيل أيام لم تمحى من ذاكرتها، فعشقها لهذا المكان صور لها أن قبة الهوا ستتحول يوما ما إلى مركز ثقافي للمتساكنين والزوار لكن سرعان ما تلاشت هذه الصورة المخملية لتتحول قبة الهوا اليوم إلى مكان مهجور آيل للسقوط بمظهره الذي تشوه شيئا فشيئا بعد أن كان أحد المعالم ازدهارا.
لم تكن صفاء الوحيدة التي تستنجد لإنقاذ قبة الهوا بل عديد المتساكنين أيضا طالبو البلدية والمعهد الوطني للتراث لإيجاد حلول فورية لإنقاذها.
بلدية المرسى: ارتفعت الميزانية وغابت الصيانة
رغم أن مدينة المرسى غنية بالمعالم التاريخية إلا أن البلدية قد تنازلت عن جزء منها في وقت سابق للخواص وهو ما ساهم في هشاشتها وعدم قدرتها على إيجاد حلول لإنقاذ ما تبقى منها ورغم أن العديد من المعالم لازالت على ملك بلدية المرسى إلا أنها لم تخصص لها ميزانية للصيانة والعناية بها.
وفي محاولة لإنقاذ عديد المعالم حاولت بلدية المرسى عديد المرات التواصل مع المعهد الوطني للتراث وذلك لغاية تصنيف العديد من المعالم خاصة منها قبة الهوا ضمن المعالم التاريخية لتكون تحت حماية المعهد إذ أن البلدية حسب تعبير رئيس البلدية معز البوراوي لم تتمكن من صيانة بعض المعالم خاصة بما أنها على ملك خواص لذا لم يكن للبلدية حق التصرف في صيانتها.
شعلة من الأمل
على إثر إيداع بلدية المرسى ملف تصنيف المعلم التاريخي قبة الهواء الذي يعتبر أحد لآلئ المعالم التاريخية بالمرسى، وافقت الهيئة الوطنية للتراث المنعقدة يوم الخميس 13 جانفي 2022 على اقتراح حماية قبة الهواء والفيلا البونية الريفية بقمرت كمعلم تاريخي ليتم إدراجهم في قائمة التراث الوطني وذلك بعد مراسلة دامت أكثر من سنتين ونصف، ليبلغ بذلك عدد المعالم التاريخية المحمية أو المصنفة بالمرسى الى 6 معالم وهي:
المدافن العبرية بجبل سيدي الخاوي وقصر العبدلية وقصر السعادة وقصر أحمد باي وقبة الهواء والفيلا الريفية البونية بقمرت.
الحماية القانونية للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية: تجاوزات بالجملة
رغم أن العديد من المعالم تحتاج الترتيب ضمن المعهد الوطني للتراث إلا أن هذا الأمر يستغرق سنوات للموافقة على إدراج أمر ترتيبها كما حصل مع قبة الهوا وقصر بن عياد وهذا ما لاحظته محكمة المحاسبات إذ وفق آخر تقرير لها لسنة 2021 لاحظت دائرة المحاسبات أنّه بالرّغم من موافقة اللّجنة الوطنيّة للتّراث خلال الفترة 2002- 2010 على ترتيب 28 معلما وحماية 7 معالم فإنه لم يصدر أي أمر ترتيب وصدر قرار حماية وحيد.
ويُذكر في هذا الخصوص أنّه تم التوصّل إلى استصدار الأمر الحكومي عدد 861 المؤرّخ في 4 جويلية 2016 والذي تعلّق بترتيب 12 معلما فقط. وفي نفس السياق وافقت اللّجنة المذكورة خلال الفترة الممتدّة من 2013 إلى 2018 على ترتيب 25 معلما إضافيّا وبذلك ارتفع عدد المعالم التي حظيت بالموافقة على ترتيبها منذ سنة 2002 ولم يصدر في شأنها إلى غاية شهر جويلية 2020 أوامر ترتيب ما جملته 41 معلما.
ومن جهة أخرى، تمّت الاشارة إلى أنّه على الرّغم من صدور قرارات حماية تحفظيّة تتعلّق بستّة عقارات مهدّدة وهي قرارات مؤقتة مدّتها 4 أشهر- فإنّه لم يتمّ إصدار قرارات حماية بشأنها أو الشّروع في إجراءات ترتيبها.
وبالنظر في التدابير التي تمّ اتّخاذها في هذا الصّدد اتّضح استمرار الوضع على ما هو عليه حيث صدرت خلال الفترة ماي 2013- 2019 قرارات حماية تحفظية إضافية في شأن 29 معلما مهدّدا ولم يتم استصدار أوامر ترتيب أو قرارات حماية في شأنها فيما عدا معلم وحيد.
وبذلك فقدت جميع هذه القرارات جدواها لمرور فترة تجاوزت 4 أشهر على تواريخ صدورها. مع الإشارة إلى أنّ المعهد اقتصر على عرض 7 معالم فقط من المعالم الصادرة في شأنها قرارات تحفظية على أنظار اللجنة الوطنية للتراث المنعقدة في 8 جويلية 2020 لاستصدار قرارات حماية في شأنها وقد حظيت بالموافقة.
لازالت عديد المعالم تحتاج التصنيف ضمن قائمة المعالم التاريخية لأهميتها، ولم يقتصر التهميش على معالم المرسى فقط بل العديد من معالمنا في خط، و أغلبها مهدد بالاندثار بسبب الإهمال وقلة الموارد إذ تمتلك تونس إجمالا معالم هامة لكن على السلطات أن تتخذ موقف جاد للاعتناء بها لإحياء تاريخها لتعود لها الحياة من جديد.